الجريدة الرسمية العدد 9 مكرر ج في 7 / 3 / 2018 ص 3
القضيتين رقمي 37 و49 لسنة 38 ق "منازعة تنفيذ".
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من مارس سنة 2018م،
الموافق الخامس عشر من جمادى الآخر سنة 1439هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي وسعيد مرعي عمرو
ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو نواب
رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ طارق عبد العليم أبو العطا رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضيتين المقيدتين بجدول المحكمة الدستورية العليا برقمي 37 و49
لسنة 38 قضائية "منازعة تنفيذ".
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفتي الدعويين وسائر
الأوراق - في أن المدعى عليه الأول في الدعويين المعروضتين كان قد أقام الدعوى رقم
43709 لسنة 70 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة "الدائرة
الأولى"، مخاصما رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب، بطلب
الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر من المطعون ضدهما الأول والثاني بإبرام
وتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية
السعودية المتضمنة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، مع ما يترتب على ذلك من آثار اخصها
عدم أحقية المطعون ضده الثالث في مناقشة الاتفاقية، مع وقف تنفيذ وإلغاء القرار
السلبي بالامتناع عن إصدار قرار بوقف أي عمل من أعمال إخلاء جزيرتي تيران وصنافير،
ووقف أي عمل من أعمال تسليمهما إلى المملكة العربية السعودية، واستمرار ممارسة
جمهورية مصر العربية لحقوق السيادة عليهما، وعدم الاعتداد بأي إجراء يقوم به
المطعون ضدهم إلا بعد عرض الاتفاقية في استفتاء شعبي. كما أقام المدعى عليه الثالث
في الدعويين المعروضتين الدعوى رقم 43866 لسنة 70 قضائية، أمام محكمة القضاء
الإداري بالقاهرة "الدائرة الأولى"، مخاصما رئيس الجمهورية ورئيس مجلس
الوزراء ووزير الدفاع ووزير الخارجية ووزير الداخلية، بطلب الحكم بوقف تنفيذ
وإلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء بإعادة ترسيم الحدود البحرية بين جمهورية مصر
العربية والمملكة العربية السعودية وما يترتب على ذلك من آثار أخصها الإبقاء على
تبعية جزيرتي تيران وصنافير ضمن السيادة والملكية المصرية. تدوولت الدعويان
بالجلسات، ودفع الحاضر عن الدولة بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعويين؛ كون
إبرام المعاهدات بين الدول من أعمال السيادة التي يمتنع على القضاء نظرها، وبعدم
قبول الدعويين لانتفاء القرار الإداري.
وقررت محكمة الموضوع ضم الدعوى رقم 43866 لسنة 70 قضائية إلى الدعوى
رقم 43709 لسنة 70 قضائية، للارتباط، وليصدر فيهما حكم واحد، وبجلسة 21/ 6/ 2016
حكمت تلك المحكمة: أولا: برفض الدفع بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعويين
وباختصاصها بنظرهما. ثانيا: بقبول الدعويين شكلا وببطلان توقيع ممثل الحكومة
المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة
العربية السعودية الموقعة في إبريل 2016 المتضمنة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير
للمملكة العربية السعودية مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها استمرار هاتين
الجزيرتين ضمن الإقليم البري المصري وضمن حدود الدولة المصرية واستمرار السيادة
المصرية عليهما، وحظر تغيير وصفهما بأي شكل لصالح أية دولة أخرى، وذلك على النحو
المبين بالأسباب.
وأوردت تلك المحكمة في أسباب حكمها أن التكييف الصحيح لطلبات المدعين
في الدعويين هي الحكم: ببطلان توقيع ممثل حكومة جمهورية مصر العربية على الاتفاقية
الخاصة بترسيم الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية
في إبريل 2016 والمتضمنة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة العربية
السعودية مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقد شيدت تلك المحكمة قضاءها على أن توقيع الحكومة المصرية على
الاتفاقية المار ذكرها يتضمن التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية
السعودية حال كون هاتين الجزيرتين ضمن الإقليم البري المصري وتخضعان للسيادة
المصرية الكاملة بما يخالف نص المادة (151) من دستور سنة 2014، والذي حظر إبرام أي
اتفاق يتضمن التنازل عن أي جزء من الإقليم المصري.
وإذ ارتأى المدعون أن هذا الحكم يعتبر عقبة أمام تنفيذ أحكام المحكمة
الدستورية العليا الصادرة في القضايا أرقام (3) لسنة 1 قضائية "دستورية"
الصادر بجلسة 25/ 6/ 1983، و(48) لسنة 4 قضائية "دستورية" الصادر بجلسة
21/ 1/ 1984، و(4) لسنة 12 قضائية "دستورية" الصادر بجلسة 6/ 12/ 1993،
و(10) لسنة 14 قضائية "دستورية" الصادر بجلسة 19/ 6/ 1993، و(30) لسنة
17 قضائية "دستورية الصادر بجلسة 2/ 3/ 1996، و(39) لسنة 17 قضائية
"دستورية" الصادر بجلسة 6/ 6/ 1998، و(20) لسنة 34 قضائية
"دستورية" الصادر بجلسة 14/ 6/ 2012، و(166) لسنة 34 قضائية
"دستورية" الصادر بجلسة 2/ 6/ 2013، فقد أقاموا الدعويين المعروضتين.
بتاريخ 14/ 8/ 2016، أودع المدعون صحيفة الدعوى رقم 37 لسنة 38 قضائية
"منازعة تنفيذ" قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبا للحكم:
أولا: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري
بالقاهرة في الدعويين رقمي 43709، 43866 لسنة 70ق بجلسة 21/ 6/ 2016 فيما تضمنه من
اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر المنازعة.
ثانيا: بالاستمرار في تنفيذ الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية
العليا في القضايا أرقام (3) لسنة 1 قضائية "دستورية"، (48) لسنة 4
قضائية "دستورية"، (4) لسنة 12 قضائية "دستورية"، (10) لسنة
14 قضائية "دستورية"، (39) لسنة 17 قضائية "دستورية"، (166)
لسنة 34 قضائية "دستورية"، وعدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة القضاء
الإداري بالقاهرة السالف بيانه.
وبتاريخ 5/ 11/ 2016، أودع المدعون صحيفة الدعوى رقم 49 لسنة 38
قضائية "منازعة تنفيذ" قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبا للحكم:
أولا: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري
بالقاهرة في الدعويين رقمي 43709، 43866 لسنة 70ق - ثانيا: وفي موضوع المنازعة
بالاستمرار في تنفيذ الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا في القضايا
أرقام (39) لسنة 17 قضائية "دستورية"، (48) لسنة 4 قضائية
"دستورية"، (10) لسنة 14 قضائية "دستورية"، (20) لسنة 34
قضائية "دستورية"، (30) لسنة 17 قضائية "دستورية". وعدم
الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة السالف بيانه.
وقدم المدعون أمام هيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا بجلسة التحضير
المعقودة بتاريخ 12/ 2/ 2017 حافظة مستندات طويت على صورة ضوئية من الحكم الصادر
بجلسة 16/ 1/ 2017 من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم
74236 لسنة 62 قضائية عليا، والقاضي برفض الطعن المقام من المدعين في المنازعتين
المعروضتين والمتدخل انضماميا إلى جانب جهة الإدارة الطاعنة، ضد المدعى عليهم في
المنازعتين ذاتهما، وطالبي التدخل انضماميا إليهم في الطعن المشار إليه، وذلك عن
الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في الدعويين رقمي 43709، 43866
لسنة 70 قضائية، ودفع المدعى عليهم أمام هيئة المفوضين بعدم اختصاص المحكمة
الدستورية العليا بنظر الدعويين المعروضتين، وبعدم قبولهما، على النحو المبين
بالمذكرات المقدمة منهم.
وبعد تحضير الدعويين، أودعت هيئة المفوضين تقريرا في كل منهما على حدة
برأيها.
ونظرت الدعويان على الوجه المبين بمحاضر جلسات هذه المحكمة التي قررت
ضم الدعوى الثانية إلى الدعوى الأولى للارتباط، وليصدر فيهما حكم واحد بجلسة 13/
1/ 2018، وبتلك الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن المدعين يبتغون من منازعتي التنفيذ المعروضتين القضاء لهم
بطلباتهم الآنف ذكرها، على سند من القول أن حكم محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في
الدعويين رقمي 43709 و43866 لسنة 70 قضائية السالف إيراد منطوقه يحول دون تنفيذ
أحكام المحكمة الدستورية العليا الثمانية السالف بيانها، ويقيد من نطاقها لتعارض
مضمون ذلك الحكم مع ما قررته تلك الأحكام الصادرة في القضايا الدستورية بما تضمنته
من مبادئ ملزمة لا يجوز مخالفتها بشأن عدم امتداد الرقابة القضائية للسلطة
القضائية وفروعها ومحاكم مجلس الدولة على أعمال السيادة ولا سيما الأعمال السياسية
والاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بسيادة الدولة نظرا لكون الاختصاص بشأنها
معقودا للسلطتين التنفيذية والتشريعية دون السلطة القضائية، ومن ثم أضحى الحكم
الصادر من محكمة القضاء الإداري السالف بيانه فيما قضى به من اختصاصه بنظر
المنازعة حول الاتفاقية المار ذكرها يشكل عائقا يحول دون تنفيذ أحكام المحكمة
الدستورية العليا الفائت بيانها.
وبجلسة 30/ 7/ 2017، قدم المدعون مذكرة - سلموا المدعى عليهم صورا
منها - طلبوا في ختامها القضاء بطلباتهم المبينة بصحيفتي الدعويين، وعدم الاعتداد
بالحكم الصادر بجلسة 16/ 1/ 2017 من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا في
الطعن رقم 74236 لسنة 62 قضائية عليا، المقدم من المدعين صورته الضوئية - غير
المجحودة من المدعى عليهم - بجلسة التحضير المعقودة بتاريخ 12/ 2/ 2017 أمام هيئة
المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا على النحو المار بيانه.
ودفع المدعى عليهم الدعويين المعروضتين بعدم اختصاص هذه المحكمة
ولائيا بنظرهما، باعتبار أنهما ينحلان إلى طعن على حكم محكمة القضاء الإداري
بالقاهرة أو استشكال في تنفيذه مما تختص بنظره - في الحالين - محاكم مجلس الدولة
دون غيرها، ودفعوا بعدم قبول الدعويين لانتفاء شرط الارتباط المنطقي بين الحكم
المصور عقبة في التنفيذ والأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا في القضايا
الدستورية التي احتج بها المدعون والسالف بيانها.
وحيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا ولائيا بنظر
الدعويين المعروضتين؛ فإنه مردود: بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة "أن تقرير
اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى سابق بالضرورة على الخوض في شروط قبولها أو الفصل في
موضوعها"، كما أنه من المقرر كذلك "أن تحقيقها لولايتها بنظر دعوى
بذاتها، قد يقتضيها أن تتناول المصلحة فيها، بل وأن تعرض لموضوعها، بقدر ما يكون
ذلك لازما لتحديد ما إذا كان الطعن المطروح عليها داخلا في نطاق ولايتها، أم واقعا
فيما وراء تخومها". متى كان ذلك، وكانت الدعويان المعروضتان قد أقامهما
المدعون ابتغاء القضاء بعدم الاعتداد بحكمي محكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية
العليا السالف بيانهما إذ ارتأوا أنهما يناقضان ما قضت به أحكام المحكمة الدستورية
العليا الفائت بيانها، والتي يتعين الاستمرار في تنفيذها. ومن ثم فإن هاتين
المنازعتين تدخلان في مفهوم المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة
من المحكمة الدستورية العليا، والتي تختص دون غيرها بالفصل فيها وفق نص الفقرة
الأولى من المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، الذي خولها
إزاحة ما يعترض تنفيذ الحكم الصادر منها من عوائق، سواء كان العائق تشريعا أو حكما
قضائيا، والعودة بالتنفيذ إلى الحالة السابقة على نشوئه، وسبيلها في ذلك، الأمر
بالمضي في تنفيذ الحكم الصادر منها في الدعوى الدستورية وعدم الاعتداد بذلك العائق
الذي عطل مجراه، لأنه لا يعدو - وإن كان حكما قضائيا باتا - أن يكون عقبة مادية هي
والعدم سواء، بما يضحى معه الدفع بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر موضوع المنازعتين
المعروضتين في غير محله، متعينا رفضه.
وحيث إن المادة (50) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر
بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص في فقرتيها الأولى والثانية على أن: "تفصل
المحكمة دون غيرها في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة
منها.
وتسري على هذه المنازعات الأحكام المقررة في قانون المرافعات المدنية
والتجارية بما لا يتعارض وطبيعة اختصاص المحكمة والأوضاع المقررة أمامها".
وحيث إن الفقرات الثلاث الأول من المادة (3) من قانون المرافعات
المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 بعد تعديلها بالقانون رقم 61
لسنة 1996 تنص على أنه "لا تقبل أي دعوى كما لا يقبل أي طلب أو دفع استنادا
لأحكام هذا القانون أو أي قانون آخر، لا يكون لصاحبه فيها مصلحة شخصية ومباشرة
وقائمة يقرها القانون.
ومع ذلك تكفي المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع
ضرر محقق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه.
وتقضي المحكمة من تلقاء نفسها، في أي حالة تكون عليها الدعوى، بعدم
القبول في حالة عدم توافر الشروط المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين".
وحيث إن الأصل المقرر بنص المادة الثالثة من قانون المرافعات المدنية
والتجارية، هو ألا تقبل أية دعوى لا تكون لرافعها فيها مصلحة قائمة يقرها القانون
أو مصلحة محتملة - بالشروط التي بينها - وقد أحال قانون المحكمة الدستورية العليا
بنص مادته رقم (51) إلى أحكام قانون المرافعات جميعها كافلا سريانها على الدعاوى
والطلبات التي تقدم إليها بشرطين، أولهما: ألا يكون قانون المحكمة متضمنا لنص خاص
على خلافها، وثانيهما: ألا يكون تطبيقها منافيا لطبيعة اختصاص المحكمة والأوضاع
المقررة أمامها.
لما كان ما تقدم، فإن قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 607 لسنة
2016 الصادر بتاريخ 29/ 12/ 2016 بالموافقة على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين
حكومتي جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية والموقعة في القاهرة بتاريخ
8/ 4/ 2016، وذلك مع التحفظ بشرط التصديق - بعد أن وافق مجلس النواب على هذه
الاتفاقية بجلسته المعقودة في 14/ 6/ 2017، وتصدق من رئيس الجمهورية عليها في 17/
6/ 2017 - المنشور في الجريدة الرسمية العدد رقم 33 في 17/ 8/ 2017، لا يحول دون
استمرار تحقق شرط المصلحة المباشرة للمدعين في الدعويين المعروضتين، ذلك أن القضاء
بما يطلبه المدعون بعدم الاعتداد بحكم محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في الدعويين
رقمي 43709، 43866 لسنة 70 قضاء إداري، المؤيد بحكم المحكمة الإدارية العليا في
الطعن رقم 74236 لسنة 62 قضائية عليا، مؤداه أن ينقض وصف البطلان عن توقيع ممثل
الحكومة المصرية على الاتفاقية المار ذكرها، ويكون الحكم القاضي بذلك ملزما للكافة
وجميع سلطات الدولة، وتكون له حجية مطلقة بنشره في الجريدة الرسمية وفق عبارة نص
المادة (195) من دستور سنة 2014، وذلك دون أن تمتد حجية الحكم في طلبات المدعين في
المنازعتين المعروضتين - وفق المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة - إلى الفصل في
الشرعية الدستورية لأي حكم إجرائي أو موضوعي يتصل باتفاقية تعيين الحدود البحرية
بين حكومتي جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية المار ذكرها - منضبطا
بالضوابط المنصوص عليها في المادة (151) من الدستور - باعتبار أن ذلك مما يخرج عن
نطاق منازعتي التنفيذ المعروضتين سببا وموضوعا.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن قوام منازعة التنفيذ التي تختص
المحكمة الدستورية العليا بالفصل فيها وفقا لنص المادة (50) من قانونها الصادر
بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تعترض تنفيذ حكمها عوائق تحول قانونا - بمضمونها -
دون اكتمال مداه، أو تقيد، اتصال حلقاته، بما يعرقل جريان آثاره كاملة أو يحد
منها، ومن ثم تكون هذه العوائق هي محل منازعة التنفيذ التي تستهدف إنهاء الآثار
القانونية الناشئة عنها أو المترتبة عليها، وتتدخل المحكمة الدستورية العليا
لإزاحة هذه العوائق التي يفترض أن تكون قد حالت فعلا، أو من شأنها أن تحول، دون
تنفيذ أحكامها تنفيذا صحيحا مكتملا، وسبيلها في ذلك الأمر بالمضي في تنفيذ
أحكامها، وعدم الاعتداد بذلك الحائل الذي عطل مجراه. بيد أن تدخل هذه المحكمة لهدم
عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الأشخاص الطبيعيين
والاعتباريين جميعهم دون تمييز يفترض أمرين، أولهما: أن تكون هذه العوائق - سواء
بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها - حائلة دون تنفيذ أحكامها أو مقيدة لنطاقها،
ثانيهما: أن يكون إسنادها إلى تلك الأحكام وربطها منطقيا بها ممكنا. فإذا لم تكون
لها بها من صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها،
منافية لحقيقتها وموضوعها.
وحيث إن الخصومة في الدعوى الدستورية، وهي بطبيعتها من الدعاوى
العينية، قوامها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مقابلة النصوص التشريعية
المطعون عليها بأحكام الدستور؛ تحريا لتطابقها معها إعلاء للشرعية الدستورية، ومن
ثم تكون هذه النصوص ذاتها هي موضوع الدعوى الدستورية أو هي بالأحرى محلها،
وإهدارها بقدر تهاترها مع أحكام الدستور هي الغاية التي تبتغيها هذه الخصومة، وأن
الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في تلك الدعوى يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية
التي كانت مثارا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلا حاسما بقضائها،
ولا تمتد إلى غير تلك النصوص، حتى لو تطابقت في مضمونها، كما أن قوة الأمر المقضي
لا تلحق سوى منطوق الحكم وما يتصل به من الأسباب اتصالا حتميا بحيث لا تقوم له قائمة
إلا بها.
وحيث إن الأحكام الدستورية الثمانية التي احتج المدعون بمخالفة حكم
محكمة القضاء الإداري، المؤيد بحكم المحكمة الإدارية العليا السالف ذكرهما - لتلك
الأحكام المار بيانها - جاء قضاء هذه المحكمة فيها على النحو الآتي: القضية رقم
(3) لسنة 1 قضائية "دستورية" حكم فيها بجلسة 25/ 6/ 1983 بعدم دستورية
القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 بأيلولة ملكية الأراضي الزراعية التي تم
الاستيلاء عليها طبقا لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي
والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 المعدل له إلى الدولة دون مقابل، والقضية رقم
(48) لسنة 4 قضائية "دستورية" حكم فيها بجلسة 21/ 1/ 1984 بعدم قبول
الدعوى المحالة للفصل في دستورية المادتين الثالثة والخامسة من اتفاقية تنظيم
إقامة الجيوش العربية في البلد الذي تقضي الضرورات العسكرية بانتقالها إليه،
والقضية رقم (4) لسنة 12 قضائية "دستورية" حكم فيها بجلسة 6/ 12/ 1993
بعدم قبول الدعوى المقامة طعنا على دستورية القانون رقم 122 لسنة 1989 بتعديل بعض
أحكام القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها
والإتجار فيها، والقضية رقم (10) لسنة 14 قضائية "دستورية" حكم فيها
بجلسة 19/ 6/ 1993 بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن بعدم دستورية المواد (9، 12،
13) من اتفاقية تأسيس المصرف العربي الدولي للتجارة الخارجية والتنمية، وبرفضها
بالنسبة للطعن بعدم دستورية ما تضمنته المادة (15) منها من استبعاد تطبيق القوانين
والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردي على العاملين بالمصرف، والقضية رقم (30)
لسنة 17 قضائية "دستورية" حكم فيها بجلسة 2/ 3/ 1996 بعدم اختصاص
المحكمة بنظر الدعوى المقامة طعنا على دستورية القانون رقم 143 لسنة 1984 بانسحاب
جمهورية مصر العربية من اتحاد الجمهوريات العربية، والقضية رقم (39) لسنة 17
قضائية دستورية حكم فيها بجلسة 6/ 6/ 1998 أولا: بعدم قبول الدعوى في شأن الطعن
على كافة النصوص التي تضمنها قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن
السلطة القضائية. ثانيا: برفض الدعوى بعدم دستورية نص المادة (17) من قانون السلطة
القضائية، والقضية رقم (20) لسنة 34 قضائية "دستورية" حكم فيها بجلسة
14/ 6/ 2012 أولا: بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القانون
رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 120 لسنة 2011،
ثانيا: بعدم دستورية ما تضمنه نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من هذا القانون
المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 108 لسنة 2011 من إطلاق الحق في التقدم بطلب
الترشيح لعضوية مجلس الشعب في الدوائر المخصصة للانتخاب بالنظام الفردي للمنتمين
للأحزاب السياسية إلى جانب المستقلين غير المنتمين لتلك الأحزاب، ثالثا: بعدم
دستورية المادة التاسعة مكررا (أ) من القانون المشار إليه المضافة بالمرسوم بقانون
رقم 108 لسنة 2011 فيما نصت عليه من تضمين الكشف النهائي لأسماء المرشحين بالنظام
الفردي بيان الحزب الذي ينتمي إليه المرشح. رابعا: بعدم دستورية نص المادة الأولى
من المرسوم بقانون رقم 123 لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 120
لسنة 2011، وبسقوط نص المادة الثانية منه، والقضية رقم (166) لسنة 34 قضائية
"دستورية" حكم فيها بجلسة 2/ 6/ 2013 بعدم دستورية القانون رقم 79 لسنة
2012 بمعايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد.
وحيث إنه يتبين من الاطلاع على الأحكام الثمانية الصادرة من المحكمة
الدستورية العليا السالف بيانها أنها لم تتعرض - سواء في منطوق كل منها أو ما يتصل به من أسبابها
اتصالا حتميا - للفصل في دستورية توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية تعيين
الحدود البحرية بين حكومتي جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية الموقعة
في القاهرة بتاريخ 8/ 4/ 2016، أو أي شأن آخر متصل بهذه الاتفاقية، التي كان بطلان
توقيع ممثل الحكومة المصرية عليها وما يترتب على ذلك من آثار هو موضوع ومنطوق
الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في الدعويين رقمي 43709، 43866
لسنة 70 قضائية، والمؤيد بحكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 74236 لسنة 62
قضائية عليا السالف بيانهما، واللذين يطلب المدعون عدم الاعتداد بهما في منازعتي
التنفيذ المعروضتين، كما لم ينطو أي من الحكمين الفائت بيانهما في أسبابه على ما
يكشف - صراحة أو ضمنا - على إقراره مبدأ خضوع أعمال السيادة أو إبرام المعاهدات
الدولية - في كل الأحوال - للرقابة القضائية لمحاكم مجلس الدولة، وإنما كان سبيل
الحكمين المذكورين في الرد على الدفع المبدى أمامهما بعدم الاختصاص الولائي لمحاكم
جهة القضاء الإداري - أيا كان صحة ما انتهى إليه - هو: تجريد الاتفاقية موضوع
المنازعتين المعروضتين من وصف أنها عمل من أعمال السيادة، وتكييفها بأنها عمل من
أعمال الإدارة، مما يختص القضاء الإداري بنظر الطعن عليه، التزاما بحكم المادتين
(97، 190) من الدستور، ونص البند (الرابع عشر) من المادة (10) من قانون مجلس
الدولة.
متى كان ما تقدم، وكانت الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية
العليا الصادرة في القضايا الثمانية السالفة البيان - وفقا لما جرى عليه قضاؤها -
يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثارا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت
فيها المحكمة فصلا حاسما بقضائها، ولا تمتد إلى غير تلك النصوص، حتى لو تطابقت
معها في مضمونها، كما أن قوة الأمر المقضي لا تلحق سوى منطوق الحكم وما يتصل به من
الأسباب اتصالا حتميا بحيث لا تقوم له قائمة إلا بها، وكان حكم محكمة القضاء
الإداري بالقاهرة، وحكم المحكمة الإدارية العليا السالف بيانهما، قد شيدا على
تأويل لمؤدى نص المادة (151) من دستور 2014، وسد لهما اختصاصا ولائيا بالتصدي
للفصل في بطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على الاتفاقية المار ذكرها وما يترتب
على ذلك من آثار - وأيا كان وجه الرأي فيما قضى به - فإنه لا يقيم أية صلة بين
الحكم والقرار الصادرين من محاكم مجلس الدولة، وبين الأحكام الثمانية الصادرة من
المحكمة الدستورية العليا الفائت ذكرها، ومن ثم فلا يشكل الحكمان المذكوران عقبة
في تنفيذها، مما يتعين معه - تبعا لذلك - القضاء بعدم قبول الدعويين المعروضتين.
وحيث إن طلب المدعين وقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري بالقاهرة
الصادر بجلسة 21/ 6/ 2016 في الدعويين رقمي 43709، 43866 لسنة 70 قضائية يعد فرعا
من أصل النزاع حول منازعة التنفيذ المعروضة، وإذ قضت هذه المحكمة في موضوع النزاع
بعدم قبوله؛ فإن مباشرتها اختصاص البت في طلب وقف تنفيذ ذلك الحكم قد بات غير ذي
موضوع.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعويين، وألزمت المدعين المصروفات ومقابل
أتعاب المحاماة عنهما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق