الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 19 مارس 2024

الطعن 18615 لسنة 88 ق جلسة 10 / 12 / 2019 مكتب فني 70 ق 153 ص 1066

جلسة 10 من ديسمبر سنة 2019
برئاسة السيـد القاضي/ نبيل عمران نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ محمود التركاوي، د. مصطفـى سالمان، صلاح عصمت نواب رئيس المحكمة وياسر بهاء الدين .
----------------
(153)
الطعن رقم 18615 لسنة 88 القضائية
(2،1) نقض " أثر النقض أمام محكمة الإحالة " .
(1) نقض الحكم والاحالة. التزام محكمة الإحالة بإتباع حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التى فصلت فيها . اكتساب حكم النقض حجية الشىء المحكوم فيه فى المسائل التى بت فيها . أثره . يمتنع على محكمة النقض ذاتها ومحكمة الإحالة المساس بهذه الحجية عند إعادة نظر الدعوى ولو أخطأت محكمة النقض وهى تفصل فى المسألة المطروحة عليها . علة ذلك .
(2) نقض الحكم . أثره . لمحكمة الإحالة أن تقيم قضاءها على فهم جديد لواقع الدعوى وأسس قانونية أخرى لا تخالف قاعدة قانونية قررها الحكم الناقض .
(4،3) نقض " أثر النقض الحكم " .
(3) النقض الكلي في الموضوع يشمل صحة اختصاص المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه . علة ذلك .
(4) أحكام محكمة النقض . عدم جواز تعييبها بأى وجه من الوجوه . وجوب احترامها فيما خلصت إليه أخطأت أم أصابت . علة ذلك . م 272 مرافعات .
(6،5) تحكيم " دعوى بطلان حكم التحكيم " .
(5) فصل الحكم الناقض فى مسألة قانونية بجواز إقامة دعوى بطلان أصلية على حكم التحكيم الصادر وفقًا لأحكام الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية فى الدول العربية وانعقاد الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة بنظرها . لازمه . تقيد محكمة الإحالة بالحكم الناقض . مخالفة الحكم المطعون فيه حُجِية الحكم الناقض . خطأ ومخالفة للقانون .
(6) تصدي محكمة النقض لموضوع دعوى بطلان حكم التحكيم بعد نقض الحكم للمرة الثانية . شرطه . سبق تصدي محكمة استئناف القاهرة للموضوع . قصر قضائها على إجراءات رفع الدعوى أو دفع شكلي دون الموضوع . أثره . عدم جواز تصدي محكمة النقض للموضوع . علة ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المقرر فى قضاء محكمة النقض أنه إذا نَقضت المحكمة حكم محكمة الاستئناف وأحالت القضية إلى المحكمة التى أصدرته فإنه يتحتم على المحكمة الأخيرة أن تتبع الحكم الناقض فى المسألة القانونية التى فصل فيها. والمقصود بالمسألة القانونية فى هذا الشأن هي الواقعة التى تكون قد طُرحت على محكمة النقض وأدلت برأيها فيها عن قصد وبصيرة فيحوز حكمها فى هذا الخصوص حُجية الشىء المحكوم فيه فى حدود ما تكون قد بتت فيه، بحيث يمتنع على المحكمة المُحَال إليها عند إعادة نظرها للدعوى أن تَمَس هذه الحُجية، ويتعين عليها أن تقصر نظرها على موضوع الدعوى فى نطاق ما أشار إليه الحكم الناقض، ولا تستطيع محكمة النقض بدورها عند نظرها ذات الطعن للمرة الثانية أن تسلك ما يتعارض مع تلك الحُجية. وكما لا يجوز لمحكمة النقض ذاتها أن تعيد النظر فيما استنفدت ولايتها بالفصل فيه، فلا يجوز لمحكمة الإحالة - ولا تتسع ولايتها - لأن تتسلط على قضاء الحكم الناقض وألا تتبع حكم محكمة النقض فى المسألة القانونية التى فصل فيها، ولا يشفع لها فى ذلك حتى أن تكون محكمة النقض قد أخطأت وهى تفصل فى المسألة المطروحة عليها، إذ لا معقب على قضائها.
2- من الأصول المقررة أنه ولئن كان لمحكمة الإحالة أن تقيم حكمها على فهم جديد لواقع الدعوى الذى تحصله مما يُقَدَم إليها من دفاع وعلى أسس قانونية أخرى غير التى جاءت بالحكم المطعون فيه واستوجبت نقضه، إلا أن ذلك مشروط بألا تخالف محكمة الإحالة قاعدة قانونية قررتها محكمة النقض فى حكمها الناقض.
3- إذ كان الاختصاص يُعَد مطروحًا على محكمة النقض ولو لم يرد بشأنه نعى فى صحيفة الطعن، ومن ثم فإن النقض الكلى فى الموضوع يشمل صحة اختصاص المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه ويحوز حكم النقض حُجِية الشىء المحكوم فيه فى هذه المسألة ويمتنع على محكمة الإحالة عند إعادة نظر الدعوى المساس بهذه الحُجِية.
4- يدل النص فى المادة 272 من قانون المرافعات على أن أحكام محكمة النقض لا يجوز تعييبها بأى وجه من الوجوه وهى واجبة الاحترام فيما خَلُصَت إليه، أخطأت المحكمة أم أصابت، باعتبار أن محكمة النقض هى قمة السلطة القضائية فى سُلَم ترتيب المحاكم ومرحلة النقض هى خاتمة المطاف فى مراحل التقاضى وأحكامها باتة لا سبيل إلى الطعن فيها.
5- إذ كان الثابت من أوراق الطعن أن الحكم الناقض قد انتهى إلى القضاء بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة استئناف القاهرة للفصل فيها مجددًا بهيئة أخرى، بحكم حائز لقوة الأمر المقضى بين الخصوم أنفسهم، متضمنًا الفصل فى مسألة قانونية تتعلق بجواز إقامة دعوى بطلان أصلية على حكم التحكيم الصادر وفقًا لأحكام الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية فى الدول العربية، وأن يكون ذلك طبقًا لقانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 ومن ثم انعقاد الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة بنظرها، مما كان لازمه أن تتقيد محكمة الاستئناف المُحالة إليها القضية بالحكم الناقض - أيًا ما كان وجه الرأى فيه – وأن تتبعه فى تلك المسألة باعتبار أن الحكم يظل محتفظًا بحُجِيته أمام جميع محاكم الجهة القضائية التى أصدرته إحدى محاكمها فلا تجوز المجادلة فيه أمامها، بل يجب عليها أن تتقيد به لأن قوة الأمر المقضى تسمو على النظام العام. غير أن الحكم المطعون فيه خالف حُجِية الحكم الناقض عن إدراك، وقضى بعدم اختصاص محكمة استئناف القاهرة دوليًا بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم مسببًا قضاءه فى هذا الخصوص بأن الاتفاق على إسناد الفصل فى النزاع موضوع الدعوى للتحكيم طبقًا لأحكام الاتفاقية سالفة الذكر كافٍ لغلق الطريق أمام الاعتصام بالقضاء الوطنى لأى دولة طرف فى الاتفاقية بما فيها جمهورية مصر العربية بإقامة أى دعوى مبتدأة واختصاص محكمة الاستثمار العربية المنشأة بموجب الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية فى الدول العربية بنظرها وأنه لا محل للتمسك بحُجية أحكام القضاء الوطنى متى صدرت بالمخالفة لأحكام الاتفاقية، دون أن يفطن إلى أنه - حكم - صادر عن محكمة استئناف القاهرة وهى إحدى محاكم جهة القضاء العادى صاحب الولاية العامة التى أصدرت الحكم الناقض، ومن ثم وجب عليه الالتزام بحُجِية ذلك الحكم والتقيد بها، وأنه لا يجوز له المجادلة فيها باعتبار أن قوة الأمر المقضى تسمو على النظام العام. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه بما حجبه عن الفصل فى موضوع دعوى بطلان حكم التحكيم، وهو ما يعيبه.
6- إذ كان النص فى الفِقرة الأخيرة من المادة 269 من قانون المرافعات المدنية والتجارية يوجب على محكمة النقض إذا كان الطعن للمرة الثانية أن تحكم فى الموضوع، إلا أن التزام محكمة النقض بذلك لا يقوم أصلًا، فى حالة نظر الموضوع على درجة واحدة – كما هى الحال بالنسبة لاختصاص محكمة استئناف القاهرة بنظر أى دعوى مبتدأة ببطلان أحكام التحكيم - إلا إذا كانت تلك المحكمة قد فصلت فى موضوع النزاع، أما إذا كان قضاؤها قد اقتصر على الفصل فى إجراءات رفع الدعوى أو دفع شكلى فحسب دون الموضوع، فلا يكون لمحكمة النقض في هذه الحالة التصدي للموضوع، إذ يترتب على ذلك اختزال إجراءات التقاضي في مرحلة واحدة حال تصدى محكمة النقض لموضوع النزاع بعد قضائها بنقض الحكم المطعون فيه، وهو أمر يتعارض مع مبادئ العدالة التى لا يجوز إهدارها فى سبيل سرعة الفصل فى دعاوى بطلان حكم التحكيم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضى المقرر، والمرافعة والمداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل فى أن الطاعنين أقاموا على الشركة المطعون ضدها الأولى الدعوى رقم ... لسنة 130ق استئناف القاهرة، بطلب الحكم ببطلان حكم التحكيم الصادر بتاريخ 22/3/2013 فى التحكيم غير المؤسسى الذى عُقدت جلساته بمركز القاهرة الإقليمى للتحكيم التجارى الدولى، والذى قضى بإلزامهم أن يدفعوا لها المبالغ المبينة به والفوائد، وقالوا بيانًا لذلك إن المطعون ضدها الأولى لجأت إلى التحكيم وفقًا لأحكام الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية فى الدول العربية إعمالًا للشرط الوارد فى البند 29 من العقد المبرم بينهما فى 8/6/2006. وأنه بموجب ذلك العقد أسند الطاعنون إليها عملية تنفيذ مشروع استثمار سياحى بمدينة طرابلس بدولة ليبيا، ثم صدر القرار رقم 203 لسنة 2010 بإلغاء المشروع وثار النزاع بينهما فلجأت المطعون ضدها الأولى إلى التحكيم، وإذ صدر لصالحها الحكم المشار إليه كانت الدعوى. وبتاريخ 5/2/2014 قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى لعدم جواز الطعن فى الحكم. طعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم ... لسنة 84ق، وبتاريخ 4/11/2015 نقضت المحكمة الحكم. وبعد أن عجل الطاعنون السير فى الدعوى أمام محكمة استئناف القاهرة تدخل المطعون ضده الثانى بصفته بطلب الحكم له بقبول تدخله انضماميًا للطاعنين بصفاتهم شكلًا، وفى موضوع تدخله الحكم بذات طلبات الطاعنين بصفاتهم بصحيفة الدعوى، وقال بيانًا لذلك إنه صدر بتاريخ 13/5/2013 من رئيس محكمة البداية الكبرى فى باريس أمرٌ بإيقاع حجز على ما للطاعنين بصفاتهم من أموال لديه، ولدى مصرف سوسيتيه جنرال (ش.م) ومصرفBIA (البنك الدولى العربى) ونظرًا لأن هذا الأمر قد تم تنفيذه بإيقاع الحجز فقد تدخل فى الدعوى. وبتاريخ 6/8/2018 قضت المحكمة بعدم اختصاصها دوليًا بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم موضوع الدعوى. طعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم ... لسنة 88 ق، وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة رأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره، وبتلك الجلسة دفع وكيل الشركة المطعون ضدها الأولى بعدم قبول الطعن على سند من أن المحامى الذى رفع الطعن ووقع صحيفته بصفته وكيلًا عن الطاعنين بصفاتهم لم يقدم سند وكالة صادرًا عمن يمثلهم، والنيابة العامة التزمت رأيها.
وحيث إن الدفع المبدى من وكيل الشركة المطعون ضدها الأولى بعدم قبول الطعن مردود بأن الثابت من الأوراق أنه وقت إيداع صحيفة الطعن بالنقض تم إيداع سند وكالة المحامية الموقعة على صحيفة الطعن الأستاذة ..... والصادر لها من المستشار ...... بصفته رئيس إدارة القضايا للدولة الليبية التى تنوب عن الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة فى دولة ليبيا – وهى ذات الإدارة الثابت فى الحكم الناقض أن الطاعنين بصفاتهم قد أُعلنوا لديها - والمصدق عليه من السفارة الليبية بالقاهرة برقم .... فى 24/4/2018، ومن الخارجية المصرية برقم .... بتاريخ 24/9/2018 تصديقات أحمد عرابى، ومن وزارة العدل برقم .... بتاريخ 25/9/2018، والمودع برقم ..... لسنة 2018 مكتب توثيق نقابة المحامين، والذى يبيح لها الطعن بطريق النقض، ومن ثم يكون الدفع قد جاء على غير سند من الواقع أو القانون متعينًا رفضه.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون بصفاتهم على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه، وفى بيان ذلك يقولون إن الحكم الناقض الصادر فى الطعن رقم 6065 لسنة 84 ق قد فصل فى مسألة عدم وجود تعارض بين أحكام الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية فى الدول العربية وملحقها وبين قانون التحكيم المصرى رقم 27 لسنة 1994 فى شأن مدى جواز رفع دعوى بطلان أحكام التحكيم وفقًا للقانون الأخير بما لازمه ومقتضاه اختصاص محكمة استئناف القاهرة وحدها بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم الصادر بتاريخ 22/3/2013 التزامًا بحجية الحكم الناقض الذى قضى صراحة باختصاصها بنظرها بحكم بات، بما كان يتعين معه على محكمة الإحالة اتباعه فى تلك المسألة وعدم مخالفته أو المساس بحُجِيته، غير أن الحكم المطعون فيه خالف هذا النظر وقضى بعدم اختصاص محكمة استئناف القاهرة دوليًا بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم، مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى سديد، ذلك أنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه إذا نَقضت محكمة النقض حكم محكمة الاستئناف وأحالت القضية إلى المحكمة التى أصدرته فإنه يتحتم على المحكمة الأخيرة أن تتبع الحكم الناقض فى المسألة القانونية التى فصل فيها. والمقصود بالمسألة القانونية فى هذا الشأن هى الواقعة التى تكون قد طُرحت على محكمة النقض وأدلت برأيها فيها عن قصد وبصيرة فيحوز حكمها فى هذا الخصوص حُجية الشىء المحكوم فيه فى حدود ما تكون قد بتت فيه، بحيث يمتنع على المحكمة المُحَال إليها عند إعادة نظرها للدعوى أن تَمَس هذه الحُجية، ويتعين عليها أن تقصر نظرها على موضوع الدعوى فى نطاق ما أشار إليه الحكم الناقض، ولا تستطيع محكمة النقض بدورها عند نظرها ذات الطعن للمرة الثانية أن تسلك ما يتعارض مع تلك الحُجية. وكما لا يجوز لمحكمة النقض ذاتها أن تعيد النظر فيما استنفدت ولايتها بالفصل فيه، فلا يجوز لمحكمة الإحالة - ولا تتسع ولايتها - لأن تتسلط على قضاء الحكم الناقض وألا تتبع حكم محكمة النقض فى المسألة القانونية التى فصل فيها، ولا يشفع لها فى ذلك حتى أن تكون محكمة النقض قد أخطأت وهى تفصل فى المسألة المطروحة عليها، إذ لا معقب على قضائها. وكان من الأصول المقررة أنه ولئن كان لمحكمة الإحالة أن تقيم حكمها على فهم جديد لواقع الدعوى الذى تحصله مما يُقَدَم إليها من دفاع وعلى أسس قانونية أخرى غير التى جاءت بالحكم المطعون فيه واستوجبت نقضه، إلا أن ذلك مشروط بألا تخالف محكمة الإحالة قاعدة قانونية قررتها محكمة النقض فى حكمها الناقض. وكان الاختصاص يُعَد مطروحًا على محكمة النقض ولو لم يرد بشأنه نعى فى صحيفة الطعن، ومن ثم فإن النقض الكلى فى الموضوع يشمل صحة اختصاص المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه ويحوز حكم النقض حُجِية الشىء المحكوم فيه فى هذه المسألة ويمتنع على محكمة الإحالة عند إعادة نظر الدعوى المساس بهذه الحُجِية. وكان النص فى المادة 272 من قانون المرافعات على أنه "لا يجوز الطعن فى أحكام محكمة النقض بأى طريق من طرق الطعن"، يدل على أن أحكام محكمة النقض لا يجوز تعييبها بأى وجه من الوجوه وهى واجبة الاحترام فيما خَلُصَت إليه، أخطأت المحكمة أم أصابت، باعتبار أن محكمة النقض هى قمة السلطة القضائية فى سُلَم ترتيب المحاكم ومرحلة النقض هى خاتمة المطاف فى مراحل التقاضى وأحكامها باتة لا سبيل إلى الطعن فيها. لما كان ذلك، وكان الثابت من أوراق الطعن أن الحكم الناقض قد انتهى إلى القضاء بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة استئناف القاهرة للفصل فيها مجددًا بهيئة أخرى، بحكم حائز لقوة الأمر المقضى بين الخصوم أنفسهم، متضمنًا الفصل فى مسألة قانونية تتعلق بجواز إقامة دعوى بطلان أصلية على حكم التحكيم الصادر وفقًا لأحكام الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية فى الدول العربية، وأن يكون ذلك طبقًا لقانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 ومن ثم انعقاد الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة بنظرها، مما كان لازمه أن تتقيد محكمة الاستئناف المُحالة إليها القضية بالحكم الناقض - أيًا ما كان وجه الرأى فيه – وأن تتبعه فى تلك المسألة باعتبار أن الحكم يظل محتفظًا بحُجِيته أمام جميع محاكم الجهة القضائية التى أصدرته إحدى محاكمها فلا تجوز المجادلة فيه أمامها، بل يجب عليها أن تتقيد به لأن قوة الأمر المقضى تسمو على النظام العام. غير أن الحكم المطعون فيه خالف حُجِية الحكم الناقض عن إدراك، وقضى بعدم اختصاص محكمة استئناف القاهرة دوليًا بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم مسببًا قضاءه فى هذا الخصوص بأن الاتفاق على إسناد الفصل فى النزاع موضوع الدعوى للتحكيم طبقًا لأحكام الاتفاقية سالفة الذكر كافٍ لغلق الطريق أمام الاعتصام بالقضاء الوطنى لأى دولة طرف فى الاتفاقية بما فيها جمهورية مصر العربية بإقامة أى دعوى مبتدأة واختصاص محكمة الاستثمار العربية المنشأة بموجب الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية فى الدول العربية بنظرها وأنه لا محل للتمسك بحُجية أحكام القضاء الوطنى متى صدرت بالمخالفة لأحكام الاتفاقية، دون أن يفطن إلى أنه -حكم- صادر عن محكمة استئناف القاهرة وهى إحدى محاكم جهة القضاء العادى صاحب الولاية العامة التى أصدرت الحكم الناقض، ومن ثم وجب عليه الالتزام بحُجِية ذلك الحكم والتقيد بها، وأنه لا يجوز له المجادلة فيها باعتبار أن قوة الأمر المقضى تسمو على النظام العام. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه بما حجبه عن الفصل فى موضوع دعوى بطلان حكم التحكيم، وهو ما يعيبه ويوجب نقضه بغير حاجة إلى بحث باقى أسباب الطعن.
ولما كان النص فى الفِقرة الأخيرة من المادة 269 من قانون المرافعات المدنية والتجارية يوجب على محكمة النقض إذا كان الطعن للمرة الثانية أن تحكم فى الموضوع، إلا أن التزام محكمة النقض بذلك لا يقوم أصلًا، فى حالة نظر الموضوع على درجة واحدة – كما هى الحال بالنسبة لاختصاص محكمة استئناف القاهرة بنظر أى دعوى مبتدأة ببطلان أحكام التحكيم - إلا إذا كانت تلك المحكمة قد فصلت فى موضوع النزاع، أما إذا كان قضاؤها قد اقتصر على الفصل فى إجراءات رفع الدعوى أو دفع شكلى فحسب دون الموضوع، فلا يكون لمحكمة النقض فى هذه الحالة التصدى للموضوع، إذ يترتب على ذلك اختزال إجراءات التقاضى فى مرحلة واحدة حال تصدى محكمة النقض لموضوع النزاع بعد قضائها بنقض الحكم المطعون فيه، وهو أمر يتعارض مع مبادئ العدالة التى لا يجوز إهدارها فى سبيل سرعة الفصل فى دعاوى بطلان حكم التحكيم، بما يوجب أن تكون مع النقض الإحالة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق