جلسة 29 من فبراير سنة 1968
برياسة السيد المستشار محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.
-------------------
(69)
الطعن رقم 330 لسنة 34 القضائية
(أ) أحوال شخصية. "مسائل مواريث المصريين غير المسلمين". اختصاص. "اختصاص ولائي".
الشريعة الإسلامية هي القانون العام الواجب التطبيق في مسائل مواريث المصريين غير المسلمين ومنها الوصايا، المحاكم الشرعية - الملغاة - ذات الولاية العامة تختص بنظرها إلا إذا تراضى الورثة الذي تعترف الشريعة الإسلامية بوراثتهم على الاحتكام إلى مجالسهم الملية (الملغاة) فحينئذ كان لهذه المجالس ولاية نظرها عملاً باتفاقهم ما دامت لهم أهلية التصرف.
(ب) أحوال شخصية. "مسائل مواريث الإنجيليين الوطنيين". اختصاص. وصية.
ولاية المجلس الملي الإنجيلي في حالة الميراث الخالي من الوصية، مناطها تراضي الورثة على الاحتكام إليه. سريان هذه القاعدة على حالة الميراث الإيصائي لارتباط كل من النوعين بالآخر.
(ج) أحوال شخصية. "مسائل المواريث".
المواد 54 و55 و130 من القانون المدني الملغي مواد إسناد إلى القوانين الأجنبية التي يجوز تطبيقها في مصر. لا تواجه هذه المواد حالة التعارض الداخلي في دعاوى المصريين بين الشريعة الإسلامية والشرائع السارية على المصريين غير المسلمين من مختلف الملل في أحوالهم الشخصية.
(د) أحوال شخصية. "مسائل المواريث والوصايا لغير المسلمين المصريين". اختصاص. "اختصاص ولائي". قوة الأمر المقضي. إثبات.
عدم قبول المدعى عليها في الدعوى المرفوعة بطلب اعتماد وصية الاحتكام إلى المجلس الملي الإنجيلي. حكم المجلس المذكور - مع ذلك - باعتماد الوصية. قضاء صادر من جهة ولا ولاية لها وليس له قوة الأمر المقضي ولا يصح الاحتجاج به لدى المحكمة ذات الولاية العامة وهي المحكمة الوطنية منذ إلغاء المحاكم الشرعية.
(هـ) وصية. "الوصية لوارث". قانون. "القانون الواجب التطبيق". أحوال شخصية.
وصية غير المسلم - وفقاً للشريعة الإسلامية - كوصية المسلم لا تجوز لوارث إلا بإجازة باقي الورثة. قاعدة كان معمولاً بها قبل العمل بالقانون رقم 71 لسنة 1946 في شأن الوصية.
2 - قصرت المادة 21 من الأمر العالي الصادر في أول مارس سنة 1902 بشأن الإنجيليين الوطنيين ولاية المجلس الملي الإنجيلي في حالة الميراث الخالي من الوصية على الحالة التي يتراضى فيها الورثة على الاحتكام إليه وهذا هو الحكم أيضاً في حالة الميراث الإيصائي لارتباط كل من النوعين أحدهما بالآخر.
3 - لم يقصد بالمواد 54 و55 و130 من القانون المدني الملغي - على ما جاء بالمذكرة التفسيرية للقانون رقم 25 لسنة 1944 - مواجهة حالة التعارض الداخلي في دعاوى المصريين بين الشريعة الإسلامية والشرائع السارية على المصريين غير المسلمين من مختلف الملل في أحوالهم الشخصية، بل إن المواد المذكورة هي مواد إسناد إلى القوانين الأجنبية التي يجوز تطبيقها في مصر في المسائل التي أشير إليها فيها ومن أجل ذلك عدلت تلك المواد بالقانون رقم 25 لسنة 1944 لتصحيح صيغتها العربية بحيث تتفق مع الأصل الفرنسي لها، وليس في هذا التصحيح إضافة لحكم جديد في التشريع المصري بل هو ضبط للعبارة العربية يزيل كل أثر لخطأ الترجمة ويحقق غرض المشرع من هذه المواد.
4 - متى كان الثابت من حكم المجلس الملي الإنجيلي الصادر في دعوى بطلب اعتماد وصية أن المدعى عليها لم تقبل الاحتكام إلى المجلس ودفعت بعدم اختصاصه بنظر الدعوى إلا أنه رفض الدفع وحكم باعتماد الوصية فإن قضاءه هذا يكون قد صدر من جهة ليس لها ولاية الفصل في النزاع وبالتالي لا تكون له قوة الشيء المحكوم فيه ولا يصح الاحتجاج به لدى المحكمة ذات الولاية العامة وهي المحكمة الوطنية منذ إلغاء المحاكم الشرعية ابتداء من أول يناير سنة 1956 بالقانون رقم 462 لسنة 1955
5 - القاعدة في الشريعة الإسلامية - التي تحكم النزاع قبل العمل بالقانون رقم 71 لسنة 1946 - أن وصية غير المسلم كوصية المسلم لا تجوز لوارث إلا بإجازة باقي الورثة. فإذا قضى الحكم المطعون فيه بعدم نفاذ الوصية في حق من لم يجزها من الورثة فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المرحومة مسعودة خليل مورثة المطعون ضدهم أقامت في 9 نوفمبر سنة 1946 الدعوى رقم 67 سنة 1947 مدني كلي قنا على الطاعنين طالبة الحكم بتثبيت ملكيتها إلى 28 ف و12 ط و7 س شائعة في 171 ف و1 ط و22 س المبنية بالكشف المرفق بالصحيفة وإلى السدس في المنازل والأراضي والمنقولات والأثاث والديون البالغ مقدارها 1282 ج والمبينة جميعها بذات الكشف وبإلزام إسحق ونوال ويوسف قصر المرحوم حبيب ميخائيل (الطاعنين الثاني والثالث والرابع) المشمولين بوصاية نجيبة بقطر عطا الله "الطاعنة الأولى" وأشعيا ميخائيل بوصفه وصياً منضماً بأن يدفعوا لها مبلغ 1856 ج وبإلزام نجيبه بقطر عطا الله بصفتهما الشخصية بأن تدفع لها مبلغ 500 ج وإلزام نجيبه بقطر عطا الله وأشعيا ميخائيل بأن يدفعا لها من تركة المرحوم حبيب ميخائيل مبلغ 501 ج و700 م وقالت شرحاً لدعواها إن ابنها المرحوم حبيب ميخائيل توفى في أكتوبر سنة 1942 عنها وعن زوجته وأولاده "الطاعنين" وترك ما يورث عنه شرعاً 171 ف و1 ط و22 س والمنازل والأراضي الفضاء والديون والمنقولات والمصوغات المبينة بالكشف المرفق بالعريضة فضلاً عن غلال بيعت وأودع ثمنها باسم القصر بنك مصر ولما كانت تستحق السدس في تركته فرضاً كما تداينه بمبلغ 380 ج و800 م بسند مؤرخ 7 سبتمبر سنة 1925 ومنفعة هذا المبلغ البالغة حتى 7 سبتمبر سنة 1946، 341 ج و250 م بقى منه بعد خصم 120 ج سددها في 23/ 3/ 1933 مبلغ 501 ج و700 م فقد أقامت الدعوى بطلباتها السابقة وقد أجاب المدعى عليهم "الطاعنون" على الدعوى بأن المورث أوصى لهم بكل تركته بوصية مؤرخة 5 أغسطس سنة 1937 أقاموا بشأنها الدعوى رقم 31 سنة 1943 على المدعية أمام المجلس الملي الإنجيلي العام الذي قضى باعتمادها في 27 إبريل سنة 1944 فدفعت المدعية ببطلان الوصية تأسيساً على أن وصية غير المسلم كوصية المسلم لا تجوز لوارث إلا بإجازة باقي الورثة وأنه لما كانت الوصية تخضع من حيث الموضوع لأحكام الشريعة الإسلامية فإنه لا يعتد بالحكم الصادر من المجلس الملي الإنجيلي العام الذي قضى بصحة الوصية الصادرة للطاعنين وبتاريخ 28 مارس 1961 قضت محكمة أول درجة (أولاً) بعدم نفاذ الوصية المؤرخة 5/ 8/ 1937 والمسجلة 9/ 8/ 1937 تحت رقم 501 مسلسلة ص 229 من سجل المجلس الملي الإنجيلي العام في حق مورثة المدعيين "المطعون ضدهم" لعدم إجازتها لها مع صدورها لورثته. (ثانياً) وقبل الفصل في موضوع الدعوى بندب الخبير الزراعي بمكتب خبراء وزارة العدل بقنا لحصر مفردات التركة وتحقيق عناصرها ومقدارها وقيمتها واستخلاص نصيب المدعين فيها بوصفهم ورثة للمدعية الأصلية الوارثة للمرحوم حبيب ميخائيل فاستأنف الطاعنون هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط بالاستئناف رقم 434 سنة 36 ق طالبين إلغاءه والحكم بنفاذ الوصية ورفض الدعوى استناداً إلى أن الوصية تخضع لقانون ملة الموصى من حيث شكلها وموضوعها وأن الحكم الصادر من المجلس الملي الإنجيلي العام له حجيته لصدوره من جهة ذات ولاية وأنه ليس للقانون رقم 25 سنة 1944 الذي أخضع موضوع الوصية لأحكام الشريعة الإسلامية أثر رجعي - وبتاريخ 24 مارس سنة 1964 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف وبتقرير تاريخه 20 مايو سنة 1964 طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرتين أبدت فيهما الرأي برفض الطعن وصممت على هذا الرأي بالجلسة المحددة لنظره.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد حاصله أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إنهم تمسكوا بصحة ونفاذ الوصية الصادرة لهم من المورث قبل العمل بالقانون رقم 25 لسنة 1944 وبحجية الحكم الصادر من المجلس الملي الإنجيلي العام بصحتها ونفاذها إلا أن الحكم المطعون فيه ذهب إلى أن القانون المذكور لم يأت بحكم جديد بل قرر مبدأ كان ثابتاً في النظام المصري وأنه لا حجية لحكم المجلس الملي ما دام قد تجاوز حدود اختصاصه وهذا من الحكم المطعون فيه خطأ في القانون إذ أن الحكم في مسائل الوصايا الخاصة بالمصريين من اختصاص محاكم الأحوال الشخصية دون المحاكم المدنية طبقاً للمادة 165 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية الملغاة والمادة 15 من قانون نظام القضاء وأن النزاع القائم حول صحة أو عدم صحة الوصية الصادرة في 5 أغسطس سنة 1937 وجوازها أو عدم جوازها كان يختص بنظره حتى سنة 1956 المجلس الملي الإنجيلي العام الذي يتبعه الموصى وجميع الخصوم ولهذا فإن حكم المجلس الملي الصادر في 27 أبريل سنة 1944 بصحة ونفاذ الوصية قد حاز قوة الشيء المحكوم فيه لصدوره من محكمة الأحوال الشخصية المختصة وقتئذ بالفصل في صحة الوصايا شكلاً وموضوعاً طبقاً لقانون ملتهم عملاً بالمادتين 54، 55 من القانون المدني الملغي قبل تعديلهما بالقانون رقم 25 سنة 1944 والمادة 22 من الأمر العالي الصادر في أول مارس سنة 1902 بشأن الإنجيلين الوطنيين ولأن القانون رقم 25 سنة 1944 لا يسري على الوصية لصدورها قبل تاريخ العمل به وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر الحكم الصادر من المجلس الملي غير ذي حجية وقضى بعدم نفاذ الوصية فإنه يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى بأن الشريعة الإسلامية هي القانون العام الواجب التطبيق في مسائل مواريث المصريين غير المسلمين ومنها الوصايا وكانت تختص بنظرها المحاكم الشرعية ذات الولاية العامة إلا إذا تراضى الورثة الذين تعترف الشريعة الإسلامية بوراثتهم على الاحتكام إلى مجالسهم الملية فحينئذ فقط تكون لهذه المجالس ولاية نظرها عملاً باتفاقهم ما دامت لهم أهلية التصرف في حقوقهم لما كان ذلك وكان الورثة الطاعنون والمطعون ضدهم وكذلك الموصى الذي توفى في أكتوبر سنة 1942 من الإنجيليين الوطنيين وكانت الوصية قد تمت وسجلت بدفتر تسجيل الوصايا بالمجلس الملي الإنجيلي في سنة 1937 وكانت المادة 21 من الأمر العالي الصادر في أول مارس سنة 1902 بشأن الإنجيليين الوطنيين قد قصرت ولاية المجلس في حالة الميراث الخالي من الوصية على الحالة التي يتراضى فيها الورثة على الاحتكام إليه وكان هذا هو الحكم في حالة الميراث الإيصائي لارتباط كل من النوعين أحدهما بالآخر وكان المشرع قد أفصح في المذكرة التفسيرية للقانون رقم 25 سنة 1944 ببيان القانون الواجب التطبيق في مسائل المواريث والوصايا عن أن ما جاء بالنص العربي للمادة 54 من القانون الملغي من أن يكون الحكم في المواريث على حسب المقرر في الأحوال الشخصية المختصة بالملة التابع لها المتوفى وللمادة 55 منه من أن تراعى في أهلية الموصى لعمل الوصية وفي صيغتها الأحكام المقررة لذلك في الأحوال الشخصية المختصة بالملة التابع لها الموصى هذا النص العربي للمادتين جاء مختلفاً عن الأصل الفرنسي لهما مما حدا بالبعض إلى الظن بأنه أريد بهاتين المادتين والمادة 130 منه مواجهة حالة التعارض الداخلي في دعاوى المصريين بين الشريعة الإسلامية والشرائع السارية على المصريين غير المسلمين من مختلف الملل - في أحوالهم الشخصية - لكن هذا الظن في غير محله لأن المواد المذكورة هي مواد إسناد إلى القوانين الأجنبية التي يجوز تطبيقها في مصر في المسائل التي أشير إليها فيها وأنه لذلك صححت الصيغة العربية لتلك المواد بحيث تتفق مع الأصل الفرنسي وليس في هذا التصحيح إضافة لحكم جديد في التشريع المصري بل هو ضبط للعبارة العربية يزيل كل أثر لخطأ الترجمة ويحقق غرض المشرع من هذه المواد - لما كان ذلك وكان الثابت من حكم المجلس الملي الإنجيلي الصادر في 27 أبريل سنة 1944 في القضية رقم 31 سنة 1943 التي طلب الطاعنون فيها اعتماد الوصية أن مورثة المطعون ضدهم لم تقبل الاحتكام إلى المجلس. ودفعت بعدم اختصاصه بنظر الدعوى إلا أنه رفض الدفع وحكم باعتماد الوصية فإن قضاءه هذا يكون قد صدر من جهة ليس لها ولاية الفصل في النزاع وبالتالي لا تكون له قوة الشيء المحكوم فيه ولا يصح الاحتجاج به لدى المحكمة ذات الولاية العامة وهي المحكمة الوطنية منذ إلغاء المحاكم الشرعية ابتداء من أول يناير سنة 1956 بالقانون رقم 462 لسنة 1955 وإذ كانت القاعدة في الشريعة الإسلامية التي تحكم النزاع أن وصية غير المسلم - كوصية المسلم - لا تجوز لوارث قبل العمل بالقانون رقم 71 سنة 1946 إلا بإجازة باقي الورثة وكانت مورثة المطعون ضدهم لم تجز الوصية كما لم يجزها ورثتها المطعون ضدهم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم نفاذها في حق من لم يجزها من الورثة يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ويكون النعي عليه على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق