جلسة 11 من يناير سنة 2015
برئاسة السيد القاضي / فرغلي زناتي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / محمد عبد العال ، هاشم النوبي ، صلاح محمد وأيمن شعيب نواب رئيس المحكمة .
----------
(7)
الطعن رقم 12426 لسنة 84 القضائية
(1) حكم " بيانات
التسبيب " " حجيته " .
القضاء بعدم جواز نظر بعض
الوقائع والبراءة في وقائع أخرى في الأسباب التي يُحمل عليها المنطوق . كافٍ .
حجية الأحكام . لا ترد إلَّا على
منطوقها . امتدادها إلى الأسباب . متى كانت مكملة للمنطوق ومرتبطة معها ارتباط لا
يقبل التجزئة .
(2) أمر بألا وجه . حكم " حجيته " . قوة الأمر المقضي . نيابة عامة . استيلاء على أموال أميرية . كسب
غير مشروع . قانون " تفسيره " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب
" .
الأمر الصادر من سلطة التحقيق
بألَّا وجه لإقامة الدعوى الجنائية . له حجيته التي تمنع من العودة إلى الدعوى
الجنائية . ما دام قائماً لم يلغ . علة ذلك ؟
حجية الأحكام .
مناطها : وحدة الخصوم والموضوع والسبب . اتحاد السبب . شروط تحققه ؟
المادتان 454 ، 455 إجراءات . مفادهما
؟
صدور أمر من النيابة
العامة بألَّا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم الأهمية عن واقعة استيلاء المطعون
ضده على المال العام وبقائه قائماً . أثره : عدم جواز تقديمه للمحاكمة عن ذات الواقعة بوصف الكسب غير المشروع . التزام الحكم هذا النظر . صحيح . أساس وعلة ذلك ؟
(3) إثبات
" بوجه عام " . كسب غير مشروع . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير
الدليل " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا
يقبل منها " .
كفاية تشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة للمتهم
كي تقضي ببراءته . النعي على الحكم بشأن ذلك . جدل موضوعي . غير جائز أمام محكمة
النقض . علة وشرط ذلك ؟
عدم التزام المحكمة في
حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت. ما دامت قد داخلتها الريبة والشك في عناصر الإثبات . علة ذلك ؟
مثال لتدليل سائغ لحكم صادر بالبراءة من جريمة الكسب غير المشروع .
(4) إثبات " بوجه عام " . كسب غير مشروع . محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة
الصحيحة لواقعة الدعوى " . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " .
نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " .
لمحكمة الموضوع استخلاص الواقعة من أدلتها وسائر عناصرها .
شرط ذلك ؟
الكسب غير المشروع طبقاً للمادة 2/1 من القانون 62 لسنة 1975
. ماهيته وصورتيه؟
قضاء
الحكم بإدانة الطاعن بجريمة الكسب غير المشروع لمجرد قيام الوظيفة به دون بيانه
وجه استغلالها والإجراءات والنظم التي خالفها واكتفائه بعبارات عامة مجملة
واستناده لأقوال شهود الإثبات مع خلوها من الوقائع المثبتة لارتكابه لها . قصور
وفساد وخطأ في تطبيق القانون. توجب نقضه والإعادة . علة ذلك ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه ، وإن سكت في منطوقه عن القضاء بعدم جواز نظر
الدعوى عن الواقعة الأولى بقرار الاتهام المسندة إلى المطعون ضده وبراءته من الواقعتين
الثالثة والرابعة - واقعة استغلال نفوذ وظيفته في شراء الوحدة السكنية .... وما
حققه من كسب غير مشروع منها ، وواقعتي تحقيقه مبلغاً قدره ستة وعشرون مليوناً
ومائتان وثلاثة وستون ألفاً وثلاثمائة وثمانية جنيهات من الكسب غير المشروع نتيجة
زيادة طرأت في ثروته وعجزه عن إثبات مصدر مشروع لها ، وإجرائه أعمال إنشائية
بفيلته بـ .... بأقل من قيمتها محققاً كسباً غير مشروع مقداره خمسة وستون ألف جنيه
جراء استغلاله لوظيفته بصفته رئيساً للهيئة العامة .... ثم وزيراً .... ثم وزيراً
.... إلَّا أنه بيَّنهما في أسبابه التي يحمل المنطوق عليها ، والتي تعد جزءًا لا
يتجزأ منه وهو بيان كاف ، لما هو مقرر في القانون من أنه وإن كان الأصل في الأحكام
لا ترد الحجية إلَّا على منطوقها ، إلَّا أن هذه الحجية تمتد بالضرورة إلى ما يكون
من الأسباب مكملاً للمنطوق ومرتبطاً معه ارتباطاً وثيقاً غير متجزئ بحيث لا يكون
للمنطوق قوام إلَّا به .
2- لما كان الحكم المطعون فيه حصَّل واقعة الدعوى فيما يخص الواقعة الأولى
بقوله : " .... أن المتهم .... وزير .... الأسبق وبصفته من القائمين بأعباء
السلطة العامة ومن الخاضعين لأحكام القانون رقم 62 لسنة 1975 في شأن الكسب غير
المشروع قام بشراء الوحدة رقم .... بمشروع .... التابع للشركة .... وهى إحدى
الشركات المساهمة المصرية - وذلك في يوم .... ومساحتها .... بسعر إجمالي قدره
مليون وخمسمائة وأربعة وأربعون ألف جنيه وذلك بالتقسيط - إذ سدد مقدماً لها مبلغاً
قدره مائتا ألف جنيه ودفع ثلاثمائة ألف جنيه أخرى على أقساط - أي بما يوازى سعر
المتر أربعة آلاف جنيه - حال أن سعر المتر في ذلك الوقت بذلك المكان يبلغ 12190
جنيه اثنى عشر ألفا ومائة وتسعين جنيهاً أي أن إجمالي سعر الوحدة هو مبلغ
4.789.840 جنيه فيكون قد اشترى تلك الوحدة السكنية بأقل من سعرها الحقيقي بمبلغ
ثلاثة ملايين ومائتين وخمسة وأربعين ألفاً وثمانمائة وأربعين جنيهاً ، وفى
../../.... طلب فسخ العقد الخاص بتلك الوحدة وكان مقتضى إعمال نصوص ذلك العقد أن
يسترد ما دفعه مخصوماً منه مبلغ 5% إلَّا أنه استغلالاً لنفوذ وظيفته طلب من رئيس
مجلس إدارة الشركة آنذاك الحصول على مبلغ خمسة ملايين جنيه نظير ذلك الفسخ وكان له
ما أراد فصدر له شيك بذلك المبلغ محققاً كسباً غير مشروع لنفسه من تلك الواقعة
قدره أربعة ملايين وخمسمائة وسبعة وسبعون ألف ومائتا جنيه تمثل الفرق بين ما كان
يجب أن يحصل عليه بالفعل جراء فسخ العقد وهو 475 ألف جنيه وما حصل عليه فعلاً وهو
خمسة ملايين جنيه ، وقد انقضت الدعوى الجنائية في تلك الواقعة لصدور قرار من نيابة
الأموال العامة العليا بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم الأهمية لسداد
المتهم لمبلغ أربعة ملايين وخمسمائة وسبعة وسبعين ألفاً ومائتي جنيه لصالح شركة
.... بموجب شيكات آجلة الدفع على زوجته .... " ، وكان من المقرر أن الأمر
الصادر من سلطة التحقيق بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية له حجيته التي تمنع من
العودة إلى الدعوى الجنائية مادام قائماً لم يلغ ، فلا يجوز مع بقائه قائماً إقامة
الدعوى الجنائية عن الواقعة ذاتها التي صدر فيها ، لأن له في نطاق حجيته ما
للأحكام من قوة الأمر المقضي ، وكان من المقرر أن مناط حجية الأحكام هي وحدة
الخصوم والموضوع والسبب ويجب للقول باتحاد السبب أن تكون الواقعة التي يحاكم
المتهم عنها هي بعينها الواقعة التي كانت محلاً للحكم السابق ، كما وأن مفاد نص
المادتين 454 ، 455 من قانون الإجراءات الجنائية وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة
- محكمة النقض - أنه يحظر محاكمة الشخص عن الفعل ذاته مرتين ، وأنه إذا رفعت
الدعوى عن واقعة معينة بوصف معين وحكم فيها فلا يجوز بعد ذلك رفع الدعوى عن تلك
الواقعة ذاتها بوصف جديد ، ومناط وحدة الواقعة التي تمنع من إعادة المحاكمة ولو
تحت وصف جديد أن يتحد الأساس الذى أقيمت عليه الوقائع في الدعويين ، وكان القول
بوحدة الجريمة أو بتعددها هو من التكييف
القانوني الذى يخضع لرقابة محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان البيِّن من مذكرة نيابة الأموال العامة العليا في القضية رقم .... لسنة .... حصر أموال
عامة عليا - المرفق صورتها الرسمية بالأوراق - أن النيابة أصدرت بتاريخ ../../...
أمراً بألَّا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم الأهمية عن عدة وقائع من بينها
واقعة استيلاء المطعون ضده - في الدعوى الراهنة - على المال العام البالغ قدره
4.577.200 أربعة ملايين وخمسمائة سبعة وسبعين ألفاً ومائتي جنيه وذلك عن واقعة
شرائه لوحدة سكنية بـ .... ، لسداده هذا المبلغ وهى ذات الواقعة الأولى الواردة
بأمر الإحالة في دعوى الكسب غير المشروع المطروحة ؛ لما هو مقرر من أن جريمة
الاستيلاء على المال العام وجريمة الكسب غير المشروع - بخصوص الواقعة السالف
بيانها - ولئن لزم لقيام كل منهما عناصر وأركان قانونية ذاتية تتغاير في إحداها عن
الأخرى ، إلَّا أن الفعل المادي المكون للجريمتين واحد وهو حصول المطعون ضده على
المال آنف البيان سواء عن طريق الاستيلاء عليه أو كسبه بطريق غير مشروع ، ومن ثم
فإن الواقعة المادية التي تتمثل في الحصول على ذلك المال هي عنصر مشترك بين كافة
الأوصاف القانونية التي يمكن أن تعطى لها والتي تتباين صورها بتنوع وجه المخالفة
للقانون ، ولكنها كلها ناشئة عن حصول المطعون ضده على المال التي تمت مخالفة
للقانون ، وهو ذات الأساس الذى أقيمت عليه الوقائع
في الدعويين ، وكان الثابت بالأوراق أن هذا الأمر لا زال قائماً لم يلغ ممن يملك
إلغاءه - وهو ما لا تدعيه النيابة العامة الطاعنة - فإنه ما كان يجوز للنيابة
العامة - من بعد - العودة إلى تقديم المتهم للمحاكمة عن هذه الواقعة بوصف
جديد ، ومن ثم فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من القضاء بعدم جواز نظر
الدعوى الجنائية لسابقة صدور أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية فيها يكون
قضاء سليماً لا يخالف القانون ، ويضحى ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد غير سديد .
3- لما كان الحكم المطعون فيه صرح بأنه " لا يطمئن إلى ما ورد بأمر
الإحالة في شأن واقعة تحقيق المتهم لكسب غير مشروع مقداره ستة وعشرون مليوناً
ومائتان وستون ألف جنيه - تمثل الزيادة التي طرأت على ثروته - وعجز عن إثبات مصدر
مشروع لها أو استغلاله نفوذه الوظيفي في إنشاء
حمام سباحة بفيلته بأقل من السعر المناسب - تأسيساً على ما ثبت للمحكمة من أن ذلك المبلغ قد تحقق للمتهم وزوجته من
نشاط مشروع وهو تحقيق أرباح من نشاط المجموعة الثقافية مما يعد دخلاً
مشروعاً للمتهم وكذا ملاءمة السعر الذى أنشأ به حمام السباحة ، وأن اللجنة التي
شكلتها المحكمة انتهت إلى عدم وجود كسب غير مشروع من الناحية الحسابية للمتهم في نطاق ما بحثته حسابياً " .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يكفى في المحاكمات
الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكى تقضى له
بالبراءة مادام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة
الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ووازنت بين أدلة النفي فرجحت دفاع
المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الاتهام ، وكانت المحكمة قد خلصت إلى عدم
اطمئنانها إلى أدلة الثبوت ورجحت دفاع المتهم وهو ما يدخل في سلطتها بغير معقب
عليها ، فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الخصوص ينحل في حقيقته إلى جدل موضوعي لا
يثار لدى محكمة النقض . لما كان ذلك ، فإن ما تنعاه النيابة العامة - الطاعنة -
على الحكم المطعون فيه من أنه لم يمحص أدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام لا يكون
له محل ، لما هو مقرر كذلك من أن محكمة الموضوع لا تلتزم في حالة القضاء بالبراءة
بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت مادام أنها قد رجحت دفاع المتهم وداخلتها الريبة
والشك في عناصر الإثبات ، ولأن في إغفال التحدث عنها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها
ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المطعون ضده . لما كان ما تقدم فإن الطعن يكون
على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
4- لما كان الحكم
المطعون فيه حصَّل واقعة الدعوى فيما دان الطاعن فيه بقوله " .... كما أن
المتهم .... قد استغل صفته كوزير .... بجمهورية مصر العربية واستطاع أن يحصل لنفسه
على قطعة أرض مساحتها .... هي القطعة رقم .... حيث تم تخصيصها له في ../../.... من
جهاز مدينة .... بتعليمات من وزير .... الأسبق وبصفته الرئيس الأعلى لهيئة
المجتمعات العمرانية الجديدة حيث خصصت له تلك القطعة وبموقع متميز بمبلغ 770880
جنيه بقرار من وزير .... الأسبق استجابة منه لطلب .... كوزير .... بذات الوزارة
وبتوجيهات من وزير .... الأسبق بتحديدها بذلك المكان المتميز مما أتاح للمتهم فرصة
بيعها بمبلغ قدره 2.570.880 جنيه محققاً من ذلك كسباً غير مشروع بلغ قدره مليوناً
وثمانمائة ألف جنيه ، ما كان للمتهم أن يحصل على تلك القطعة إلَّا استغلالا لصفته
الوظيفة كوزير .... مخالفاً بذلك ما يحظره الدستور من تعامل الوزير في أموال
الدولة بيعاً وشراءً درءاً لتلك الشبهة فيكون إجمالي ما حققه .... من كسب غير مشروع من استغلال لصفته الوظيفية مبلغ 6.377.200
جنيه ستة ملايين وثلاثمائة وسبعة وسبعين ألفاً ومائتي جنيه " ، وأورد
على ثبوتها في حقه على تلك الصورة أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وما ثبت من
ملاحظات بتقرير هيئة الفحص بجهاز الكسب غير المشروع . لما كان ذلك ، ولئن كان من
المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص واقعة
الدعوى من أدلتها وسائر عناصرها ، إلَّا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً
وأن يكون
الدليل الذى تعول عليه مؤدياً إلى ما رتبه عليه حكمها من نتائج بغير تعسف في
الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق ، وكان المقصود بالكسب غير المشروع كل
مال تملكه الموظف أو من في حكمه فصار ضمن ذمته المالية عنصراً من عناصرها باستغلال
ما تسبغه عليه وظيفته أو يخوله مركزه من إمكانيات تطوع له الاجتزاء على محارم
القانون ، مما يمس ما يفترض في الموظف العام أو من في حكمه من الأمانة والنزاهة ،
والكسب غير المشروع أخذاً من نص قانونه رقم 62 لسنة 1975 لا يعدو صورتين الأولى:
وهى المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون المذكور وهى
التي يثبت فيها في حق الموظف - ومن في حكمه أيا كان نوع وظيفته - استغلاله بالفعل
لأعمال أو نفوذ أو ظروف وظيفته أو مركزه وحصوله كذلك بالفعل على مال مؤثم نتيجة
لهذا الاستغلال وهى الصورة التي اعتنقها الحكم في الدعوى الماثلة ، كما أن من
المقرر أنه متى ثبت مصدر الزيادة في ثروة المتهم ، وكان هذا المصدر من شأنه إنتاج
الزيادة في ماله فقد انتفت القرينة التي افترضها الشارع ولم يجز من بعد اعتباره
عاجزاً عن إثبات مصدره ، وأنه متى كانت الزيادة في ثروة المتهم ترجع إلى مصدر لا
شأن له بالوظيفة مشروعاً كان أو غير مشروع فلا يصح إسنادها بمقتضى القرينة العامة
إلى الوظيفة . لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم بياناً لواقعة الدعوى جاء غامضاً
ولا يبين منه أركان الجريمة المسندة إلى الطاعن إذ لم يبين أن الطاعن حصل على
الكسب بسبب استغلاله بالفعل لأعمال أو نفوذ أو ظروف وظيفته أو مركزه ووجه هذا
الاستغلال وماهية الإجراءات والنظم المعمول بها التي خالفها وأصدرها الطاعن
مدلولاً على كل ذلك بما أثبته في حقه ، وإنما اعتبر مجرد قيام الوظيفة به دليلاً
على أن ما كسبه غير مشروع، فضلاً عن أن ما أورده الحكم من أقوال شهود الإثبات
والتي عول عليها في إدانة الطاعن قد خلت من تفاصيل الوقائع والأفعال التي قارفها
الطاعن والمثبتة لارتكابه تلك الجريمة بعناصرها القانونية وحسبما استخلص الحكم
منها بيانه صورة الواقعة وما عدده من صور استغلال الوظيفة وما نتج عنه من كسب محرم، إذ إنها
لا تكشف في مجموعها عن أن الطاعن قد أتى عملاً من جانبه يفصح عن تدخله لدى وزير
... الأسبق ولدى المسئولين في الجهات الأخرى وهو ما عول عليه الحكم في استخلاص أنه انحرف بوظيفته انحرافاً يؤدى إلى التأثيم ، واكتفى في ذلك كله بعبارات
عامة مجملة ومجهلة
لا يبن منها مقصود الحكم في شأن الواقع المعروض الذى هو مدار الأحكام ولا يتحقق
بها الغرض الذى قصده الشارع من إيجاب تسبيبها من الوضوح والبيان ، فإن الحكم يكون
فوق قصوره في التسبيب وفساده في الاستدلال قد أخطأ في تطبيق القانون .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت
النيابة العامة الطاعن بأنه :
- بصفته من القائمين بأعباء السلطة العامة رئيس الهيئة
العامة .... ثم وزيراً .... ثم وزيراً .... حصل لنفسه على كسب غير مشروع مقداره
33399188 ثلاثة وثلاثون مليوناً وثلاثمائة وتسعة وتسعون ألفاً ومائة وثمانية
وثمانون جنيهاً بسبب استغلاله لنفوذ وظيفته وعجز عن إثبات مصدر مشروع لما طرأ من
زيادة غير مبررة في ثروته على النحو المبين بالتحقيقات ومن صـور ذلك الاستغلال :
أ- شراء الوحدة السكنية بالبرج
رقم .... بثمن بخس وبأقساط طويلة الأمد لم تمنح لغيره من المشترين من الشركة
البائعة ولم يلتزم بسداد الأقساط في مواعيد استحقاقها مما كان ينبغي معه فسخ
التعاقد ورد ما دفعه بعد خصم 5% مما سدده إعمالاً لشروط العقد إلَّا أن استغلاله
لصفته أتاح له رد الوحدة المشتراة والحصول بغير حق على كسب غير مشروع مقداره مبلغ
أربعة ملايين ونصف المليون جنيه .
ب - استغل نفوذ وظيفته بالتدخل لدى وزير ....
الأسبق في الحصول على قطعة أرض متميزة القطعة رقم .... بحي .... دون اتباع
الإجراءات القانونية المنصوص عليها باللائحة العقارية التي تنظم بيع هيئة
المجتمعات العمرانية الجديدة للأراضي التابعة لها فضلاً عن مخالفته لنص المادة 158
من دستور 1971 المعمول به آنذاك المقابلة لنص المادة 158 من الدستور الحالي والتي
تحظر على الوزير أن يشترى شيئاً من أموال الدولة وأن يبيعها شيئاً من أمواله ،
وتصرف بالبيع في تلك الأرض محققاً من وراء ذلك كسباً غير مشروع مقداره مليونان
وخمسمائة وسبعون ألفاً وثمانون جنيه .
جـ - بصفته سالفة البيان حقق كسباً غير مشروع بلغ
مقداره ستة وعشرين مليون ومائتين وثلاثة وستين ألفاً وثلاثمائة وثمانية جنيهات
تمثل الزيادة التي طرأت على ثروته وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها وذلك على النحو
المبين بالتحقيقات وتقارير الخبرة الفنية المرفقة .
د - أجرى أعمالاً إنشائية بالفيلا المملوكة له بمنطقة
.... بأقل من قيمتها عن أسعار المثل السائدة في ذلك الوقت مستغلاً نفوذ وظيفته
فحقق كسباً غير مشروع مقداره خمسة وستون ألف جنيه .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً
للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة
المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1/1 ، 2/1 ، 5 ، 10 ، 18/1 من القانون رقم 62
لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع وبعد أن أعملت في حقه المواد 17 ، 55 ، 56 من
قانون العقوبات . بمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وتغريمه مبلغ مليون
وثمانمائة ألف جنيه وألزمته بالمصاريف الجنائية وأمرت بوقف تنفيذ عقوبتي الحبس
والغرامة المقضي بهما لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم – بالنسبة للتهمة (ب) وهي
جريمة
الكسب غير المشروع تأسيساً على استغلاله لنفوذ وظيفته - .
فطعنت
النيابة العامة والمحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
أولاً : عن الطعن المقدم من النيابة العامة :-
حيث
إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بعدم جواز نظر الدعوى عن
الواقعة الأولى بوصف الاتهام - واقعة شراء الوحدة السكنية بمشروع .... - المسندة
إلى المطعون ضده تأسيساً على سابقة صدور أمر بألَّا وجه لإقامة الدعوى الجنائية
فيها من نيابة الأموال العامة العليا قد أخطأ في تطبيق القانون ، ذلك بأن الأمر
الذى اعتمد عليه الحكم لم يصدر إلَّا عن جرائم العدوان على المال العام فلا تستطيل
حجيته إلى جريمة الكسب غير المشروع التي رفعت بشأنها الدعوى الجنائية لاستقلال كل
من الجريمتين عن الأخرى ، كما شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال إذ قضى
ببراءة المطعون ضده من تهمة الكسب غير المشروع المسندة إليه عن الواقعتين الثالثة
والرابعة بأمر الإحالة ذلك أنه أقام قضاءه على أسباب لا تؤدى إلى ما انتهى إليه ،
واطرح الدليل المستمد من أقوال شهود الإثبات وتقارير الخبراء التي تقطع بارتكابه
سائر صور الكسب غير المشروع بعبارة مجملة ودون أن يفند أدلة الثبوت أو يعني ببحث
باقي عناصر الذمة المالية له مما أسله إلى الخطأ في قيمة المبالغ المقضي بردها
والغرامة التي ألزمه بها وهو ما ينبئ عن عدم إحاطة المحكمة بوقائع الدعوى وأدلتها
، ويعيب الحكم بما يستوجب نقضه .
حيث إن الحكم المطعون فيه ، وإن سكت في منطوقه عن
القضاء بعدم جواز نظر الدعوى عن
الواقعة الأولى بقرار الاتهام المسندة إلى المطعون ضده وبراءته من الواقعتين
الثالثة والرابعة - واقعة استغلال نفوذ
وظيفته في شراء الوحدة السكنية .... وما حققه من كسب غير مشروع منها ، وواقعتي تحقيقه مبلغ قدره ستة وعشرون مليوناً
ومائتان وثلاثة وستون ألفاً وثلاثمائة وثمانية جنيهات من الكسب غير المشروع
نتيجة زيادة طرأت في ثروته وعجزه عن إثبات مصدر مشروع لها ، وإجرائه أعمال إنشائية
بفيلته بـ .... بأقل من قيمتها محققاً كسباً غير مشروع مقداره خمسة وستون ألف جنيه
جراء استغلاله لوظيفته بصفته رئيساً للهيئة العامة .... ثم وزيراً .... ثم وزيراً
.... إلَّا أنه بيَّنهما في أسبابه التي يحمل المنطوق عليها ، والتي تعد جزءًا لا
يتجزأ منه وهو بيان كافٍ ، لما هو مقرر في
القانون من أنه وإن كان الأصل في الأحكام لا ترد الحجية إلَّا على منطوقها ،
إلَّا أن هذه الحجية تمتد بالضرورة إلى ما يكون من الأسباب مكملاً للمنطوق
ومرتبطاً معه ارتباطاً وثيقاً غير متجزئ بحيث لا يكون للمنطوق قوام إلَّا به . لما
كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه حصَّل واقعة الدعوى فيما يخص الواقعة الأولى
بقوله : " .... أن المتهم .... " وزير .... الأسبق " وبصفته من
القائمين بأعباء السلطة العامة ومن الخاضعين لأحكام القانون رقم 62 لسنة 1975 في
شأن الكسب غير المشروع قام بشراء الوحدة رقم .... بمشروع .... التابع للشركة ....
وهى إحدى الشركات المساهمة المصرية - وذلك في يوم .... ومساحتها .... بسعر إجمالي
قدره مليون وخمسمائة وأربعة وأربعون ألف جنيه وذلك بالتقسيط - إذ سدد مقدماً لها
مبلغاً قدره مائتي ألف جنيه ودفع ثلاثمائة ألف جنيه أخرى على أقساط - أي بما يوازى
سعر المتر أربعة آلاف جنيه - حال أن سعر المتر في ذلك الوقت بذلك المكان يبلغ 12190
جنيه اثنى عشر ألفا ومائة وتسعين جنيهاً أي أن إجمالي سعر الوحدة هو مبلغ
4.789.840 جنيه فيكون قد اشترى تلك الوحدة السكنية بأقل من سعرها الحقيقي بمبلغ
ثلاثة ملايين ومائتين وخمسة وأربعين ألفاً وثمانمائة وأربعين جنيهاً ، وفى
../../.... طلب فسخ العقد الخاص بتلك الوحدة وكان مقتضى إعمال نصوص ذلك العقد أن
يسترد ما دفعه مخصوماً منه مبلغ 5% إلَّا أنه استغلالاً
لنفوذ وظيفته طلب من رئيس مجلس إدارة الشركة آنذاك الحصول على مبلغ خمسة ملايين
جنيه نظير ذلك الفسخ وكان له ما أراد فصدر له شيك بذلك المبلغ محققاً كسباً غير
مشروع لنفسه من تلك الواقعة قدره أربعة ملايين وخمسمائة وسبعة وسبعون ألفاً ومائتا
جنيه تمثل الفرق بين ما كان يجب أن يحصل عليه بالفعل جراء فسخ العقد وهو 475 ألف
جنيه وما حصل عليه فعلاً وهو خمسة ملايين جنيه ، وقد انقضت الدعوى الجنائية في تلك
الواقعة لصدور قرار من نيابة الأموال العامة العليا بألا وجه لإقامة الدعوى
الجنائية لعدم الأهمية لسداد المتهم لمبلغ أربعة ملايين وخمسمائة وسبعة وسبعين ألفاً
ومائتي جنيه لصالح شركة .... بموجب شيكات آجلة الدفع على زوجته .... " ، وكان
من المقرر أن الأمر الصادر من سلطة التحقيق بأن
لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية له حجيته التي تمنع من العودة إلى الدعوى الجنائية
مادام قائماً لم يلغ ، فلا يجوز مع بقائه قائماً إقامة الدعوى الجنائية عن
الواقعة ذاتها التي صدر فيها لأن له في نطاق حجيته ما للأحكام من قوة الأمر المقضي
، وكان من المقرر أن مناط حجية الأحكام هي وحدة الخصوم والموضوع والسبب ويجب للقول
باتحاد السبب أن تكون الواقعة التي يحاكم المتهم عنها هي بعينها الواقعة التي كانت
محلاً للحكم السابق ، كما وأن مفاد نص المادتين 454 ، 455 من قانون الإجراءات
الجنائية وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - أنه يحظر محاكمة الشخص
عن الفعل ذاته مرتين ، وأنه إذا رفعت الدعوى عن واقعة معينة بوصف معين وحكم فيها
فلا يجوز بعد ذلك رفع الدعوى عن تلك الواقعة ذاتها بوصف جديد ومناط وحدة الواقعة
التي تمنع من إعادة المحاكمة ولو تحت وصف جديد أن يتحد الأساس الذى أقيمت عليه
الوقائع في الدعويين ، وكان القول بوحدة الجريمة أو بتعددها هو من التكييف
القانوني الذى يخضع لرقابة محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان البيِّن من مذكرة
نيابة الأموال العامة العليا في القضية رقم .... لسنة .... حصر أموال عامة عليا -
المرفق صورتها الرسمية بالأوراق - أن النيابة أصدرت بتاريخ ../../.... أمراً
بألَّا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم الأهمية عن عدة وقائع من بينها واقعة
استيلاء المطعون ضده - في الدعوى الراهنة - على المال العام البالغ قدره 4.577.200
أربعة ملايين وخمسمائة سبعة وسبعين ألفاً ومائتي جنيه وذلك عن واقعة شرائه لوحدة
سكنية بـ .... ، لسداده هذا المبلغ وهى ذات الواقعة الأولى الواردة بأمر الإحالة
في دعوى الكسب غير المشروع المطروحة ، لما هو مقرر من أن جريمة الاستيلاء على
المال العام وجريمة الكسب غير المشروع - بخصوص الواقعة السالف بيانها - ولئن لزم لقيام كل منهما عناصر وأركان قانونية ذاتية
تتغاير في إحداها عن الأخرى ، إلَّا أن الفعل المادي المكون للجريمتين واحد وهو
حصول المطعون ضده على المال آنف البيان سواء عن طريق الاستيلاء عليه أو
كسبه بطريق غير مشروع ، ومن ثم فإن الواقعة المادية التي تتمثل في الحصول على ذلك
المال هي عنصر مشترك بين كافة الأوصاف القانونية التي يمكن أن تعطى لها والتي
تتباين صورها بتنوع وجه المخالفة للقانون ، ولكنها كلها ناشئة عن حصول المطعون ضده
على المال التي تمت مخالفة للقانون ، وهو ذات الأساس الذى أقيمت عليه الوقائع في الدعويين ، وكان الثابت بالأوراق أن هذا
الأمر لا زال قائماً لم يلغ ممن يملك إلغاءه - وهو ما لا تدعيه النيابة العامة
الطاعنة - فإنه ما كان يجوز للنيابة العامة - من بعد - العودة إلى تقديم
المتهم للمحاكمة عن هذه الواقعة بوصف جديد ، ومن ثم فإن ما انتهى إليه الحكم
المطعون فيه من القضاء بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية لسابقة صدور أمر بأن لا وجه
لإقامة الدعوى الجنائية فيها يكون قضاء سليماً لا يخالف القانون ، ويضحى ما تثيره الطاعنة
في هذا الصدد غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه صرح بأنه " لا
يطمئن إلى ما ورد بأمر الإحالة في شأن واقعة تحقيق المتهم لكسب غير مشروع مقداره
ستة وعشرون مليوناً ومائتان وستون ألف جنيه - تمثل الزيادة التي طرأت على ثروته -
وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها أو استغلاله نفوذه الوظيفي في إنشاء حمام سباحة
بفيلته بأقل من السعر المناسب - تأسيساً على ما ثبت للمحكمة من أن ذلك المبلغ قد
تحقق للمتهم وزوجته من نشاط مشروع وهو تحقيق أرباح من نشاط المجموعة الثقافية مما
يعد دخلاً مشروعاً للمتهم وكذا ملاءمة السعر الذى أنشأ به حمام السباحة ، وأن
اللجنة التي شكلتها المحكمة انتهت إلى عدم وجود كسب غير مشروع من الناحية الحسابية
للمتهم في نطاق ما بحثته حسابياً " . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يكفى في
المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكى
تقضى له بالبراءة مادام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة
الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ووازنت بين أدلة النفي فرجحت دفاع
المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الاتهام ، وكانت المحكمة قد خلصت إلى عدم
اطمئنانها إلى أدلة الثبوت ورجحت دفاع المتهم وهو ما يدخل في سلطتها بغير معقب
عليها ، فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الخصوص ينحل في حقيقته إلى جدل موضوعي لا
يثار لدى محكمة النقض . لما كان ذلك ، فإن ما تنعاه النيابة العامة - الطاعنة -
على الحكم المطعون فيه من أنه لم يمحص أدلة
الثبوت التي قام عليها الاتهام لا يكون له محل ، ولما هو مقرر كذلك من أن
محكمة الموضوع لا تلتزم في حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت
ما دام أنها قد رجحت دفاع المتهم وداخلتها الريبة والشك في عناصر الإثبات ، ولأن
في إغفال التحدث عنها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى
إدانة المطعون ضده . لما كان ما تقدم فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه
موضوعاً .
ثانياً :
عن الطعن المقدم من الطاعن .... :-
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم
المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الكسب غير المشروع تأسيساً على استغلاله لنفوذ
وظيفته قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وأخطأ في تطبيق القانون
لعدم بيان الدليل الذى خلص منه إلى أنه حصل على الكسب بسبب استغلاله بالفعل لنفوذ
الوظيفة ، وأن الوظيفة هي التي أتاحت هذا الاستغلال ، واعتبر الحكم مجرد قيام الوظيفة دليلاً على أن ما كسبه غير مشروع
، وهو ما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه حصَّل واقعة
الدعوى فيما دان الطاعن فيه بقوله
" .... كما أن المتهم .... قد استغل صفته كوزير .... بجمهورية مصر العربية
واستطاع أن يحصل لنفسه على قطعة أرض مساحتها .... هي القطعة رقم .... ــــ حيث تم
تخصيصها له في ../../.... من جهاز مدينة .... بتعليمات من وزير .... الأسبق وبصفته
الرئيس الأعلى لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة حيث خصصت له تلك القطعة وبموقع
متميز بمبلغ 770880 جنيه بقرار من وزير .... الأسبق استجابة منه لطلب .... كوزير
.... بذات الوزارة وبتوجيهات من وزير .... الأسبق بتحديدها بذلك المكان المتميز
مما أتاح للمتهم فرصة بيعها بمبلغ قدره 2.570.880 مليون جنيه محققاً من ذلك كسباً
غير مشروع بلغ قدره مليوناً وثمانمائة ألف جنيه، ما كان للمتهم أن يحصل على تلك
القطعة إلَّا استغلالاً لصفته الوظيفة كوزير .... مخالفاً بذلك ما يحظره الدستور
من تعامل الوزير في أموال الدولة بيعاً وشراءً درءاً لتلك الشبهة فيكون إجمالي ما
حققه .... من كسب غير مشروع من استغلال لصفته الوظيفية مبلغ 6.377.200 جنيه ستة
ملايين وثلاثمائة وسبعة وسبعين ألفاً ومائتي جنيه " ، وأورد على ثبوتها في
حقه على تلك الصورة أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وما ثبت من ملاحظات بتقرير
هيئة الفحص بجهاز الكسب غير المشروع . لما كان ذلك ، ولئن كان من المقرر أن لمحكمة
الموضوع أن تستخلص واقعة الدعوى من أدلتها وسائر عناصرها ، إلَّا أن ذلك مشروط بأن
يكون استخلاصها سائغاً وأن يكون الدليل الذى تعول عليه مؤدياً
إلى ما رتبه عليه حكمها من نتائج بغير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر مع حكم
العقل والمنطق ، وكان المقصود بالكسب غير المشروع كل مال تملكه الموظف أو من في حكمه فصار ضمن ذمته المالية عنصراً من عناصرها
باستغلال ما تسبغه عليه وظيفته أو يخوله مركزه من إمكانيات تطوع له الاجتزاء على
محارم القانون ، مما يمس ما يفترض في الموظف العام أو من في حكمه من الأمانة والنزاهة ، والكسب غير
المشروع أخذاً من نص قانونه رقم 62 لسنة 1975 لا يعدو صورتين الأولى: وهى المنصوص
عليها في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون المذكور وهى التي يثبت فيها
في حق الموظف - ومن في حكمه أيا كان نوع وظيفته - استغلاله بالفعل لأعمال أو نفوذ
أو ظروف وظيفته أو مركزه وحصوله كذلك بالفعل على مال مؤثم نتيجة لهذا الاستغلال
وهى الصورة التي اعتنقها الحكم في الدعوى الماثلة ، كما أن من المقرر أنه متى ثبت مصدر
الزيادة في ثروة المتهم ، وكان هذا المصدر من شأنه إنتاج الزيادة في ماله فقد
انتفت القرينة التي افترضها الشارع ولم يجز من بعد اعتباره عاجزاً عن إثبات مصدره ، وأنه متى كانت الزيادة في ثروة المتهم ترجع
إلى مصدر لا شأن له بالوظيفة مشروعاً كان أو غير مشروع فلا يصح إسنادها
بمقتضى القرينة العامة إلى الوظيفة . لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم بياناً
لواقعة الدعوى جاء غامضاً ولا يبين منه أركان الجريمة المسندة إلى الطاعن إذ لم
يبين أن الطاعن حصل على الكسب بسبب استغلاله بالفعل لأعمال أو نفوذ أو ظروف وظيفته
أو مركزه ووجه هذا الاستغلال وماهية الإجراءات والنظم المعمول بها التي خالفها
وأصدرها الطاعن مدلولاً على كل ذلك بما أثبته في حقه ، وإنما اعتبر مجرد قيام
الوظيفة به دليلاً على أن ما كسبه غير مشروع ، فضلاً عن أن ما أورده الحكم من
أقوال شهود الإثبات والتي عول عليها في إدانة الطاعن قد خلت من تفاصيل الوقائع
والأفعال التي قارفها الطاعن والمثبتة لارتكابه تلك الجريمة بعناصرها القانونية
وحسبما استخلص الحكم منها بيانه صورة الواقعة وما عدده من صور استغلال الوظيفة وما
نتج عنه من كسب محرم ، إذ إنها لا تكشف في مجموعها عن أن الطاعن قد أتى عملاً من
جانبه يفصح عن تدخله لدى وزير .... الأسبق ولدى المسئولين في الجهات الأخرى وهو ما
عول عليه الحكم في استخلاص أنه انحرف بوظيفته انحرافاً يؤدى إلى التأثيم ، واكتفى
في ذلك كله بعبارات عامة مجملة ومجهلة لا يبن منها مقصود الحكم في شأن الواقع
المعروض الذى هو مدار الأحكام ولا يتحقق بها الغرض الذى قصده الشارع من إيجاب
تسبيبها من الوضوح والبيان ، فإن الحكم يكون فوق قصوره في التسبيب وفساده في
الاستدلال قد أخطأ في تطبيق القانون ، وهو ما يعيبه بما يوجب نقضه والإعادة دون
حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن المقدمة من الطاعن .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ