الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 15 مارس 2017

الطعن 4677 لسنة 72 ق جلسة 23 / 11 / 2009 مكتب فني 60 ق 65 ص 503

جلسة 23 من نوفمبر سنة 2009
برئاسة السيد القاضي/ بهيج القصبجي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ جاب الله محمد جاب الله، يحيى محمود نائبي رئيس المحكمة، حازم بدوي وياسر الهمشري.
---------------
(65)
الطعن 4677 لسنة 72 ق
دفوع "الدفع ببطلان التفتيش". تلبس. قبض. تفتيش "التفتيش بغير إذن". مأمورو الضبط القضائي "سلطاتهم". قانون "تفسيره". بطلان. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة النقض "نظرها الطعن والحكم فيه".
إثارة أساس جديد للدفع ببطلان التفتيش لأول مرة أمام محكمة النقض. غير مقبول. علة ذلك؟ 
التفتيش الذي يجريه مأمور الضبط القضائي على من يقبض عليه في إحدى الحالات المبينة بالمادة 34 إجراءات جنائية. صحيح وفقاً للمادة 46 من القانون ذاته. 
ضوابط وحدود التفتيش الصحيح الذي يجريه مأمور الضبط القضائي على ضوء المادة 50 إجراءات جنائية. ماهيتها؟ 
تجاوز التفتيش الغرض الذي شرع من أجله واستطالته لغرض آخر. سعي من أجراه للبحث عن جريمة لا صلة لها بذلك النوع من التفتيش. أثره: بطلانه. 
التمسك ببطلان التفتيش لأول مرة أمام محكمة النقض. جائز. ما دامت مدونات الحكم تحمل مقوماته والوقائع التي حصلها دالة بذاتها على وقوع البطلان. 
بطلان التفتيش. مقتضاه: استبعاد كل دليل نتج عنه بما فيه شهادة من أجراه. 
خلو الدعوى من دليل سواه. يوجب القضاء ببراءة الطاعن. أساس ذلك؟ 
مثال.
----------------
لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أسس دفعه ببطلان القبض عليه وتفتيشه على عدم صدور إذن من النيابة العامة وانتفاء حالة التلبس واختلاق ضابط الواقعة لحالة التلبس بجريمة إحرازه للسكين ليضفي المشروعية على التفتيش الذي أجراه والذي أسفر عن ضبط النبات المخدر المضبوط، وكان من المقرر أنه لا يصح إثارة أساس جديد للدفع ببطلان التفتيش لأول مرة أمام محكمة النقض، ما دام أنه في عداد الدفوع القانونية المختلطة بالواقع ما لم يكن قد أثير أمام محكمة الموضوع أو كانت مدونات الحكم ترشح لقيام ذلك البطلان، فإذا كان ما جاء في الحكم من الوقائع دالاً بذاته على وقوع البطلان جازت إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، ولو لم يدفع به أمام محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بقوله "أنه بتاريخ .... وحال مرور النقيب/ .... ومعه قوة من الشرطة السريين بدائرة قسم .... شاهد المتهم/ .... يقف وبيده اليمنى سكين فقبض عليه وبتفتيشه عثر معه بجيب البنطال الذي يرتديه من الناحية اليسرى على علبة سجائر مارلبورو بداخلها سيجارة بفضها تبين أنها ملفوفة بنبات عشبي يشتبه أن يكون لنبات البانجو المخدر مخلوط بالتبغ". ثم أورد الحكم المطعون فيه على ثبوت الواقعة في حق الطاعن - على السياق المتقدم - أدلة مستمدة من أقوال ضابط الواقعة ومن تقرير المعامل الكيماوية، وقد اطرح الحكم من بعد ذلك دفع الطاعن ببطلان القبض عليه وتفتيشه بقوله "وحيث إنه متى كان الضابط قد قبض على المتهم حال مشاهدته متلبساً بارتكابه جريمة إحراز سلاح أبيض "سكين" بدون مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية، فإن تفتيشه له يكون صحيحاً لأن التفتيش في هذه الحالة لازماً لا باعتباره إجراء من إجراءات التحقيق بل باعتباره من مستلزمات القبض ذاته والمقصود منه حماية شخص من يتولى القبض عليه وكلما كان القبض عليه صحيحاً كان التفتيش صحيحاً لأن التفتيش في هذه الحالة يكون لازماً باعتباره من وسائل التوقي والتحوط الواجب توافرهما للتأمين من شر المقبوض عليه إذا ما حدثته نفسه ابتغاء استرجاع حريته بالاعتداء بما قد يكون معه من سلاح وكون التفتيش من مستلزمات القبض يخول التفتيش مهما كان سبب القبض أو الغرض منه وبذلك يضحى الدفع ببطلان القبض والتفتيش قائماً على سند غير صحيح من الواقع والقانون جديراً بالرفض". لما كان ذلك، ولئن كان من المقرر أن التفتيش الذي يجريه مأمور الضبط القضائي على من يقبض عليه في إحدى الحالات المبينة بالمادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية هو إجراء صحيح من إجراءات جمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق وفقاً للمادة 46 من القانون المذكور التي ورد نصها بين نصوص الباب الثاني من الكتاب الأول الذي عنوانه "في جمع الاستدلالات ورفع الدعوى" والقول بأن التفتيش المشار إليه في هذه المادة قصد به التفتيش الوقائي هو خروج بالنص من مجال التعميم الذي تدل عليه عبارته إلى نطاق التخصيص الذي لا موقع له من موضع النص ولا من صيغته التي أحال فيها بصورة مطلقة على الأحوال التي تجيز القبض قانوناً على المتهم، بيد أنه لما كان المستفاد من نص المادة (50) من قانون الإجراءات الجنائية - الواردة بين نصوص ذات الباب الثاني من الكتاب الأول - وتقرير لجنة الشيوخ وما استقر عليه قضاء هذه المحكمة أنه لا يجوز التفتيش إلا للبحث عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري جمع الاستدلالات أو حصول التحقيق بشأنها، وأنه إذا ظهر أثناء تفتيش صحيح وجود أشياء تعد حيازتها جريمة أو تفيد في كشف الحقيقة في جريمة أخرى جاز لمأمور الضبط القضائي أن يضبطها بشرط أن تظهر عرضاً أثناء التفتيش ودون سعي يستهدف البحث عنها، فإن مؤدي كل ما تقدم ولازمه واستصحاباً للغاية التي تغياها المشرع وعناها من وضع ضوابط للتفتيش على النحو الذي أورده نص المادة (50) من قانون الإجراءات الجنائية، فإنه يتعين الالتزام والتقيد بتلك الضوابط والحدود في كل تفتيش صحيح يجريه مأمور الضبط القضائي سواء أجرى التفتيش على مقتضى حكم المادتين 34، 46 من قانون الإجراءات الجنائية أو بموجب إذن من النيابة العامة وسواء جرى التفتيش كإجراء من إجراءات جمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق وفقاً للمادة (46) من القانون المذكور أو كان تفتيشاً وقائياً لازماً ضرورة كوسيلة من وسائل التوقي والتحوط الواجب توفيرها أماناً من شر المقبوض عليه إذا حدثته نفسه استرجاع حريته بالاعتداء بما قد يكون لديه من سلاح على من يقبض عليه، ولا يقدح في ذلك أو يؤثر في هذا النظر - على النحو المار بيانه - إثارة القول بأن قانون الإجراءات الجنائية قد نص بصفة عامة في المادة (46) منه على أنه في الأحوال التي يجوز فيها القبض على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه اعتباراً بأنه كلما كان القبض صحيحاً، كان التفتيش الذي يرى من خول إجراءه على المقبوض عليه صحيحاً أياً كان سبب القبض والغرض منه، وذلك لعموم الصيغة التي ورد بها النص بما لازمه أن تكون يد رجل الضبط القضائي حرة طليقة في إجراء هذا التفتيش دون أن تحكمه وتقيده ضوابط وحدود التفتيش التي قننتها ونصت عليها وتغيتها المادة (50) من قانون الإجراءات الجنائية، ذلك بأن إثارة هذا القول ينطوي على فهم وتأويل غير صحيح ولا قويم للغاية التي عناها وتغياها المشرع من وضعه لتلك الضوابط والحدود حسبما جاءت بها المادة (50) من قانون الإجراءات الجنائية، وهي التي لم تجز التفتيش إلا للبحث عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري جمع الاستدلالات بشأنها أو حصول التحقيق بشأنها وأنه إذا ظهر أثناء تفتيش صحيح وجود أشياء تعد حيازتها جريمة أو تفيد في كشف الحقيقة في جريمة أخرى جاز لمأمور الضبط القضائي أن يضبطها بشرط أن تظهر عرضاً أثناء التفتيش ودون سعي يستهدف البحث عنها، وكل ذلك لضمان عدم تعسف رجل الضبط القضائي في تنفيذ كل تفتيش صحيح يجريه والالتزام بحدود التفتيش وعدم مجاوزة الغرض منه، لما كان ذلك، وكان البين من واقعة الدعوى حسبما حصلها الحكم المطعون فيه أنه ولئن أورد بمدوناته أن الضابط قد شاهد جريمة إحراز السلاح "سكين" متلبساً بها وأنه من حقه أن يفتش الطاعن المتلبس بها فأجرى تفتيشه حيث عثر بالجيب الأيسر لبنطال الطاعن على علبة سجائر مالبورو بداخلها سيجارة وبفض تلك السيجارة وجدها ملفوفة بنبات عشبي يشتبه أن يكون لنبات البانجو المخدر مخلوط بالتبغ وثبت أن النبات المضبوط لنبات مخدر الحشيش، بيد أن الثابت لهذه المحكمة - محكمة النقض - أن العثور على المخدر إنما كان نتيجة سعي رجل الضبط القضائي في البحث عن جريمة إحراز مخدر ولم يكن ظهوره عرضاً أثناء تفتيش صحيح في حدود غرضه أجرى كإجراء من إجراءات جمع الاستدلالات اللازمة للتحقيق في الجريمة المتلبس بها إذ من غير المتصور أن يقتضي بحث الضابط عن سلاح آخر عند تفتيشه له لهذا التفتيش أن يقوم بالبحث عن ذلك داخل لفافة تبغ وهي لا تصلح لوضع سلاح بداخلها، كما أنه من غير المتصور أيضاً أن يقتضي بحث الضابط عن سلاح مع الطاعن عند تفتيشه له تفتيشاً وقائياً أو عن أشياء قد تساعده على الهرب أن يقوم بالبحث عن ذلك داخل لفافة التبغ تلك وهي لا تصلح لوضع أي منها داخلها، فإن ذلك التفتيش منه بالكيفية التي تم بها يكون متجاوزاً للغرض الذي شرع من أجله ويكون قد استطال لغرض آخر وهو سعي من أجراه للبحث عن جريمة لا صلة لها بذلك النوع من التفتيش وهو ما تأباه في الحالين ضوابط التفتيش التي عنتها ووضعتها المادة (50) من قانون الإجراءات الجنائية، ومتى كان التفتيش الذي تم على الطاعن باطلاً لما سلف بيانه، فإن الدليل المستمد منه يضحى باطلاً ويتعين استبعاد كل دليل نتج عن هذا التفتيش الباطل بما في ذلك شهادة من أجراه، وكان الحكم المطعون فيه قد عول في قضائه بإدانة الطاعن على الدليل المستمد من ذلك التفتيش الباطل مما لا يجوز الاستناد إليه كدليل في الدعوى، ومن ثم فإنه يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض، ما دامت مدونات الحكم تحمل مقوماته وجاءت الوقائع التي حصلها دالة بذاتها على وقوع البطلان ويكون الحكم المطعون فيه قد تعيب بالخطأ في تطبيق القانون الذي يبطله ويوجب نقضه، ولما كانت الدعوى حسبما حصلها الحكم لا يوجد فيها من دليل سوى ذلك الدليل المستمد من شهادة ضابط الواقعة الذي أجرى ذلك التفتيش الباطل، فإنه يتعين الحكم ببراءة الطاعن عملاً بالفقرة الأولى من المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 ومصادرة النبات المخدر المضبوط.
--------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أحرز بقصد التعاطي نبات الحشيش المخدر في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 29، 37/1، 42/1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانونين رقمي 61 لسنه 1977، 122 لسنة 1989 والبند رقم (1) من الجدول رقم (5) الملحق بالقانون الأول والمعدل بقرار وزير الصحة رقم 46 لسنة 1997 ومع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات، بمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحده وبتغريمه عشرة آلاف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ.
---------------
المحكمة
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه إنه إذ دانه بجريمة إحراز نبات الحشيش المخدر بقصد التعاطي قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه دفع ببطلان القبض عليه وتفتيشه لعدم صدور إذن من النيابة العامة أو قيام حالة التلبس بجريمة إحراز السكين المقول به، بيد أن الحكم اطرح الدفع لأسباب غير سائغة وعلى سند من أن التفتيش الذي أجراه ضابط الواقعة والذي أسفر عن ضبط النبات المخدر إنما كان تفتيشاً وقائياً للتأمين من شر الطاعن المقبوض عليه وتجريده مما عسى أن يحمله من سلاح يستخدمه لاسترداد حريته، وذلك كله، دون أن يفطن الحكم المطعون فيه إلى تجاوز الضابط للغرض الذي شرع من أجله ذلك التفتيش الوقائي وتعسفه في تنفيذ ذلك الإجراء وسعيه الذي استهدف منه البحث عن جريمة إحراز النبات المخدر المضبوط، إذ من غير المتصور أن يقتضي بحث الضابط عن سلاح مع الطاعن عند تفتيشه له تفتيشاً وقائياً أن يقوم بالبحث عن ذلك داخل لفافة التبغ التي لا تصلح لوضع ثمة سلاح داخلها مما يبطل معه الدليل المستمد من التفتيش وشهادة من أجراه، وهو مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه وبراءة الطاعن من التهمة التي دين بها
ومن حيث إن البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أسس دفعه ببطلان القبض عليه وتفتيشه على عدم صدور إذن من النيابة العامة وانتفاء حالة التلبس واختلاق ضابط الواقعة لحالة التلبس بجريمة إحرازه للسكين ليضفي المشروعية على التفتيش الذي أجراه والذي أسفر عن ضبط النبات المخدر المضبوط، وكان من المقرر أنه لا يصح إثارة أساس جديد للدفع ببطلان التفتيش لأول مرة أمام محكمة النقض، ما دام أنه في عداد الدفوع القانونية المختلطة بالواقع ما لم يكن قد أثير أمام محكمة الموضوع أو كانت مدونات الحكم ترشح لقيام ذلك البطلان، فإذا كان ما جاء في الحكم من الوقائع دالاً بذاته على وقوع البطلان جازت إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، ولو لم يدفع به أمام محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بقوله "أنه بتاريخ .... وحال مرور النقيب/ .... ومعه قوة من الشرطة السريين بدائرة قسم .... شاهد المتهم/ .... يقف وبيده اليمنى سكين فقبض عليه وبتفتيشه عثر معه بجيب البنطال الذي يرتديه من الناحية اليسرى على علبة سجائر مارلبورو بداخلها سيجارة بفضها تبين أنها ملفوفة بنبات عشبي يشتبه أن يكون لنبات البانجو المخدر مخلوط بالتبغ". ثم أورد الحكم المطعون فيه على ثبوت الواقعة في حق الطاعن - على السياق المتقدم - أدلة مستمدة من أقوال ضابط الواقعة ومن تقرير المعامل الكيماوية، وقد اطرح الحكم من بعد ذلك دفع الطاعن ببطلان القبض عليه وتفتيشه بقوله "وحيث إنه متى كان الضابط قد قبض على المتهم حال مشاهدته متلبساً بارتكابه جريمة إحراز سلاح أبيض "سكين" بدون مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية، فإن تفتيشه له يكون صحيحاً لأن التفتيش في هذه الحالة لازماً لا باعتباره إجراء من إجراءات التحقيق بل باعتباره من مستلزمات القبض ذاته والمقصود منه حماية شخص من يتولى القبض عليه وكلما كان القبض عليه صحيحاً كان التفتيش صحيحاً لأن التفتيش في هذه الحالة يكون لازماً باعتباره من وسائل التوقي والتحوط الواجب توافرهما للتأمين من شر المقبوض عليه إذا ما حدثته نفسه ابتغاء استرجاع حريته بالاعتداء بما قد يكون معه من سلاح وكون التفتيش من مستلزمات القبض يخول التفتيش مهما كان سبب القبض أو الغرض منه وبذلك يضحى الدفع ببطلان القبض والتفتيش قائماً على سند غير صحيح من الواقع والقانون جديراً بالرفض". لما كان ذلك، ولئن كان من المقرر أن التفتيش الذي يجريه مأمور الضبط القضائي على من يقبض عليه في إحدى الحالات المبينة بالمادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية هو إجراء صحيح من إجراءات جمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق وفقاً للمادة 46 من القانون المذكور التي ورد نصها بين نصوص الباب الثاني من الكتاب الأول الذي عنوانه "في جمع الاستدلالات ورفع الدعوى" والقول بأن التفتيش المشار إليه في هذه المادة قصد به التفتيش الوقائي هو خروج بالنص من مجال التعميم الذي تدل عليه عبارته إلى نطاق التخصيص الذي لا موقع له من موضع النص ولا من صيغته التي أحال فيها بصورة مطلقة على الأحوال التي تجيز القبض قانوناً على المتهم، بيد أنه لما كان المستفاد من نص المادة (50) من قانون الإجراءات الجنائية - الواردة بين نصوص ذات الباب الثاني من الكتاب الأول - وتقرير لجنة الشيوخ وما استقر عليه قضاء هذه المحكمة أنه لا يجوز التفتيش إلا للبحث عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري جمع الاستدلالات أو حصول التحقيق بشأنها، وأنه إذا ظهر أثناء تفتيش صحيح وجود أشياء تعد حيازتها جريمة أو تفيد في كشف الحقيقة في جريمة أخرى جاز لمأمور الضبط القضائي أن يضبطها بشرط أن تظهر عرضاً أثناء التفتيش ودون سعي يستهدف البحث عنها، فإن مؤدي كل ما تقدم ولازمه واستصحاباً للغاية التي تغياها المشرع وعناها من وضع ضوابط للتفتيش على النحو الذي أورده نص المادة (50) من قانون الإجراءات الجنائية، فإنه يتعين الالتزام والتقيد بتلك الضوابط والحدود في كل تفتيش صحيح يجريه مأمور الضبط القضائي سواء أجرى التفتيش على مقتضى حكم المادتين 34، 46 من قانون الإجراءات الجنائية أو بموجب إذن من النيابة العامة وسواء جرى التفتيش كإجراء من إجراءات جمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق وفقاً للمادة (46) من القانون المذكور أو كان تفتيشاً وقائياً لازماً ضرورة كوسيلة من وسائل التوقي والتحوط الواجب توفيرها أماناً من شر المقبوض عليه إذا حدثته نفسه استرجاع حريته بالاعتداء بما قد يكون لديه من سلاح على من يقبض عليه، ولا يقدح في ذلك أو يؤثر في هذا النظر - على النحو المار بيانه - إثارة القول بأن قانون الإجراءات الجنائية قد نص بصفة عامة في المادة (46) منه على أنه في الأحوال التي يجوز فيها القبض على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه اعتباراً بأنه كلما كان القبض صحيحاً، كان التفتيش الذي يرى من خول إجراءه على المقبوض عليه صحيحاً أياً كان سبب القبض والغرض منه، وذلك لعموم الصيغة التي ورد بها النص، بما لازمه أن تكون يد رجل الضبط القضائي حرة طليقة في إجراء هذا التفتيش دون أن تحكمه وتقيده ضوابط وحدود التفتيش التي قننتها ونصت عليها وتغيتها المادة (50) من قانون الإجراءات الجنائية، ذلك بأن إثارة هذا القول ينطوي على فهم وتأويل غير صحيح ولا قويم للغاية التي عناها وتغياها المشرع من وضعه لتلك الضوابط والحدود حسبما جاءت بها المادة (50) من قانون الإجراءات الجنائية، وهي التي لم تجز التفتيش إلا للبحث عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري جمع الاستدلالات بشأنها أو حصول التحقيق بشأنها وأنه إذا ظهر أثناء تفتيش صحيح وجود أشياء تعد حيازتها جريمة أو تفيد في كشف الحقيقة في جريمة أخرى جاز لمأمور الضبط القضائي أن يضبطها بشرط أن تظهر عرضاً أثناء التفتيش ودون سعي يستهدف البحث عنها، وكل ذلك لضمان عدم تعسف رجل الضبط القضائي في تنفيذ كل تفتيش صحيح يجريه والالتزام بحدود التفتيش وعدم مجاوزة الغرض منه، لما كان ذلك، وكان البين من واقعة الدعوى حسبما حصلها الحكم المطعون فيه أنه ولئن أورد بمدوناته أن الضابط قد شاهد جريمة إحراز السلاح "سكين" متلبساً بها وأنه من حقه أن يفتش الطاعن المتلبس بها فأجرى تفتيشه حيث عثر بالجيب الأيسر لبنطال الطاعن على علبة سجائر مالبورو بداخلها سيجارة وبفض تلك السيجارة وجدها ملفوفة بنبات عشبي يشتبه أن يكون لنبات البانجو المخدر مخلوط بالتبغ وثبت أن النبات المضبوط لنبات مخدر الحشيش، بيد أن الثابت لهذه المحكمة - محكمة النقض - أن العثور على المخدر إنما كان نتيجة سعي رجل الضبط القضائي في البحث عن جريمة إحراز مخدر ولم يكن ظهوره عرضاً أثناء تفتيش صحيح في حدود غرضه أجرى كإجراء من إجراءات جمع الاستدلالات اللازمة للتحقيق في الجريمة المتلبس بها إذ من غير المتصور أن يقتضي بحث الضابط عن سلاح آخر عند تفتيشه له لهذا التفتيش أن يقوم بالبحث عن ذلك داخل لفافة تبغ وهي لا تصلح لوضع سلاح بداخلها، كما أنه من غير المتصور أيضاً أن يقتضي بحث الضابط عن سلاح مع الطاعن عند تفتيشه له تفتيشاً وقائياً أو عن أشياء قد تساعده على الهرب أن يقوم بالبحث عن ذلك داخل لفافة التبغ تلك وهي لا تصلح لوضع أي منها داخلها، فإن ذلك التفتيش منه بالكيفية التي تم بها يكون متجاوزاً للغرض الذي شرع من أجله ويكون قد استطال لغرض آخر وهو سعي من أجراه للبحث عن جريمة لا صلة لها بذلك النوع من التفتيش وهو ما تأباه في الحالين ضوابط التفتيش التي عنتها ووضعتها المادة (50) من قانون الإجراءات الجنائية، ومتى كان التفتيش الذي تم على الطاعن باطلاً لما سلف بيانه، فإن الدليل المستمد منه يضحى باطلاً ويتعين استبعاد كل دليل نتج عن هذا التفتيش الباطل بما في ذلك شهادة من أجراه، وكان الحكم المطعون فيه قد عول في قضائه بإدانة الطاعن على الدليل المستمد من ذلك التفتيش الباطل مما لا يجوز الاستناد إليه كدليل في الدعوى، ومن ثم فإنه يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض، ما دامت مدونات الحكم تحمل مقوماته وجاءت الوقائع التي حصلها دالة بذاتها على وقوع البطلان ويكون الحكم المطعون فيه قد تعيب بالخطأ في تطبيق القانون الذي يبطله ويوجب نقضه، ولما كانت الدعوى حسبما حصلها الحكم لا يوجد فيها من دليل سوى ذلك الدليل المستمد من شهادة ضابط الواقعة الذي أجرى ذلك التفتيش الباطل، فإنه يتعين الحكم ببراءة الطاعن عملاً بالفقرة الأولى من المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 ومصادرة النبات المخدر المضبوط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق