جلسة 21 من نوفمبر سنة 1987
برئاسة السيد الأستاذ المستشار عزيز بشاي سيدهم نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة د. محمد جودت الملط ومحمد محمود البيار ومحمد معروف محمد وفريد نزيه تناغو المستشارين.
-----------------
(29)
الطعن رقم 2921 لسنة 29 القضائية
عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - الواجبات الوظيفية والمخالفات التأديبية - المادة (77) من القانون رقم 47 لسنة 1978.
لا يسأل الموظف العام عن ممارسة زوجته للتجارة - أساس ذلك: استقلال الذمة المالية للزوجين - ثبوت اشتراك الزوج في إدارة المحل التجاري ملك الزوجة ووجود علاقة بين نشاط المحل وأعمال الوظيفة يلقي ظلالاً من الشك ويمثل خروجاً من الموظف على واجبات وظيفته - تطبيق.
إجراءات الطعن
بتاريخ 8/ 5/ 1983 أودع الأستاذ........ المستشار المساعد بإدارة قضايا الحكومة نائباً عن الطاعنين المشار إليهم بقلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بأسيوط بجلسة 10/ 3/ 1983 في الدعوى رقم 102 لسنة 9 ق المقامة من السيد/ ........ ضد الطاعنين والقاضي بإلغاء الجزاء المطعون فيه، وطلب الطاعنون في ختام تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض الدعوى المقامة من المطعون ضده.
وقامت هيئة مفوضي الدولة بتحضير الطعن حيث حضر أمامها محامي المطعون ضده وقدم حافظة مستندات، وانتهت هيئة مفوضي الدولة في التقرير المقدم منها إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه.
ونظرت دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة الطعن بجلسة 22/ 4/ 1987 حيث حضر محامي الجهة الإدارية الطاعنة ومحامي المطعون ضده، وبهذه الجلسة قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - دائرة رابعة - وحددت لنظره جلسة 23/ 5/ 1987 وبتلك الجلسة نظرت المحكمة الطعن وحضر أمامها محامي الجهة الإدارية الطاعنة ومحامي المطعون ضده وقدم الأخير مذكرة انتهى فيها إلى طلب الحكم برفض الطعن، وتأجيل نظر الطعن لجلسة 4/ 10/ 1987، وبتلك الجلسة قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على منطوقه وأسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وسماع المرافعة والمداولة قانوناً.
ومن حيث إن الطعن أقيم في الميعاد القانوني واستوفى أوضاعه الشكلية فإنه يتعين قبوله شكلاً.
ومن حيث إنه بالنسبة لموضوع الطعن فإن عناصر هذه المنازعة تتحصل في أنه بتاريخ 1/ 9/ 1982 أقام السيد/ ....... الدعوى رقم 102 لسنة 9 ق أمام المحكمة التأديبية بمدينة أسيوط بصحيفة دعواه المودعة بقلم كتابها في هذا التاريخ وذلك طعناً على قرار السيد وكيل وزارة التربية والتعليم بأسيوط رقم 200 لسنة 1982 القاضي بمجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه، وقال المدعي في هذه الدعوى أنه يعمل موجهاً للتربية الرياضية بالإدارة التعليمية بمنفلوط بمحافظة أسيوط وبمناسبة تحقيق آخر لا علاقة له بموضوعه صدر قرار الجزاء المشار إليه بمقولة أنه قام بإجراء حركة انتدابات بين مدرسي التربية الرياضية بالمدارس الابتدائية دون عرض مشروع الحركة على التعليم الابتدائي بالإدارة أو المديرية ومخالفة تعليمات وكيل الوزارة في هذا الشأن، كما أنه قام بمزاولة أعمال تجارية تتصل بأعمال وظيفته وأضاف المدعي أنه قام بالتظلم من هذا القرار في 21/ 6/ 1982 إلا أنه لم يتلق رداً على تظلمه، وانتهى المدعي إلى طلب الحكم بإلغاء قرار الجزاء المشار إليه تأسيساً على أنه لم يقم بإجراء حركة الانتدابات التي أشار إليها القرار كما لم يواجه بهذا الاتهام في التحقيق وكذلك فإنه لا يمارس أي نشاط تجاري، وإنما زوجته هي التي تمارس التجارة دون علاقة له بذلك.
وبجلسة 10/ 3/ 1983 قضت المحكمة التأديبية بأسيوط بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار الجزاء المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وأسست المحكمة حكمها على أن قرار الجزاء الطعين صدر استناداً إلى أساسين أولهما أن الطاعن قام بإجراء حركة انتدابات بين مدرسي التربية الرياضية بالمدارس الابتدائية دون عرض مشروعها على التعليم الابتدائي بالإدارة أو المديرية. وثانيهما مزاولة أعمالاً تجارية تتصل بأعمال وظيفته، وبالنسبة للأساس الأول الذي بني عليه قرار الجزاء فقد ثبت من التحقيقات مواجهة المدعي بهذا الاتهام وأن الطاعن أعد مشروع حركة الانتدابات إلا أنها لم تصدر إذ صدر قرار بوقفها حسبما قرر السيد/ ...... رئيس الأقسام بالإدارة التعليمية بمنفلوط كما شهد المذكور كذلك بأن عدم قيام المدعي بعرض الحركة عليه كان بسبب قيامه بإجازة في ذلك التاريخ، وقد أودع المدعي بمحافظة مستنداته بملف تظلمه صور خطابات صادره من وكيل الوزارة المختص وموجهة إلى مدير إدارة منفلوط التعليمية توصي باختصاص الطاعن بأعمال التنسيق وسد العجز بين مدرسي التربية الرياضية وهو ما فهم معه المدعي أن له ثمة اختصاص في هذا الشأن، ولئن كان من مقتضيات الدقة وجوب مراعاة التعليمات التي تصدرها الجهة الرئاسية لتنظيم العمل إلا أنه لا يتطلب من العامل دائماً أن يكون متوافقاً في فهمه لهذه التعليمات مع مقاصد مصدرها في حالة غموضها وخفاء أحكامها واحتمال اللبس في إدراك مضمونها، ومقتضى ذلك عدم قيام المخالفة المشار إليها.
وأضافت المحكمة التأديبية بأسيوط في حكمها أنه بالنسبة للمخالفة الثانية التي تتمثل في قيام المدعي بمزاولة أعمال تجارية تتصل بوظيفته فإنه يبين من الاطلاع على التحقيقات والمستندات المقدمة من المدعي أنه لا يمتلك شخصياً محلاً تجارياً، وإنما زوجته هي التي تمتلك محل "مونتريال" للأدوات الرياضية إلا أنه من التحقيقات ثبت أن المدعي يقوم بإدارة هذا المحل في بعض الأوقات ويوقع على الفواتير الصادرة منه وهو أمر محظور عليه ويمثل إتيانه مخالفة تأديبية تستوجب المؤاخذة دون أن يشفع له في ذلك الادعاء في مذكرة دفاعه بأنه كان يحل محل زوجته في خلال فترة مرضها فقط لأن ذلك وضع يعوزه الدليل، كما أنه دفاع غير مقبول لأن قيام المدعي ولو لبعض الوقت بإدارة محل تجاري خاصة وأن يتعامل في الأدوات الرياضية التي تشتريها المدارس ويعتبر خروجاً على واجبات وظيفته وهو موجه للتربية الرياضية بذات المركز الواقع به مقر المحل.
وأضافت المحكمة التأديبية بأسيوط أن القرار الطعين استند إلى ارتكاب المدعي لمخالفتين إداريتين ثبت في حقه إحداهما فحسب فيكون القرار صدر غير مستند إلى كامل سببه مما يكون معه الجزاء التأديبي الوارد به غير متناسب مع ما ثبت في حقه المدعي على ما تقدم مما يوجب القضاء بإلغائه لتقوم جهة الإدارة بمعاودة تقرير الجزاء المناسب لما ثبت في حقه من مخالفة. ومن ثم انتهت المحكمة التأديبية إلى الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار الجزاء المطعون عليه.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل المقام من الجهة الإدارية وهو مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك أن الثابت من الأوراق وعلى نحو ما أقره الحكم المطعون فيه أن المطعون ضده السيد/ ....... قد اقترف المخالفة الأولى الخاصة بحركة الانتدابات إلا أن الحكم المطعون فيه يذهب إلى انتفاء مسئولية المطعون ضده عنها بمقولة عدم فهمه للتعليمات التي منحته اختصاصات بتنسيق الترشيحات بينما هذا الأمر لا ينفي قيام الذنب الإداري في حقه ذلك أنه أعد مشروع حركة الندب دون عرضها على مدير عام التعليم الابتدائي المختص بذلك بمقولة عدم تواجده رغم ثبوت تواجده حسبما ورد بالتحقيقات، وقد عرض هذه الحركة على مدير آخر غير مختص بذلك.
ولما كانت المخالفة الثانية ثابتة في حق المذكور ومن ثم انتهت الجهة الإدارية الطاعنة إلى طلب إلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى المقامة من المطعون ضده.
ومن حيث إنه على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة فإن الطعن أمامها يطرح المنازعة في الحكم المطعون فيه برمتها ويفتح الباب أمامها لتزن هذا الحكم بميزان القانون، والمرد في ذلك هو إلى مبدأ المشروعية نزولاً على سيادة القانون في رابطة من روابط القانون العام.
ومن حيث إن التهمة الثانية المنسوبة إلى المطعون ضده ثابتة في حقه من أقوال الشهود الذين أدلوا بأقوالهم في التحقيقات الإدارية ومن المستندات المقدمة فيها وأقوال المطعون ضده ذاته في تلك التحقيقات والتي يستخلص منها جميعاً أن المذكور وهو يعمل موجهاً للتربية الرياضية بالإدارة التعليمية بمنفلوط بمحافظة أسيوط قد خرج على مقتضى واجباته الوظيفية وأتى بتصرفات تزعزع الثقة في استقامة القائم بأعبائها وتلقي عليه ظلالاً من الريب في حياته - بدون وجه حق - من وضعه الوظيفي كموجه لمادة التربية الرياضية بالإدارة التعليمية بمنفلوط، وذلك عن طريق مزاولته - ولو في غير أوقات العمل الرسمية ولبعض الوقت - إدارة المحل التجاري المملوك لزوجته والمتخصص في بيع الأدوات والملابس الرياضية بمنفلوط في ذات الدائرة المكانية التي يباشر فيها المطعون فيه عمله المشار إليه، وخاصة فيما ثبت من قيام المطعون ضده بذاته في المحل المذكور ببيع أدوات رياضية لإحدى المدارس الحكومية الخاضعة لإشرافه بوصفه موجهاً للتربية الرياضية وتوقيعه على الفواتير الصادرة من هذا المحل للمدرسة.
ولئن كان من المقرر أن للزوجة ذمة مالية مستقلة عن الزوج بحيث لا يسأل الموظف العام عن ممارسة زوجته للتجارة، إلا أنه من المحظور على الموظف العام طبقاً للمادة 77 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47/ 1978 أن يجمع بين وظيفته وبين أي عمل آخر يؤديه بالذات أو بالوساطة إذا كان هذا العمل لا يتفق مع مقتضيات وظيفته ومن المحظور عليه أن يزاول أي أعمال تجارية وبوجه خاص أن يكون له "أي مصلحة في أعمال تتصل بأعمال وظيفته" وذلك حتى يتأبى الموظف العام عن مواطن الزلل والشبهات ويلتفت إلى أعمال وظيفته ومقتضيات تقلده لمنصب عام دون أن يكون شغله لهذا المنصب مع ما يصاحبه من مكنات وسلطات مجالاً لتربحه ونفعه الشخصي بدون وجه حق.
وعلى هذا المقتضى ولئن كان تملك زوجة المطعون ضده للمحل التجاري ومزاولتها التجارة لا يشكل في حد ذاته أية مخالفة تأديبية قبله، إلا أن ثبوت اشتراكه في إدارة هذا المحل المتخصص في بيع الأدوات الرياضية وقيامه بذاته في المحل ببيع الأدوات الرياضية للمدارس الخاضعة لإشرافه كموجه للتربية الرياضية إنما يثبت توافر مصلحته الشخصية في أداء هذه الأعمال المتصلة بأعمال وظيفته، ويلقي ظلالاً من الريب على تربحه بدون وجه حق من وضعه الوظيفي هذا استناداً إلى ما توفره له وظيفته من سلطات ومكنات فيعد ذلك خروجاً على مقتضى واجباته الوظيفية والثقة الواجب توافرها فيه الأمر الذي يكون معه هذا الموظف مقترفاً لذنب إداري يحق معه توقيع الجزاء التأديبي عليه.
ومن حيث إنه أياً كان الرأي في مدى قيام المخالفة الأولى المنسوبة للمدعي، فإن المخالفة الثانية سالفة الإيضاح ثابتة في حقه وهي تشكل مخالفة جسيمة لمقتضيات وظيفته والثقة الواجب توافرها فيه بحيث تكفي وحدها لحمل القرار التأديبي الصادر ضده بمجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه، الأمر الذي يكون معه الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه حينما قضى بإلغاء القرار التأديبي المشار إليه، مما يتعين معه الحكم بإلغائه وبرفض دعوى المطعون ضده.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى المقامة من المطعون ضده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق