جلسة 15 من يناير سنة 1997
برئاسة السيد المستشار/ إبراهيم عبد المطلب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسين الجيزاوي ومجدي أبو العلا وهاني خليل نواب رئيس المحكمة وأحمد عمر محمدين.
----------------
(14)
الطعن رقم 17118 لسنة 64 القضائية
(1) تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". استدلالات. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير جدية التحريات".
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش. موضوعي.
(2) تفتيش "إذن التفتيش. إصداره" "بياناته". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
وجوب توقيع إذن التفتيش ممن أصدره. عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لذلك.
التوقيع على الإذن بنموذج غير مقروء. لا يعيبه. ما دام أنه تم ممن أصدره.
(3) إجراءات "إجراءات التحقيق". نيابة عامة. مأمورو الضبط القضائي "اختصاصهم". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق عضو النيابة عند مباشرة التحقيق تكليف أي من مأموري الضبط القضائي ببعض ما يختص به. شرط ذلك وأساسه؟
الجدل الموضوعي في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة. غير جائز.
مثال:
(4) رشوة. جريمة "أركانها". موظفون عموميون.
جريمة الرشوة. كفايتها أن تكون الأعمال المطلوب أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة. كفاية أن يكون للموظف نصيب من الأعمال المطلوب أداؤها يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة.
تحقيق جريمة الرشوة في حق الموظف ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته. شرطه أن يعتقد الموظف أو يزعم كذباً أنه من أعمال وظيفته. أساس ذلك؟
(5) رشوة. جريمة "أركانها". موظفون عموميون.
الزعم بالاختصاص. توافره بمجرد إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل أو الامتناع عنه الذي لا يدخل في اختصاصه. علة ذلك؟
(6) محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
المنازعة في استخلاص الصورة التي استخلصتها المحكمة لواقعة الدعوى. غير مقبولة.
(7) دفوع "الدفع بتلفيق التهمة".
الدفع بتلفيق التهمة. موضوعي. لا يستوجب رداً. استفادة الرد عليه ضمناً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
(8) رشوة. موظفون عموميون. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
جريمة عرض الرشوة لا يؤثر في قيامها. وقوعها نتيجة تدبير لضبطها. كون المجني عليه جاداً في قبولها. غير لازم.
مثال.
(9) رشوة. قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
القصد الجنائي في جريمة الرشوة. مناط تحققه؟
استنتاج هذا القصد من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة.
مثال لتسبيب سائغ في استظهار القصد الجنائي في جريمة الرشوة.
(10) إثبات "بوجه عام". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها.
(11) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقديم النيابة العامة بجلسة المحاكمة مذكرة لرئيس النيابة مصدر الإذن بالتسجيل والضبط بأن التوقيع عليه صادر عنه في حضور الطاعن والمدافع عنه وطلب الأخير الفصل في الدعوى. النعي ببطلان الإجراءات. غير مقبول.
2 - من المقرر أن القانون وإن أوجب توقيع إذن التفتيش بإمضاء مصدره، إلا أنه لم يرسم شكلاً خاصاً لذلك. فلا يعيب الإذن أن يكون التوقيع عليه غير مقروء، طالما أنه قد صدر عن مصدر الإذن. ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا محل له.
3 - لما كانت المادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية تجيز لكل من أعضاء النيابة العامة في حالة إجراء التحقيق بنفسه أن يكلف أي من مأموري الضبط القضائي ببعض الأعمال التي من اختصاصه. فإن لازم ذلك أنه يتعين أن يقوم مأمور الضبط القضائي بنفسه بمباشرة الإجراء الذي ندب لتنفيذه أو أن يكون الإجراء قد تم على مسمع ومرأى منه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل من أقوال المبلغ وعضو الرقابة الإدارية الذي تولى إجراء القبض والتفتيش أن الأول استعمل أجهزة التسجيل المسلمة إليه بمناسبة لقاءاته مع الطاعن وحضور الأخير إليه بالمحل. بينما كان عضو الرقابة الإدارية يكمن على مقربة منهما. يشرف على عملية التسجيل ويسمع حديثهما الذي استبان منه طلب الطاعن وأخذه مبلغ الرشوة فأسرع عضو الرقابة بالقبض على الطاعن وضبط المبلغ بحوزته. مما يفصح عن استعمال المبلغ لأجهزة التسجيل تحت إشراف مأمور الضبط القضائي. ويسوغ به ما انتهى إليه الحكم من رفض الدفع ببطلان هذا الإجراء. فإن ما يثيره الطاعن من أن استخدام المبلغ لأجهزة التسجيل بعيداً عن إشراف عضو الرقابة الإدارية يتمخض جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب، ومن ثم يكون هذا المنعى في غير محله.
4 - لما كان مؤدى نص المادة 103 من قانون العقوبات أن كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً. ومؤدى نص المادة 103 مكرراً المعدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 أنه يعتبر مرتشياً ويعاقب بنفس العقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل يعتقد خطأ أو يزعم أنه من أعمال وظيفته، أو للامتناع عنه. ويستفاد من الجمع بين النصين في ظاهر لفظهما وواضح عبارتهما أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخله في نطاق الوظيفة مباشرة، بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها. كما تتحقق أيضاً ولو خرج العمل عن دائرة الوظيفة بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال وظيفته أو يزعم كذلك كذباً بصرف النظر عن اعتقاد المجني عليه فيما اعتقد أو زعم.
5 - من المقرر أن الزعم بالاختصاص يتوافر ولو لم يفصح عنه الموظف أو يصرح به. إذ يكفي مجرد إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه أو الامتناع عنه. لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمناً زعمه بالاختصاص.
6 - لما كان ما أورده الحكم في مدوناته تتوافر به جريمة الرشوة بكافة أركانها كما هي معرفة به في القانون. وكان النعي بأن الواقعة لا تشكل جريمة رشوة لأن الحديث المسجل بين الطاعن والمبلغ يدور حول نصائح قدمها الأول للثاني لإنجاز مشاكله لدى جهات الصحة والحريق والدفاع المدني غير مقبول. إذ لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة.
7 - من المقرر أن الدفع بتلفيق الاتهام أو كيديته من الدفوع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل رداً صريحاً من الحكم. ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها.
8 - من المقرر أنه لا يؤثر في قيام جريمة الرشوة أن تكون قد وقعت نتيجة تدبير لضبطها، ولا يشترط لقيامها أن يكون المجني عليه جاداً في قبولها. وكان الثابت بمدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن هو الذي سعى بنفسه إلى المبلغ، وطلب منه مبلغ الرشوة. وقدمت إليه بناء على الاتفاق الذي جرى بينهما، فإن مفاد ذلك أن الطاعن هو الذي انزلق إلى مقارفة جريمة الرشوة. وكان ذلك منه بإرادة حرة طليقة. وإذ كان ما أثبته الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً لإدانة الطاعن بجريمة الرشوة. فإن ما يثيره في هذا الشأن يكون غير سديد.
9 - من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو للإخلال بواجباته. وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته واستغلالها، ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن الطاعن أخذ من المبلغ النقود تنفيذاً لاتفاق سابق بينهما ليقوم الأول باستخراج ترخيص للمحل المبين من قبل. وهو ما يتحقق به معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي في حقه وأنه أخذ النقود لقاء إنهاء إجراءات الترخيص ومن ثم فإن ما يثيره من أن المحكمة لم تتعرض لدفاعه بانتفاء القصد الجنائي لديه لا يكون له محل.
10 - من المقرر أن المحكمة غير ملتزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها.
11 - لما كان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن المحكمة نظرت الدعوى في جلستين، حضرها محامون مع الطاعن، وفيها أبدى الدفاع طلباته ومرافعاته. ولم يحضر محام مع الطاعن بالجلسة المشار إليها بأسباب الطعن. ثم استمرت المرافعة لجلسة...... حيث حضر محاميان مع الطاعن وبهذه الجلسة الأخيرة أثبتت المحكمة أن النيابة العامة قدمت مذكرة رئيس نيابة أمن الدولة العليا...... التي تضمنت أن التوقيع على إذن النيابة الصادر في الدعوى هو توقيعه. ولما كان ذلك، في حضور الطاعن والمدافع عنه. مما مفاده أن تلك المذكرة كانت مطروحة على بساط البحث بالجلسة تحت نظر الخصوم، وكان في مكنة الدفاع عن الطاعن أن يبدي ما يشاء من دفاع أو طلبات بشأنها، وإذ كان البين من محضر تلك الجلسة أن الدفاع عن الطاعن قد طلب الفصل في الدعوى اكتفاء بما أبدى من دفاع بالجلسات السابقة وصمم على طلب البراءة، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن بدعوى البطلان في الإجراءات لا يكون مقبولاً.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بصفته موظفاً عمومياً مدير إسكان ثم مهندس بحي...... طلب وأخذ لنفسه عطية لأداء عمل زعم أنه من أعمال وظيفته بأن طلب من..... مبلغ خمسة عشر ألف جنيه على سبيل الرشوة مقابل تسهيل إجراءات إصدار ترخيص محل المأكولات الذي يشارك في ملكيته وأخذ منه مبلغ خمسة آلاف جنيه حال اختصاصه بأداء هذا العمل ومبلغ خمسة آلاف جنيه أخرى بعد نقله لعمل آخر وزاعماً بالاختصاص به، وإحالته إلى محكمة جنايات أمن الدولة العليا بالقاهرة لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 103، 103 مكرراً من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وتغريمه خمسة آلاف جنيه.
فطعنت ..... زوجة المحكوم عليه نيابة عنه في هذا الحكم بطريق النقض ... الخ.
المحكمة
من حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة طلب وأخذ رشوة قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على خطأ في القانون وبطلان في الإجراءات. ذلك أنه رد على الدفع ببطلان إذن التسجيل والضبط والتفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية ولصدوره لضبط جريمة مستقبلة رداً غير سائغ لا يكفي لإطراحه لم توضح فيه المحكمة عناصر التحريات وتمحصها. ولم تعرض لما أثاره من أنه لا صفة له في إصدار ترخيص المحل المقال بأنه سبب الرشوة. وأنه لا صلة للمبلغ بالمحل المشار إليه. وأطرح دفاعه ببطلان الإذن المذكور لتوقيعه بتوقيع غير مقروء بما لا يسوغه. كما دفع ببطلان تنفيذ إذن التسجيل لقيام المبلغ بإجراء التسجيل بعيداً عن إشراف عضو الرقابة الإدارية. وتسمع الأخير لما دار من حديث بين الطاعن والمبلغ. دون أن يكون مأذوناً له في ذلك. لكن الحكم رد على هذا الدفع بما يخالف الثابت في الأوراق. وتمسك الطاعن بأنه غير مختص بالعمل الذي زعم المبلغ أنه دفع الرشوة من أجله - سواء اختصاص حقيقي أو مزعوم وأن الحديث المسجل بينهما لا يتصل بجريمة رشوة. وإنما يدور حول مساعدته للمبلغ في إنهاء مشاكله مع الصحة والحريق والدفاع المدني. وهي جهات لا صلة للطاعن بها، وأن الجريمة وقعت بتحريض من عضو الرقابة الإدارية والمبلغ الذي استهدف من ذلك الحصول على مبالغ أكبر من شريكه في المحل، يزعم دفعها رشوة. إلا أن الحكم لم يرد على دفاعه هذا رداً كافياً. ولم تعرض المحكمة لدفعه بانتفاء القصد الجنائي لديه وأن المبلغ دس عليه النقود المضبوطة وهو ما تأيد بأقوال الشاهد..... بالتحقيقات والتي فات الحكم المطعون فيه التفطن إلى ما تشير إليه دلالتها في هذا الخصوص. وأخيراً فإن المحكمة أصدرت قراراً بالاستعلام من رئيس النيابة...... عما إذا كان التوقيع على إذن التسجيل والضبط صادراً منه من عدمه وكان هذا الإجراء مشوباً بالبطلان لحدوثه في غيبة محامي الطاعن. كل هذا مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. عرض للدفع ببطلان الإذن الصادر بالتسجيل والضبط لعدم جدية التحريات ولصدوره لضبط جريمة لم تقع ورد عليه بقوله "...... وإذ كانت هذه المحكمة تقتنع - مما جاء بأقوال المبلغ في محضر جمع الاستدلالات وما أسفرت عنه التحريات مصداقاً له - بجدية هذه التحريات التي بني عليها الإذن وتوافر مسوغات إصداره. فإن الدفع ببطلانه - في شقه الأول يكون غير سديد - ولا ينال من ذلك عدم إسناد الاتهام إلى آخر اعتبرته هذه التحريات ضالعاً في الاتهام مع المتهم - إذ المناط في هذا الإسناد هو توافر الأدلة قبل هذا الأخير بقدر يكفي لذلك وهو ما لم تر النيابة العامة بعد التحقيق توافره.... أما عن الدفع ببطلان الإذن - في شقه الثاني - تأسيساً على أنه صدر لضبط جريمة لم تقع فإنه طالما كان ما تقدم وكان الثابت مما أبلغ به المبلغ وأكدته التحريات الجدية أن المتهم بصفته مدير للإسكان بحي.... طلب مبلغ خمسة عشر آلاف جنيه على سبيل الرشوة. مقابل تسهيل إصدار الترخيص بالمحل وهو مختص بمقتضى وظيفته بإصداره وأخذه مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل ذلك فإن جناية الرشوة تكون قد وقعت من المتهم ويكون الإذن قد صدر بضبطها، ومن ثم يكون الدفع ببطلانه لهذا السبب غير سديد". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع. وأنه متى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون. وكانت المحكمة قد ردت على الدفع ببطلان إذن التسجيل والضبط على السياق المتقدم مفصحة عن اطمئنانها إلى ما أسفرت عنه التحريات وإلى ما جاء بها من أن الطاعن بصفته مديراً للإسكان بحي..... ومختص بإصدار الترخيص طلب من الشاكي خمسة عشر ألف جنيه رشوة وأخذ منه مبلغ خمسة آلاف جنيه منها. مقابل إصداره ترخيصاً للمحل وهو رد يكشف عن تمحيص المحكمة للتحريات وعناصرها واقتناعها بجديتها يتفق وصحيح القانون. وكان الطاعن قد ذكر بأسباب طعنه صلة المبلغ بالمحل آنف الذكر كشريك فيه. لما كان ما تقدم، فإن ما ينعاه على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد. ولما كان القانون وإن أوجب توقيع إذن التفتيش بإمضاء مصدره، إلا أنه لم يرسم شكلاً خاصاً لذلك. فلا يعيب الإذن أن يكون التوقيع عليه غير مقروء، طالما أنه قد صدر عن مصدر الإذن. ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا محل له. لما كان ذلك، وكانت المادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية تجيز لكل من أعضاء النيابة العامة في حالة إجراء التحقيق بنفسه أن يكلف أي من مأموري الضبط القضائي ببعض الأعمال التي من اختصاصه. فإن لازم ذلك أنه يتعين أن يقوم مأمور الضبط القضائي بنفسه بمباشرة الإجراء الذي ندب لتنفيذه أو أن يكون الإجراء قد تم على مسمع ومرأى منه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل من أقوال المبلغ وعضو الرقابة الإدارية الذي تولى إجراء القبض والتفتيش أن الأول استعمل أجهزة التسجيل المسلمة إليه بمناسبة لقاءاته مع الطاعن وحضور الأخير إليه بالمحل. بينما كان عضو الرقابة الإدارية يكمن على مقربة منهما. يشرف على عملية التسجيل ويسمع حديثهما الذي استبان منه طلب الطاعن وأخذه مبلغ الرشوة. فأسرع عضو الرقابة بالقبض على الطاعن وضبط المبلغ بحوزته مما يفصح عن استعمال المبلغ لأجهزة التسجيل تحت إشراف مأمور الضبط القضائي ويسوغ به ما انتهى إليه الحكم من رفض الدفع ببطلان هذا الإجراء، فإن ما يثيره الطاعن من أن استخدام المبلغ لأجهزة التسجيل بعيداً عن إشراف عضو الرقابة الإدارية يتمخض جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها. مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب، ومن ثم يكون هذا المنعى في غير محله، لما كان ذلك، وكان مؤدى نص المادة 103 من قانون العقوبات أن كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً. ومؤدى نص المادة 103 مكرراً المعدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 أنه يعتبر مرتشياً ويعاقب بنفس العقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل يعتقد خطأ أو يزعم أنه من أعمال وظيفته، أو للامتناع عنه. ويستفاد من الجمع بين النصين في ظاهر لفظهما وواضح عباراتهما أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة، بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها. كما تتحقق أيضاً ولو خرج العمل عن دائرة الوظيفة بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال وظيفته أو يزعم كذلك كذباً، بصرف النظر عن اعتقاد المجني عليه فيما اعتقد أو زعم. وكان الزعم بالاختصاص يتوافر ولو لم يفصح عنه الموظف أو يصرح به. @إذ يكفي مجرد إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه أو الامتناع عنه، لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمناً زعمه بالاختصاص وكان الحكم المطعون فيه، بعد أن استعرض أدلة الثبوت قبل الطاعن تعرض لدفاعه بشأن عدم اختصاصه باستخراج الترخيص سواء اختصاصاً حقيقياً أو مزعوماً بقوله: "....... ومن ثم فإن المحكمة تتخذ هذه الأدلة أدلة ثبوت قبل المتهم وحاصلها مجتمعة أن المتهم وهو مدير الإسكان بحي..... طلب مبلغ خمسة عشر ألفاً من الجنيهات على سبيل الرشوة مقابل تسهيله إجراءات إصدار ترخيص المحل آنف البيان وهو مختص بإصداره وأخذ منه حال اختصاصه بهذا العمل خمسة آلاف جنيه وأخذ خمسة آلاف جنيه أخرى زاعماً اختصاصه به فإن جريمة الرشوة تكون قد توافرت أركانها كما هي معرفة به قانوناً وتوافرت الأدلة الجازمة على ارتكاب المتهم لها، ومن ثم لا تعول على إنكاره باعتباره ضرباً من الدفاع وتلتفت عن سائر دفوعه الموضوعية التي أثارها الدفاع لحمل المحكمة على التشكيك في تلك الأدلة وعدم الأخذ بها..." وكان الحكم بهذا الرد قد تفطن إلى المعاني القانونية المقدمة. وأبان عن اختصاص الطاعن بالعمل المقصود في جريمة الرشوة في بداية الأمر. ثم زعمه الاختصاص به من بعد، ونوع هذا العمل، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم في مدوناته تتوافر به جريمة الرشوة بكافة أركانها كما هي معرفة به في القانون، وكان النعي بأن الواقعة لا تشكل جريمة رشوة لأن الحديث المسجل بين الطاعن والمبلغ يدور حول نصائح قدمها الأول للثاني لإنجاز مشاكله لدى جهات الصحة والحريق والدفاع المدني غير مقبول. إذ لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة. لما كان ذلك، وكان الدفع بتلفيق الاتهام أو كيدته من الدفوع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل رداً صريحاً من الحكم ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها. وكان من المقرر أنه لا يؤثر في قيام جريمة الرشوة أن تكون قد وقعت نتيجة تدبير لضبطها. ولا يشترط لقيامها أن يكون المجني عليه جاداً في قبولها وكان الثابت بمدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن هو الذي سعى بنفسه إلى المبلغ، وطلب منه مبلغ الرشوة، وقدمت إليه بناء على الاتفاق الذي جرى بينهما. فإن مفاد ذلك أن الطاعن هو الذي انزلق إلى مقارفة جريمة الرشوة. وكان ذلك منه بإرادة حرة طليقة وإذ كان ما أثبته الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً لإدانة الطاعن بجريمة الرشوة، فإن ما يثيره في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو للإخلال بواجباته، وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته واستغلالها. ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن الطاعن أخذ من المبلغ النقود تنفيذاً لاتفاق سابق بينهما ليقوم باستخراج ترخيص للمحل المبين من قبل، وهو ما يتحقق به معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي في حقه وأنه أخذ النقود لقاء إنهاء إجراءات الترخيص. ومن ثم فإن ما يثيره من أن المحكمة لم تتعرض لدفاعه بانتفاء القصد الجنائي لديه لا يكون له محل، وليس له أن ينعى على الحكم التفاته عما جاء بأقوال الشاهد.... في التحقيقات في هذا الخصوص. إذ على فرض صحتها فإن المحكمة غير ملتزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها. لما كان ذلك، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن المحكمة نظرت الدعوى في جلستين حضرها محامون مع الطاعن، وفيها أبدى الدفاع طلباته ومرافعاته. ولم يحضر محام مع الطاعن بالجلسة المشار إليها بأسباب الطعن، ثم استمرت المرافعة لجلسة...... حيث حضر محاميان مع الطاعن، وبهذه الجلسة الأخيرة أثبتت المحكمة أن النيابة العامة قدمت مذكرة رئيس نيابة أمن الدولة العليا...... التي تضمنت أن التوقيع على إذن النيابة الصادر في الدعوى هو توقيعه، وكان ذلك في حضور الطاعن والمدافع عنه. مما مفاده أن تلك المذكرة كانت مطروحة على بساط البحث بالجلسة تحت نظر الخصوم. وكان في مكنة الدفاع عن الطاعن أن يبدي ما يشاء من دفاع أو طلبات بشأنها. وإذ كان البين من محضر تلك الجلسة أن الدفاع عن الطاعن قد طلب الفصل في الدعوى اكتفاء بما أبدى من دفاع بالجلسات السابقة وصمم على طلب البراءة. فإن النعي على الحكم في هذا الشأن بدعوى البطلان في الإجراءات لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس، متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق