جلسة 26 من ديسمبر سنة 1992
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ رأفت محمد يوسف ومحمد عزت إبراهيم وعلي فكري صالح وسعيد أحمد برغش - نواب رئيس مجلس الدولة.
------------------
(37)
الطعن رقم 1562 لسنة 37 القضائية
عاملون بالمحاكم – المحضرون - تأديب
- ضابط الأعذار المخففة للمسئولية التأديبية. كثرة العمل ليست من الأعذار التي تنفي المسئولية التأديبية لكنها قد تصلح عذراً مخففاً إذا ثبت أن الأعباء التي يقوم بها الموظف فوق قدراته وأنه قد أحاطت به ظروف لم يستطع السيطرة عليها - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الاثنين الموافق 25 من شهر مارس سنة 1991 أودع السيد الأستاذ/ صلاح المصري المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن......، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1562 لسنة 37 القضائية في القرار الصادر من مجلس تأديب العاملين بمحكمة الإسكندرية الابتدائية بجلسة 27 من شهر يناير سنة 1991 في الدعوى رقم 11 لسنة 1990 تأديب ابتدائي والقاضي بمجازاة الطاعن بالفصل من الخدمة.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وبتاريخ 27/ 3/ 1991 أعلن تقرير الطعن للمطعون ضدهما.
وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 26/ 6/ 1991 وتوالى التأجيل للجلسات اللاحقة لتقدم هيئة مفوضي الدولة تقريرها في الطعن، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل القرار المطعون فيه بتخفيف الجزاء المحكوم به على الطاعن، وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها تعقيباً على تقرير هيئة مفوضي الدولة طلبت في ختامها الحكم برفض الطعن، وبجلسة 11/ 11/ 1992 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الرابعة - بجلسة 28/ 11/ 1992 وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم في الطعن لإصدار الحكم فيه بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع المنازعة الراهنة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أن الطاعن...... ويعمل محضراً بمحكمة الإسكندرية الابتدائية أحيل إلى مجلس تأديب العاملين بمحكمة الإسكندرية الابتدائية بقرار صدر من السيد رئيس المحكمة بتاريخ 15/ 8/ 1990 إثر تحقيقات إدارية أجريت مع الطاعن نسبت إليه عدة مخالفات تخلص في أنه تغيب عن عمله دون إذن سابق يوم 21/ 1/ 1990 وتسبب بإهماله في سقوط جلسة الورقة 2626 جنائي بتأخره في تنفيذها عن المدة المسموح بها وتقاعس في رد الورقتين رقمي 22083 و22088 جنائي متجاوزاً في ذلك المواعيد المقررة مما ترتب عليه سقوط جلستهما وتقاعس في تحرير خط السير اليومي وتسلم الإعلان رقم 12342 المحدد له جلسة 8/ 1/ 1990 ولم يرده إلا في 4/ 2/ 1990 دون تنفيذ وتسبب بإهماله في فقد الإعلانات أرقام 14967 و15019 و15020 كما تقاعس في تنفيذ الإعلان الجنائي رقم 205 ورده يوم الجلسة المحددة له دون تنفيذ وأعاد الورقة رقم 2077 دون إعلان وتقاعس في الإعلان رقم 7 مدني جهات ولم يرده إلا أثناء التحقيق معه ودون تنفيذ وأهمل في إعلان الورقة رقم 2123 جهات ولم يرد الورقة رقم 1580 جنائي، وبسؤاله فيما نسب إليه علل ذلك بضغط العمل وكثرته وتداخل الأوراق مع بعضها فضلاً عن حالته المرضية التي يعانيها وأحيلت الأوراق إلى وزارة العدل لمجازاة الطاعن إلا أنها أعيدت من الوزارة لتقديم الطاعن للمحاكمة التأديبية فقيدت ضده الدعوى رقم 11 لسنة 1990 تأديب ابتدائي الإسكندرية التي نظرها مجلس التأديب على النحو الموضح بمحاضر جلساته، وفي 27/ 1/ 1991 أصدر المجلس قراره قاضياً بفصل الطاعن من الخدمة، وشيد قضاءه على الثابت من الأوراق أن المخالف قد أهمل في القيام بواجباته الوظيفية المكلف بها ولم يراع الدقة في عمله فضلاً عن عدم مواظبته في الحضور لعمله حسبما هو وارد بقرار الإحالة مما يرى معه المجلس أن الجزاء المناسب له هو فصله من الخدمة إعمالاً لنصوص قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 المعدل بالقانون رقم 115 لسنة 1983 الذي يوجب على العامل أن يؤدي العمل المنوط به بنفسه بدقة وأمانة ويحظر عليه مخالفة القواعد والأحكام والنظم المنصوص عليها في القوانين واللوائح المعمول بها كما يحظر عليه الإهمال أو التقصير الذي يترتب عليه ضياع الحقوق.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن القرار المطعون فيه قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع لأسباب حاصلها أن مجلس التأديب لم يوضح عناصر إدانة الطاعن في المخالفات التي نسبت إليه واكتفى بتقرير أنه أهمل في القيام بواجبات وظيفته المكلف بها ولم يراع الدقة في عمله فضلاً عن عدم مواظبته ولم يوضح كيفية حدوث تلك المخالفات والظروف التي وقعت فيها وأدلة ثبوتها في حق الطاعن كما عول مجلس التأديب على مجرد ما نسب للطاعن في التحقيقات الإدارية والمذكرات التي قدمت ضده بطريقة تعسفية فأوقع به أقصى عقوبة ولم يتدرج معه في العقاب وأسند إليه المخالفات دفعة واحدة فلم يؤخذ بكل منها على حده فجاءت العقوبة غير متناسبة مع المخالفات المنسوبة إلى الطاعن على فرض صحتها، ورغم إبداء الطاعن دليل عذره وهو المرض الثابت بالمستندات إلا أن المجلس لم يلتفت إلى دفاعه من هذه الزاوية.
ومن حيث إنه ولئن كانت المخالفات المنسوبة للطاعن ثابتة في حقه بإقراره بها في الأوراق فإنه لا يدرؤها عنه ما تعلل به من ضغط العمل الملقى على عاتقه وكثرته فضلاً عن حالته المرضية، ذلك أن الموظف مسئول عن الإهمال والخطأ والتهاون أو الإخلال الذي يقع منه حال تأديته الأعمال الموكولة إليه ولأن كثرة العمل ليست من الأعذار التي تعدم المسئولية الإدارية ولو أخذ بها كذريعة لكل من يخل بواجبات وظيفته لأضحى الأمر فوضى لا ضابط له، لكنها قد تكون عذراً مخففاً إذا ثبت أن الأعباء التي يقوم بها الموظف فوق قدراته، وأحاطت به ظروف لم يستطع أن يسيطر عليها تماماً، كما أن القانون قد رسم طريقاً لمواجهة المرض الذي يجتاح الموظف بما يحول بينه وبين التهاون في العمل.
ومن حيث إنه ولئن كان للسلطات التأديبية، ومن بينها المحاكم التأديبية ومجالس التأديب سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء، إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة شأنها شأن أي سلطة تقديرية أخرى ألا يشوب استعمالها غلو، ومن صور هذا الغلو عدم الملائمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري وبين نوع الجزاء ومقداره، ففي هذه الصورة تتعارض نتائج عدم الملائمة الظاهرة مع الهدف الذي تغياه القانون من التأديب ويعتبر استعمال سلطة تقدير الجزاء في هذه الصورة مشوباً بالغلو فيخرج التقدير من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية ومن ثم يخضع لرقابة هذه المحكمة التي يخضع لرقابتها أيضاً تعيين الحد الفاصل بين النطاقين، ومن هذا جاء تدرج القانون بالعقوبات التأديبية المقررة للذنوب الإدارة بدءاً بالإنذار وانتهاءً بالفصل من الخدمة وعلى نحو يحقق بالتعدد في الجزاءات هدف العقاب ومشروعيته بزجر مرتكب الفعل وغيره وتأمين سير المرافق العامة.
ومن حيث إنه في ضوء ما تقدم فإن المحكمة ترى أن الجزاء الذي أنزل بالطاعن قد جاء مسرفاً في الشدة غير متلائم مع المخالفات الإدارية التي وقرت في حقه وعلقت بمسلكه بعد إذ كان الثابت أنها جميعها لا تمس نزاهته ولا تنال من ذمته، الأمر الذي يجعل القرار المطعون فيه وقد جاء مسرفاً في الشدة في توقيع العقاب بما يزحزحه عن دائرة المشروعية إلى خارج نطاقها، ويتعين من ثم القضاء بإلغاء ذلك القرار فيما قضى به من مجازاة الطاعن بالفصل من الخدمة وبمجازاته بخصم شهرين من راتبه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وبمجازاة الطاعن بالخصم من راتبه لمدة شهرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق