باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت التاسع مــــن مارس سنة 2024م،
الموافق الثامن والعشرين من شعبان سنة 1445هـ.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد
سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 37 لسنة 36
قضائية دستورية
المقامة من
رئيس مجلس إدارة النادي الأهلي
ضد
1 - رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الشعــب (مجلس النـواب حاليًّا)
3- رئيس مجلس الشورى (مجلس الشيوخ حاليًّا)
4- رئيس مجلس الــــوزراء
5- وزير العــدل
6- النقيب العام لنقابة المهن الرياضية
----------------
" الإجـراءات "
بتاريخ الثاني والعشرين من مارس سنة 2014، أودع المدعي صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص البند
(ح/7) من المادة (48) من القانون رقم 3 لسنة 1987 بإنشاء وتنظيم نقابة المهن
الرياضية المعدل بالقانون رقم 63 لسنة 2010.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وقدم المدعى عليه السادس مذكرة، طالبًا الحكم، أصليًّا: بعدم قبول
الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدم المدعى عليه
السادس مذكرة ختامية، طالبًا الحكم برفض الدعوى، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة
اليوم.
-----------------
" المحكمــــة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن المدعى عليه السادس أقام أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، الدعوى رقم
4619 لسنة 2013 مدني كلي، ضد المدعي وآخر، بطلب الحكم بإلزام المدعي بوضع طابع
نقابة المهن الرياضية على أية عقود تبرم مع اللاعبين والمدربين والإداريين
الوطنيين والأجانب، وما يترتب على ذلك من آثار، لصالح النقابة المذكورة. على سند
من القول بأن القانون رقم 63 لسنة 2010 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 3 لسنة
1987 بإنشاء وتنظيم نقابة المهن الرياضية، قد أوجب على النوادي والاتحادات
الرياضية وضع طابع نقابة المهن الرياضية على العقود المشار إليها، وإذ أنذر المدعي
بسداد النسبة المئوية المقررة على العقود التي أبرمها إلى النقابة العامة للمهن
الرياضية؛ إعمالًا لأحكام القانون المار ذكره، إلا أنه لم يمتثل، فأقام دعواه
بالطلبات السالفة، وبجلسة 5/3/2014، دفع المدعي بعدم دستورية نص البند (ح/7) من
المادة (48) من القانون رقم 3 لسنة 1987 بإنشاء وتنظيم نقابة المهن الرياضية،
المعدل بالقانون رقم 63 لسنة 2010، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعي
بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (48) من القانون رقم 3 لسنة 1987 بإنشاء وتنظيم نقابة
المهن الرياضية، بعد تعديلها بالقانون رقم 63 لسنة 2010، تنص على أن تتكون موارد
النقابة من: أ - .....................
(ح) حصيلة طوابع النقابة ويكون تحصيلها لصالح صندوق المعاشات والإعانات
بالفئات الآتية:
1- ...............
7- نسبة (5٪) تحصل على أية عقود يتم إبرامها مع اللاعبين والمدربين
والإداريين الوطنيين، وتزاد هذه النسبة إلى (10٪) للأجانب، ولا يتم اعتماد هذه
العقود إلا بعد سداد هذه النسبة.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية،
مناطها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون الحكم في المسألة الدستورية
لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى
كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي تدور رحاه حول طلب المدعى عليه السادس، إلزام
النادي المدعي بأن يؤدي إلى نقابة المهن الرياضية النسبة المئوية المستحقة على
العقود التي أبرمها مع اللاعبين والمدربين والإداريين الوطنيين والأجانب، وكان
النادي المدعي قد أمسك عن سداد النسبة المبينة بالنص المطعون فيه لصالح تلك
النقابة، محتجًّا بعــــدم التزامه بأدائها أو تحصيلها، وما يترتب على ذلك من عدم
اعتماد العقود التي تم إبرامها مع اللاعبين والمدربين والإداريين الوطنيين
والأجانب إلا بعد سداد هذه النسبة؛ ومن ثم فإن الفصل في دستورية نص البند (ح/7) من
المادة (48) من القانون رقم 3 لسنة 1987 بإنشاء وتنظيم نقابة المهن الرياضية،
المعدل بالقانون رقم 63 لسنة 2010، يرتب انعكاسًا أكيدًا وأثرًا مباشرًا على
الطلبات المطروحة في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، ويتوافر للمدعي
مصلحة شخصية مباشرة في الطعن عليه، وبه يتحدد نطاق الدعوى المعروضة.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه - في النطاق المتقدم - أنه
فرض رسمًا على عقود اللاعبين والمدربين والإداريين الوطنيين والأجانب لا تقابله
خدمة فعلية تقدمها النقابة التي فُرض لصالحها هذا الرسم؛ مما يتنافى مع كفالة
الدولة لحق العمل، ويُشكل عدوانًا على الملكية الخاصة، وإخلالًا بالضوابط
الدستورية لفرض الضرائب والرسوم، بالمخالفة لنصوص المواد (12 و35 و38) من الدستور.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الضريبة فريضة مالية
تقتضيها الدولة جبرًا من المكلفين بأدائها؛ إسهامًا من جهتهم في أعبائها وتكاليفها
العامة، وهم يدفعونها لها بصفة نهائية، دون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء التحمل
بها، فلا تقابلها خدمة محددة بذاتها، يكون الشخص العام قد بذلها من أجلهم، وعـاد
عليهم مردودهـا؛ ومن ثم كان فرضها مرتبطًا بمقدرتهم التكليفيـة، ولا شــــأن
لهـــا بما آل إليهـــم من فائدة بمناسبتها، وإلا كــــان ذلك خلطًا بينها وبين
الرسم، إذ يستحـق مقابلًا لنشــــاط خاص أتاه الشخص العــام - وعوضًا عن تكلفته -
وإن لم يكن بمقدارها. متى كان ذلك، وكانت الفريضة المالية الواردة بالنص المطعون
فيه، لا تقابلها خدمة فعلية تؤديها نقابة المهن الرياضية إلى من يتحملون بها، فإنها
تنحل إلى ضريبة من الناحية الدستورية، وهي بعد ضريبة لا يقتصر نطاق تطبيقها على
رقعة إقليمية معينة تمتد إليها دون سواها، ويتحدد المخاطبون بها في إطار هذه
الدائرة وحدها، بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد النطاق الإقليمي
للدولة - وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية - مرتبًا لدينها في ذمة الممول؛ مما
مؤداه تكافؤ الممولين في الخضوع لها دون تمييز، وسريانها بالتالي - وبالقوة ذاتها
- كلما توافر مناطها في أية جهة داخل الحدود الإقليمية للدولة، وهو ما يعني أنها
ضريبة عامة يقوم التماثل فيما بين الممولين بصددها، على وحدة تطبيقها من الناحية
الجغرافية، وليس بالنظر إلى مقدار الضريبة التي يؤدونها؛ ذلك أن التعادل بينهم في
نطاقها ليس فعليًّا، بل جغرافيًّا.
وحيث إن الدستور أعلى شأن الضريبة العامة، وقدر أهميتها بالنظر إلى
خطورة الآثار التي ترتبها، وبوجه خاص من زاوية جذبها لعوامل الإنتاج، أو طردها أو
تقييد تدفقها، وما يتصل بها من مظاهر الانكماش أو الانتعاش، وتأثيرها بالتالي على
فرص الاستثمار والادخار والعمل وتكلفة النقل وحجم الإنفاق، وكان الدستور - نزولًا
على هذه الحقائق واعترافًا بها - قد مايز بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض
المالية، فنص على أن أولاهما لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، وأن
ثانيتهما يجوز إنشاؤها في الحدود التي يبينها القانون. ولازم ذلك أن السلطة
التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة، إذ تتولى بنفسها تنظيم
أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمنًا تحديد نطاقها، وعلى الأخص من خلال تحديد وعائها
وأسس تقديره، وبيان مبلغها، والملتزمين - أصلًا- بأدائها، والمسئولين عنها، وقواعد
ربطها وتحصليها وتوريدها، وكيفية أدائها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة،
عدا الإعفاء منها، إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يتعين التمييز بين
الملتزمين - أصلًا - بأداء الضريبة العامة، وبين المسئولين عن توريدها؛ ذلك أن لكل
التزام بالضريبة طرفين، أحدهما هو الدائن بمبلغها ممثلًا في الشخص العام الذي تؤول
إليه حصيلتها، والآخر هو المدين بها، سواء أكان شخصًا طبيعيًّا أم معنويًّا. وقد
يكون هذا المدين ملتزمًا - أصلًا - بمبلغها، أو مسئولًا عنها. ويعتبر ملتزمًا -
أصلًا - بالضريبة من تتوافر بالنسبة إليه الواقعة التي أنشأتها، والتي يتمثل
عنصراها في المال المحمل بعبئها والمتخذ وعاء لها، ثم وجود علاقة بين هذا المال
وشخص معين؛ ليكون اجتماعهما معًا مظهرًا للالتزام بالضريبة من خلال تحديد المشرع
لظروفها الموضوعية والشخصية.
وحيث إن عجز الفقرة الرابعة من المادة (38) من الدستور ينص على أن
يحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب، والرسوم، وأي متحصلات سيادية أخرى، وما
يودع منها في الخزانة العامة للدولة، وأن الدستور وإن أوجب أصلًا عامًّا يقتضي أن
تصب حصيلة الضرائب العامة وغيرها من الإيرادات العامة في الخزانة العامة للدولة،
لتتولى تحديد مصارفها تحت رقابة السلطة التشريعية، بقصد تحقيق الصالح العام، على
ما نصت عليه المادة (124) من الدستور؛ بيد أنه يستفاد من هذا النص بدلالة المخالفة
- على ما أفصحت عنه مناقشات لجنة الخمسين التي أعدت مشروع الدستور - أن مقتضى هذا
النص: أن الدستور قد أجاز للمشرع، على سبيل الاستثناء، وفي أضيق الحدود، أن يحدد
ما لا يودع من حصيلة الموارد العامة في الخزانة العامة، ليكون إعمال هذه الرخصة -
بحسبانها استثناء من الأصل العام - أداته القانون، وفي حدود تنضبط بضوابط الدستور،
فلا يصح هذا التخصيص إلا إذا كان الدستور ذاته قد نص في صلبه على تكليف تشريعي
صريح ذي طبيعة مالية، قدَّر لزوم وفاء المشرع به، وأن يتصل هذا التكليف بمصلحة
جوهرية أولاها الدستور عناية خاصة، وجعل منها أحد أهدافه، وأن يقدر المشرع -
استنادًا إلى أسباب جدية - صعوبة تخصيص هذا المورد من الموازنة العامة إلى هذا
المصرف تدبيرًا له، إعمالًا لأحكام الدستور، وتفعيلًا لمراميه.
وحيث إن الدستور قد اتخذ من النظام الضريبي وسيلة لتحقيق أهدافه، فنص
في المادة (38) منه على تعيين تلك الأهداف بتنمية موارد الدولة، وتحقيق العدالة
الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، وكان إنشاء النقابات على أساس ديمقراطي حقًّا
يكفله القانون، بما لها من شخصية اعتبارية تمارس من خلالها نشاطها بحرية، وتسهم في
رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم، والأمر ذاته
بالنسبة إلى النقابات المهنية، فينظم القانون إنشاءها وإدارتها على أساس ديمقراطي
يكفل استقلالها ويحدد مواردها، وفقًا لنص المادتين (76 و77) من الدستور، بما يشمله
ذلك من ضرورة توفير الرعاية الاجتماعية لأعضائها وتقرير المعاشات التي تؤمن حياتهم
في حاضرها ومستقبلها؛ ومن ثم فإن هذا الواجب يُعد من التكليفات الدستورية التي
يتعين على المشرع العادي القيام عليها والوفاء بها.
وحيث إن حق الدولة في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها وإجراء ما يتصل
بها من آثار عرضية، ينبغي أن يقابل بحق الملتزمين بها والمسئولين عنها، في تحصيلها
وفق قوالبها الشكلية والأسس الموضوعية التي ينبغي أن تكون قوامًا لها من زاوية
دستورية، وبغيرها تنحل الضريبة عدمًا.
متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه، وإن بيَّن وعاء الضريبة
وحصره في عقود اللاعبين والمدربين والإداريين التي تبرم مع الهيئات الرياضية
المحددة في القوانين ذات الصلة، وحدد سعر الضريبة بنسبة (5٪) من قيمة تلك العقود
التي تبرم مع الوطنيين منهم، وزادها إلى نسبة (10٪) بالنسبة للعقود التي تبرم مع
نظرائهم من الأجانب، ووجه مصرفها لصالح صندوق المعاشات والإعانات بنقابة المهن
الرياضية، ملتزمًا بالضوابط التي أقرتها الفقرة الرابعة من المادة (38) من
الدستور، استصحابًا لالتزام الدولة - المنصوص عليه في المادة (84) من الدستور -
باتخاذ ما يلزم من تدابير لتشجيع ممارسة الرياضة، التي يقوم على شئونها الرياضيون،
مدعومين بنقابتهم التي تضطلع بحماية مصالح أعضائها، على ما يجري به نص المادة (76)
من الدستور، وذلك على نحو استكملت معه هذه الضريبة عناصر بنيانها السالفة، بيد أن
النص المطعون فيه، وقد خلا من تحديد الملتزم - أصلًا - بأداء الضريبة المقررة
بموجبه، والمسئول عن تحصيلها وتوريدها إلى النقابة التي خُصصت لها كمورد من
مواردها، فيما لو مايز القانون بينهما، فإن ذلك مما يفقد هذه الضريبة العامة أحد
أركانها الأساسية ويقوض بنيانها، ويجافي مبدأ العدالة الضريبية الذي يقوم عليه
النظام الضريبي، بالمخالفة لنص المادة (38) من الدستور، مما لزامه القضاء بعدم
دستورية النص المطعون فيه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص البند (ح/7) من المادة (48) من القانون
رقم 3 لسنة 1987 بإنشاء وتنظيم نقابة المهن الرياضية، المعدل بالقانون رقم 63 لسنة
2010، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق