جلسة 5 من يناير سنة 1993
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد المنعم عبد العظيم جيرة - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ شحاته محمد سليمان وعلي رضا عبد الرحمن رضا ومحمد منير جويفل ويحيى أحمد عبد المجيد - (نواب رئيس مجلس الدولة).
-------------------
(44)
الطعن رقم 3574 لسنة 36 القضائية
هيئة الشرطة - ضباطها - الفرق بين الإحالة للاحتياط ونظام التأديب.
المواد 41 إلى 47 و48 و50 و53 و59 و66 من القانون رقم 109 لسنة 1971 بشأن هيئة الشرطة
تضمن قانون هيئة الشرطة نظامين مختلفين أولهما خاص بالتأديب والثاني خاص بالإحالة إلى الاحتياط تمهيداً للإحالة إلى المعاش - لكل من النظامين أحكامه وغايته - يتعين لإعمال نظام الإحالة للاحتياط قيام أسباب جدية تتعلق بالصالح العام - أساس ذلك: - أنه نظام عاجل أملته الضرورة القصوى - خضوع الأسباب التي قام عليها القرار لرقابة القضاء الإداري - أثره: إبعاد الضابط عن عمله لفترة من الزمن تكون بمثابة اختبار لوضعه حتى ينحسر الأمر إما لصالحه بإعادته إلى عمله أو في غير صالحه إذا تفاقمت المآخذ عليه وساء مسلكه واستحال إصلاحه - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الخميس الموافق 6/ 9/ 1990 أودعت الأستاذة/ زينب الشال المحامية وكيلة عن السيد/ ( أ ) سكرتارية المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 3574 لسنة 36 ق عليا ضد وزير الداخلية بصفته في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة الجزاءات" بجلسة 28/ 5/ 1990 في الدعوى رقم 2818 لسنة 43 ق المقامة من الطاعن ضد المطعون ضده والذي قضى بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وإلزام المدعي المصروفات وطلب الطاعن للأسباب الواردة بطعنه بقبول الطعن شكلاً وإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار رقم 1360 لسنة 1988 بإحالته إلى المعاش واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وبعد أن تم إعلان الطعن قانوناً على النحو المبين بالأوراق قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء قرار إحالة الطاعن إلى المعاش وذلك وفقاً للأسانيد الواردة بالتقرير وتدوول الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي قررت بجلسة 15/ 7/ 1992 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثالثة لنظره بجلسة 17/ 11/ 1992 وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت بهذه الجلسة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى الأوضاع الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 2818 لسنة 43 ق ضد وزير الداخلية أمام محكمة القضاء الإداري دائرة الجزاءات طلب في ختامها الحكم أولاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار الداخلية رقم 1360 لسنة 1988 الصادر بإحالته إلى المعاش مع ما يترتب على ذلك من آثار وفي الموضوع بإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 1360 لسنة 1988 المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار. وقال شرحاً لدعواه إنه كان يعمل بوظيفة ضابط شرطة برتبة مقدم بمديرية أمن دمياط بدءاً من عام 1986 فأعد مدير الأمن تقريراً عن المدعي ضمنه اتجار المدعي في الشقق السكنية بمدينة فارسكور، وسلوكه المعيب بين زملائه الضباط وتقاضيه مبلغ 1200 جنيهاً خلو رجل لتنازله عن إيجار شقته لأحد المواطنين واتجاره في السيارات ببلدته شربين، كما قامت الشرطة بتحرير محضر له برقم 65 لسنة 1986 جنح أمن دولة مركز فارسكور بتهمة تقاضيه مبلغ 1200 جنيهاً خلو رجل لتنازله عن شقته لأحد المواطنين وقد صدر حكم محكمة أمن الدولة بفارسكور في هذه المحاكمة بجلسة 27/ 3/ 1988 ببراءة المدعي من هذه التهمة، كما قامت مديرية الأمن باتهام المدعي في المحضر رقم 258 لسنة 1986 جنح مركز دمياط باشتراكه مع آخرين في تزوير محرر رسمي في إدارة المرور بدمياط، بالرغم من أن المدعي كان يعمل وقتها مفتشاً للتحقيقات بمركز كفر سعد ولا دخل له بإدارة المرور بدمياط ولكن النيابة العامة انتهت في تلك القضية إلى استبعاده من الاتهام وقيدها تهمة رشوة وتزوير ضد آخرين، وبالرغم من براءته فقد صدر قرار وزير الداخلية رقم 1094 لسنة 1986 بإحالة المدعي إلى الاحتياط للصالح العام اعتباراً من 21/ 12/ 1986 تطبيقاً لحكم المادة 67/ 2 من قانون هيئة الشرطة ثم صدر القرار رقم 1360 لسنة 1988 المطعون فيه بإحالة المدعي إلى المعاش اعتباراً من 20/ 12/ 1988 الذي علم به في 3/ 1/ 1989 وتظلم منه في 7/ 1/ 1989 دون جدوى.
وبجلسة 28/ 5/ 1990 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وألزمت المدعي المصروفات، وقد شيدت قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن النيابة العامة قد اتهمت المدعي في الجناية رقم 5208 لسنة 1986 مركز دمياط بأنه ارتكب جنايتي تزوير ورشوة بالاشتراك مع المتهم (ب)، وقد انتهت النيابة العامة في تحقيقاتها لهذه الجناية إلى استبعاد المدعي من الاتهام مع إرسال صورة من مذكرة النيابة العامة في الجناية المذكورة إلى مديرية أمن دمياط التابع لها المدعي لمعاقبته تأديبياً بشأن ما نسب إليه من بعض السائقين من أن المتهم (ب) كان يصطحبهم إلى المدعي بمديرية أمن دمياط لاستخراج صحف الحالة الجنائية لهم وأنه كان يتواجد بقسم مرور دمياط أثناء أدائهم لامتحان القيادة فإن هذا المسلك المبيت ينطوي على إخلاله بواجبات وظيفته ويعد خروجاً على مقتضياتها.
واستطردت المحكمة موضحة بأنه ترتيباً على ما تقدم فإنه لا تثريب على الجهة الإدارية إن هي رأت في الأفعال التي صدرت عن المدعي مساساً بالنزاهة والشرف وخروجاً على واجبات مقتضى الوظيفة وزعزعة للثقة والاحترام الواجب توافرها فيمن يشغل وظيفة ضابط شرطة، وأن الأفعال المنسوبة إليه تجعل في بقائه في الوظيفة إضراراً بالمصلحة العامة ومن ثم فإن قرارها بإحالة المدعي إلى المعاش يستند على أصول ثابتة في الأوراق تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها دون انحراف في استعمال السلطة ويضحى القرار المطعون فيه مطابقاً للقانون حصيناً من الإلغاء ويتعين الحكم برفض الدعوى.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المشار إليه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله إذ أن الحكم المطعون فيه قد استند للمادة 67 من قانون هيئة الشرطة بحسبانها هي التي تحكم الواقعة رغم أن الحكم قد أسبغ على الواقعة التكييف القانوني بأنها تندرج في عداد المخالفات التأديبية للخروج على الواجبات الوظيفية طبقاً للبند رقم 4 من المادة 41 والبند رقم 5 من م/ 42 من قانون هيئة الشرطة ولا أدل على صحة ذلك من استناد الحكم المطعون فيه إلى مذكرة النيابة العامة والمرسلة إلى مديرية أمن دمياط بشأن ما اتهم به الطاعن في الجناية رقم 5208 لسنة 1986 بعد استبعاده من الاتهام طالبة معاقبته تأديبياً واعتبر الحكم المطعون فيه أن ما اتهم به الطاعن يعد خروجاً على مقتضيات الواجب الوظيفي لما فيه من مساس بالشرف والنزاهة وزعزعة للثقة والاحترام الواجب توافره فيمن يشغل وظيفة ضابط شرطة وانتهى إلى أن القرار المطعون فيه مطابق للقانون وهذا الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه يعد خلطاً بين نظام التأديب ونظام الإحالة إلى الاحتياط رغم ما بينهما من اختلاف جوهري سواء في الإجراءات أو السبب أو الضمانات لأن لكل منهما مجاله وسببه وغايته المحققة له ويعد القرار المطعون فيه بإحالة الطاعن إلى المعاش مخالفاً للقانون ويكون الحكم المطعون فيه منطوياً على خطأ في تطبيق القانون إذ جعل من إنهاء الخدمة بالإحالة إلى المعاش عقوبة تأديبية على المخالفة التأديبية المنسوبة إلى الطاعن.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة دفاع بحسبانها نائبة عن السيد وزير الداخلية بصفته ضمنتها أن الثابت من الأوراق أن الطاعن قد سلك مسلكاً معيباً وأقدم على تصرفات تخل بكرامته وتسيء لسمعته الأمر الذي يضعه موضع الشبهات والريبة والظنون، ولا شك في أن اتهامه بتقاضي رشوة من السائقين وتزويره في أوراق رسمية في اختبارات الكتابة لرخص القيادة الخاصة بهم ليتمكنوا من استخراج تراخيص قيادة مهنية رغم عدم إلمامهم بالكتابة والقراءة يفقده الثقة والاعتبار اللازم توافرهما في الموظف والتي هي أخص ما تكون بالنسبة لضابط الشرطة، ومن ثم فإن المخالفات المنسوبة للطاعن هي أسباب على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة وتمت بأوثق الصلة بالمصلحة العامة وعليه فإن جهة الإدارة بإصدارها القرار المطعون فيه قد طبقت صحيح حكم القانون وأنه قام على السبب المبرر لإصداره.
ومن حيث إن قانون الشرطة رقم 109 لسنة 71 قد تضمن في الفصل السادس منه في المواد من 41 إلى 47 التزامات ضابط الشرطة والأفعال المحظور اقترافها وأورد في الفصل السابع منه من المواد 48 إلى 66 نظاماً متكاملاً للتأديب من حيث المخالفات والإجراءات والضمانات والعقوبات يهمنا في مقام هذا الطعن أن نستعرض بعض هذا النظام على النحو التالي: -
تنص م/ 41 على أنه "يجب على الضابط مراعاة أحكام هذا القانون وتنفيذها وعليه كذلك: (1) ...... (4) أن يحافظ على كرامة وظيفته طبقاً للعرف العام وأن يسلك في تصرفاته مسلكاً يتفق والاحترام الواجب لها..." وتنص المادة 42 على أن "يحظر على الضابط..... أن يوسط أحداً أو يقبل الوساطة في أي شأن خاص بوظيفته أو أن يتوسط لضابط أو لموظف آخر في أي شأن من ذلك".
وتنص المادة 47 على أن (كل ضابط يخالف الواجبات المنصوص عليها في هذا القانون أو في القرارات الصادرة من وزير الداخلية أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته أو يسلك سلوكاً أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يعاقب تأديبياً وذلك مع عدم الإخلال بإقامة الدعوى المدنية أو الجنائية عند الاقتضاء....".
وتنص المادة 48 على أن "الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على الضابط هي: -
1 - الإنذار.
2 - الخصم من المرتب لمدة لا تجاوز شهرين في السنة.....
3 - تأجيل موعد استحقاق العلاوة لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر.
4 - الحرمان من العلاوة.
5 - الوقف عن العمل مع صرف نصف المرتب.......
6 - العزل من الوظيفة.....
وتنص المادة 50 على أنه "لا يجوز توقيع عقوبة على الضابط إلا بعد التحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق دفاعه ويجب أن يكون القرار الصادر بتوقيع العقوبة مسبباً".
وتنص المادة 53 على أن "للوزير ولمساعد الوزير أو رئيس المصلحة كل في دائرة اختصاصه أن يوقف الضابط احتياطياً.... ولا يجوز أن تزيد مدة الوقف على شهر إلا عند اتهام الضابط في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة فيجوز الوقف لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر ولا يجوز مد الوقف في الحالتين إلا بقرار من مجلس التأديب للمدة التي يحددها......".
وتضمنت المواد من 59 حتى 66 تشكيل مجلس التأديب الابتدائي والاستئنافي وقد ضم إلى مجلس التأديب أحد العناصر القضائية.
كما تضمن قانون الشرطة في الفصل الثامن منه نظام الإحالة إلى الاحتياط حيث تنص المادة 67 على أن "لوزير الداخلية بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة أن يحيل الضابط عدا المعينين في وظائفهم بقرار من رئيس الجمهورية إلى الاحتياط وذلك: -
1 - بناءً على طلب الضابط أو الوزارة لأسباب صحية تقرها الهيئة الطبية المختصة.
2 - إذا ثبتت ضرورة ذلك لأسباب جدية تتعلق بالصالح العام ولا يسري ذلك على الضابط من رتبة لواء.
ولا يجوز أن تزيد مدة الاحتياط على سنتين ويعرض أمر الضابط قبل انتهاء المدة على المجلس الأعلى للشرطة ليقرر إحالته إلى المعاش أو إعادته إلى الخدمة العامة فإذا لم يتم العرض عاد الضابط إلى عمله ما لم تكن مدة خدمته انتهت لسبب آخر طبقاً للقانون.....".
وحيث إنه باستعراض المواد المشار إليها يلاحظ أن قانون الشرطة قد تضمن نظامين مختلفين أولهما خاص بالتأديب حيث أفرد له نظاماً متكاملاً والثاني خاص بالإحالة إلى الاحتياط تمهيداً للإحالة إلى المعاش ولكل من النظامين مجاله وأحكامه وغايته فبالنسبة لمجلس التأديب فإن نصوص القانون تحدد مجاله بكل الأفعال التي من شأنها الخروج على مقتضى الواجب الوظيفي أو يسلك سلوكاً أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة وبالنسبة للنظام الآخر وهو الإحالة للاحتياط تمهيداً للإحالة إلى المعاش فهو نظام جد مختلف عن نظام التأديب وإن كان في نهايته يؤدي إلى الإحالة إلى المعاش إذ يستوجب لإعماله قيام الضرورة لأسباب جدية تتعلق بالصالح العام فهو نظام خاص استثنائي قصد به مواجهة ظروف ضرورية معينة لحقت بالضابط أو تطلبها الصالح العام.
كما أن هذه الضرورة من العجلة بمكان بحيث لا تقبل التأني في إحالة الضابط إلى مجالس التأديب المعنية فهو بمثابة نظام عاجل أملته الضرورة القصوى وهو بهذه الصفة له خطورته ولا بد من توافر الضرورة والجدية لإعمال مقتضاه.
ومن حيث إن قرار وزير الداخلية رقم 1260 لسنة 88 المطعون عليه بإحالة الطاعن إلى المعاش طبقاً للمادة 67 من القانون وإن كان من السلطة التقديرية لجهة الإدارة إلا أنها وإن قرارها هذا على محضر اجتماع المجلس الأعلى للشرطة بتاريخ 18/ 12/ 1988 الذي تضمن ما يلي: -
أن الطاعن أحيل إلى الاحتياط للصالح العام اعتباراً من 21/ 12/ 1986 لاتهامه في القضية رقم 5208 لسنة 1986 جنح مركز دمياط حيث وجهت إليه النيابة تهمة التزوير في أوراق رسمية في اختبارات الكتابة لرخص القيادة الخاصة بالمتهمين الذين وردت أسماؤهم بالتحقيقات وقبل باعتباره موظفاً عمومياً رشوة من السائقين الذين وردت أسماؤهم في التحقيقات للإخلال بواجبات وظيفته زعم أنها من اختصاصه وقررت النيابة إخلاء سبيله مؤقتاً بضمان وظيفته فإن هذه الأسباب التي بني عليها القرار تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مطابقتها للقانون من عدمه الأمر الذي يتعين معه بحث مشروع القرار المطعون فيه في ضوء تكييف الوقائع المنسوبة إلى الطاعن توصلاً إلى توافر الضرورة الجدية التي حدت إلى إصدار جهة الإدارة لقرارها الطعين.
ومن حيث إن ما نسب للطاعن تبريراً لسوء ماضيه الوظيفي في اتهامه في الجنحة رقم 65 لسنة 86 أمن دولة فارسكور بتقاضيه خلو رجل فقد قضت المحكمة بجلسة 27/ 3/ 88 ببراءته بلا مصاريف وعلى ذلك فلا يجوز المجادلة في إثبات هذه الواقعة مرة أخرى من عدمه لسبق الفصل فيها بحكم جنائي حاز قوة الأمر المقضى به نفي وقوعها ببراءة الطاعن مما أسند إليه فلا يجوز النظر فيها أو التمسك بها كدليل على سوء ماضي الطاعن وخاصة أن هذا النوع من الأفعال لا يمس الوظيفة العامة.
ومن حيث إن ما نسب إلى الطاعن على النحو الوارد بمحضر اجتماع المجلس الأعلى للشرطة في اتهامه في القضية رقم 5208 لسنة 86 جنح مركز دمياط فإنه جاء بقرار النيابة في هذا الشأن "وحيث إنه لما كان ما تقدم وكان الدليل قبل المقدم ( أ ) على أنه يتقاضى من السائقين مستخرجي رخص القيادة المضبوطة مبالغ نقدية نظير استخراجها لهم جاء مستمداً من أقوال كل من المتهم/ (ب) والمقدم/ (ج) والنقيب/ (د) إلا أن هذه الأقوال ينال منها الآتي: -
1 - أن أياً من السائقين مستخرجي الرخص المضبوطة لم يقل أن الضابط المذكور قد طلب أو أخذ منهم مبالغ مالية نظير استخراجها بل تواترت أقوالهم على أن الذي تقاضاها منهم هو المتهم/ (ب) نظير عدم حضورهم امتحان القراءة والكتابة والتي يشترط توافرها لاستخراج رخص القيادة.
2 - أن المتهم/ (ب) ومنذ فجر التحقيقات لم يقل أن الضابط كان يتقاضى ثمة مبالغ نقدية من السائقين خاصة وأنه سئل بالتحقيقات عدة مرات وإنما قال ذلك عند النظر في أمر تجديد حبسه ومن ثم تكون أقواله قد جاءت مفتقرة إلى الاطمئنان وعدم الجدية مما يتعين طرحها جانباً وعدم التعويل عليها كدليل في الأوراق.
3 - أنه بشأن أقوال كل من الضابطين (ج) و(د) فإنها لا تعدو أن تكون قد جاءت ترديداً لما سطره الأول بمحضر تحرياته وكان من المقرر أن التحريات لا تعدو أن تكون رأياً لصاحبها تخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب ومن ثم يتعين طرحها جانباً وعدم التعويل عليها سيما وأنها لم تتأيد بدليل آخر يعززها.
4 - أن الضابط لم يعمل بقسم مرور دمياط ولم يكن مختصاً بثمة وظيفة فيه وأن أياً من سئلوا في التحقيقات لم يقل بأنه قد زعم اختصاصه بها.
5 - أن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير قد جاء خلواً من ثمة اتهام يمكن إسناده إليه وإنما أشارت أصابعه إلى المتهم (ب) مما يتعين معه والحال كذلك وعلى هدي ما تقدم جميعه أن شبهة جناية الرشوة قبل المقدم/ ( أ ) قد زالت ويتعين استبعاده مما نسب إليه من اتهام والتصرف في الأوراق على هذا الأساس.
ومن حيث إنه بالبناء على ما سبق يتضح أن الأساس والسبب الرئيسي الذي قام عليه قرار إحالة الطاعن إلى المعاش قد انتفى في حقه بقرار النيابة العامة اللاحق باستبعاده من الاتهام في جريمتي الرشوة والتزوير.
ومن حيث إنه ثابت من الاطلاع على محضر المجلس الأعلى للشرطة بتاريخ 18/ 12/ 1988 أنه قد أثبت صراحة أنه لم يستدل على ما يسيء إلى سمعة الطاعن خلال فترة إحالته إلى الاحتياط.
وحيث إنه واضح أن نظام الاحتياط هو نظام قصد به إبعاد الضابط عن مجال عمله لفترة من الزمن تكون بمثابة اختبار لوضعه حتى ينحسم الأمر بشأنه إما لصالحه إذا ما سارت الأمور مبشرة بإمكانية الاطمئنان إلى إعادته لعمله وحينئذٍ يصدر القرار بإعادته إلى عمله وإما في غير صالحه إذا - ما تفاقمت المآخذ عليه وساء مسلكه وأضحى لا يرجى انصلاح حاله وفي تلك الحالة يقوم المسوغ لإحالته إلى المعاش.
ومن حيث إن المحكمة ترى أن الأمور سارت بالنسبة للطاعن إلى ما كان يقتضي عكس النتيجة التي قررتها الجهة الإدارية - فقد زال ما علق به من كل اتهام جنائي وبرئت ساحته من أي تصرف يشينه خلال فترة الاحتياط مما كان يقتضي إتاحة الفرصة له لاستئناف عمله في خدمة الشرطة إبعاده عنها وهو في منتصف الطريق وإحالته إلى المعاش.
ومن حيث إنه لا يغير من ذلك ما انتهت إليه النيابة العامة في تاريخ لاحق لقرار إحالته إلى المعاش من إمكانية النظر في مساءلته تأديبياً بشأن ما قرره بعض السائقين من أن المتهم (ب) كان يصطحبهم إلى الضابط بمديرية أمن دمياط لاستخراج صحف الحالة الجنائية وأن الطاعن كان يتواجد بقسم مرور دمياط أثناء أدائهم امتحان القيادة وأن هذا المسلك المعيب ينطوي على إخلال الطاعن بواجبات وظيفته وهي الواجبات المقررة في قانون الشرطة رقم 109 لسنة 1971 - هذا النذر اليسير الذي نسبته النيابة العامة للطاعن ما كان يكفي بذاته لحمل قرار إحالته إلى المعاش محمل السلامة والصحة وكل ما يقتضيه أن يوقع على الطاعن الجزاء التأديبي الذي يتناسب مع ما يثبت في حقه مما نسب إليه.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما سبق أن قرار إحالة الطاعن إلى المعاش جاء مبتسراً قبل أن تنتهي النيابة العامة من التحقيق فيما نسب إليه من أفعال كانت سبباً في إحالته إلى الاستيداع وأن قرار النيابة العامة الصادر بعد قرار الإحالة نفى عن الطاعن شبهة الاتهام الجنائي، وأن ما بقى منسوباً إلى الطاعن لا يصلح لحمل قرار الإحالة إلى المعاش محمل الصحة مما يتعين معه القضاء بإلغائه، وإذ ذهب الحكم المطعون إلى خلاف ذلك فإنه يكون خليقاً بالإلغاء.
والمحكمة تود أن تؤكد - أنها وقد انتهى بها الأمر إلى إلغاء القرار رقم 1360 لسنة 88 بإحالة الطاعن إلى المعاش فإن ذلك لا يعني براءته مما هو منسوب إليه ففي مكنة الجهة الإدارية أن تحيله إلى التحقيق وإلى مجلس التأديب المختص طبقاً لأحكام الفصل السادس والسابع للتحقيق معه فيما هو منسوب إليه طبقاً لما تراه حيث إن المحكمة ليس في مكنتها إنزال عقوبة على الطاعن إذ يخضع لنظام تأديبي خاص أورده قانون الشرطة.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يتحمل بالمصروفات طبقاً للمادة 184 مرافعات لذا يتعين إلزام الجهة الإدارية بها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري دائرة الجزاءات بجلسة 28/ 5/ 1990 في الدعوى رقم 2818 لسنة 43 وبإلغاء القرار رقم 1360 لسنة 1988 بإحالة الطاعن إلى المعاش مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق