الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 25 يونيو 2013

عدم دستورية القانون رقم 79 لسنة 2012 بمعايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد

قضية رقم 166 لسنة 34  قضائية  المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد، الثانى من يونيه سنة 2013م، الموافق الثالث والعشرين من شهر رجب سنة 1434 ه .
برئاسة السيد المستشار / ماهر البحيرى                     رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : عدلى محمود منصور وأنور رشاد العاصى وعبدالوهاب عبدالرازق ومحمد عبدالعزيز الشناوى وماهر سامى يوسف ومحمد خيرى طه النجار   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / حمدان حسن فهمى       رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبدالسميع                                 أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 166 لسنة 34 قضائية " دستورية "، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة – الدائرة الأولى بحكمها الصادر بجلسة 23/10/2012 ملف الدعوى رقم 45931 لسنة 66 " قضائية " .
المقامة من
1 السيد / خالد فؤاد محمد حافظ
2 السيد / إيهاب عاطف راغب
ضد
1 السيد رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة
2 السيد رئيس مجلس الشعب
3 السيد رئيس مجلس الشورى
4 السيد رئيس الجمهورية
5 السيد رئيس الجمعية التأسيسية
الإجراءات
          بتاريخ الثلاثين من أكتوبر سنة 2012 ورد إلى قلم كتاب هذه المحكمة ملف الدعوى رقم 45931 لسنة 66 " قضائية " بعد أن قضت محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة " الدائرة الأولى " بوقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية ما تضمنته المادة الأولى من القانون رقم 79 لسنة 2012 بمعايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد، من أن قرارات الأعضاء غير المعينين فى مجلسى الشعب والشورى المتعلقة بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية التى تُعِد مشروع دستور جديد للبلاد تخضع للرقابة على دستورية القوانين والقرارات البرلمانية .
          وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليًا بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى، واحتياطيًا عدم قبولها لانتفاء شرط المصلحة ومن باب الاحتياط الكلى رفضها موضوعًا .
          وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
          ونُظرت الدعوى بجلسة 12/5/2013 وفيها حضر الأستاذ/ خالد فؤاد محمد حافظ المدعى الأول فى الدعوى الموضوعية وقرر بترك الخصومة فى الدعوى الماثلة وفى الدعوى رقم 45931 لسنة 66 قضائية " قضاء إدارى "، وقد قبل الحاضر عن المدعى عليهم ذلك، كما حضر الأستاذ / علاء سمير محمود وطلب تدخله فى الدعوى انضماميًا إلى المدعى الثانى، وقررت المحكمة إصدار حكمها فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
          حيث إن الوقائع– حسبما يتبين من الاطلاع على حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعيين كانا قد أقاما الدعوى رقم 45931 لسنة 66 "قضائية" أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة ضد المدعى عليهم، طلبًا للحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها وقف إجراءات السير فى انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور وبطلان جميع القرارات التالية للقرار المطعون فيه، وفى الموضوع بإلغائه، وذلك على سند من أنه سبق لمحكمة القضاء الإدارى بالقاهرة أن أصدرت حكمها فى الدعوى رقم 26657 لسنة 66 " قضائية " بجلسة 10/4/2012 بوقف تنفيذ قرار تشكيل الجمعية التأسيسية  الأولى التى اُنتخبت لوضع مشروع دستور جديد للبلاد . فأعاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة دعوة الأعضاء المنصوص عليهم فى المادة (60) من الإعلان الدستورى الصادر فى الثلاثين من مارس سنة 2011 لاختيار جمعية تأسيسية جديدة، وأصدر المدعى عليه الثانى قرارًا بتاريخ 7/6/2012 بفتح باب تلقى طلبات الترشيح لعضوية الجمعية التأسيسية يومى9، 10/6/2012، وتم دعوة مجلس الشعب إلى جلسة طارئة يوم 11/6/2012 لمناقشة قانون معايير تشكيل الجمعية التأسيسية، وبعد الموافقة عليه من المجلس بهذه الجلسة، أُرسل مشروع القانون إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإصداره . وقد نعى المدعيان على قرار فتح باب الترشح لعضوية الجمعية التأسيسية أنه صدر باطلاً لمخالفته مقتضى الحكم السابق صدوره من محكمة القضاء الإدارى، فضلاً عن صدوره قبل إصدار قانون ينظم عملية انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية وتحديد الشروط الواجب توافرها فيمن يُرشح لعضويتها، حتى يتم الاختيار من المؤهلين للقيام بهذه المهمة وفق قواعد وضوابط محددة تحقق المساواة وتكافؤ الفرص . وأثناء نظر تلك الدعوى طلب المدعيان بجلسة 9/10/2012 وقف تنفيذ ثم إلغاء القرار الصادر فى الاجتماع المشترك لأعضاء مجلسى الشعب والشورى غير المعينين بتاريخ 12/6/2012 بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية الثانية لوضع مشروع الدستور، كما دفعت هيئة قضايا الدولة والخصوم المتدخلون انضماميًا إليه بعدم اختصاص محكمة القضاء الإدارى ولائيًا بنظر الدعوى تأسيسًا على أن القانون رقم 79 لسنة 2012 الصادر بتاريخ 12/7/2012 نص فى المادة الأولى منه على خضوع قرارات الأعضاء غير المعينين بمجلسى الشعب والشورى بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد للرقابة على دستورية القوانين والقرارات البرلمانية، وإذ تراءى لتلك المحكمة أن القرار الصادر من أعضاء مجلسى الشعب والشورى غير المعينين بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية محل الدعوى الموضوعية لا يعتبر من الأعمال البرلمانية، كما لا يُعد تشريعًا بالمعنى الموضوعى مما تختص المحكمة الدستورية العليا ببسط رقابتها القضائية عليه، وإنما هو فى حقيقته قرار إدارى يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى بنظر المنازعة فى مشروعيته، ومن ثم فإن نص المادة الأولى من القانون رقم 79 لسنة 2012 يكون مخالفًا لحكم المادة (48) من الإعلان الدستورى الصادر فى الثلاثين من مارس سنة 2011 التى ناطت بمجلس الدولة الفصل فى المنازعات الإدارية، كما يخالف نص المادة (21) من الإعلان الدستورى ذاته التى تحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، وترتيبًا على ذلك قضت تلك المحكمة بجلسة 23/10/2012 بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية ذلك النص فيما تضمنه من أن قرارات الأعضاء غير المعينين بمجلسى الشعب والشورى بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية التى تُعد مشروع دستور جديد للبلاد تخضع للرقابة على دستورية القوانين والقرارات البرلمانية .
          وحيث إن المادة الأولى من القانون رقم 79 لسنة 2012 بمعايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد تنص على أن " مع مراعاة حكم المادة (60) من الإعلان الدستورى، ينتخب الأعضاء غير المعينين فى مجلسى الشعب والشورى جمعية تأسيسية من مائة عضو، لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد، كما ينتخبون خمسين عضوًا احتياطيًا، وقراراتهم فى هذا الشأن تخضع للرقابة على دستورية القوانين والقرارات البرلمانية " .
          وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر هذه الدعوى تأسيسًا على أن النص التشريعى المحال إليها يتضمن حُكمًا يُعد من إجراءات إصدار الدساتير التى تعد بطبيعتها من الأعمال السياسية التى استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على إخراجها من مجال رقابتها .
          وحيث إن هذا الدفع مردود بأن العبرة فى تحديد التكييف القانونى " للأعمال السياسية " – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – هى بطبيعة العمل ذاته لا بالأوصاف التى قد يخلعها المشرع عليه متى كانت طبيعته تتنافى وهذه الأوصاف، ذلك أن استبعاد " الأعمال السياسية " من ولاية القضاء الدستورى إنما يأتى تحقيقًا للاعتبارات السياسية التى تقتضى – بسبب طبيعة هذه الأعمال واتصالها بنظام الدولة السياسى اتصالاً وثيقًا أو بسيادتها فى الداخل أو الخارج – النأى بها عن الرقابة القضائية، استجابة لدواعى الحفاظ على الدولة والذود عن سيادتها ورعاية مصالحها العليا، مما يقتضى منح الجهة القائمة بهذه الأعمال – سواء كانت هى السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية – سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقًا تحقيقًا لصالح الوطن وسلامته، دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه فى هذا الصدد، لأن النظر فيها والتعقيب عليها يستلزم توافر معلومات وضوابط وموازين تقدير لا تُتاح للقضاء، فضلاً عن عدم ملاءمة طرح هذه المسائل علنًا فى ساحاته . ومن ثم فإن المحكمة الدستورية العليا وحدها هى التى تحدد – بالنظر إلى طبيعة المسائل التى تُنظمها النصوص المطعون عليها – ما إذا كانت النصوص المطروحة عليها تعتبر من " الأعمال السياسية " فتخرج عن ولايتها بالرقابة على الدستورية، أم أنها ليست كذلك فتبسط عليها رقابتها .
          وحيث إن النص التشريعى المحال من محكمة القضاء الإدارى للنظر فى دستوريته يعقد الاختصاص بنظر القرارات الصادرة من الأعضاء غير المعينين بمجلسى الشعب والشورى بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع مشروع دستور جديد للبلاد، إلى الجهة المعنية بالرقابة القضائية على دستورية القوانين، ومن ثم – وأيًا كان الرأى فى مضمون هذا النص التشريعى المحال –، فقد تمت الإحالة فى نطاق الاختصاص القضائى لهذه المحكمة ومباشرتها لولايتها القضائية فى الرقابة على دستورية القوانين .
          وحيث إنه لا ينال مما تقدم، القول بأن القانون رقم 79 لسنة 2012 – الذى حوى النص المحال – قد صدر فى شأن يتعلق بإصدار الدساتير المعتبرة من الأمور السياسية فى قضاء هذه المحكمة والتى تُخرجها من مجال رقابتها القضائية، ذلك أن هذا القول لا يعدو أن يكون تعييبًا للقانون فى ذاته لخروجه عن حدود اختصاص السلطة التشريعية، واقتحامه للدائرة التى تكون فيها الولاية كاملة للسلطة التأسيسية وهو ما يستوجب بسط رقابة هذه المحكمة على هذا القانون باعتبارها تتولى الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح .
          وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت كذلك بعدم قبول هذه الدعوى لتخلف شرط المصلحة، ذلك أن المدعيَّين فى الدعوى الدستورية ليست لهما مصلحة شخصية مباشرة فى الفصل فى النزاع الدائر فيها، إذ تبتغى هذه الدعوى مجرد تقرير حكم الدستور فيما يتعلق بالنص الذى حدد معايير اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية، وهذا النص لم يطبق على أى من المدعيَّين على نحو يمكن القول معه أنه قد أخل بالحقوق التى كفلها الدستور مما ألحق بهما ضررًا مباشرًا، ولا يغير من ذلك أن أحد المدعييَّن كان مرشحًا لعضوية الجمعية التأسيسية، ذلك أنه لم يكتسب مركزًا قانونيًا، إذ لم يتم انتخابه بعد عضوًا بتلك الجمعية، ومن ثم فليس له سوى مجرد أمل لا يكسبه مصلحة شخصية مباشرة فى الطعن على معايير تشكيلها .
          ومن حيث إن هذا الدفع مردود بأن الأصل فى القاعدة القانونية هو سريانها اعتبارًا من تاريخ العمل بها على الوقائع التى تتم فى ظلها حتى إلغائها، فإذا أحلَّ المشرع محلها قاعدة جديدة تعين تطبيقها اعتبارًا من تاريخ نفاذها، وإهمال القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد مجال إعمال كل من القاعدتين من حيث الزمان، فما نشأ مكتملاً من المراكز القانونية – وجودًا
وأثرًا – فى ظل القاعدة القانونية القديمة يظل محكومًا بها وحدها، أما ما نشأ من مراكز أو وقائع فى ظل قاعدة قانونية ولم يكتمل وجوده، ثم صدرت قاعدة قانونية جديدة تحكم هذا المركز أو تلك الواقعة، تعين إعمال حكم القاعدة القانونية الجديدة .
          وحيث إن القانون رقم 79 لسنة 2012 بشأن معايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع مشروع دستور جديد للبلاد صدر بتاريخ 11/7/2012 وعُمل به اعتبارًا من اليوم التالى لتاريخ نشره فى 12/7/2012، وقد نص فى المادة الأولى منه على إسناد الاختصاص بنظر القرارات الصادرة من الأعضاء غير المعينين لمجلسى الشعب والشورى فى شأن اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية إلى الجهة المنوط بها الرقابة على دستورية القوانين – المحكمة الدستورية العليا – وكانت الدعوى الموضوعية مازالت متداولة أمام محكمة القضاء الإدارى إلى أن دُفع أمامها بعدم اختصاصها ولائيًا بنظر الدعوى إعمالاً لهذا النص، وكان قانون المرافعات يقضى فى المادة (1) منه بسريان القوانين المعدلة للاختصاص على الدعاوى التى لم يُقفل فيها باب المرافعة، وهو ما تحقق فى الدعوى الموضوعية المقامة أمام جهة القضاء الإدارى، فقد أضحى لزامًا على تلك المحكمة وقد ثار لديها شبهة مخالفة نص المادة الأولى من القانون رقم 79 لسنة 2012 لأحكام الدستور أن تُحيل أمر دستوريته إلى الجهة التى ناط بها الدستور الرقابة القضائية على دستورية القوانين، باعتبار أن اختصاص أية محكمة من المحاكم ليس محض حق لها أو لغيرها، إن شاءت تمسكت به، وإن شاءت فرطت فيه، وإنما هو تكليفٌ وولاية خولها إياها الدستور، كما أنه لا يجوز لأية محكمة أو هيئة اختصها المشرع بالفصل فى نزاع معين فصلاً قضائيًا، إعمال نص تشريعى لازم للفصل فى النزاع المعروض عليها، إذا بدا لها مصادمته للدستور من وجهة مبدئية، ذلك أن قيام هذه الشبهة لديها يلزمها أن تستوثق من صحتها عن طريق عرضها على المحكمة الدستورية العليا لتقول كلمتها القاطعة فيها، ومن ثم فإن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة يُعد فى غير محله متعينًا رفضه .
          وحيث إن المدعى الأول قرر بتركه الخصومة فى الدعوى الماثلة، وقد قبل الحاضر عن المدعى عليهم ذلك، وكان ترك الخصومة فى الدعوى قد نظمه قانون المرافعات فى المواد 141 وما بعدها، والتى تسرى فى شأن الدعاوى الدستورية وفقًا لنص المادة 28 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 وعلى ما جرى به قضاؤها، فإن هذه المحكمة تقضى بإثبات ترك المدعى خالد فؤاد محمد حافظ للخصومة فى الدعوى الماثلة .
          وحيث إنه عن طلب التدخل المقدم من الأستاذ / علاء سمير محمود، وطلبى التدخل الانضمامى المقدمين بجلسة التحضير المنعقدة فى 10/2/2013 أمام هيئة المفوضين بهذه المحكمة المقدمين من السيد / محمود أبو العينين بصفته وكيلاً عن السيد / مختار محمد العشرى ومن السيد / محمد أحمد شحاته، فإن شرط قبول التدخل الانضمامى – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون مقدمه طرفًا فى الدعوى الموضوعية التى يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على الحكم فيها .
          وحيث إن طالبى التدخل ليسوا من أطراف الدعوى الموضوعية، وإن قدمت طلباتهم إلى محكمة القضاء الإدارى، إلا أنه لم يتبين من الأوراق أن تلك المحكمة قد فصلت فى قبول أو رفض تلك الطلبات، ومن ثم فلم يصبحوا بعد أطرافًا فى الخصومة المرددة أمام محكمة الموضوع، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول تدخلهم .
          وحيث إن من المقرر أن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بما يكون لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية، وما تتحقق به المصلحة الشخصية للمدعى، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الماثلة يتحدد فيما تضمنه نص المادة الأولى من القانون رقم 79 لسنة 2012 من أن قرارات الأعضاء غير المعينين فى مجلسى الشعب والشورى المتعلقة بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية التى تعد مشروع دستور جديد للبلاد تخضع للرقابة على دستورية القوانين والقرارات البرلمانية .
          وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التى ينبغى أن تقوم عليها الجماعة، تقتضى إخضاع القواعد القانونية جميعها – وأيًا كان تاريخ العمل بها – لأحكام الدستور القائم، لضمان اتساقها والمفاهيم التى أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد فى مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التى تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية .
          وحيث إن المناعى التى وجهها حكم الإحالة إلى النص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التى تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعى معين لقاعدة فى الدستور من حيث محتواها الموضوعى، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المحال إليها فى ضوء أحكام الدستور القائم وهو الدستور الصادر فى شهر ديسمبر سنة 2012 .
          وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد اطرد على أن الدستور هو القانون الأعلى الذى يُرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ويقرر الحريات والحقوق العامة، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ويحدد لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحيتها، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، بما يحول دون تدخل أى منها فى أعمال السلطة الأخرى، أو مزاحمتها فى ممارسة اختصاصاتها التى ناطها الدستور بها .
          وحيث إن الدستور الصادر فى ديسمبر 2012 اختص السلطة التشريعية بسَن القوانين وفقًا لأحكامه فنص فى المادة (115) منه على أن ( يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على النحو المبين فى الدستور ... ) .
          وحيث إن اختصاص السلطة التشريعية بسَن القوانين – طبقًا للمادة (115) من الدستور – لا يخولها التدخل فى أعمال غيرها من السلطات، ومن ثم فلا يكون لها – من باب أولى – التدخل فى أعمال السلطة التأسيسية التى تضع دستور البلاد، والتى تملك وحدها وضع الضوابط والمعايير التى تنظم كيفية أدائها للمهمة المنوطة بها .
          وحيث إن التعديلات الدستورية التى أجريت على مواد دستور عام 1971 عقب قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير سنة 2011، احتوت على تعديل لنص المادة (189) من الدستور، وإضافة مادة جديدة برقم (189 مكررًا )، وبمقتضى هذا التعديل عُهِِد إلى جمعية تأسيسية منتخبة مُهمة وضع مشروع دستور جديد للبلاد، على أن تُنتخب هذه الجمعية من الأعضاء غير المعينين لأول مجلسى شعب وشورى تاليين لإعلان نتيجة الاستفتاء على تعديل الدستور . وقد وافق الشعب على هذا التعديل فى الاستفتاء الذى تم بتاريخ 19/3/2011 . وبتاريخ 30 من مارس من العام ذاته أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة – الذى تولى إدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية التى أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير – إعلانًا دستوريًا ضمَّنه القواعد الدستورية الحاكمة للبلاد خلال الفترة الانتقالية والتى تنتهى بانتخاب المجلسين التشريعيين – الشعب والشورى – وانتخاب رئيس الجمهورية، كما ضمَّنه النصوص الدستورية المعدَّلة والمضافة لدستور 1971 والتى حظيت بموافقة الشعب عليها فى ذلك الاستفتاء، ورددت المادة (60) من ذلك الإعلان الأحكام التى احتواها نص المادتين (189) و (189 مكررًا) من دستور عام 1971، وبمقتضاها أصبح انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية معقودًا للأعضاء غير المعينين بمجلسى الشعب والشورى خلال المواعيد والإجراءات التى تضمنها ذلك النص، والذى خلا من أية أحكام أخرى يتعين الالتزام بها عند وضع مشروع الدستور الجديد للبلاد، وهذا المسلك يؤكد أن المشرع الدستورى أراد أن يُخرج جميع مراحل إعداد مشروع الدستور الجديد ابتداءً من اجتماع الهيئة الانتخابية التى عُهد إليها بمهمة اختيار الجمعية التأسيسية والتى تتمثل فى الأعضاء غير المعينين بمجلسى الشعب والشورى، ثم اختيار أعضاء هذه الجمعية ومباشرتهم لمهامهم وفق الضوابط التى يضعونها لأنفسهم، دون تدخل من أية سلطة من سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وحتى تمام هذه المهمة بوضع مشروع الدستور، وبمراعاة أن عمل هذه السلطة التأسيسية بجميع مراحله سيخضع لرقابة الشعب باعتباره مصدر السلطات جميعًا، يمارسها عند عرض مشروع الدستور للاستفتاء، إن شاء وافق عليه، وإن شاء أعرض عنه .
          يؤكد ما تقدم أن السلطة التأسيسية التى تختص بوضع الوثيقة الدستورية تعلو على جميع سلطات الدولة، إذ هى من نتاج عملها باعتبار أنها السلطة المُنشئة لغيرها من السلطات، ولا يتصور – تبعًا لذلك - أن تخضع هذه السلطة فى تكوينها أو مباشرة أعمالها لرقابة أية سلطة من إنشائها .
          ويَدْعَمُ ذلك أيضًا أن اختيار الجمعية التأسيسية لم يُعهد به إلى البرلمان بغرفتيه، وإنما نِيط بهيئة ناخبين مشكلة تشكيلاً خاصًا له ذاتيته واستقلاله عن المجلسين التشريعيين، يقوم من خلاله هؤلاء الأعضاء غير المعينين بانتخاب الجمعية التأسيسية التى تضطلع بدورها بإعداد مشروع دستور جديد للبلاد . ولو أراد المشرع الدستورى أن يكون للمجلس التشريعى أى دور فى عمل تلك اللجنة، لنص على ذلك صراحة عند إجراء التعديلات التى أجريت على دستور عام 1971 بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير سنة 2011 أو فى نص المادة (60) من الإعلان الدستورى الصادر فى الثلاثين من مارس سنة 2011.
          وحيث إن من المقرر أن النصوص القانونية – وأيًا كان مضمونها – تعتبر وسائل يتدخل بها المشرع لتنظيم موضوع محدد، ومن خلال ربطها بأغراضها – وبافتراض مشروعيتها – واتصالها عقلاً بها تتحدد دستوريتها .
          متى كان ذلك، وكان المشرع فى القانون رقم 79 لسنة 2012 قد تدخل – وفقًا لعنوانه – لوضع معايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد، إلا أنه انصرف عن هذا الهدف – والذى لا يملك التدخل بتنظيمه من الأساس على ما سلف بيانه – ونظَّم أمرًا آخر لا صلة له بالعنوان الذى اتخذه لهذا القانون، وهو إسناد الاختصاص بنظر القرارات التى تصدر عن الاجتماع المشترك للأعضاء غير المعينين بمجلسى الشعب والشورى بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية إلى الجهة المعنية بالرقابة على دستورية القوانين والقرارات البرلمانية، مجاوزًا بذلك حدود ولايته التشريعية، ومن ثم فإنه يكون مخالفًا لنص المادة (115) من الدستور، مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية القانون رقم (79) لسنة 2012 بكامل نصوصه، إذ أن العوار الدستورى الذى لحق به، قد أحاط بالبنيان التشريعى للقانون المذكور برمته، لارتباط نصوصه ببعضها البعض، ارتباطًا لا يقبل التجزئة، إذ لا يتصور أن تقوم لبعض هذه النصوص قائمة بغير بعضها الآخر أو إمكان إعمال حكمها فى غيبتها.
          وحيث إنه لا ينال من القضاء بعدم دستورية نصوص القانون رقم 79 لسنة 2012 ما نص عليه الدستور الصادر فى ديسمبر سنة 2012 فى المادة (236) من أن : ( تُلغى جميع الإعلانات الدستورية الصادرة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية منذ الحادى عشر من فبراير سنة 2011 وحتى تاريخ العمل بالدستور، ويبقى نافذًا ما ترتب عليها من آثار فى الفترة السابقة ) . ذلك – وأيًا ما كان الرأى فى مشروعية الإعلانات الدستورية الصادرة من رئيس الجمهورية – فإن صريح نص المادة (236) من الدستور قد أبقى على الآثار التى ترتبت على هذه الإعلانات فى الفترة السابقة، أما الآثار التى لم تترتب بعد، فإنها تكون بمنأى عن إعمال هذا النص، وترتيبًا على ذلك فإنه إذا كان الإعلان الدستورى الصادر عن رئيس الجمهورية فى 21 نوفمبر 2012 قد قرر انقضاء الدعاوى المتعلقة بالقوانين والقرارات التى أصدرها رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة والمنظورة أمام أية جهة قضائية، فإن هذا الانقضاء كأثر من الآثار التى رتبها ذلك الإعلان لابد أن يصدر به حكم قضائى يقرر تحقيق أثر هذا الانقضاء، وهو ما لم يتم فى الفترة السابقة على نفاذ الدستور الجديد فى ديسمبر سنة 2012 .
          وحيث إنه لا ينال من هذا القضاء أيضًا القول بتحقق هذا الأثر اعتبارًا من تاريخ صدور الإعلان الدستورى المشار إليه، ذلك أن إلغاء الإعلانات الدستورية بنص المادة (236) من الدستور الحالى اعتبارًا من تاريخ نفاذه بأثر مباشر فى ديسمبر سنة 2012 لا يسوغ معه إقرار الانقضاء الذى رتبه ذلك الإعلان، بعد أن تم إلغاؤه بمقتضى أحكام هذا الدستور .
فلهذه الأسباب
          حكمت المحكمة بعدم دستورية القانون رقم 79 لسنة 2012 بمعايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق