جلسة 24 من يناير سنة 1965
برئاسة السيد الأستاذ/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور أحمد موسى وعبد الفتاح بيومي نصار وحسنين رفعت محمد حسنين ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.
----------------
(53)
القضية رقم 15 لسنة 8 القضائية
موظف - ترقية
- وظيفة متميزة - يمتنع على غير من توافر فيه التأهيل الخاص استحقاق الترقية إليها - مثال - مصلحة الأرصاد الجوية - إذا خلت درجة في القسم الخاص بأعمال الرصد فإنه لا يجوز الترقية إليها إلا من بين الموظفين التابعين للقسم المذكور لأنهم وحدهم هم الذين تتوافر فيهم الصلاحية المطلوبة - وظيفة كبير المراجعين بمصلحة الأرصاد الجوية لا يتولاها إلا من تقلب في وظائف الرصد الجوي.
إجراءات الطعن
في يوم الخميس 2 من نوفمبر سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن السيد/ وزير الحربية تقرير طعن في الحكم الصادر بجلسة 3 من سبتمبر سنة 1961 من المحكمة الإدارية لوزارة الحربية رقم 313/ 8 القضائية المقامة من السيد/ إبراهيم عدلي أحمد حسن ضد وزارة الحربية والقاضي بإلغاء القرار رقم 183 الصادر في 31/ 1/ 1960 فيما تضمنه من تخطي المطعون ضده في الترقية إلى الدرجة الخامسة بالكادر الفني المتوسط وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة, وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم "بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين وبعد اتخاذ الإجراءات المقررة قانوناً وإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا ونظره على الوجه الموضح بمحاضر الجلسات عين لإصدار الحكم فيه جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 313/ 8 القضائية ضد وزارة الحربية - مصلحة الأرصاد الجوية - بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية في 18/ 2/ 1961 بناء على قرار المعافاة الصادر لصالحه بجلسة 21/ 12/ 1960 في طلب الإعفاء رقم 726/ 7 القضائية طالباً الحكم "بإلغاء القرار الصادر تحت رقم 183 بتاريخ 31/ 1/ 1960 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة بالكادر الفني المتوسط) مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليها بالمصروفات ومقابل الأتعاب....." وقال المدعي شرحاً لدعواه إن القرار المطعون فيه صدر متضمناً ترقية ثلاثة من موظفي مصلحة الأرصاد الجوية بالأقدمية المطلقة، لما كان المدعي سابقاً المطعون عليهم في ترتيب الأقدمية فيما كان يحق تخطيه في الترقية بحجة أن الدرجات الفنية بالمصلحة المذكورة مقسمة إلى قسمين يستقل كل منهما (بموظفيه) ودرجاته ما دام لم يصدر بهذا التقسيم قرار من رئيس الجمهورية وبناء على اقتراح وزارة الخزانة بعد أخذ رأي ديوان الموظفين وذلك على مقتضى الأوضاع التي تطلبتها المادة 40 من قانون موظفي الدولة وقد (أودعت) الوزارة مذكرتين بدفاعها أوضحت فيهما أن مصلحة الأرصاد الجوية راعت عند إعداد مشروع ميزانيتها لعام 1955 - 1956 ترتيب الوظائف في الكادر الفني المتوسط على أساس تقسيمها قسمين بحسب طبيعة العمل في كل منهما: القسم الأول - فئة ( أ ) ويشمل الوظائف اللازمة للقيام بعمليات الرصد الجوي المختلفة والقسم الثاني - فئة (ب) ويشمل الوظائف الفنية الأخرى مثل وظائف الميكانيكيين والرسامين والخطاطين وغيرها، وذلك لأن طبيعة عمليات الرصد - الفئة أ. تختلف عن طبيعة الأعمال الفنية الأخرى كالأعمال الميكانيكية وأعمال الرسم والكتابة وغيرها في الكادر المذكور (ويتعذر) على من يقوم بالأعمال الفنية الفئة (ب) القيام بأعمال الرصد الجوي في أي مرحلة (رصد) ومراجعة - تفتيش) لأن عمليات الرصد تتطلب فيمن يقوم بها وحسبما توصي به الهيئات الدولية أن يكون على مستوى معين من الثقافة نظراً إلى ما تحتاجه تلك الأعمال من ضرورة الإلمام باللغات الأجنبية وعلوم الطبيعة والرياضة، وقد أنشأت المصلحة مركزاً لتدريب الراصدين الجويين تتلقى منه هذه الفئة لمدة ستة شهور محاضرات في علم الأرصاد الجوية وكيفية استعمال الأجهزة الالكترونية، ويلحق من يجتاز فترة التدريب بنجاح بالمحطات المختلفة التابعة للمصلحة ومتى اكتسب الراصد الجوي خبرة عملية تؤهله بجانب مؤهله العلمي للقيام بأعمال الرصد واطمأنت المصلحة إلى قدرته على القيام بها وفقاً لقرارات الهيئات الدولية المعنية بالأرصاد الجوية أسندت إليه القيام بهذه الأعمال وهي أعمال تتميز تميزاً خاصاً، الأمر الذي حدى بالمصلحة أن تجعلها فئة مستقلة عن باقي الوظائف الفينة الأخرى بها، ويتدرج تحت هذه الفئة مساعد راصد جوي وراصد جوي ومراجع وكبير مراجعين ومفتش بحسب ترتيب تسلسلها في سلم الدرجات، هذا وأن طبيعة أعمال الرصد التي يقوم بها موظفو هذه الفئة تتطلب الإقامة في محطات الأرصاد الجوية مثل محطات السلوم ومرسى مطروح والعريش وغزة وأسوان والمحطات الواقعة في الواحات، كما تتطلب هذه الأعمال درجة لياقة طبية خاصة، أما الوظائف الفنية الأخرى في الفئة - ب - وتشمل وظائف الرسامين والميكانيكيين والخطاطين والمطبعجية فإن طبيعة أعمالها تختلف اختلافاً كلياً مع طبيعة أعمال الرصد في الفئة ( أ ) ولا تستلزم من شاغليها الإقامة خارج القاهرة، ولما كان المدعي يحمل - دبلوم المدارس الصناعية ويعمل طوال مدة خدمته بالمصلحة رساماً ولم يسبق له القيام بأعمال الرصد الجوي ويشغل الدرجة السادسة الفنية بالكادر الفني المتوسط في الفئة (ب) المخصصة للوظائف الفنية الأخرى، وكانت الدرجات الخامسة التي صدر القرار المطعون فيه بالترقية إليها من درجات الرصد في الفئة ( أ ) المخصصة لكبير مراجعين فقد صدر القرار المذكور بترقية ثلاثة من المراجعين إليها بحسب ترتيب أقدميتهم وما كان يجوز ترقية المدعي وهو موظف في الفئة (ب) إلى درجة من درجات الفئة ( أ )، وبجلسة 3 سبتمبر 1961 حكمت المحكمة الإدارية بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 183 الصادر في 31/ 1/ 1960 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة بالكادر الفني المتوسط وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة بأن تدفع للمدعي مبلغ مائتي قرش - مقابل أتعاب المحاماة وأقامت المحكمة قضاءها على أن الأصل طبقاً للمادة 40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بنظام موظفي الدولة إجراء الترقية بين الموظفين الذين تجمعهم وحدة واحدة في الميزانية، ما لم يصدر قرار جمهوري بتحديد المصالح والوظائف التي لا يجري عليها هذا الحكم، ولما كان الثابت أن مصلحة الأرصاد الجوية لم تستصدر القرار الجمهوري الذي اشترطت صدور المادة 40 من قانون الموظفين فيتعين أن تبقى وظائف الكادر الفني المتوسط بالمصلحة المذكورة وحدة واحدة ينتظم موظفيه جميعاً كشف أقدمية واحد ويكون لهم جميعاً تبعاً لأقدميتهم الحق في الترقية إلى الدرجات التي تخلو به دون التقيد بالتقسيم الذي تتمسك به المصلحة، وأنه لا وجه للتحدي بأن وجود هذا التقسيم في الميزانية يعني موافقة وزارة المالية وديوان الموظفين عليه، ذلك أن العبرة ليست بموافقة هاتين الجهتين وإنما العبرة بصدور قرار رئيس الجمهورية وبغير هذا القرار يبقى التقسيم مجرد توزيع للعمل لا يترتب عليه إيجاد ذاتية خاصة لكل قسم من الأقسام، يؤيد هذا ما تبين للمحكمة من أن التقسيمات الواردة بالميزانية تشتمل على وظائف لا ينظمها كادر كامل مما يؤكد أن كلاً من القسمين اللذين تنقسم إليهما الوظائف الفنية العادية بميزانية المصلحة لا يكون وحدة مستقلة بذاتها في الترقية، ولما كان المدعي أسبق في أقدمية الدرجة السادسة الفنية المتوسطة من المطعون ضدهم فمن ثم يكون القرار المطعون فيه إذ تخطى المدعي في الترقية مشوباً بعيب مخالفة القانون ويتعين الحكم بإلغائه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة المذكورة وتأسيساً على ذلك انتهت المحكمة بحكمها المطعون فيه إلى إلغاء القرار محل الطعن على الوجه سالف البيان.
ومن حيث إن طعن الحكومة يقوم على أن ميزانية مصلحة الأرصاد الجوية لسنة 1955/ 1956 قد صدرت بالتقسيم الموضح في رد الوزارة وقد اقتنعت وزارة الخزانة وديوان الموظفين بالمبررات التي بني عليها هذا التقسيم وأنه ضرورة يقتضيها الصالح العام وعلى هذا صدر القانون رقم 327 لسنة 1955 بربط ميزانية السنة المذكورة, وقد راعت مصلحة الأرصاد عند تقسيم درجات كل من الكادرين الفنيين العالي والمتوسط إلى فئتين أ, ب - ما تنص عليه المادة 22 من القانون 210 لسنة 1951 من أن كل من يعين أو يرقى إلى درجة مخصصة لوظيفة يجب أن يقوم بعملها فعلاً, ولما كانت طبيعة عمليات الرصد في الفئة ( أ ) مختلفة اختلافاً تاماً عن طبيعة أعمال الفئة الأخرى كأعمال الرسم والأعمال الميكانيكية وغيرها في الكادر الفني المتوسط ويتعذر على الموظفين المدرجين في الفئة (ب) بل لا يمكنهم القيام بأعمال الرصد الجوي في أي مرحلة من مراحلها (رصد - مراجعة - تفتيش) فإنه لا يجوز ترقية المدعي وهو رسام في الفئة (ب) إلى أحدى الدرجات الخامسة الشاغرة في الفئة ( أ ) والمخصصة لكبير مراجعين, إذ أن في هذا المسلك مخالفة للمادة 22 آنفة الذكر, وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد خالف القانون وقامت به إحدى حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن النقطة القانونية مثار النزاع تنحصر فيما إذا كانت الترقية إلى الدرجة الخامسة في خصوصية الدعوى يجب أن تتم بالأقدمية على إطلاقها وفقاً لأحكام المادتين 39, 40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة أم أن طبيعة الوظيفة بحسب تخصيص الميزانية لها تقتضي أعمال الأقدمية بين المرشحين على نحو ينسق ولا يتعارض مع هذا التخصيص.
ومن حيث إن تحديد ميزانية الدولة للوظائف المختلقة وتعيين درجاتها وتوزيعها في كل وزارة ومصلحة, إنما يقوم على أساس من المصلحة العامة وفقاً لاحتياجات المرافق وبما يكفل سيرها على الوجه الأمثل, غير أنه يبين بالنظر للميزانية أن من الوظائف ما هو متميز بطبيعته بما يقتضي - بحسب تخصيص الميزانية له - تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة بحيث لا يقوم الأفراد المرشحين بحسب دورهم في الأقدمية بعضهم مقام البعض الآخر في هذا الشأن, ومنها ما ليس متميزاً بطبيعته بهذا التمييز الخاص - مما لا مندوحة معه من مراعاة هذا الفارق الطبيعي عند إجراء الترقية حتى بالنسبة لما يجب أن يتم منها بالأقدمية بالتطبيق للمواد 38, 39, 40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة, ذلك أن إعمال الأقدمية في الترقية على إطلاقه لا يكون بداهة إلا في النوع الثاني من الوظائف, أما بالنسبة إلى النوع الأول فلا يمكن إعمال الأقدمية على إطلاقها وإلا كان ذلك متعارضاً مع وجه المصلحة العامة الذي قصدت إليه الميزانية من هذا التخصيص, بل تجد الأقدمية حدها الطبيعي في إعمال أثرها بين المرشحين الذين يتوافر فيهم التأهيل الخاص والصلاحية المعينة اللذان يتطلبهما تخصيص الميزانية للوظيفة, فلا يرقى مثلاً المهندس حيث تتطلب الوظيفة قانونياً, أو يرقى كيميائي حيث تتطلب مهندساً, أو مجرد مهندس حيث تتطلب الوظيفة تخصيصاً في نوع معين في الهندسة وهكذا. ولو انتظمتهم جميعاً أقدمية مشتركة في وحدة إدارية قائمة بذاتها في خصوص الترقية كل ذلك مرده إلى طبائع الأشياء, لتحقيق الغرض الذي استهدفته الميزانية من تميز الوظيفة هذا التميز الخاص.
ومن حيث إنه يتضح مما سلف بيانه في مجال سرد وقائع الدعوى أن مصلحة الأرصاد الجوية قد راعت منذ العمل بالميزانية عن السنة المالية 1955/ 1956 ترتيب الوظائف في الميزانية يجري على أساس طبيعة الأعمال والوظائف الموجودة بالمصلحة المذكورة وطبقاً لما تقدم جعلت وظائف الكادر الفني المتوسط قسمين: القسم الأول - فئة ( أ ) ويشمل الوظائف المخصصة للقائمين بأعمال الرصد الجوي المختلفة والقسم الثاني فئة (ب) ويتناول الوظائف الفنية الأخرى كوظائف الميكانيكيين والرسامين وغيرها وذلك لاختلاف طبيعة الوظائف في هذين القسمين على النحو السابق إيضاحه, وهذا التوزيع واضح في تخصيص وظائف عمليات الرصد تخصيصاً متميزاً بطبيعته, ويؤكده ما جرى عليه العمل في هذه المصلحة من اشتراط تأهيل خاص ومرانة معينة فيمن يتولى وظائف الرصد الجوي, وهي صلاحية غير متحققة فيمن يشغل وظائف القسم الثاني. والوظيفة - مثار المنازعة - مخصصة لكبير المراجعين فلا يتولاها إلا من تقلب في وظائف الرصد الجوي وتهيأت له الخبرة العملية المطلوبة لتقلدها, وما دامت هذه الوظيفة بحسب تخصيص الميزانية لها - مميزة تمييزاً خاصاً يجعل اقتضاء تأهيل معين فيمن يتولاها أمراً لا مندوحة منه, فإنه يمتنع على غير من يتوافر فيه هذا التأهيل الخاص استحقاق الترقية إليها, ولو انتظمته مع المتنافسين عليها أقدمية مشتركة في وحدة إدارية واحدة, وعلى مقتضى ما تقدم إذا خلت في القسم - أ - الخاص بأعمال الرصد, فإنه لا يجوز الترقية إليها إلا من بين الموظفين التابعين للقسم المذكور لأنهم وحدهم هم الذين تتوافر فيهم الصلاحية المطلوبة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الدرجات موضوع النزاع هي من درجات القسم الأول فئة ( أ ) وظائف عمليات الرصد ومخصصة من ثم لوظيفة مراجعين فإنه لا يحق للمدعي وهو يشغل وظيفة رسام بالقسم الثاني فئة (ب) الوظائف الفنية أن يطالب بالترقية إلى إحداها ويكون طلبه إلغاء القرار الصادر بترقية ثلاثة من المراجعين الذين يشغلون الدرجة السادسة في القسم الأول فئة ( أ ) بحسب ترتيب أقدميتهم غير قائم - والحالة هذه - على أساس سليم من القانون مستوجب الرفض وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ويتعين من ثم إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق