باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من فبراير سنة 2024م،
الموافق الثاني والعشرين من رجب سنة 1445ه.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم
والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء
الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة
وحضور السيدة المستشار/ شيرين حافظ فرهود رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 41 لسنة 43
قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت المحكمة الإدارية العليا بحكمها الصادر
بجلسة 21/4/2018 ملف الطعنين رقمي 5365 و5786 لسنة 63 قضائية "عليا".
المقام أولهما من
1- أحمد عرابي إسماعيل
2- أحمد عبد الوهاب محمد
والمقام ثانيهما من
حمدي محفوظ علم الدين محمد
ضد
النيابة الإدارية
-----------------
الإجراءات
بتاريخ السابع عشر من مارس
سنة 2021، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الطعنين رقمي 5365 و5786
لسنة 63 قضائية "عليا"، نفاذًا لحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة
21/4/2018، بوقفهما وإحالة أوراقهما إلى المحكمة الدستورية العليا؛ للفصل في
دستورية قرار وزير التنمية المحلية رقم 118 لسنة 2011 بشأن تنظيم الاشتراك في
المشروعات والصناديق والحسابات بالمحافظات.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم اختصاص
المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطيًّا: بعدم قبولها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت هيئة قضايا
الدولة مذكرة تكميلية، وأضافت إلى طلباتها السابقة الحكم - من باب الاحتياط الكلي -:
برفض الدعوى، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل –على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق– في
أن النيابة الإدارية أحالت كلًّا من: أحمد عرابي إسماعيل وأحمد عبد الوهاب محمد
وحمدي محفوظ علم الدين، وآخر، إلى المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا في
الدعوى رقم 160 لسنة 58 قضائية؛ لأنهم في غضون الفترة من 1/7/2011، حتى شهر فبراير
2015، بوصفهم الثابت بتقرير الاتهام، وبدائرة ديوان عام محافظة قنا - خرجوا على
مقتضى الواجب الوظيفي، ولم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة، وخالفوا القواعد والأحكام
المنصوص عليها في القوانين واللوائح المعمول بها، وذلك بعدم تفعيل ومخالفة قرار
وزير التنمية المحلية رقم 118 لسنة 2011 بشأن تنظيم الاشتراك في المشروعات
والصناديق والحسابات بالمحافظات - القرار المحال - على النحو المبين بتقرير
الاتهام في الدعوى المشار إليها. وبجلسة 31/8/2016، حكمت المحكمة التأديبية لمستوى
الإدارة العليا بمجازاة المحال الأول بالإحالة إلى المعاش، وبمجازاة المحال الثاني
بخصم أجر شهر من راتبه، وبمجازاة المحال الثالث بعقوبة اللوم. طعن الأول والثاني
أمام المحكمة الإدارية العليا على الحكم المار ذكره بالطعن رقم 5365 لسنة 63
قضائية "عليا"، كما طعن الثالث على الحكم السالف بالطعن رقم 5786 لسنة
63 قضائية "عليا"، وطلبوا جميعًا الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه
والقضاء مجددًا ببراءتهم مما هو منسوب إليهم.
وإذ تراءى للمحكمة الإدارية العليا – بعد ضمها للطعنين المشار إليهما
للارتباط – أن جوهر ومضمون المخالفات المنسوبة إلى الطاعنين في هذين الطعنين،
حاصله مخالفتهم لأحكام قرار وزير التنمية المحلية رقم 118 لسنة 2011 بشأن تنظيم
الاشتراك في المشروعات والصناديق والحسابات بالمحافظات. ولما كان الثابت أنه لم
يُستدل عليه بسجلات الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، بما مؤداه أنه لم ينشر
بالجريدة الرسمية أو الوقائع المصرية، مما يثير شبهة عدم دستوريته، فقد أحالت
أوراق الطعنين إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية القرار المار ذكره.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقرير اختصاصها ولائيًّا بنظر
دعوى بذاتها يسبق الخوض في شروط قبولها أو موضوعها. ولما كان الدستور الحالي قد
عهد بنص المادة (192) منه، إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بتولي الرقابة
القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وكان قانون المحكمة الدستورية العليا
الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، قد بين اختصاصها وحدد ما يدخل في ولايتها
حصرًا، مستبعدًا من مهامها ما لا يندرج تحتها، فخولها اختصاصًا منفردًا بالرقابة
على دستورية القوانين واللوائح، وينحصر هذا الاختصاص في النصوص التشريعية، أيًّا
كان موضوعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أصدرتها، فلا تنبسط هذه الولاية إلا
على القانون بمعناه الموضوعي، باعتباره منصرفًا إلى النصوص القانونية التي تتولد
عنها مراكز قانونية عامة مجردة، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها
السلطة التشريعية، أو تضمنتها التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية في
حدود صلاحيتها التي ناطها الدستور بها، وتنقبض تلك الرقابة – تبعًا لذلك – عما
سواها.
وحيث إن المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية رقم 380 لسنة 1999 بتنظيم
وزارة التنمية المحلية، قد نصت على أن " تعمل وزارة التنمية المحلية على
تحقيق الأهداف الآتية: التنسيق بين مختلف الجهود التي تعمل لتنمية المجتمعات
المحلية ووحدات الإدارة المحلية في جميع محافظات مصر..."، كما نصت المادة (4)
من ذلك القرار على أن "يمارس وزير التنمية المحلية كافة اختصاصات الوزير
المختص الواردة بالقانون رقم 43 لسنة 1979 وتعديلاته بشأن نظام الإدارة المحلية،
وكذا القانون رقم 110 لسنة 1975 بشأن التعاون الإنتاجي".
وحيث إنه إعمالًا لاختصاص وزير التنمية المحلية السالف البيان، فقد
أصدر بتاريخ 26/6/2011 القرار رقم 118 لسنة 2011 بشأن تنظيم الاشتراك في المشروعات
والصناديق والحسابات بالمحافظات، ناصًّا على الآتي:
المادة الأولى: "يحظر الجمع بين رئاسة أو عضوية أكثر من مجلسين
أو لجنتين لإدارة المشروعات والصناديق والحسابات المقامة بالمحافظات.
كما لا يجوز صرف أية مكافآت أو حوافز أو أية مبالغ مالية من أكثر من
جهتين من الجهات المشار إليها.
ويسري هذا الحظر على مجالس إدارة الصناديق أو الحسابات أو المشاريع
المقامة بالمحافظات أو الوحدات المحلية الأخرى أو مديريات الخدمات".
المادة الثانية: "يطبق الحظر المشار إليه بالمادة الأولى على
جميع المسئولين أو المختصين بالمحافظة وبخاصة شاغلي الوظائف: سكرتير عام، سكرتير
عام مساعد، رئيس حي، رئيس مدينة، رئيس مركز، رئيس قرية، ونوابهم وسكرتيري عموم هذه
الوحدات، وشاغلي وظائف الدرجة العالية أو درجة مدير عام، ومديري عموم المديريات
ووكلائهم والمستشارين والخبراء والمتعاقدين، وسائر الوظائف القيادية
بالمحافظات".
المادة الثالثة: "في حالة مخالفة الحظر الوارد في هذا القرار،
يتعين رد المبالغ الزائدة لموازنة المشروع أو الصندوق أو الحساب، مع إحالة المتسبب
في المخالفة للنيابة الإدارية للتحقيق".
المادة الرابعة: "يلغى كل حكم يخالف القرار".
المادة الخامسة: "على جميع الجهات تنفيذ هذا القرار، ويُعمل به
بعد شهر من تاريخ نشره".
متى كان ما تقدم، وكان القرار المحال قد جاء متضمنًا قواعد تنظيمية
عامة مجردة، تسري على المخاطبين بها، في مجال مشاركتهم في المجالس واللجان الخاصة
بإدارة المشروعات والصناديق والحسابات المقامة بالمحافظات؛ فإنه ينحل بهذه المثابة
إلى تشريع بمعناه الموضوعي، على النحو الذي قصده الدستور والقانون؛ ومن ثم فإن
الفصل في دستورية هذا القرار يدخل في نطاق الرقابة التي تباشرها المحكمة الدستورية
العليا على دستورية القوانين واللوائح، مما يغدو معه الدفع المبدى من هيئة قضايا
الدولة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى فاقدًا لسنده، جديرًا بالالتفات عنه.
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية – وهي شرط لقبولها – مناطها
– وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن
يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر
الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة
الموضوع. متي كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام المحكمة الإدارية العليا، يدور حول
ما نسب إلى الطاعنين من مخالفة القواعد التي انتظمها القرار المحال؛ ومن ثم فإن
الفصل في دستورية هذا القرار يكون ذا أثر مباشر وانعكاس أكيد على الدعوى
الموضوعية، وقضاء تلك المحكمة فيها، وعلى ذلك تغدو المصلحة متحققة في الدعوى
المعروضة.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التحقق من استيفاء النصوص
التشريعية لأوضاعها الشكلية، يعتبر أمرًا سابقًا بالضرورة على الخوض في عيوبها
الموضوعية، كما أن الأوضاع الشكلية سواء في ذلك تلك المتعلقة باقتراحها أو إقرارها
أو إصدارها أو نفاذها، إنما تتحدد على ضوء ما قررته في شأنها أحكام الدستور
المعمول بها حين صدورها. متي كان ذلك، وكان القرار المحال قد صدر بتاريخ
26/6/2011، في ظل العمل بأحكام الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011؛ فإن المحكمة
تباشر رقابتها على دستوريته من الناحية الشكلية في ضوء ما ورد بأحكام الإعلان
الدستوري المار ذكره.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن ما قررته ديباجة
دستور جمهورية مصر العربية تعتبر مدخلًا إليه، وتكون مع الأحكام التي ينتظمها
كلًّا غير منقسم؛ ذلك أن الديباجة، التي تسميها بعض الدساتير العربية
"بالتوطئة"، دلالة على اتصالها بالدستور واندماجها في أحكامه، يعبران
معًا عن الإرادة الشعبية ونتاجها في مجتمعاتها، لتؤكد به الدولة القانونية عزمها
على أن تصوغ بمختلف سلطاتها، تصرفاتها وأعمالها وفق أحكامه، باعتباره القاعدة
الأسمى لنظام الحكم فيها، وعمادًا للحياة الدستورية بكل أقطارها.
وحيث إن ديباجة الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011 – الذي صدر القرار
المحال في ظل العمل به – تضمنت في فقرتها الثالثة الإشارة إلى الاطلاع على البيان
الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 23 من مارس سنة 2011، الذي نُشر في
الجريدة الرسمية - العدد 11 مكرر (أ) بتاريخ 23 من مارس 2011، وقد جاء فيه
"إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة رغبة منه في تكريس دولة القانون خلال هذه
المرحلة الفارقة من تاريخ البلاد وتهيئة مناخ الاستقرار الذي يتيح استنفار كافة
الهمم والطاقات البناءة لشعب مصر العظيم، بما يكفل تقدم البلاد ويمهد لإقامة نظام
حكم جديد، يقوم على دعائم من الحرية والديمقراطية والمساواة وتداول السلطة على
أساس ديمقراطي سليم، ويكفل حماية الحقوق والحريات للمواطنين على أساس من المساواة
والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون......".
وحيث إن تعطيل العمل بأحكام دستور سنة 1971، بمقتضى الإعلان الدستوري
الصادر في 13 من فبراير سنة 2011، ولئن جاء عامًّا، لم يخص الأحكام المتعلقة بنظام
الحكم في الدولة وحدها، فإن تعطيل الأحكام المتعلقة بالحقوق والحريات والواجبات
العامة وسيادة القانون، تنهدم معه – في حال التسليم به - سائر أطر الدولة
القانونية؛ إذ من غير الجائز - بحال – أن تكون الأحكام المتعلقة بحقوق وحريات
الأفراد محلًّا للتعطيل، لأنها أحكام – وإن خلت من بعضها الوثيقة الدستورية –
فإنها تندمج بالضرورة مع سائر أحكامها، في وحدة عضوية متماسكة، اعتبارًا بأن
طبيعتها تتأبى على الوقف، وتستعصي على التعطيل؛ ومن ثم فإن هذه المحكمة تسلط –
دومًا - رقابتها الدستورية على سائر التشريعات الأصلية والفرعية التي تنظم الحقوق
والحريات والواجبات العامة - وإن سكتت عن بيانها الوثيقة الدستورية - صونًا لها من
أي تعدٍ ينال من جوهرها، أو يُهدر مدلولها، أو يطأ مفهومها.
وحيث إن مبدأ خضوع الدولة للقانون مؤداه ألا تخل تشريعات الدولة بالحقوق
التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضًا أوليًّا لقيام الدولة
القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان، ومنها الحقوق المتصلة بالحرية
الشخصية.
وحيث إن كل قاعدة قانونية لا تكتمل في شأنها الأوضاع الشكلية التي
تطلبها الدستور فيها، كتلك المتعلقة باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها أو شروط
نفاذها، إنما تفقد مقوماتها باعتبارها كذلك، فلا يستقيم بنيانها، وكان تطبيقها في
شأن المشمولين بحكمها - مع افتقارها لقوالبها الشكلية - لا يلتئم ومفهوم الدولة
القانونية التي لا يتصور وجودها ولا مشروعية مباشرتها لسلطاتها، بعيدًا عن خضوعها
للقانون وسموه عليها، باعتباره قيدًا على كل تصرفاتها وأعمالها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نشر القاعدة القانونية
ضمانٌ لعلانيتها وذيوع أحكامها واتصالها بمن يعنيهم أمرها، وامتناع القول بالجهل
بها، وكان هذا النشر يُعتبر كافلًا وقوفهم على ماهيتها ومحتواها ونطاقها، حائلًا
دون تنصلهم منها، ولو لم يكن علمهم بها قد صار يقينيًّا، أو كان إدراكهم لمضمونها
واهيًا، وكان حملهم - قبل نشرها - على النزول عليها - وهم من الأغيار في مجال
تطبيقها - متضمنًا إخلالًا بحرياتهم أو الحقوق التي كفلها الدستور لهم، دون التقيد
بالوسائل القانونية التي حدد تخومها وفَصَّل أوضاعها، فقد تعين القول بأن القاعدة
القانونية التي لا تُنشر، لا تتضمن إخطارًا كافيًا بمضمونها ولا بشروط تطبيقها،
فلا تتكامل مقوماتها التي اعتبر الدستور تحققها شرطًا لجواز التدخل بها لتنظيم الحقوق
والواجبات على اختلافها، وعلى الأخص ما اتصل منها بصون الحرية الشخصية، والحق في
الملكية.
متى كان ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق أن قرار وزير التنمية المحلية
رقم 118 لسنة 2011 بشأن تنظيم الاشتراك في المشروعات والصناديق والحسابات
بالمحافظات – المحال - لم يُنشر في الجريدة الرسمية "الوقائع المصرية"؛
ومن ثم فإن تطبيقه دون نشره يخالف مفهوم الدولة القانونية، ويجترئ على الحرية
الشخصية، مما لزامه الحكم بعدم دستوريته.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية قرار وزير التنمية المحلية رقم 118 لسنة
2011 بشأن تنظيم الاشتراك في المشروعات والصناديق والحسابات بالمحافظات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق