الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 12 ديسمبر 2023

الطعن 950 لسنة 7 ق جلسة 30 / 1 / 1965 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 55 ص 541

جلسة 30 من يناير سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ حسن السيد أيوب رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور ضياء الدين صالح ومحمد شلبي يوسف وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

---------------

(55)

القضيتان رقما 950 و954 لسنة 7 القضائية

(أ) براءة اختراع - شرط الجدة فيها 

- أن يكون الاختراع أو الابتكار جديداً لم يسبق إليه أحد - حكمته أن الحق الاستشاري المخول لمالك البراءة هو مقابل لما أهداه للهيئة الاجتماعية من أسرار صناعية - أخذ المشرع الفرنسي بمبدأ الجدة المطلقة في الزمان والمكان - نطاق الجدة وضوابطها في القانون رقم 132 لسنة 1949 بشأن براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية.
(ب) براءة اختراع 

- علنية - الصفة العلنية في الاستعمال السابق للاختراع والتي تنال من شرط الجدة - هي عدم بقائه سراً محجوباً عن الأنظار - بحيث لا يكون ثمة حائل دون تسربه للجمهور وكشفه عنه - عدم علم المصالح والهيئات المشرفة على صناعة البترول بنشاط المطعون ضده الصناعي - لا يمس من العلانية المستخلصة من المستندات والتي قوامها أن الأمر كان محل صناعة مفتوح باب التعامل فيها في وجه الجميع.

-------------------
1 - تنص المادة الأولى من القانون رقم 132 لسنة 1949 بشأن براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية على يأتي "تمنح براءة الاختراع وفقاً لأحكام هذا القانون عند كل ابتكار جديد قابل للاستغلال الصناعي سواء أكان متعلقاً بمنتجات صناعية جديدة أم بطرق أو وسائل صناعية مستحدثة أم بتطبيق جديد لطرق أو وسائل صناعية معروفة" وواضح من هذا النص أنه يشترط لمنح براءة الاختراع أن يكون الاختراع أو الابتكار جديداً لم يسبق إليه أحد, وهو ما اصطلح على تسميته بشرط الجدة, والحكمة في هذا الشرط أن ما خوله القانون لمالك البراءة من حق استئثاري مقصور عليه في استغلال الاختراع إن هو إلا مقابل لما أهداه للهيئة الاجتماعية من أسرار صناعية فإذا لم يظفر منه بالجديد منها انقضى المقتضى لتخويله الاستئثار بالاستغلال وحرمان غيره منه, على أن الشارع المصري لم يشأ أن تكون هذه الجدة المتطلبة مطلقة, على غرار ما انتهجه الشارع الفرنسي الذي أخذ بمبدأ الجدة المطلقة في الزمان وفي المكان, بل قيد نطاقها ورسم ضوابطها بما نص عليه في المادة الثالثة من القانون التي جرى نصها بما يلي "لا يعتبر الاختراع جديداً, كله أو جزء منه في الحالتين الآتيتين:
1 - إذا كان في الخمسين سنة السابقة لتاريخ تقديم طلب البراءة قد سبق استعمال الاختراع بصفة علنية في مصر أو كان قد شهر عن وصفه أو عن رسمه في نشرات أذيعت في مصر وكان الوصف أو الرسم الذي نشر من الوضوح بحيث يكون في إمكان ذوي الخبرة استغلاله.
2 - إذا كان في خلال الخمسين سنة السابقة على تاريخ تقديم طلب البراءة قد سبق إصدار براءة عن الاختراع أو جزء منه لغير المخترع أو لغير من آلت إليه حقوقه أو كان قد سبق للغير أن طلب براءة عن الاختراع ذاته أو عن جزء منه في المدة المذكورة".
3 - إن الطاعن إذ يذهب إلى القول بأنه إذا كانت صناعة إعادة الزيوت المعدنية المستعملة إلى أصلها قد ابتدأ استعمالها في مصر قبل تقديم طلب براءة اختراعه فإن ذلك كان كما قال الخبير في تقريره دون علم المصالح والهيئات المشرفة على صناعة البترول في مصر مما يقطع بأن ذلك الاستعمال لم يكن لصفة علنية وبالتالي لا يفقد الاختراع شرط الجدة وفقاً لصريح نص المادة الثانية فقرة أولى من القانون, وقوله هذا مردود بأن المقصود من الصفة "العلنية" في الاستعمال السابق للاختراع هو عدم بقائه سراً مكتوماً محجوباً عن الأنظار بحيث لا يكون ثمة حائل دون تسربه للجمهور وكشفه عنه, وترى المحكمة في ضوء وقائع الدعوى وما قدمه المطعون ضده من مستندات أن القول بأن استعماله في مصنعه لطريقة إعادة الزيوت المستعملة إلى أصلها لم يكن بصفة علنية هو قول في غير محله, إذ لم يكن الأمر سراً مكتوماً أو محجوباً عن الأنظار إنما كان أمر صناعة مفتوح باب التعامل فيها في وجه الجميع ويعمل من أجل رواجها وجلب المزيد من العملاء لها وهؤلاء قد يرون المعاينة والدرس قبل التعاقد فلا يصدون عن ذلك كما حدث مع سلاح الطيران البريطاني على ما تقدمت الإشارة إليه, ولا يقدح في هذا أن المصالح والهيئات المشرفة على صناعة البترول في مصر لم تكن تعلم بنشاط المطعون ضده الصناعي, إذ أن عدم العلم هذا لا يعني أكثر من أن هذه المصالح والهيئات بعيدة عن هذا النوع من النشاط الصناعي والتجاري أو لا تعيره شيئاً من اهتمامها دون أن يمس هذا علانيته المستخلصة من المستندات وفق ما تقدم.


إجراءات الطعن

في 9 من مارس سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن السيد وزير الاقتصاد بوصفه الرئيسي الأعلى لمصلحة التسجيل التجاري تقرير طعن في الحكم الصادر بجلسة 10 من يناير سنة 1961 من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 326 لسنة 13 قضائية المقامة من السيد/ ميركو بوتشيانتي ضد السيد/ عبد الحليم محمود علي ووزير التجارة, وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وأصلياً بإلغاء الحكم المطعون فيه مع إلزام ميركو بوتشيانتي بالمصاريف واحتياطياً إخراج الطاعن بصفته من الدعوى دون مصروفات، وقيد الطعن بسجل المحكمة الإدارية العليا تحت رقم 905 لسنة 7 القضائية وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهما في 14/ 3/ 1961.
وفي 11 من مارس سنة 1961 أودع الأستاذ راغب حنا المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/ عبد الحليم محمود علي تقرير طعن في ذات الحكم السابق بيانه, وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى السيد ميركو بوتشيانتي وإلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة, وقيد الطعن بسجل المحكمة الإدارية العليا تحت رقم 954 لسنة 7 القضائية وأعلن تقرير الطعن إلى وزير التجارة في 15/ 3/ 1961 وإلى ميركو بوتشيانتي في 21/ 3/ 1961.
وعين لنظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون لهذه المحكمة جلسة أول فبراير سنة 1964 وفيها قررت الدائرة ضم الطعنين معاً, وتداولا في الجلسات حتى جلسة 9/ 5/ 1964 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا وعين لنظره أمامها جلسة 31/ 10/ 1964 وتداولت بالجلسات إلى جلسة 30/ 1/ 1965.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين - اللذين سبق تقرير ضمهما - قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 326 لسنة 13 ضد السيدين عبد الحليم محمود علي وزير التجارة بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري بتاريخ 17 من ديسمبر سنة 1958 وقال بياناً للدعوى إنه في 23 من فبراير سنة 1952 قدم المدعى عليه الأول إلى إدارة براءات الاختراع بوزارة التجارة طلباً للحصول على براءة اختراع أصلية عن طريقة لتكرير الزيوت المعدنية المستعملة أو بعبارة أخرى لإعادة هذه الزيوت إلى أصلها وبرر المدعى عليه الأول الطلب المذكور بقوله إن هذا الاختراع عبارة عن طريقة لإعادة الزيوت المعدنية المستعملة إلى أصلها وكانت الفكرة السائدة أنه لا يمكن إعادة الزيوت المعدنية إلا مرة واحدة إذ تكون قد استنفدت الغرض منها، غير أن الأبحاث أثبتت أنه يمكن إعادتها إلى أصلها بعد الاستعمال وهذه العملية تتكرر إلى ما لا نهاية وأصبح من الممكن إعادة الزيوت المعدنية المستعملة إلى أصلها بواسطة طريقته المبتكرة التي شرحها في طلبه، وقد ظل الطلب في إدارة براءات الاختراع أربع سنوات وأخيراً صدرت عنه لمصلحة المدعى عليه الأول في أول يوليه سنة 1956 براءة اختراع قيدت برقم 794 فئة رقم 3 وقد جاء في هذه البراءة تحت عنوان "العناصر الجديدة موضوع الحماية" ما يأتي "طريقة لإعادة الزيوت المعدنية المستعملة إلى أصلها باستعمال المواد الكيماوية والمعدنية الموضحة فيما بعد بالنسبة الآتية:
(1) حامض السلفريك بنسبة بين 3% و7% بدرجة حرارة من 45 إلى 50 سنتيجريد.
(2) ومادة التونسيل بنسبة بين 5% و7% بدرجة حرارة من 90 إلى 110 سنتيجريد.
(3) ومادة الجير بنسبة بين 1% و2% بدرجة حرارة من 90 إلى 110 سنتيجريد.
(4) وباستعمال الأجهزة والطريقة المشروحة في الوصف.
وقد سهل للمدعى عليه الأول فرصة الحصول على براءة الاختراع المشار إليها أن القانون المصري الخاص ببراءات الاختراع وهو القانون رقم 132 لسنة 1949 لم يتبع طريقة الفحص السابق، وهي الطريقة التي توجب على إدارة براءات الاختراع التحقق من كون الاختراع مبتكراً قبل أن تصدر عنه براءة الاختراع, وذلك كما قررت وزارة التجارة في المذكرة الإيضاحية التي قدمتها لتعديل القانون رقم 132 لسنة 1949 المذكور بالقانون رقم 650 لسنة 1955, واستطرد المدعي قائلاً إنه تأسيساً على هذه الحقيقة وتقديراً لاحتمال صدور براءة اختراع مخالفة لأحكام القانون وأجازت المادة 35 من القانون 132 لسنة 1949 لإدارة براءات الاختراع ولجميع ذوي الشأن طلب الحكم ببطلان مثل هذه البراءة وأنه تطبيقاً لهذه المادة يرفع دعواه هذه لإبطال براءة الاختراع الممنوحة للمدعى عليه الأول عن طريقة مألوفة وشائعة لإعادة الزيوت المعدنية إلى أصلها, فصناعة تكرير الزيوت المستعملة أو إعادتها إلى أصلها هي صناعة قديمة معروفة منذ خمسين سنة على الأقل وادعاء المدعى عليه الأول بابتكارها هو ادعاء باطل يدل على ذلك (أولاً) أن طريقة إعادة الزيوت المستعملة إلى أصلها بالكيفية التي أوضحها المدعى عليه الأول في طلبه هي طريقة معروفة منذ خمسين سنة على الأقل وادعاء المدعى عليه الأول بابتكارها المؤلفات الفنية المعروضة للبيع في كل المكتبات المصرية وفي كثير من المكتبات الفنية للشركات أو الجمعيات المعنية بهذه الصناعة, من ذلك كتاب Inbreficants de graissaga et ďusinge المطبوع في باريس سنة 1947 والنشرة الفرنسية المعنونة Actisil (وقد أورد المدعي في صحيفة دعواه فقرات من هذين الكتابين مع ترجمتها إلى العربية) ومحاضرة عن زيوت التزييت المعدنية أو البترولية ألقاها في ديسمبر سنة 1955 الأستاذ الكيماوي إبراهيم يوسف مصطفى الخبير الاستشاري لشئون البترول الذي كان يعمل وقتها عند المدعى عليه الأول كمستشار فني. (ثانياً) أن طريقة إعادة الزيوت المستعملة إلى أصلها طريقة معروفة في مصر منذ مدة طويلة سابقة على تاريخ الطلب الذي قدمه المدعى عليه الأول للحصول على البراءة موضوع النزاع فقد بدأ هذه الصناعة في مصر في سنة 1936 شخص يدعى Harus وكون شركة لهذا الغرض وأنشأ مصنعاً في السبتية ثم في الإسكندرية واستمر في عملية تكرير الزيوت المستعملة حتى مايو سنة 1946 إذ باع صناعته ومؤسسته إلى شركات شل بالقاهرة مقابل مبلغ أربعين ألف جنيه مع تعهده بعدم منافسة الشركة في استغلال هذه الصناعة في مصر, وفي سنة 1948 أسس المدعي في شارع الخليج المصري رقم 53 بالقبة مصنعاً لإعادة الزيوت المستعملة إلى أصلها وبدأ هذا المصنع نشاطه في سنة 1949 أي قبل تقديم طلب براءة الاختراع بثلاث سنوات ولعلم المدعي بأن الطريقة التي يستعملها طريقة شائعة لا فضل له فيها ولا يجوز أن تكون محلاً لبراءة اختراع وفق حكم المادة الثالثة من القانون رقم 132 لسنة 1949 فقد أمسك عن طلب براءة اختراع عنها, وانتهى المدعي إلى طلب الحكم بإبطال براءة الاختراع رقم 794 فئة 3 الممنوحة خطأ للمدعى عليه الأول عن طريقة لإعادة الزيوت المعدنية المستعملة إلى أصلها مع إلزام المدعى عليه الأول بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة, وقد قدم ضمن حافظة الكتاب والنشرة والمحاضرة المشار إليها في عريضته.
وردت وزارة الاقتصاد على الدعوى بمذكرة أعدتها إدارة البراءات بمصلحة التسجيل التجاري وتضمنت أن المدعى عليه الأول قدم طلب البراءة في 23 من فبراير سنة 1952 وقيد برقم 73 لسنة 1952 وبتاريخ أول يوليه سنة 1952 تم قبول الطلب بعد فحصه من الناحيتين الفنية والقانونية ونشر عن قبوله بجريدة براءات الاختراع في العدد 62 السنة الخامسة شهر أكتوبر سنة 1956 وانقضت مدة المعارضة وقدرها شهران وفي 12 من يناير سنة 1958 صدرت البراءة رقم 794 ونشر عن ذلك بالجريدة سالفة الذكر في عدد إبريل سنة 1958، وأن ما أورده المدعي من أن القانون رقم 132 لسنة 1949 لم يتبع طريقة الفحص السابق مردود بأن المذكرة الإيضاحية لهذا القانون قد أوضحت أسباب الأخذ بنظام وسط بين نظام الإيداع المطلق المتبع في فرنسا ونظام الفحص السابق المتبع في بريطانيا وأن المشرع أخذ بالنظام الذي يلاءم درجة النهضة الصناعية وهو النظام الوسط حتى يمكن التدرج به نحو نظام الفحص الكامل وأن القانون نظم في المواد 18 وما بعدها واجبات إدارة براءات الاختراع فيما يتعلق بالرقابة على توافر الشروط المنصوص عنها في شأن الاختراعات التي تمنح عنها البراءات والشهر عنها وفتح باب المعارضة لذوي الشأن أمام لجنة تشكل بقرار من وزير الاقتصاد وأن المصلحة راعت من جانبها المواعيد القانونية عند القيام بالإجراءات حتى صدرت البراءة موضوع النزاع دون أن يتقدم عنها أية معارضة، وفيما يتعلق بالنشرات التي أشار إليها المدعي في صحيفة دعواه ونقل منها بعض المقتطفات للتدليل على أن الاختراع موضوع البراءة معروف في بلاد أوروبا وأمريكا وبذلك لا يكون جديداً، أوردت مذكرة الحكومة فقرة من المذكرة الإيضاحية تقول "يعتبر عنصر الجدة متوافراً إذا لم يكن قد نشر عن الاختراع في مصر وفي هذه الخطة تشجيع لطلب براءات في مصر عن اختراعات جرى النشر عنها في الخارج حتى تستفيد البلاد في نهضتها الصناعة من الاختراعات" ثم عرضت مذكرة الحكومة للمحاضرة التي ألقيت في ديسمبر سنة 1955 فقالت إن نصوص القانون تحمي الاختراع من تاريخ تقديم الطلب فلا يؤثر عليه أن يستغل أو يعرف أو ينشر عنه بعد تاريخ تقديم الطلب ولما كانت المحاضرة المذكورة قد ألقيت في تاريخ لاحق لتقديم الطلب فإنها لا تؤثر على جدة الاختراع، وقد قدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة أخرى لا يخرج ما جاء بها عما تضمنته مذكرة إدارة البراءات وقد طلبت الحكم برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
ورد المدعى عليه الأول على الدعوى بأن الفكرة التي كانت سائدة هي أنه لا يمكن استعمال الزيوت المعدنية إلا مرة واحدة إذ تكون قد استنفدت الغرض منها وأصبحت غير صالحة للاستعمال، ولازدياد الحاجة إلى الزيوت المعدنية فكر في ابتكار طريقة لإعادة الزيوت المعدنية المستعملة إلى أصلها ومن ثم سافر إلى ألمانيا واستعان بالعالم الألماني الدكتور فردريك ارهد في ابتكار طريقة لإعادة الزيوت المعدنية المستعملة إلى أصلها بحيث تتكرر هذه العملية إلى ما لا نهاية، وفي سنة 1951 اشترى من ألمانيا الآلات اللازمة لإخراج اختراعه إلى حيز الوجود واستقدم بعض الخبراء الألمان لإنشاء مصنع وقد تكلف في هذا السبيل نحو ثلثمائة ألف جنيه، وفي 23 من فبراير سنة 1952 تقدم بطلب براءة الاختراع وقبل طلبه، وقد علم بأن المدعي وآخر يدعى إمام محمد عوض (وكان عاملاً بمصنعه) وثالثاً يدعى الخواجة فلورانس بالإسكندرية يقلدون اختراعه فأبلغ النيابة للتحقيق معهم كما استصدر أمراً من رئيس محكمة القضاء الإداري بتوقيع الحجز التحفظي على ما يستخدم في جريمة التقليد بمصانعهم ووقع الحجز فعلاً على مصنعين بالقاهرة ومصنع بالإسكندرية ورفضت تظلماتهم من هذا الحجز، وقد رفع في 8، 9، 10 من نوفمبر سنة 1958 - ثلاث جنح مباشرة ضدهم ما زالت منظورة بالجلسات، ثم استعرض المدعى عليه الأول أوجه دفاعه فذكر أنه يبين من نص المادتين الأولى والثالثة من القانون رقم 132 لسنة 1949 أنه يشترط لمنح براءة اختراع توافر شرطين أولهما: أن يوجد ابتكار جديد قابل للاستغلال الصناعي ويكون الابتكار جديداً ولو كان بتطبيق جديد لطرق أو وسائل صناعية مستعملة بحيث تمنح البراءة والحماية حتى ولو كان الهدف موجوداً من قبل ووسائله معروفة واقتصر الابتكار الجديد على مجرد تطبيق جديد لطرق ووسائل صناعية مستعملة. وثانيهما: ألا تكون الطريقة أو الابتكار سبق أن استعمل في مصر في الخمسين سنة السابقة بصفة علنية أو أذيعت عنه نشرات وكان النشر من الوضوح بحيث يكون في إمكان ذوي الخبرة استغلاله. وهذان الشرطان متوافران في حالته إذ أنه قد ابتكر طريقة جديدة لإعادة الزيوت المعدنية إلى أصلها باستعمال مواد كيماوية بنسب معينة وفي درجة حرارة معينة وبأجهزة خاصة - وهذه الطريقة الجديدة لم يسبق لأحد استعمالها في مصر مطلقاً ولم تذع عنها نشرات من الوضوح بحيث يمكن استعمالها، ولا حجة فيما أورده المدعي عما جاء في المؤلف المطبوع في باريس سنة 1947 لأن هذا المؤلف طبع ونشر في باريس ولم يطبع أو ينشر بأي طريقة من طرق النشر في مصر. ولأن ما ورد فيه يعتبر كلاماً نظرياً بحتاً لا يضع طريقة عملية محددة. وحتى الطريقة التي تكلم عنها المؤلف انتقدها هو نفسه وأبرز عيوبها. كما أنها ليست الطريقة محل الحماية في براءة الاختراع المطعون عليها فهي تشير إلى استعمال ماء النار والاليوم والقطران وهي غير المواد التي ابتكر المدعى عليه لأول استعمالها، هذا إلى أن المؤلف لم يبين الآلات والأجهزة التي تستعمل، وفيما يتعلق بالنشرة الفرنسية Actisil فإنها وإن تكلمت عن إمكان إعادة الزيوت المستعملة إلى أصلها كمبدأ عام أو كنظرية إلا أنها لم تضع قاعدة ثابتة يمكن اتباعها عملياً كما لم تضع نسباً ثابتة لمواد كيمائية معينة ولم تبين درجات الحرارة والأجهزة الخاصة، وفيما يتعلق بمحاضر الأستاذ إبراهيم يوسف مصطفى فإن المحاضر أشاد بالطريق التي يستعملها المدعى عليه الأول في مصانعه "ووصفها بأنها أحدث الطرق وأفضلها وقال إنها تشبه طريقة إنتاج الزيوت الأصلية من زيوت البترول وليس معنى هذا أنها نفس الطريقة فهناك أوجه خلاف بين الطريقتين كما قال إن عملية تكرير الزيوت ليست مستحدثة وتقوم بها حالياً أمريكا وأوروبا غير أنه لم يقل إنهما تستعملان لهذا الغرض نفس طريقة المدعى عليه الأول هذا إلى أن ما يتبع في هاتين القارتين لا يعتبر معروفاً بالطريقة التي تمنع منح براءة الاختراع، واستطرد المدعى عليه الأول قائلاً إن تكرير الزيوت المعدنية أو إعادتها إلى أصلها وإن كانت نظرية قديمة تناولها كثير من المؤلفين وبذلوا في سبيل تحقيقها المحاولات إلا أن أحداً لم يصل إلى ابتكار طريقة محددة تطابق طريقته التي تعتمد على مواد كيماوية معينة ودرجات حرارة محددة وأجهزة وآلات خاصة والتي هي محل الحماية في براءة اختراعه والتي لم يثبت مطلقاً أن أحداً سبق أن استعملها كما أنها تختلف عن الطرق التي أشارت إليها المراجع التي ذكرها المدعي، هذا إلى أن المدعي لم يرفع دعواه الحالية إلا بعد اتهامه بتقليد الطريقة محل الحماية في براءة اختراع وبعد توقيع الحجز ضده ولو كان جاداً فيما يدعيه لقدم معارضة في الميعاد الذي حددته اللائحة التنفيذية للقانون 132 لسنة 1949 كما أنه لو كان يقوم بإعادة الزيوت المستعملة إلى أصلها قبل تقديم طلب البراءة لتقدم بطلب براءة اختراع خلال سنتين من وقت العمل بالقانون المذكور وفقاً لحكم المادة 55 منه، وانتهى المدعى عليه الأول إلى طلب الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقدمت هيئة المفوضين تقريراً بالرأي القانوني في الدعوى انتهت فيه إلى رفضها وإلزام المدعي المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة بناء على أن المدعي لم يقم الدليل على أن الطريقة التي يستعملها، المدعى عليه الأول كانت مستعملة في مصر منذ مدة طويلة.
وعقب المدعي على تقرير هيئة المفوضين متمسكاً بأن براءة الاختراع الممنوحة للمدعى عليه الأول تمثل فكرة شائعة سبق المدعي الأول في استعمالها في مصر كثيرون كان من بينهم المدعي، وقدم لتأييد قوله عدة أوراق من بينها صورة من حكم محكمة جنح الوايلي في الدعوى المباشرة رقم 9330 سنة 1958 وصورة من تقرير الخبير المنتدب في هذه الدعوى، وقد قضى هذا الحكم ببراءة المدعي من تهمة التقليد وتضمن أنه قد أنشأ مصنعاً لاستخراج الزيوت المعدنية في سنة 1949 وكان يستغل صناعياً الاختراع موضوع البراءة الممنوحة للمدعى عليه الأول قبل تاريخ صدورها ومن ثم يكون من حقه الاستمرار في استغلاله لصالح منشأته عملاً بأحكام المادة 11 من القانون رقم 132 لسنة 1949، وأورد المدعي فقرات من أسباب حكم محكمة الجنح المستأنفة القاضي بتأييد حكم محكمة الوايلي.
ورد المدعى عليه الأول على استناد المدعي إلى حكم محكمة جنح الوايلي بأن هذا الحكم لم يؤسس على بطلان براءة اختراعه ولم يشر من قريب أو من بعيد إلى عدم توافر عنصر الجدة أو إلى أن الطريقة التي منحت عنها البراءة سبق استعمالها بصفة علنية في مصر أو شهر عن وصفها أو عن رسمها في نشرات أذيعت في مصر، وإنما بني الحكم على سبب وحيد هو نص المادة 11 من قانون براءات الاختراع الذي لا يجعل لبراءة الاختراع حجية على من كان يشغل الاختراع بحسن نية قبل تقديم طلب البراءة وخلص المدعى عليه الأول إلى أن الحكم المذكور لا أثر له مطلقاً على الدعوى الحالية.
وفي 10 من يناير سنة 1961 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها في الدعوى قاضياً بإلغاء القرار الصادر من إدارة البراءات والنماذج الصناعية بوزارة التجارة بمنح المدعى عليه عبد الحليم محمود علي براءة الاختراع رقم 794 لسنة 1958 فئة 3 عن طريقة إعادة الزيوت المعدنية المستعملة إلى أصلها وإلزام المدعى عليهما بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة، وأوردت المحكمة في أسباب حكمها أنها استبانت من الاطلاع على الأوراق وعلى ملف براءة الاختراع المطلوب إبطالها وملف القضية 670 جنح استئناف القاهرة لسنة 1960 (التي كانت مضمون للدعوى) أن المدعى عليه عبد الحليم محمود علي أقام الدعوى الجنائية بالطريق المباشر ضد المدعي أمام محكمة جنح الوايلي وتقيدت بجدولها تحت رقم 9330 لسنة 1958 الوايلي واتهمه فيها بأنه في خلال المدة من أول يناير إلى 31 من أكتوبر سنة 1958 قلد موضوع اختراع منحت عنه براءة اختراع وطلب عقابه بالمادة 48 من القانون رقم 132 لسنة 1949 مع الحكم بإلزامه بأن يدفع له واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت ودفع المدعي الاتهام الموجه إليه بعدم الاعتداد ببراءة الاختراع القائم عليها ذلك الاتهام لما هو ثابت من المستندات التي قدمها من أنه يملك مصنعاً لتكرير الزيوت المستعملة عن طريق إعادتها إلى أصلها منذ نوفمبر سنة 1949 وهي ذات الطريقة التي منح عنها المدعى عليه عبد الحليم محمود براءة اختراع ومن ثم يستفيد من الوجهة الجنائية من حكم المادة 11 من القانون فيما يقضي به من عدم سريان حكم براءة الاختراع على من كان يشغل الاختراع صناعياً بحسن نية قبل تقديم طلب البراءة كما دفع من ناحية أخرى ببطلان براءة الاختراع لمخالفتها للمادة الثالثة من القانون وقال إن دعوى البطلان منظورة أمام محكمة القضاء الإداري وفي جلسة 28 من مايو سنة 1959 قررت محكمة جنح الوايلي قبل الفصل في الموضوع ندب كبير المهندسين الكيميائيين بمصلحة الوقود بوزارة الصناعة وحددت مأموريته بالانتقال إلى مصنع المدعى عليه عبد الحليم محمود ومصنع المدعي ومعاينتهما وفحص الطريقة التي يستعملها كل منهما لإعادة الزيوت المستعملة إلى أصلها وذلك لبيان ما إذا كانت الطريقة التي يستعملها المدعي هي ذات الطريقة الممنوح عنها براءة الاختراع للمدعى عليه عبد الحليم محمود من عدمه، وإذا تبين له أن الطريقة واحدة فعليه أن يبين على وجه الدقة تاريخ استعمال المدعي لهذه الطريقة لبيان ما إذا كان سابقاً على منح البراءة أم لاحقاً عليه وباشر الخبير مأموريته وقدم تقريره وانتهى فيه إلى نتيجة مؤداها أن طريقة إعادة الزيوت المستعملة إلى أصلها لدى كل منهما واحدة ومطابقة لبراءة الاختراع موضوع النزاع وأن هذه الطريقة ابتدأ استعمالها قبل 23 من فبراير سنة 1952 تاريخ طلب البراءة وفي جلسة 17 من ديسمبر سنة 1959 ناقشت محكمة الوايلي الخبير فأكد ما جاء في تقريره وفي 21 من يناير سنة 1960 قضت محكمة جنح الوايلي حضورياً ببراءة المدعي ورفض الدعوى المدنية قبله وأقامت قضاءها على ما ثبت لديها من وقائع الدعوى أن المدعي قد أنشأ مصنعاً لاستخراج الزيوت المعدنية في سنة 1949 حسبما هو واضح من سجله التجاري وأنه باشر العمل فيه وحقق أرباحاً دفع عنها الضرائب المستحقة كما كانت مصلحة الإنتاج تطالبه بالرسوم المستحقة على الزيوت المجددة منذ أول ديسمبر سنة 1949 فضلاً عن الشهادات المختلفة التي قدمها دالة على أنه كان يمارس عملية تكرير الزيوت المستعملة وإعادتها إلى أصلها في تاريخ سابق على صدور البراءة موضوع النزاع وخلصت من ذلك إلى أن لا يسري عليه حكم القانون في حماية براءة هذا الاختراع بالتطبيق للمادة 11 منه وقد استأنف المدعى عليه عبد الحليم محمود ذلك الحكم وتقيد استئنافه برقم 760 جنح مستأنفة مصر سنة 1960 وفي جلسة 5 من مارس سنة 1960 قضت محكمة الجنح المستأنفة بتأييد الحكم المستأنف وأخذت بأسبابه وأضافت إليها رداً على ما أثاره المدعى عليه عبد الحليم محمود من محاولة النيل من الشهادات التي قدمها المدعي منسوبة إلى بعض شركات البترول والنقل والمؤسسات الصناعية والتي تشهد بسبق تكليفها المدعي بعملية تكرير وتجديد زيوتها المعدنية من تاريخ سابق على تاريخ منح براءة الاختراع فقالت "ومما يجعل المحكمة تطمئن إلى صحة تلك المستندات وتأخذ بما جاء بها.... ذلك المستند الذي لم ينكره المستأنف (المدعى عليه عبد الحليم محمود) والذي هو عبارة عن صورة فوتوغرافية من عقد اتفاق بين مصلحة الميكانيكا والكهرباء بوزارة الأشغال والشركة المصرية الأمريكية لتكرير الزيوت بشارع الشيخ حمزة 18 بمصر والذي يستفاد منه أن فكرة تكرير الزيوت المعدنية وتجديدها كانت فكرة معروفة من تاريخ هذا التعاقد على الأقل والذي يرجع إلى 11 يناير سنة 1947 أي في تاريخ سابق على منح البراءة للمستأنف ومما يزيد هذه الحقيقة تأكيداً صورة كتاب مصلحة الجمارك المصرية المؤرخ 31/ 10/ 1948 إلى الشركة المصرية الأمريكية لتكرير الزيوت والذي بمقتضاه تنهي إلى الشركة أن رسوم الإنتاج على الزيوت المعدنية المجددة تستحق ابتداء من 8/ 8/ 1943 وهذان المستندان يقطعان بأن فكرة تجديد الزيوت المعدنية إنما هي فكرة قديمة وكانت معروفة في مصر قبل تاريخ منح البراءة للمستأنف.." وبعد أن استعرضت أسباب الحكم المطعون فيه بعض نصوص القانون رقم 132 لسنة 1949 خلصت إلى "أن الثابت مما سبق شرحه في سياق وقائع هذه الدعوى ومن ملف القضية 670 جنح س مصر لسنة 1960 المضمومة أن المدعي يملك في القاهرة مصنعاً لتكرير الزيوت بطريق إعادة الزيوت المستعملة إلى أصلها منذ سنة 1949 على الأقل وهو التاريخ الذي بدأ فيه بدفع ضرائب عن أرباحه من هذه الصناعة وسداده رسوم الإنتاج عن إنتاجه من الزيوت المكررة بهذه الطريقة وهي ذات الطريقة موضوع براءة الاختراع الممنوحة للمدعى عليه الأول والمطلوب إبطالها وأن ذلك الاستعمال كان بطريقة علنية في مصر منذ ذلك التاريخ أي قبل 22 فبراير سنة 1952 تاريخ تقديم المدعى عليه الأول طلبه رقم 73 لسنة 1952 لمصلحة الملكية الصناعية بوزارة التجارة ومن ثم يكون الاختراع موضوع هذه البراءة قد فقد شرط الجدة المنصوص عليه في المادة الأولى من القانون وذلك طبقاً للفقرة الأولى من المادة الثالثة منه، كما قالت المحكمة إنه لا مقنع فيما ذهب إليه المدعى عليه الأول في مذكرته الختامية من أن الحكم الصادر في دعواه الجنائية لم يتعرض لإبطال براءة الاختراع الممنوحة له وإنما استند إلى المادة 11 التي تقضي بعدم سريان الحماية التي فرضها القانون 132 لسنة 1949 في حق من استغل الاختراع بحسن نية قبل طلب البراءة، لا مقنع في ذلك إذ أن المحكمة الجنائية لا تملك التصدي لبطلان البراءة من عدمه ومن ثم فلا مناص لها لتمارس اختصاصها الجنائي من أن تستند في حكمها ببراءة المدعي من التهمة الجنائية إلى المادة 11 سالفة الذكر.
وفي 9 من مارس سنة 1961 طعنت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن السيد وزير الاقتصاد التنفيذي بوصفه الرئيس الأعلى لمصلحة التسجيل التجاري في الحكم سالف الذكر، وقيد الطعن تحت رقم 950 لسنة 7 القضائية، وطلب الطاعن القضاء بقبول الطعن شكلاً وطلب بإلغاء الحكم المطعون فيه مع إلزام المطعون ضده الأول بالمصاريف واحتياطياً إخراج الطاعن بصفته من الدعوى دون مصروفات، وقد بني الطعن على أن الواضح من ملف طلب البراءة أن أحكام القانون قد اتبعت، فقد نشر عن الطلب بالجريدة ولم تقدم بشأنه أية معارضة فاستصدرت إدارة البراءات البراءة، وأن المحكمة ألزمت الطاعن بالمصاريف في حين أن الوزارة الطاعنة لا شأن لها بالنزاع وهي قد قامت بتنفيذ أحكام القانون الأمر الذي يدعو إلى إخراجها من الدعوى بلا مصاريف.
وفي 11 من مارس سنة 1961 طعن وكيل السيد/ عبد الحليم محمود علي في الحكم، وقيد الطعن تحت رقم 954 لسنة 7 القضائية، وطلب الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده الأول وإلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقد أورد الطاعن أسباب طعنه على نحو مفصل مردداً ما أبداه من أوجه دفاع أمام محكمة القضاء الإداري على ما سبق بيانه، وذكر أن الخبير الذي ندبته محكمة جنح الوايلي لمعاينة مصنعه ومصنع المطعون ضده الأول وفحص الطريقة المستعملة لدى كل منهما قد بنى النتيجة التي انتهى إليها في تقريره على أساس صحة المستندات والشهادات المقدمة من المطعون ضده الأول بملف القضية دون علم المصالح الحكومية المختصة كمصلحة الوقود وغيرها من المصالح والهيئات المشرفة على صناعة البترول في مصر ومؤدى هذا إنه إذا صحت تلك المستندات والشهادات وكانت صناعة إعادة الزيوت المعدنية المستعملة إلى أصلها قد ابتدأ استعمالها في مصر قبل تقديم طلب البراءة، فإن ذلك كان دون على المصالح والهيئات المذكورة مما يقطع في أن ذلك الاستعمال لم يكن بصفة علنية وبالتالي لا يفقد الاختراع عنصر الجدة وفقاً لصريح نص المادة الثالثة فقرة أولى من قانون براءات الاختراع، وأنه فيما يتعلق بحكم محكمة جنح الوايلي فإنه غير ذي أثر مطلقاً على الدعوى الحالية لأنه لم يؤسس على أن الاختراع قد شرط الجدية كما أنه لا حجية له قانوناً لدى القاضي الإداري، ومع ذلك فإن الحكم المطعون فيه قد تقيد به وأقام قضاءه على أساسه، هذا إلى أنه قد وردت في أسباب حكم الجنح المذكور عبارات صريحة قاطعة ليس لها إلا معنى واحد هو أن محكمة الجنح ترى أن براءة الاختراع لا زالت قائمة صحيحة منتجة لآثارها القانونية وسارية في حق الكافة مع استثناء المطعون ضده الأول الذي يبقى له فقط بصفة استثنائية وفقاً للمادة 11 من القانون حق استغلال الاختراع لحاجات منشأته دون أن يكون له نقل هذا الحق مستقلاً عن المنشأة ذاتها إلى الغير، وأن ما جاء في حكم محكمة الجنح المستأنفة من أن "فكرة تجديد الزيوت المعدنية إنما هي فكرة قديمة وكانت معروفة في مصر قبل تاريخ منح البراءة" هو قول لا يقدم ولا يؤخر في توافر شرط الجدة في الطريقة المعينة التي حصل الطاعن على براءة اختراع عنها, ذلك أن هذه البراءة ليست عن فكرة أو صناعة تجديد الزيوت المعدنية عموماً بل هي تنصب على "طريقة فنية معينة" لإعادة الزيوت المستعملة إلى أصلها على أسس كيماوية بمواد خاصة ونسب محددة وأجهزة معينة وهذه الطريقة بالذات هي موضوع الحماية.
وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعنين المتقدمي الذكر (950 و954 لسنة 7 القضائية) وقد انتهت فيه إلى قبول الطعنين شكلاً ورفضهما موضوعاً بالنسبة إلى طلب إلغاء القرار المطعون فيه وإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلزام الوزارة بالمصروفات مع تحميلها إلى السيد/ عبد الحليم محمود علي الطاعن والمدعى عليه الأول في الحكم المطعون فيه.
وقدمت مصلحة التسجيل والرقابة التجارية (إدارة البراءات والنماذج الصناعية) مذكرة ختامية طلبت فيها الحكم بقبول الطعن رقم 950 لسنة 7 القضائية شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلزام الحكومة بالمصاريف مع المطعون ضده الثاني والقضاء بهذه المصروفات على من ترى المحكمة إلزامه بها من المطعون ضدهما مع إلزام المطعون ضده الأول مصاريف هذا الطعن وأتعاب المحاماة عنه.
ومن حيث إن المادة الأولى من القانون رقم 132 لسنة 1949 بشأن براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية قد نصت على ما يأتي "تمنح براءة الاختراع وفقاً لأحكام هذا القانون عند كل ابتكار جديد قابل للاستغلال الصناعي سواء أكان متعلقاً بمنتجات صناعية جديدة أم بطرق أو وسائل صناعية معروفة" وواضح من هذا النص أنه يشترط لمنح براءة الاختراع أن يكون الاختراع أو الابتكار جديداً لم يسبق إليه أحد, وهو ما اصطلح على تسميته بشرط الجدة, والحكمة في هذا الشرط أن ما خوله القانون لمالك البراءة من حق استئثار مقصور عليه في استغلال الاختراع إن هو إلا مقابل لما أهداه للهيئة الاجتماعية من أسرار صناعية, فإذا لم تظفر منه بالجديد منها انقضى المقتضى لتخويله الاستئثار بالاستغلال وحرمان غيره منه, على أن الشارع المصري لم يشأ أن تكون هذه الجدة المتطلبة مطلقة, على غرار ما انتهجه الشارع الفرنسي الذي أخذ بمبدأ الجدة المطلقة في الزمان وفي المكان, بل قيد نطاقها ورسم ضوابطها بما نص عليه في المادة الثالثة من القانون التي جرى نصها بما يلي "لا يعتبر الاختراع جديداً كله أو جزء منه في الحالتين الآتيتين:
(1) إذا كان في الخمسين سنة السابقة لتاريخ تقديم طلب البراءة قد سبق استعمال الاختراع بصفة علنية في مصر أو كان قد شهر عن وصفه أو عن رسمه في نشرات أذيعت في مصر وكان الوصف أو الرسم الذي نشر من الوضوح بحيث يكون في إمكان ذوي الخبرة استغلاله.
(2) إذا كان في خلال الخمسين سنة السابقة على تاريخ تقديم طلب البراءة قد سبق إصدار براءة عن الاختراع أو جزء منه لغير المخترع أو لغير من آلت إليه حقوقه أو كان قد سبق للغير أن طلب براءة عن الاختراع ذاته أو عن جزء منه في المدة المذكورة.
وظاهر من هذا النص أن الاختراع يفقد شرط الجدة - ولا يكون بالتالي حقيقاً بمنح براءة يحميها القانون - في حالات إحداهما سبق استعمال الاختراع بصفة علنية في مصر خلال الخمسين سنة السابقة لتاريخ تقديم طلب البراءة وهي الحالة التي اقتصر الحكم المطعون فيه على بحثها وخلص من هذا البحث إلى أن الاختراع الممنوح عنه براءة للطاعن عبد الحليم محمود علي قد فقد شرط الجدة.
ومن حيث إنه دون خوض في بحث ما إذا كانت طريقة الطاعن عبد الحليم محمود علي لتكرير الزيوت المستعملة وإعادتها إلى أصلها (وهي موضوع براءة اختراعه) تعد ابتكار أم أنها لا تعدو أن تكون من قبيل التنقيحات أو التحسينات التي لا تضيف جديداً إلى الفن الصناعي القائم والتي يعتبرها بعض رجال الفقه داخلة في نطاق الصناعة لا في نطاق الاختراع, دون خوض في هذا البحث فإنه يكفي أن.. يثبت أن الاختراع موضوع البراءة فاقد شرط الجدة المتقدم ذكره لتحرم هذه البراءة من الحماية التي قررها القانون رقم 132 لسنة 1949 وليقضي ببطلانها, وهو ما انتهى إليه بحق الحكم المطعون فيه للأسباب التي بني عليها والتي تقررها هذه المحكمة, ومن الرجوع إلى التقرير الذي وضعه كبير المهندسين الكيمائيين بمصلحة الوقود الذي ندبته محكمة جنح الوايلي خبيراً في دعوى اتهام المطعون ضده ميركو بوتشيانتي بتقليد اختراع الطاعن عبد الحليم محمود علي, على أن تكون مأموريته الانتقال إلى مصنعيهما ومعاينتهما وفحص الطريقة المستعملة لدى كل منهما لإعادة الزيوت المعدنية إلى أصلها وذلك لبيان ما إذا كانت الطريقة التي يستعملها أولهما هي نفس الطريقة الممنوح عنها براءة الاختراع الثاني من عدمه, وإذا ثبت للخبير أن الطريقة واحدة فعليه أن يبين على وجه الدقة تاريخ استعمال الأول لهذه الطريقة لبيان ما إذا كان سابقاً على منح البراءة للطاعن عبد الحليم محمود علي أم لاحق عليه مع التصريح للخبير في سبيل أداء مأموريته بالاطلاع على مستندات الطرفين وسماع أقوال شهودهما بغير حلف يمين واتخاذ كافة ما يراه موصلاً للحقيقة. من الرجوع إلى التقرير الذي وضعه هذا الخبير يبين أنه خلص إلى ما يأتي:
(1) الطريقة المستعملة لإعادة الزيوت المعدنية المستعملة إلى أصلها واحدة في مصنع عبد الحليم محمود علي وميركو بوتشيانتي ومطابقة للطريقة المنصوص عليها في براءة الاختراع رقم 794 بتاريخ 23/ 2/ 1952.
(2) طريقة إعادة الزيوت المعدنية المستعملة إلى أصلها ابتدأ استعمالها بمصر قبل 23 من فبراير سنة 1952 وذلك دون إخطار الجهات الحكومية المختصة والمشرفة على صناعة البترول في مصر, وهذا الذي انتهى إليه الخبير يقدم به الدليل الكافي على انتفاء شرط الجدة في الاختراع موضوع البراءة الممنوحة للطاعن عبد الحليم محمود علي لاسيما وأن هذا الخبير لا يطعن على الخبير أو يجرحه بشيء ما, ولا يغير من الأمر شيئاً قول الطاعن عبد الحليم محمود علي أن الأمر موضوع الحماية في اختراعه هو الطريقة الفنية المعينة التي ابتدعها والتي تقوم على استعمال مواد كيمائية بذاتها بنسب معينة وفي درجات حرارة محددة... وبأجهزة خاصة, ذلك أن الخبير قد استعرض في تقريره المراحل التي تمر بها طريقة تكرير الزيت المستعمل في كل من مصنعي ميركو بوتشيانتي وعبد الحليم محمود علي على نحو يكشف في جلاء عن دقة ما انتهى إليه من أن الطريقة واحدة في المصنعين, وقد أورد وصفاً لهذه المراحل - وعددها خمسة - في كل من المصنعين, وذكر أنها تبدأ بتخزين الزيوت المستعملة في مستودعات, يليها سحب الزيت من هذه المستودعات إلى الفرن لتسخينه بقصد فصل المياه العالقة والمواد الخفيفة التي تتطاير بالتبخير وبعد ذلك ينقل الزيت إلى المستودعات للتبريد ثم يضاف إليه حامض الكبريتيك لترسيب المواد الإسفلتية منه, ويعالج الزيت بعد ذلك بالجير لإزالة آثار حامض الكبريتيك التي لا تزال عالقة بالزيت ثم تضاف إليه البودرة لتحسين لونه، وأخيراً تفصل البودرة عن الزيت في المرشحات "فلتر" ثم استطرد قائلاً "من هذه المقارنة يتبين جلياً أن الطريقة المستعملة في المصنعين واحدة ولكنها على شكل مصغر في حالة مصنع المتهم أي ميركو بوتشيانتي" - وفضلاً عن ذلك فإنه يبين من المستند رقم 9 من حافظة مستندات المطعون ضده ميركو بوتشيانتي المقدمة لمحكمة القضاء الإداري تحت رقم 14 دوسيه أن سلاح الطيران البريطاني كان في 23 من أغسطس سنة 1950, أي قبل تقديم طلب براءة الاختراع بأكثر من سنة, قد عاين مصنع المطعون ضده ميركو بوتشيانتي لبحث مدى صلاحيته لتكرير الزيت المستعمل لهذا السلاح ووضع تقريراً لعرضه على سلطاته المختصة وتضمن هذا التقرير وصفاً تفصيلياً لطريقة تكرير الزيت المستعمل في المصنع المذكور وللمراحل التي تمر بها بما لا يخرج عما أوضحه في هذا الشأن كبير المهندسين الكيميائيين بمصلحة الوقود في تقرير على نحو سالف إيراده.
ومن حيث إنه يبقى بعد ذلك أن الطاعن إذ يذهب إلى القول بأنه إذا كانت صناعة إعادة الزيوت المعدنية المستعملة إلى أصلها قد ابتدأ استعمالها في مصر قبل تقديم طلب براءة اختراعه فإن ذلك كان - كما قال الخبير في تقريره - دون علم المصالح والهيئات المشرفة على صناعة البترول في مصر مما يقطع بأن ذلك الاستعمال لم يكن لصفة علنية وبالتالي لا يفقد الاختراع شرط الجدة وفقاً لصريح نص المادة الثالثة فقرة أولى من القانون, وقوله هذا مردود بأن المقصود من "الصفة العلنية" في الاستعمال السابق للاختراع هو عدم بقائه سراً مكتوماً محجوباً عن الأنظار بحيث لا يكون ثمة حائل دون تسربه للجمهور وكشفه عنه, وترى المحكمة في ضوء وقائع الدعوى وما قدمه المطعون ضده من مستندات أن القول بأن استعماله في مصنعه لطريقة إعادة الزيوت المستعملة إلى أصلها لم يكن بصفة علنية هو قول في غير محله, إذ لم يكن الأمر سراً مكتوماً أو محجوباً عن الأنظار إنما كان أمر صناعة مفتوح باب التعامل فيها في وجه الجميع ويعمل من أجل رواجها وجلب المزيد من العملاء لها وهؤلاء قد يرون المعاينة والدرس قبل التعاقد فلا يصدون عن ذلك كما حدث مع سلاح الطيران البريطاني على ما تقدمت الإشارة إليه, ولا يقدح في هذا أن المصالح والهيئات المشرفة على صناعة البترول في مصر لم تكن تعلم بنشاط المطعون ضده الصناعي, إذ أن عدم العلم هذا لا يعني أكثر من أن هذه المصالح والهيئات بعيدة عن هذا النوع من النشاط الصناعي والتجاري أو لا تعيره شيئاً من اهتمامها دون أن يمس هذا علانيته المستخلصة من المستندات وفق ما تقدم.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الطعن فيما قضى به الحكم المطعون فيه من إبطال براءة الاختراع الممنوحة للسيد/ عبد الحليم محمود علي في غير محله قانوناً.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما طلبته الحكومة من عدم إلزامها بالمصاريف فإن المحكمة ترى في ضوء موقف الحكومة من الخصومة سواء أمام محكمة القضاء الإداري أو صحيفة طعنها أمام هذه المحكمة رفض طلبها.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم يكون الطعنان متعيني الرفض مع إلزام كل طاعن بمصاريفه.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي الموضوع برفضهما وألزمت كل طاعن بمصاريف طعنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق