الدعوى رقم 203 لسنة 19 ق "دستورية" جلسة 1 / 2 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الأول من فبراير سنة 2020م،
الموافق السابع من جمادى الآخرة سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم
وبولس فهمى إسكندر والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور محمد عماد النجار والدكتور
طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس
هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 203 لسنة 19
قضائية "دستورية".
المقامة من
دار الكتاب المصري
ضد
1- رئيس الجمهورــة
2- رئيس مجلس الــوزراء
3- وزيـر العـــــــــــدل
4- رئيس مجلس الشعب (النـــــواب حاليًا)
5- رئيس اتحـــاد الكتـاب
الإجراءات
بتاريخ السادس عشر من نوفمبر سنة 1997، أودعت الدار المدعية صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستوريـة نصوص المواد
(43/1 بنود "و، ز، ح" و43 مكرر، و43 مكرر"1"، و43
مكرر"2"، و43 مكرر"3"، و43 مكرر"4"، و43
مكرر"5") من القانون رقم 65 لسنة 1975 بإنشاء اتحاد الكتاب المعدل
بالقانون رقم 19 لسنة 1978.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، طلبت فيهما الحكم برفض الدعوى.
وقدم اتحاد الكتاب مذكرة، طلب فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها
بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق –
في أن رئيس اتحاد الكتاب كان قد أقام ضد دار الكتاب المصرى الدعوى رقم 12739 لسنة
1989 مدنى كلى، أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، بطلب الحكم بإلزامها بأداء
المقابل النقدي لنسبة 5% من ثمن كتب الإنتاج الفكري التي سقط عنها حق المؤلف
(المالى)، والتي قامت الدار بإعادة طباعتها منذ شهر مارس عام 1978 حتى تاريخ إقامة
الدعوى، وفقًا لنص المادة (43) من القانون رقم 65 لسنة 1975 بإنشاء اتحـــــــاد
الكتاب المعدل بالقانـون رقم 19 لسنة 1978. ندبت المحكمة خبيرًا في الدعوى، باشر
المأمورية وأودع تقريره عنها، انتهى فيه إلى استحقاق اتحاد الكتاب مبلغ (174100)
جنيه، فقضت المحكمة بجلسة 30/3/1993، بإلزام دار الكتاب بأن تؤدى ذلك المبلغ إلى
اتحاد الكتاب. وإذ لم ترتض دار الكتاب المصرى هذا القضاء، طعنت عليه بالاستئناف
رقم 6880 لسنة 110 قضائية، أمام محكمة استئناف القاهرة. وبجلسة 26/8/1997، دفعت
بعدم دستورية القانون رقم 65 لسنة 1975 المشار إليه معدلاً بالقانون رقم 19 لسنة
1978، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، صرحت لها بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت
الدار الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (43) من القانون رقم 65 لسنة 1975 بإنشاء اتحاد الكتاب
معدلاً بالقانون رقم 19 لسنة 1978، تنص على أن " تتكون موارد الاتحاد من:
( أ) رسم القيد في جداول الاتحاد.
(ب) .......... (جـ) ...... (د) ..... (هـ) .......
(و) نسبة مقدارها 5% (خمسة في المائة) من الثمن المحدد على غلاف كتب
الإنتاج الفكري التي سقط عنها حق المؤلف.
(ز) نسبة مقدارها 2% مما يتقاضاه المؤلفون عن أعمالهم الأدبية
ومصنفاتهم الفنية المكتوبة التي ينشرها أو يقدمها لهم القطاع العــــام أو الخاص،
سواءً كان بطريق الطبع أو العرض أو السينما أو المسرح أو الإذاعة أو التليفزيون.
(ح) رسم التمغة الخاصة باتحاد الكتاب على الطلبات المقدمة إليه، وعلى
العقود التي يبرمها المؤلفون بشأن مصنفاتهم، طبقًا للفئات المبينة في المادة
السابعة من هذا القانون.
(ط) الموارد الأخرى التي يوافق عليها مجلس الاتحاد وتكون جائزة
قانونًا".
وتنص المادة (43 مكرر) من القانون ذاته على أن " يتم تحصيل
المبالغ المنصوص عليها في الفقـرات (و، ز، ح) من المادة السابقة بطريق الخصم عند
المنبع لحساب اتحاد الكتاب".
وتنص المادة 43 مكرر (1) من القانون ذاته على أن " لا يجوز طبع
أو نشر أو توزيع أي كتاب من كتب الإنتاج الفكري التي سقط عنها حق المؤلف إلا بعد
إخطار اتحاد الكتاب، مع بيان كمية النسخ التي ستطبع أو تعرض للتوزيع وتاريخ الطبع
والثمن المحدد على الغلاف واسم الناشر والموزع.
وبعد طبع الكتاب وقبل توزيعه يجب إيداع النسبة التي تستحق على الألف
نسخة الأولى أو النسخ المطبوعة إذا كانت أقل من ذلك .....".
وتنص المادة 43 مكرر (2) من القانون ذاته على أن " تقدم الجهات
المسئولة عن طبع أو توزيع أو نشر الكتب المبينة في المادة السابقة كشفًا سنويًا
لاتحاد الكتاب ببيان عدد النسخ التي وزعت من كل كتاب وإيداع النسبة المستحقة
للاتحاد من واقع هذا الكشف....".
وتنص المادة 43 مكرر (3) من القانون ذاته على أن " تلتزم الهيئة العامة
للكتاب بتقديم بيان للاتحاد كل ثلاثة أشهر عن المؤلفات التي تصدر في مجالات
الآداب، ويتم إيداعها طبقًا للقانون رقم 354 لسنة 1954 بإصدار قانون حماية حق
المؤلف المعدل بالقانون رقم 14 لسنة 1968، على أن يتضمن البيان اسم الكتاب والمؤلف
والناشر".
وتنص المادة 43 مكرر (4) من القانون ذاته على أن " تلتزم الجهات
العامة والخاصة التى يتعامل معها المؤلفون بخصم النسبة المشار إليها في الفقرة (ز)
من المادة الأولى من المبالغ المتفق عليها مع المؤلف، وتقوم هذه الجهات بتوريد كل
مبلغ يخصم أولا بأول لاتحاد الكتاب، وتكون مسئولة بالتضامن مع المؤلف عن عدم تحصيل
هذه النسبة.
وتنص المادة 43 مكرر (5) من القانون ذاته على أن " تحدد رسوم التمغة على
الطلبات والعقود المشار إليها في البند (ح) من المادة الأولى على النحو التالي
........".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها- على
ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل
في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك،
وكان النزاع الموضوعي يتعلق بطلب اتحاد الكتاب إلزام دار الكتاب المصري بأن تؤدي
للاتحاد المقابل النقدي لنسبة الخمسة في المائة من الثمن المحدد على غلاف كتب
الإنتاج الفكري التي سقط عنها حق المؤلف، والتي قامت الدار بطباعتها ونشرها أو
توزيعها خلال الفترة من شهر مارس عام 1978 حتى تاريخ إقامة الدعوى الموضوعية، ومن
ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة للدار المدعية تكون متحققة في هذه الدعوى، ويتحدد
نطاق الدعوى في الطعن على نص البند (و) من المادة (43) من القانون رقم 65 لسنة
1975 بإنشاء اتحاد الكتاب معدلاً بالقانون رقم 19 لسنة 1978، دون باقي أحكام تلك
المادة، أو المواد الأخرى المطعون عليها من ذلك القانون، لعدم تعلقها بالنزاع
المثار في الدعوى الموضوعية.
وحيث إن الدار المدعية تنعى على النص المطعون فيه – في حدود النطاق
المتقدم بيانه – مخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية ، التي لا تعتد بالحقوق الذهنية
التي ترد على أشياء غير مادية، ولا تُورث، فضلاً عن أن الفريضة المالية المقررة
بذلك النص، تُعد ضريبة، وإذ كانت حصيلتها لا تدخل في الموازنة العامة للدولة، ولا
تعرض على السلطة التشريعية كأحد موارد تلك الموازنة، لتتولى توزيعها، مستهدفة بذلك
تحقيق الصالح العام، فإنها تكون، تبعًا لذلك، قد خالفت أحكام الدستور. كما أن تلك
الفريضة المالية تُوجِد تمييزًا غير مبررٍ بين اتحاد الكتاب واتحاد الناشرين، بما
يخل بمبادئ المساواة وتكافؤ الفرص وعدالة توزيع الناتج القومي بين المواطنين. وفى
الحين ذاته، فإن فرض ذلك النص أعباء مالية، غير مبررة، على الناشرين يؤدى إلى
إعاقة حركة الثقافة والنشر في مصر والعالم العربي، ويمنح اتحاد الكتاب سلطة رقابية
سيادية على نقابة الناشرين، وهو أمر غير جائز إلا للسلطات السيادية التي يحددها
الدستور. وانتهت الدار المدعية من ذلك إلى مخالفة النص المطعون فيه لأحكام المواد
(2، 8، 40، 115، 116، 119، 120) من الدستور الصادر سنة 1971، المقابلة للمواد (2،
4، 9، 38، 53) من الدستور الصادر سنة 2014.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على دستورية
القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما
تخضع لأحكام الدستور القائم، دون غيره، إذ إن هذه الرقابة، إنما تستهدف أصلًا، صون
هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد
والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام،
التي يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى
القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهتها الدار المدعية إلى النص
المطعون عليه، تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص
تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن المحكمة تباشر
رقابتها القضائية على دستورية النص موضوع هذه الدعوى، الذى ما زال معمولًا به، في
ضوء أحكام الدستور الصـادر بتاريخ 18/1/2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حكم المادة الثانية من الدستور
قد أتى بقيد على السلطة التشريعية، يلزمها فيما تقره من نصوص قانونية بألا تناقض
أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية في أصولها الثابتة – مصدرًا وتأويلاً – التي
يمتنع الاجتهاد فيها، ولا يجوز الخروج عليها أو الالتواء بها عن معناها، وتتمثل في
الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها، ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع
بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معًا، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولا تمتد
لسواها. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه لا يناقض حكمًا شرعيًّا قطعيًّا في
ثبوته ودلالته، إذ يتعلق بحق مالي فُرض لصالح اتحاد الكتاب، ولا يتعلق بحقوق ذهنية
أو أدبية – على نحو ما ذهبت إليه الدار المدعية – فإن القول بمخالفته لنص المادة
الثانية من الدستور يكون على غير أساس.
وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص،
باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته
الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين
جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه
فكاكًا. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفرص التي كفلها
الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة
توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم، بالتالي، فيما بينهم على ضوء
قواعد يمليها التبصـــر والاعتدال؛ وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها،
مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور قد اعتمد كذلك بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ
المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصون
وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق
المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، وفى الحقوق والحريات والواجبات العامة،
دون تمييــز بينهـــم لأى ســبب، إلا أن ذلــك لا يعنــى - وفقًــا لما استقر عليه
قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية
معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها،
ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي من ثمَّ على مخالفة لنصى
المادتيـن (4، 53) من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك
الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل
لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى
تحقيقها من وراء هذا التنظيـــم.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه لا يتعلق بفرص تقدمها الدولة، مما
يتزاحم عليه المواطنون، وكان اتحاد الكتاب يختلف في نظامه القانوني والأهداف
المبتغاة من إنشائه عن اتحاد الناشرين المنشأ بالقانون رقم 25 لسنة 1965، ومن ثم
فإنهما لا يعتبران في مركز قانوني متماثل، تبعًا لاختلاف المهام المنوطة بكل
منهما، والنابعة من اختـلاف نشاط أعضاء كل اتحاد، إذ يمثلان طرفي علاقة تتكامل
فيما بينهما، ولا ترتب وحدة واقعية أو قانونية بينهما، ومن ثم فقد جاز للمشرع أن
يغاير بين أوضاع كلا الاتحاديـن، طالما جاءت هذه المغايرة على أسس موضوعية لا
تحكمية، ليكون النعي بإخلال النص المطعــــون فيه بمبدأ تكافــــؤ الفــــرص أو
المساواة غير قائم على أساس صحيح.
وحيث إن من المقرر- على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الضريبة
فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرًا من المكلفين بأدائها، إسهامًا من جهتهم في
أعبائها وتكاليفها العامة، وهم يدفعونها لها بصفة نهائية، دون أن يعود عليهم نفع
خاص من وراء التحمل بها، فلا تقابلها خدمة محددة بذاتها، يكون الشخص العام قد
بذلها من أجلهم، وعاد عليهم مردودها. ومن ثم كان فرضها مرتبطًا بمقدرتهم
التكليفية، ولا شأن لها بما آل إليهم من فائدة بمناسبتها، وإلا كان ذلك خلطًا
بينها وبين الرسم، إذ يستحق مقابلاً لنشاط خاص أتاه الشخص العام - وعوضًا عن
تكلفته - وإن لم يكن بمقـدارها. متى كان ذلـك، وكانت الفريضة الماليـة الواردة
بالنص المطعون فيه، على الثمن المحدد على غلاف كتب الإنتاج الفكري التي سقط عنها
حق المؤلف، لا تقابلها خدمة فعلية مباشرة بذلها اتحاد الكتاب لمن يتحملون بها،
فإنها تنحل إلى ضريبة من الناحية القانونية.
وحيث إنه عما نعت به الدار المدعية، مخالفة النص المطعون فيه لأحكام المادة (38)
من الدستور، لكون الفريضة المالية الواردة فيه، بحسبانها ضريبة، لا تدخل الموازنة
العامة للدولة، فإنه غير سديد، ذلك أن النص في عجز الفقرة الرابعة من المادة (38)
من الدستور على أن "يحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب، والرســوم، وأى
متحصلات سيادية أخرى، وما يودع منها في الخزانة العامة للدولة"، مؤداه أن
الدستور وإن كان قد أوجب أصلا عامًا يقتضى أن تصب حصيلة الضرائب العامة وغيرها من
الإيرادات العامة للدولة في الخزانة العامة للدولة، لتتولى تحديد مصارفها تحت رقابة
المؤسسة التشريعية، بقصد تحقيق الصالح العام، على ما نصت عليه المادة (124) من
الدستور، بيد أن ما يستفاد من هذا النص بدلالة المخالفة - وعلى ما أفصحت عنه
مناقشات لجنة الخمسين التي أعدت مشروع الدستور – أن مقتضى هذا النص، أن الدستور قد
أجاز للمشرع، على سبيل الاستثناء، وفي أضيق الحدود، أن يحـدد ما لا يودع من حصيلة
الموارد المالية في الخزانة العامة، ليكون إعمال هذه الرخصة – بحسبانها استثناء من
الأصل العام- أداته القانون، وفى حدود تنضبط بضوابط الدستور، فلا يصح هذا التخصيص
إلا إذا كان الدستور ذاته قد نص في صلبه على تكليف تشريعي صريح ذي طبيعة مالية،
قدَّر لزوم وفاء المشرع به، وأن يتصل هذا التكليف بمصلحة جوهرية أولاها الدستور
عناية خاصة، وجعل منها أحد أهدافه، وأن يقدر المشرع، استنادًا إلى أسباب جدية،
صعوبة تخصيص هذا المورد من الموازنة العامة في ظل أعبائها. فمتى استقام الأمر على
هذا النحو، جاز للمشرع تخصيص أحد الموارد العامة إلى هذا المصرف تدبيرًا له،
إعمالاً لأحكام الدستور، وتفعيلاً لمراميه.
متى كان ذلك، وكان الدستور، قد صرح في مادته الثانية على أن اللغة
العربية هي اللغة الرسمية للدولة، واتخذ من تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل
التكافل الاجتماعي أحد أهم ركائزه الأساسية، قاصدًا من ذلك، على ما أفصحت عنه
المادة (8) ضمان الحياة الكريمة لجميع المواطنين. وقد ناط الدستور بالقانون تنظيم
القواعد التي تحقق هذا الهدف، وألزمت المادة (17) الدولة بتوفير خدمات التأمين
الاجتماعي، بما يضمن لكل مواطن حياة كريمة، هو وأسرته، وناطت المادة (23) من
الدستور بالدولة كفالة حرية البحث العلمي، وتشجيع مؤسساته، وقد ألزمت المادة (47)
من الدستور الدولة بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية، بروافدها الحضارية
المتنوعة، وجعلت المادة (48) منه الثقافة حقًا لكل مواطن، تكفله الدولة، وتلتزم
بدعمه وإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب، دون تمييز بسبب
القدرة المالية أو غير ذلك، وتعمل على تشجيع حركة الترجمة من العربية وإليها. كذلك
فقد ألزمت المادة (50) منه الدولة بالحفاظ على تراث مصر الحضاري والثقافي، المادي
والمعنوي، بجميع تنوعاته ومراحله. كما كفل الدستور في المادة (67) منه حرية
الإبداع الفني والأدبي، وألزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين
وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك. كما ألزمت المادة (69) منه
الدولة بحماية حقوق الملكية الفكرية بشتى أنواعها في كافة المجالات. وإذا كان ما
تقدم هو محور اهتمام الدستور ومبتغاه، فقد أفصح أيضًا عن المفترض الرئيس لبلوغ تلك
الأهداف، بأن ألقى تبعاتها على عاتق المشرع، وسائر أجهزة الدولة، كل في حدود
اختصاصه، لاتخاذ ما يلزم لتحقيق تلك الغايات.
وحيث كان ذلك، وكانت المادة (1) من قانون إنشاء اتحاد الكتّاب قد قضت
بإنشائه بوصفه نقابة لها شخصية اعتبارية عامة، وبينت المادة (3) من هذا القانون
أهدافه، التي من بينها تمكين الكتاب في مجال الإنتاج الفكري في الآداب من أداء
رسالتهم في بناء المجتمع الجديد، وفى تحقيق الوحدة العربية الشاملة، والإسهام في
إقرار السلام العالمي، وإثراء الحضارة الإسلامية، والحفاظ على اللغة العربية ورفعة
مستواها بين أبناء الوطن العربي، والعمل على رفع مستوى الإنتاج الفكري في الآداب،
والإسهام في ترجمة الجيّد من الإنتاج الفكري العربي إلى اللغات الأجنبية، ونقل
روائع الإنتاج العالمي إلى اللغة العربية، ونشر الجيد من التراث العربي، وإيضاح
دور الرواد العرب في بناء الحضارة الإسلامية، ومساعدة أعضاء الاتحاد على إظهار
مواهبهم وتنميتها، والعمل على نشر مؤلفاتهم في الداخل والخارج، وتشجيع الكتّاب
الشباب ومساعدتهم على نشر إنتاجهم وترويجه، والدفاع عن حقوق المؤلفين في الجهات
الحكومية والأهلية. هذا فضلاً عن رعاية حقوق أعضاء الاتحاد، والعمل على ترقية
شئونهم الأدبية والمادية. وقد قضت المادة (50) من هذا القانون بإنشاء صندوق
للمعاشات والإعانات ليتولى منح معاشات وإعانات وقروض لأعضاء الاتحاد.
لما كان ذلك، وكان الدستور قد اتخذ من النظام الضريبي وسيلة لتحقيق أهدافه، فنص في
المادة (38) على تعيين تلك الأهداف بتنمية موارد الدولة، وتحقيق العدالة
الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية. وكان تمكين الكتاب من أداء رسالتهم في الحفاظ
على اللغة العربية ورفع مستوى الناطقين بها، وإثراء الحضارة الإسلامية، وتوفير
حياة كريمة لهم، ورعاية المبدعين منهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك، أحد
الالتزامات الملقاة على الدولة بكل مؤسساتها، وفقًا لنصى المادتين (23، 67) من
الدستور، بما يشمله ذلك من ضرورة توفير الرعاية الاجتماعية وتقرير المعاشات التي
تؤمن حياتهم في حاضرها ومستقبلها. ومن ثم فإن هذا الواجب يُعد من التكليفات
الدستورية التي يتعين على المشرع العادي القيام عليها والوفاء بها.
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان المشرع قد خصص بموجب النص المطعون فيه –
في حدود النطاق المحدد سلفًا - موردًا ماليًّا لاتحاد الكتاب، وهو اتحاد أنشئ
بموجب القانون رقم 65 لسنة 1975 المشار إليه، كاتحاد نقابي وفق أحكام المادة (76)
من الدستور، الذى جعل الدستور من بين أهدافه الدفاع عن حقوق أعضائه وحماية
مصالحهم. وكان هذا الاتحاد قد مُنِحَ قسطًا من السلطة العامة بالقدر الذي
يُمَكِّنُه من أداء رسالته، ومن ثم فإنه يُعد من الأشخاص الاعتبارية العامة، ومن
ثمَّ فقد جاز للمشرع العادي أن يرصد لصالحه حصيلة الضريبة التي يحددها، متى توافرت
في شأنها الضوابط الدستورية المقررة، سـواء فيما يتعلق بأداة فرضها، أو بوعائها،
أو بمقدارها، وذلك حتى يقوم هذا الاتحاد على تحقيق أهدافه المبتغاة من إنشائه، دون
اشتراط أيلولة حصيلة هذه الضريبة إلى الخزانة العامة. وكان هذا التخصيص قد تم
بالأداة التي عينها الدستور وهي القانون، وبهدف توفير مورد يكفل للاتحاد القيام
بالمهام الملقاة على عاتقه، وتقديم الخدمات المنوطة به، التي تُعد كفالتها واجبًا
والتزامًا على الدولة، غايته تحقيق مصلحة جوهرية أولاها الدستور اهتمامه وعنايته،
فإن هذا التخصيص على هذا النحو يكون قد وافق الغايـات الصريحة للدستور، وتوافق
وعمـوم أحكامه الضريبية، جبايـةً وتخصيصًا.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن اختيار المشرع للمال محل
الضريبة هو مما يخضع لسلطته التقديرية، وفق الشروط التي يقدر معها واقعية الضريبة
وعدالتها بما لا مخالفة فيه لأحكام الدستور. وكان النص المطعون فيه قد تضمن تحديد
وعاء الضريبة المفروضة على نحو قاطع لا لبس فيه ، متخذًا من الثمن المحدد على غلاف
كتب الإنتاج الفكري التي سقط عنها حق المؤلف وعاءً لها، وكان المشرع قد حدد سعر
هذه الضريبة بنسبة 5% من هـذا الثمن، وهى نسبة معتدلة لا تخل بقواعد العدالة
الضريبية، ولا ترهق المكلفين بها، ولا تقيم إخلالاً بالمساواة بين من هم في مركز
قانوني متماثل، ومن ثم فإن هذه الضريبة تكون قد استوفت شرائطها الموضوعية، من حيث
اختيار المال الخاضع للضريبة، ووضوح التكليف بها وتحديده، وعدالة سعرها، ومن ثمَّ
فإن النعي بمخالفة النص المطعون فيه لأحكام المادة (38) من الدستور يكون على غير
أساس صحيح.
وحيث إن المشرع قد نظَّم بموجب أحكام القانون المشتمل على النص
المطعون فيه، قواعد تحصيل هذه الأموال وجبايتها، كما فصَّل قواعد صرفها، ضمانًا
لإنفاقها في الأغراض التي خُصصت لها، إعمالاً لمقتضى نص المادة (126) من الدستور،
فضلاً عن خضوعها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات وفقا لأحكام قانون ذلك الجهاز
الصادر بالقانون رقم 144 لسنة 1988، ومن ثم فإن النص المطعون فيه يكون قد وافق
أحكام الدستور المنظمة لفرض الضرائب إجرائيًّا وموضوعيًّا.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أي حكم آخـر في الدستور، فمن ثم
يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الدار المدعية
المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق