الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 مارس 2018

لرئيس الجمهورية وحده الرقابة السياسية على المعاهدات باستنفاد مجلس النواب سلطته الحصرية في مراقبتها

الجريدة الرسمية العدد 9 مكرر ج في 7 / 3 / 2018 ص 21
القضية رقم 12 لسنة 39 ق "تنازع".
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من مارس سنة 2018م، الموافق الخامس عشر من جمادى الآخر سنة 1439هـ
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي النائب الأول لرئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيري طه النجار وسعيد مرعي عمرو وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار/ طارق عبد العليم أبو العطا رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 12 لسنة 39 قضائية "تنازع".
الوقائع
تخلص وقائع الدعوى - حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعى عليه "أولا 1- أ" أقام الدعوى رقم 43709 لسنة 70ق، أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، ضد المدعين الثلاثة الأوائل؛ بطلب الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه بإبرام وتوقيع ممثل الحكومة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية وبالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها عدم أحقية المدعي الثالث في الدعوى المعروضة "رئيس مجلس النواب" في مناقشة الاتفاقية، كما أقام المدعى عليه "أولا -2"، قبل المدعين عدا الثالث، الدعوى رقم 43866 لسنة 70ق أمام المحكمة عينها؛ بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر من المدعي الثاني بصفته بإعادة ترسيم الحدود بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية وما يترتب على ذلك من آثار أخصها الإبقاء على تبعية جزيرتي تيران وصنافير ضمن السيادة والملكية المصرية. وأسس المدعيان في الدعويين طلباتهما على أنه في التاسع من إبريل سنة 2016 أبرمت اتفاقية بين الحكومتين المصرية والسعودية لتعيين الحدود البحرية بين الدولتين، وقد تضمنت هذه الاتفاقية تنازل الحكومة المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير، بالمخالفة لنص المادة (151) من الدستور، كما تخالف اتفاقية ترسيم الحدود التي أبرمت عام 1906، وأن الجزيرتين جزء من إقليم الدولة المصرية وخاضعة لسيادتها التي مارستها عليها، ولما كان توقيع ممثل الحكومة المصرية على هذه الاتفاقية قرارا إداريا، فمن ثم يجوز مخاصمته أمام القضاء الإداري
وأثناء نظر الدعويين أمام محكمة القضاء الإداري، تدخل فيهما باقي المدعى عليهم، في الدعوى المعروضة، ودفع الحاضر عن الدولة بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعويين؛ كون إبرام المعاهدات بين الدول من أعمال السيادة التي يمتنع على القضاء نظرها، وبعدم قبولهما لانتفاء القرار الإداري، فقررت المحكمة ضم الدعويين للارتباط، وليصدر فيهما حكم واحد. وبجلسة 21 من يونيو سنة 2016 حكمت المحكمة: أولا: برفض الدفع بعدم الاختصاص الولائي بنظر الدعوى واختصاصها، ثانيا: بقبول الدعويين شكلا وببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية الموقعة في إبريل سنة 2016 المتضمنة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها استمرار هاتين الجزيرتين ضمن الإقليم البري المصري وضمن حدود الدولة المصرية واستمرار السيادة عليهما وحظر تغيير وصفهما بأي شكل لصالح أي دولة أخرى وذلك على النحو المبين بالأسباب. وقد قام ذلك الحكم، في رفضه للدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري ولائيا بنظر الدعوى، على أسباب حاصلها أن توقيع ممثل الحكومة المصرية على الاتفاقية، رغم كونه لا يعد قرارا إداريا، إلا أنه يدخل ضمن المنازعات الإدارية التي تنبسط عليها ولاية محاكم مجلس الدولة إعمالا لحكم المادة (190) من الدستور، ونص البند (14) من المادة (10) من قانون مجلس الدولة، وبهذه المثابة فإنه لا يندرج ضمن أعمال السيادة، وإذ لم يرتض المدعون، في الدعوى المعروضة، الحكم، فقد طعنوا عليه أمام المحكمة الإدارية العليا، الدائرة الأولى "فحص طعون"، وقيد الطعن برقم 74236 لسنة 62ق "عليا"، طالبين الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، ثم إحالته إلى دائرة الموضوع بالمحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى بمنطوقه، والقضاء مجددا بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، واحتياطيا بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري، ومن باب الاحتياط الكلي رفض الدعوى؛ وذلك على سند من أن الحكم المطعون فيه قد صدر مشوبا بعيب مخالفة القانون
وتدوول الطعن أمامها، وبجلسة 16 من يناير سنة 2017 أصدرت المحكمة الإدارية العليا "دائرة فحص الطعون" حكمها، بإجماع الآراء، برفض الطعن
ومن جهة أخرى أقام الأستاذ/ ..... المحامي وآخران دعوى، قيدت برقم 121 لسنة 2017 مستعجل القاهرة، ضد المدعى عليهم، في الدعوى المعروضة، بطلب إسقاط مسببات الحكم رقم 74236 لسنة 62 قضائية الصادر من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، وبانعدام وجوده ووجود الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعويين رقمي 43709 و43866 لسنة 70 قضائية، وإزالة كل ما لهما من آثار والاستمرار في تنفيذ الحكم رقم 1863 لسنة 2016 مستعجل القاهرة والمستأنف برقم 373 لسنة 2016 مستعجل القاهرة. وإذ تدوولت الدعوى بالجلسات، وبها تدخلت السيدة/ ...... هجوميا، فقضت المحكمة بجلسة الثاني من إبريل سنة 2017: بعدم قبول التدخل شكلا، وبرفض الدفعين المبديين من المدعى عليه الثاني بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى وبعدم قبولها لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون، وفي الموضوع بعدم الاعتداد بالحكم الصادر في الدعويين رقمي 43709، 43866 لسنة 70ق من محكمة القضاء الإداري، وكذا الحكم الصادر في الطعن رقم 74236 لسنة 62 قضائية عليا واعتبارهما منعدمي الأثر. وقد شيد هذا الحكم قضاءه على أن الحكم الصادر من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، آنف الإشارة إليه، هو حكم منعدم؛ لتعرضه لعمل من أعمال السيادة هو علاقة الدولة بغيرها من الدول الأجنبية، وهو ما يحظر على المحاكم كافة التعرض له، لعلو سيادة الدولة لكافة السلطات بها، وأن الإرادة الشعبية هي المحددة لاختصاصات سلطات الدولة والعلاقات بينها، فلا يجوز لإحدى هذه السلطات تجاوز تخوم ولايتها الدستورية، ومن ثم يكون ذلك الحكم قد جاوز اختصاصه الولائي منعدما لا يعتد به. وإذ استؤنف هذا الحكم من المتدخلة أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية؛ مختصمة فيه جميع خصوم الدعوى، قيد الاستئناف برقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة، وبتاريخ 28 من مايو سنة 2017 قضت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بهيئة استئنافية، في مادة تنفيذ موضوعية، بقبول الاستئناف شكلا، وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، متخذة من كامل الأسباب الواردة في الحكم المستأنف أسبابا لقضائها. وإذ ارتأى المدعون أن ثمة تناقضا بين الحكمين، الصادر أولهما في 16 من يناير سنة 2017 من المحكمة الإدارية العليا "دائرة فحص الطعون" في الطعن رقم 74236 لسنة 62ق "عليا"؛ تأييدا للحكم الصادر في 21 من يونيو سنة 2016 من محكمة القضاء الإداري في الدعويين رقمي 43709 و43866 لسنة 70ق، والصادر ثانيهما من محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بتاريخ 28 من مايو سنة 2017 في الاستئناف رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي؛ بتأييد الحكم الصادر بتاريخ الثاني من إبريل سنة 2017 في الدعوى رقم 121 لسنة 2017 مستعجل القاهرة، على نحو يتعذر تنفيذهما معا، أقاموا دعواهم المعروضة
بتاريخ الأول من يونيو سنة 2017، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبا للحكم أولا: بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ الحكم الصادر في الدعويين رقمي 43709، 43866 لسنة 70ق "قضاء إداري"، والحكم الصادر في الطعن رقم 74236 لسنة 62ق "عليا". ثانيا: وفي الموضوع بعدم الاعتداد بالحكمين المشار إليهما، والاعتداد بالحكم الصادر في الدعوى رقم 121 لسنة 2017 مستعجل القاهرة بجلسة 2/ 4/ 2017
وبتاريخ 20 من يونيو سنة 2017، أصدر المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا أمرا وقتيا بوقف تنفيذ كل من: 1- الحكم الصادر في الدعويين رقمي 43709، 43866 لسنة 70ق "قضاء إداري"، والمؤيد بالحكم الصادر من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 74236 لسنة 62ق "عليا". 
2- الحكم الصادر في الدعوى رقم 121 لسنة 2017 مستعجل القاهرة المؤيد بالحكم الصادر في الاستئناف رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة
وبتاريخ التاسع من يوليو سنة 2017 أودعت هيئة قضايا الدولة، بصفتها نائبا قانونيا عن المدعين، صحيفة بتصحيح طلباتها، إلى الاعتداد بالحكم الصادر في الدعوى رقم 121 لسنة 2017 مستعجل القاهرة بجلسة 2/ 4/ 2017، والمؤيد استئنافيا بالحكم الصادر في الدعوى رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة، وعدم الاعتداد بالحكم الصادر في الدعويين 43709، 43866 لسنة 70ق "قضاء إداري"، والحكم الصادر في الطعن رقم 74236 لسنة 62ق "عليا". 
وبجلسات التحضير أمام هيئة المفوضين طلب الحاضر عن المدعى عليه أولا (1/ أ)؛ الحكم ببطلان ترسيم الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية لعدم اتباع الإجراءات الخاصة التي قررتها اللجنة القومية العليا للبحار، وبرفض الدعوى، والاعتداد بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري، حال أن توقيع ممثل الحكومة المصرية على الاتفاقية لا يعد من أعمال السيادة بل هو محض قرار إداري
والحاضر عن المدعى عليه أولا (1/ ب) طلب الحكم بعدم قبول الدعوى؛ لعدم إيداع صور رسمية من الحكم الصادر في الاستئناف رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة، عند إيداع صحيفة الدعوى، وكذلك عدم قبول طلب التصحيح المقدم من المدعين في التاسع من يوليو سنة 2017، لمخالفته المادة (38) من قانون المحكمة الدستورية العليا التي لا تجيز تقديم طلبات جديدة أمام هيئة المفوضين بالمحكمة
كما دفع الحاضر عن المدعى عليهم (أولا- 1/ أ، 2، وثانيا – 48، 73)؛ أصليا: بعدم قبول الدعوى شكلا لانتفاء شروط قبولها، ومن ثم زوال أثر الأمر الصادر من المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 20/ 6/ 2017، في الشق العاجل من الدعوى؛ تأسيسا على عدم وجود نزاع مطروح على جهتي قضاء في الآن ذاته، إذ أقيمت الدعوى رقم 121 لسنة 2017 مستعجل القاهرة بعد صدور حكم دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، واستنفاد جهة القضاء الإداري، من ثم، ولايتها، حال أن نص المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا يفترض تزامنا تاريخيا بين الحكمين المتناقضين، وكذلك لعدم تعامد الأحكام المدعي تناقضها على محل واحد. واحتياطيا: برفض الدعوى
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وقد أرفق المدعون بصحيفة دعواهم، عند إيداعها قلم كتاب هذه المحكمة، ست حوافظ مستندات، طويت الأولى منها على صورة رسمية من الحكم الصادر في الدعويين رقمي 43709 و43866 لسنة 70ق قضاء إداري، وضمت الرابعة صورة رسمية من الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا "دائرة فحص الطعون" في الطعن رقم 74236 لسنة 62ق عليا، بينما حوت الخامسة صورة رسمية من الحكم الصادر في الدعوى رقم 121 لسنة 2017 مستعجل القاهرة، كما طويت السادسة على صورة رسمية من الحكم الصادر في الاستئناف رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة
وحيث إن الأستاذ/ ...... المحامي مثل أمام المحكمة بجلستي 21 و28 من يناير سنة 2018 بحسبانه وكيلا عن المدعى عليه السابع، وترافع في أولاهما في موضوع الدعوى، وبالجلسة الثانية طلب رد المستشار الدكتور حنفي علي جبالي رئيس هيئة المحكمة والمستشار حاتم حمد بجاتو عضو الهيئة، دون إبداء أسباب الرد، وقد تبين للمحكمة أنه لم يقدم سند وكالة عن أي من المدعى عليهم
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (153) من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أنه "يحصل الرد بتقرير يكتب بقلم كتاب المحكمة التي يتبعها القاضي المطلوب رده، يوقعه الطالب نفسه أو وكيله المفوض فيه بتوكيل خاص يرفق بالتقرير"، وكان من المقرر قانونا أن لرد القاضي عن الحكم في الدعوى إجراء رسمه قانون المرافعات، فلا يكفي لتحقيق هذا الإجراء مجرد إبداء الرغبة في رد أحد أعضاء المحكمة وإثبات ذلك في محضر الجلسة، بل يجب أن يتم الرد من الخصم نفسه بحسبانه حقا شخصيا له، وليس لمحاميه أن ينوب عنه في ذلك إلا بتوكيل خاص يقدمه لحظة إبداء طلب الرد، ولا يغني عن ذلك صدور هذا التوكيل، ما دام لم يقدم عند إبداء طلب الرد. ولما كان المحامي الذي أبدى رغبته في رد رئيس وعضو هيئة المحكمة لم يقدم توكيلا خاصا عن أي من المدعى عليهم، سواء من قرر حضوره عنه أو غيره، يخوله رد قضاة المحكمة في الدعوى المعروضة، ومن ثم فإن ما أبداه يكون والعدم سواء، ولا تثريب على المحكمة إن التفتت عنه، ومضت في نظر الدعوى
وحيث إن المدعى عليه الثالث والسبعين قدم، بعد حجز الدعوى للحكم، طلبا لفتح باب المرافعة، أرفق به مذكرة لم تصرح بها المحكمة، ومن ثم تلتفت عنها
وأثناء نظر الدعوى أمام المحكمة قدم الحاضر عن المدعين حافظتي مستندات، طويت الأولى على شهادة صادرة من محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، تفيد الحكم، بجلسة 30 من يوليو سنة 2017، بعدم جواز الاستئناف رقم 203 لسنة 2017 مستأنف، المقام من المدعى عليه أولا (1/ أ)، طعنا على الحكم الصادر في الدعوى رقم 121 لسنة 2017 تنفيذ موضوعي مستعجل القاهرة لسابقة الفصل فيه بالحكم الصادر في الدعوى رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة، وطويت الثانية على شهادة صادرة من المحكمة ذاتها، تفيد حصول هيئة قضايا الدولة، في 29 من مايو سنة 2017، على صورة رسمية من الحكم الصادر في الدعوى رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة، كما قدم مذكرة تمسك فيها بالطلبات المعدلة
والحاضرون عن المدعى عليهم اعتصموا، في مرافعتهم الشفوية والمذكرات المقدمة منهم، بكافة أوجه دفاعهم ودفوعهم المبداة بجلسات التحضير، وأضاف الحاضر عن المدعى عليه أولا (1/ ب) دفعا بتزوير الشهادة المقدمة من هيئة قضايا الدولة بحصولها في 29 من مايو سنة 2017 على صورة رسمية من الحكم الصادر في الدعوى رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة، مفوضا المحكمة في حسم هذا الدفع. كما أضاف الحاضر مع المدعى عليه (أولا - 2) وعن المدعى عليهم (أولا - 1/ أ، وثانيا - 48، 73) دفعا بعدم قبول الدعوى، قالة أن الحكم الصادر في الاستئناف رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة غير نهائي؛ إذ لم يفصل في موضوع الدعوى، واقتصر على الفصل في الاستئناف المقدم من الخصم المتدخل وفي حدود طلب التدخل، وطلب الحكم بإلغاء الأمر الوقتي الصادر من رئيس المحكمة وزوال أي أثر له، كما دفع بعدم دستورية قرار وزير الخارجية رقم 26 لسنة 2017، وما تضمنه من القرار الجمهوري رقم 607 لسنة 2016 بالموافقة على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين حكومتي جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية الموقعة بتاريخ الثامن من إبريل سنة 2016 وكافة الخطابات المتبادلة والمنشورة بالجريدة الرسمية، وكتاب رئيس مجلس النواب المؤرخ 14 من يونيو سنة 2017 بشأن موافقة مجلس النواب على الاتفاقية والخطابات المتبادلة بشأنها، ووثيقة تصديق رئيس الجمهورية على الاتفاقية والخطابات المتبادلة بشأنها، وعلى الاتفاقية ذاتها، لمخالفة نص المادتين (1، 151) من الدستور. والمدعى عليه (أولا - 2) تمسك بكل ما أبداه الحاضر معه، وأضاف دفعا بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا ولائيا بنظر الدعوى
وحيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى؛ فلما كانت المادة (192) من الدستور قد ناطت بالمحكمة الدستورية العليا عددا من الاختصاصات من بينها الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي، والأخر من جهة أخرى منها، وهو ما أكدته المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 في بندها "ثالثا"، وبهذه المثابة؛ فإن المحكمة الدستورية العليا، وعلى ما جرى به قضاؤها، لا تعتبر جهة طعن في هذه الأحكام، ومن ثم لا اختصاص لها بمراقبة التزامها حكم القانون أو مخالفتها له تقويما لاعوجاجها، وتصويبا لأخطائها، بل يقتصر بحثها على المفاضلة بين حكمين نهائيين صادرين من جهتين قضائيتين مختلفتين على أساس من قواعد الاختصاص الولائي، لتحدد على ضوئها أيهما صدر من الجهة التي لها ولاية الفصل في الدعوى، وأحقها بالتالي بالتنفيذ. لما كان ذلك، وكانت الدعوى المرددة قد أقامها المدعون؛ ابتغاء حسم التناقض بين أحكام صادرة من جهتي قضاء مختلفتين، القضاء العادي والقضاء الإداري، وكان تعييب المدعين للأحكام الصادرة من محاكم جهة القضاء الإداري، ينصب بالأساس على ما يدعونه من مخالفتها لقواعد الاختصاص، ومجاوزتها تخوم ولايتها، بأن فصلت في نزاع حجبها المشرع عن نظره، بمقتضى المادة (11) من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972، توصلا إلى عدم الاعتداد به، تغليبا لحكم جهة القضاء العادي، مما يستنهض ولاية المحكمة الدستورية العليا بنظر هذه الدعوى، بحسبانها داخلة في اختصاصاتها المقررة لها انفرادا في الدستور والقانون، ويضحى الدفع بعدم اختصاصها فاقدا للسند، متعين الرفض
وحيث إنه عن الدفع بتزوير الشهادة المقدمة من هيئة قضايا الدولة المثبتة لحصولها، في 29 من مايو سنة 2017، على صورة رسمية من الحكم الصادر في الدعوى رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة؛ فلما كانت المادة 52 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية تنص على أنه "إذا كان الادعاء بالتزوير منتجا في النزاع ولم تكف وقائع الدعوى ومستنداتها لإقناع المحكمة بصحة المحرر أو بتزويره ورأت أن إجراء التحقيق الذي طلبه الطاعن في مذكرته منتج وجائز أمرت بالتحقيق"، وكان من المقرر، تبعا لذلك، أن للمحكمة سلطة مطلقة في الحكم بصحة الورقة المدعى تزويرها أو ببطلانها وردها، وذلك بناء على ما تستظهره من ظروف الدعوى وملابساتها، دون أن تكون ملزمة بالسير في إجراءات التحقيق أو ندب خبير، فإذا تبين لها أن من وقائع الدعوى ومستنداتها ما يدحض الدفع بالتزوير دون حاجة إلى تحقيقه، كان لها أن تقضي برفض دعوى التزوير وصحة السند. ولما كان ذلك؛ وكان قد تبين للمحكمة من مطالعة محضر إيداع أوراق الدعوى المعروضة، والمؤرخ الأول من يونيو سنة 2017، أنه قد أرفق بصحيفتها ست حوافظ مستندات، أثبتت بالأرقام المسلسلة من (3: 8)، وتأشر عليها جميعا بالتسلم في التاريخ ذاته من الموظف المختص بجدول المحكمة الدستورية العليا، وثبت من مطالعة الحافظة السادسة أنها طويت على صورة رسمية من الحكم الصادر في الدعوى رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة، مؤشرا عليها بما يفيد استخراجها في 29 من مايو سنة 2017، كما ثبت أيضا من مطالعة تقرير هيئة المفوضين في الشق العاجل من الدعوى إثبات معده اطلاعه على الحكم عينه عند إعداده التقرير، الأمر الذي يقطع بصحة الشهادة المقدمة من هيئة قضايا الدولة، ومن ثم تقضي المحكمة بصحتها، وتستمر في نظر الدعوى المعروضة
وحيث إنه عن طلب الحكم ببطلان الأمر الوقتي الصادر من المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا، في 20 من يونيو سنة 2017، بوقف تنفيذ الحكم الصادر في الدعويين رقمي 43709، 43866 لسنة 70ق "قضاء إداري" والمؤيد بالحكم الصادر من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 74236 لسنة 62ق "عليا"، والحكم الصادر في الدعوى رقم 121 لسنة 2017 مستعجل القاهرة المؤيد بالحكم الصادر في الاستئناف رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة، فلما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن سلطة وقف التنفيذ التي يملكها رئيس المحكمة الدستورية العليا وفقا لنص الفقرة الثالثة من المادة (32) من قانون المحكمة، مناطها ألا ينفذ أحد الحكمين جبرا في مواجهة من يعترض عليه إذا لم يكن من وجهة مبدئية أولى بالتنفيذ، وكان من شأن تنفيذه أن يلحق بالمصالح التي يدعيها المضرور مخاطر جسيمة يتعذر تداركها، ولا يعدو الأمر الصادر من رئيس المحكمة في هذا الشأن، وهو أمر لا يجوز الطعن فيه، أن يكون إجراء وقتيا، فلا يجوز النظر إليه باعتباره محددا أو مرشحا لقضاء المحكمة الدستورية العليا الفاصل في النزاع حول التناقض، وإن ظل هذا الأمر، وطوال فترة نفاذه، مانعا من القيام بأي عمل يناقض فحواه، أو يقيد مداه
وحيث إن الاعتبار الملحوظ في ذلك الأمر، هو أن الشروط التي يرتبط بها إصداره، أقل صرامة من تلك التي يتطلبها قانون المحكمة الدستورية العليا في مجال فصلها في النزاع حول التناقض، بل هي تغايرها بوجه خاص من زوايا خمس، أولها: أن السلطة التي يملكها رئيس المحكمة الدستورية العليا عند إصدار الأمر لا تحكمها ضوابط جامدة نص عليها المشرع وحددها تفصيلا، بل مناط إعمالها ما يتوافر من الدلائل لديه على ملاءمة المضي في تنفيذ أحد الحكمين المدعي تناقضهما أو كليهما؛ ومن ثم يكون معيار تطبيقها مرنا لا متزمتا، ثانيها: أن الأمر الصادر عنه، وباعتباره إجراء وقتيا، يتوخى صون الحقوق المتنازع عليها على ضوء ظاهر الأمر فيها، لا يتصور أن يكون متراخيا، كي لا تتعرض للضياع الحقوق التي يمكن أن تهددها مخاطر التنفيذ فيما لو اكتملت بعض جوانبه، أو كان الأمر قد صدر بعد تمامها، ومن ثم جاز لرئيس المحكمة، في ضوء تقديره لمدى ملاءمة التنفيذ، أن يبادر بإصدار الأمر الوقتي بوقف التنفيذ، أو رفضه، وذلك بمجرد رفع دعوى تناقض الأحكام بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة، دون التربص بانتهاء مواعيد وإجراءات الإعلان والتحضير المنصوص عليها في المادتين (37، 39) من قانون المحكمة الدستورية العليا، وإلا كان ذلك تراخيا يصادم الهدف من تخويله سلطة إصدار الأمر الوقتي، ويؤيد هذا النظر ما قررته المادة (31) من القانون مار الذكر في فقرتها الأخيرة، من وقف، بقوة القانون، الدعاوى القائمة المتعلقة بطلب الفصل في تنازع الاختصاص، وذلك فور تقديم الطلب وحتى الفصل فيه، دون انتظار لإعلان أو تحضير، ولا يعد ذلك إخلالا بحق الدفاع، أو عدولا عن مبدأ المواجهة القضائية، إذ إن هذا الإجراء محض أمر وقتي، لا تنحسم به الخصومة القضائية في موضوع الدعوى، ولا يتغير به المركز القانوني للخصوم، بل يقتصر أثره على إزالة ما للأحكام من قوة نفاذ، مؤقتا، حتى إصدار المحكمة الدستورية العليا قضاءها في موضوع دعوى التناقض. ثالثها: أن صدور الأمر لا يقتضي ممن يطلبه أن يبرهن على أن الاختصاص الولائي لأحد الحكمين المقول بتناقضهما منتحل بما لا شبهة فيه، وأن انتفاءه بالتالي مقطوع به، بل يكفيه أن يبين من وجهة أولية، أن شكوكا تحوم حول هذا الاختصاص لا يحتمل معها ثبوته. رابعها: أن طلب وقف تنفيذ أحد الحكمين، فرع من أصل النزاع حول فض التناقض بينهما، ذلك أن أولهما يتوخى إرجاء إعمال آثار أحدهما بصفة مؤقتة، حال أن ثانيهما يتغيا تنحية إنفاذه بصفة باتة لا رجوع فيها
خامسها: إذ يقرر رئيس المحكمة الدستورية العليا إصدار الأمر وفقا لنص الفقرة الثالثة من المادة (32) من قانونها، فإن تقديره تتداخل فيه مع العناصر القانونية، عوامل واقعية لها شأنها، من بينها تلك الآثار التي يمكن أن تنجم عن تنفيذ أحد الحكمين المدعي تعارضهما أو كليهما. وعلى خلاف ذلك قضاء المحكمة الدستورية العليا في شأن تعيين أولاهما بالتنفيذ، إذ لا يتصور أن يحمل قضاؤها في هذا الشأن إلا على عناصر قانونية بحتة، قوامها أن الحكم الأحق بالتنفيذ، هو ذلك الذي يصدر عن جهة قضاء اختصها المشرع دون غيرها بالفصل في النزاع الموضوعي. لما كان ذلك؛ وكان المستشار رئيس المحكمة قد أصدر الأمر الوقتي المشار إليه، وفقا لسلطته التقديرية التي نيطت به منفردا، ملتزما الضوابط المقررة في القانون، والمتواترة في قضاء هذه المحكمة، وهو أمر يمتنع الطعن عليه، ومن ثم ينحل النعي بالبطلان على هذا الأمر الوقتي طعنا عليه؛ بما مؤداه عدم قبوله
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى شكلا من وجوهه الأربعة، الأول: تخلف أحد حدى التناقض، وهو الحكم النهائي الصادر من جهة القضاء العادي؛ بحسبان الطلب الأصلي المقام به الدعوى المعروضة اقتصر على طلب فض التناقض بين الحكم الصادر في الدعويين رقمي 43709 و43866 لسنة 70ق قضاء إداري المؤيد بالحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا "دائرة فحص الطعون" في الطعن رقم 74236 لسنة 62ق "عليا"، وبين الحكم الصادر في الدعوى رقم 121 لسنة 2017 مستعجل القاهرة، والثاني: عدم إيداع صورة رسمية من الحكم الصادر في الاستئناف رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة عند إيداع صحيفة الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، والثالث: أن الحكم الصادر في الاستئناف المشار إليه غير نهائي؛ إذ لم يفصل في موضوع الدعوى، واقتصر على الفصل في الاستئناف المقدم من الخصم المتدخل وفي حدود طلب التدخل، والرابع: مخالفة نص المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا، لعدم وجود نزاع مطروح على جهتي قضاء في الآن ذاته، إذ انتحلت الدعوى رقم 121 لسنة 2017 مستعجل القاهرة بعد صدور حكم المحكمة الإدارية العليا "دائرة فحص الطعون"، واستنفاد جهة القضاء الإداري، ولايتها، لخلق تناقض متوهم؛ فإن هذا الدفع مردود من وجوهه الأربعة، جميعها، على النحو الآتي: أولا: من المقرر في قضاء هذه المحكمة؛ أنها، بما لها من هيمنة على الدعوى، هي التي تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح وذلك على ضوء طلبات رافعها، متقصية في سبيل ذلك فحوى طلباته، مستظهره حقيقة مراميها وأبعادها دون التقيد بحرفية ألفاظها ومبانيها، وكان ما يستهدفه المدعون من دعواهم هو فض التناقض القائم بين حكمي جهة القضاء الإداري وحكمي جهة القضاء العادي، وكانت هيئة قضايا الدولة، كما تبين من مطالعة صحيفة الدعوى، قد قررت نصا "وقد تم استئناف هذا الحكم بموجب الاستئناف رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة والذي قضى في مادة تنفيذ موضوعية: ......."، ثم أردفت الهيئة "لما كان ما تقدم جميعه، فإن ثمة تناقضا بين الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعويين رقمي ..... والمؤيد بالحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن .....، وبين ما صدر عن القضاء العادي من أحكام في الدعاوى رقمي ........... واستئنافيهما رقمي 373 لسنة 2016 مستأنف مستعجل القاهرة، 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة. إذ إن كلا منهما قد صدر نهائيا من جهة قضاء، والآخر نهائيا من جهة أخرى، وقد فصلا على نحو متعارض في مسألة كلية بحيث يتعذر تنفيذهما معا، بما يستنهض ولاية المحكمة الدستورية العليا لتحديد أي الحكمين أولى بالتنفيذ"، ثم عادت الهيئة معللة طلبها قبول الدعوى شكلا" لتوفر مناط الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن حكمين قضائيين نهائيين طبقا للمادة (25 - ثالثا) من قانون المحكمة الدستورية العليا، إذ أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها .......، كما أصدر القضاء العادي الحكم في الدعوى رقم 121 لسنة 2017 مستعجل القاهرة والمؤيد بالحكم الصادر في الدعوى رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي، فهما حكمان نهائيان صادر أحدهما من جهة القضاء الإداري، والآخر من جهة القضاء العادي". ومن ثم؛ فإن حقيقة طلبات المدعين المطروحة في الدعوى المعروضة في تكييفها الصحيح، وعلى ما أفصحت عنه صحيفتها صراحة في غير موضع منها، هي طلب الاعتداد بالحكم الصادر في الدعوى رقم 121 لسنة 2017 مستعجل القاهرة بجلسة 2/ 4/ 2017، والمؤيد استئنافيا بالحكم الصادر في الدعوى رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة، وعدم الاعتداد بالحكم الصادر في الدعويين رقمي 43709، 43866 لسنة 70ق "قضاء إداري"، والحكم الصادر في الطعن رقم 74236 لسنة 62ق "عليا"، وهو ما تمسك به المدعون في طلباتهم الختامية؛ مما يكون معه هذا الوجه من الدفع غير سديد، ويضحى طلب فض التناقض المعروض قائما بين حكمين نهائيين. ثانيا: عن الوجه الثاني من أوجه الدفع بعدم القبول؛ فلما كان المشرع ضمانا لإنباء المحكمة الدستورية العليا، وبما لا تجهيل فيه، بأبعاد التنازع، تعريفا بها، ووقوفا على ماهيتها على ضوء الحكمين المتنازعين، قد حتم في المادة (34) من قانونها، أن يرفق بطلب التنازع، صورة رسمية من كل من هذين الحكمين، وإلا كان الطلب غير مقبول. وكان قد ثبت، على نحو ما سلف، إرفاق المدعين صورة رسمية من الحكم الصادر في الدعوى رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة عند رفع دعواهم فإن هذا الوجه من أوجه الدفع يكون حابط الأثر، تلتفت المحكمة عنه. ثالثا: لما كان من المقرر قانونا وجوب أن يكون الحكمان المدعي تناقضهما قد فصلا في موضوع النزاع، وكان الثابت من مطالعة الحكم الصادر في الدعوى رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة، والذي اختصم فيه سائر خصوم الدعوى المستأنف حكمها، أنه قد تناول موضوع النزاع، ومدى اعتبار توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية من أعمال السيادة، مؤيدا في ذلك للحكم المستأنف، معتنقا أسبابه، ولم يقتصر على تمحيص طلبات المتدخلة، والفصل فيها وحدها دون موضوع الدعوى، وهو النظر الذي جزم بتأييده ما ورد في الحكم الصادر بعدم جواز الاستئناف رقم 203 لسنة 2017 مستأنف، المقام من المدعى عليه أولا (1/ أ) على الحكم الصادر في الدعوى رقم 121 لسنة 2017 تنفيذ موضوعي مستعجل القاهرة؛ لسابقة الفصل فيه بالحكم الصادر في الدعوى رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة، على نحو ما ثبت بالشهادة المقدمة من هيئة قضايا الدولة، الصادرة من محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، والمتضمنة ما يقطع بجلاء أن هذا الحكم الأخير قد فصل في موضوع الدعوى، مما لازمه رفض هذا الوجه من أوجه الدفع أيضا. رابعا: لما كان نص المادتين (192) من الدستور و(32) من قانون المحكمة الدستورية العليا يخول كل ذي شأن أن يطلب منها فض النزاع القائم حول التناقض بين الأحكام، في الحدود التي بينتها المادة (25) من قانونها، وكانت الشروط التي تحكم قبول هذا الطلب، حسبما يتبين من مطالعة نص الدستور والمادتين (25) و(32) من قانون المحكمة، لا تقيد رفعه إليها بوجوب تعاصر الدعويين الصادر فيهما الحكمان المدعي تناقضهما، متى كان هذا التناقض قائما قبل رفع الدعوى أمام هذه المحكمة، فإن إقحام هذا القيد واشتراط التعاصر والتزامن بين الدعويين، الصادر بشأنهما الحكمان المتناقضان، لقبول الدعوى، لا يكون محمولا على سند من الدستور أو القانون، وينافي طبيعة النزاع القائم حول التناقض، وكذلك عموم العبارة التي أفرغ المشرع فيها نصي الدستور وقانون المحكمة السالف بيانهما، والتي لا يجوز تخصيصها بغير دليل، كما أنه يفرغ اختصاص المحكمة بفض تناقض الأحكام من مضمونه، ويؤدي إلى أن تسلب المحكمة من اختصاص نيط بها، وهو ما تتأباه العدالة، التي يؤذيها أن تؤول إدارتها إلى بقاء التناقض بين حكمين نهائيين قائما بلا حل؛ ومن ثم يكون هذا الوجه من أوجه الدفع قمينا بالرفض
وحيث إنه عن توافر المصلحة في الدعوى المعروضة، وما إذا كانت قد انتفت بموافقة مجلس النواب، في 14 من يونيو سنة 2017، على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، وتصديق رئيس الجمهورية عليها في 17 من يونيو سنة 2017، قبل صدور أمر رئيس المحكمة الدستورية العليا بوقف التنفيذ والحكم في الدعوى، ولا سيما وقد نشرت الاتفاقية بعد التصديق في الجريدة الرسمية بالعدد رقم (33) الصادر في 17 من أغسطس سنة 2017، فلما كانت المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أن "تختص المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بما يأتي: أولا ..... ثانيا ..... ثالثا: الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي، والآخر من جهة قضائية أخرى منها ....." مما مفاده أن المشرع حرص على قيام رقابة مهيمنة تحسم الخلاف حول تنفيذ الأحكام القضائية النهائية المتناقضة الصادرة في موضوع واحد من جهتين، أو أكثر، من الجهات القضائية أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، إذا كان تنفيذها معا متعذرا، إعلاء منه لمبدأ الدولة القانونية، ذلك أن الحق في التقاضي، بوصفه حقا دستوريا أصيلا، لا تكتمل مقوماته إذا لم توفر الدولة للخصومة في نهاية مطافها حلا منصفا يمثل الترضية القضائية التي يقتضيها رد العدوان على الحقوق المدعى بها، ولا كذلك إذا تعذر تنفيذ حكم قضائي صادر من جهة قضائية مختصة ولائيا بالفصل في النزاع، إذا تناقض مع حكم آخر صادر من جهة قضائية أخرى غير مختصة ولائيا بالفصل في النزاع ذاته، ولذا فقد عهد المشرع إلى المحكمة الدستورية العليا، حال اتصالها بالمنازعة، لفض هذا التناقض الناجم عن تغول إحدى الجهات القضائية على اختصاص غيرها، بما نص عليه في البند ثالثا من المادة (25) من قانون المحكمة المشار إليه، وإذ كان هذا النص، فضلا عما تقدم، قد جاء مطلقا، ولم يشترط لقبول دعوى فض التناقض، ألا يكون أحد الحكمين، أو كلاهما، قد تم تنفيذه سواء قبل رفع هذه الدعوى أو بعد رفعها، فلا يجوز تخصيص هذا النص بغير مخصص، لما هو مقرر من بقاء المطلق على إطلاقه، بل إن تنفيذ أحد الحكمين الصادر من جهة قضائية غير مختصة ولائيا، أيا ما كان توقيت هذا التنفيذ، لا يعدو أن يكون عقبة مادية تحول دون تنفيذ الحكم الآخر الصادر من الجهة القضائية صاحبة الولاية الأصيلة بالفصل في النزاع، ومن ثم تكون قالة انتفاء المصلحة في الدعوى المعروضة، نظرا لما طرأ من مستجدات تتعلق بالموافقة على الاتفاقية والتصديق عليها ونشرها، وبقطع النظر عن صحة قالة أن هذا كله يعد تنفيذا لأحد الحكمين، على غير أساس متعينا رفضه
وحيث إنه عن توافر الشروط الموضوعية لقبول الدعوى، فلما كان الأصل في النزاع القائم حول التناقض، أن مداره حكمان نهائيان صادران عن جهتين قضائيتين مختلفتين، وأن يكونا قد حسما موضوع النزاع في جوانبه كلها أو بعضها، وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معا، وكان البين من مطالعة الأحكام التي تشكل حدى التنازع، حكم محكمة القضاء الإداري المؤيد بحكم دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، وحكم محكمة تنفيذ جنوب القاهرة الصادر في منازعة تنفيذ موضوعية المؤيد بحكم محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بهيئة استئنافية، أنهما حكمان نهائيان، صدرا من جهتي قضاء مختلفتين، وحسما جانبا من جوانب النزاع، وهو المسألة الأولية المتعلقة بالاختصاص الولائي بالفصل في صحة توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، وكان الحكمان قد تناقضا فيما ذهبا فيه من حسم لهذه المسألة، إذ نحا حكم جهة القضاء الإداري منحى توسيد ولاية نظر أمر هذا التوقيع لمحاكم مجلس الدولة بحسبانه، وإن لم يكن قرارا إداريا، مما يندرج في عموم المنازعات الإدارية، ودون ذكر لكنه هذه المنازعة، ومضى، من بعد، في نظر الدعوى، وفصل في موضوعها، حين أنكر الحكم الصادر من جهة القضاء العادي على محاكم مجلس الدولة هذا الاختصاص، بمقولة أن ذلك التوقيع يعد من أعمال السيادة، المحجوب عن نظرها جهات القضاء كافة، وانتهى، بالبناء على ذلك، إلى القضاء بعدم الاعتداد بالحكم الصادر من محاكم مجلس الدولة، ومن ثم يكون الحكمان قد تعامدا، على المحل ذاته، وتناقضا فيما قضيا به، مما تغدو معه الدعوى جديرة بالقبول
وحيث إنه لما كان اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالفصل في التناقض وفقا للبند ثالثا من المادة (25) من قانونها، ليس مقررا لها بوصفها جهة طعن تفصل فيما يعرض عليها من الطعون خلال ميعاد محدد بقاعدة آمرة لا تجوز مخالفتها، ذلك أن النزاع الموضوعي لا ينتقل إليها لتجيل بصرها في العناصر التي قام عليها، واقعية كانت أم قانونية، ولكنها، وأيا كانت الأخطاء التي تكون قد نسبت إلى الحكمين المدعى تناقضهما، لا تفصل في شأن التناقض بينهما إلا على ضوء قواعد الاختصاص الولائي التي ضبطها المشرع؛ ليحدد بها لكل هيئة قضائية قسطها أو نصيبها من المنازعات التي اختصها بالفصل فيها، حتى لا تنحل الأحكام عدوانا من إحدى جهات القضاء على الولاية التي أثبتها المشرع لجهة أخرى، أو كان مما يمثل افتئاتا على اختصاص خرج عن ولايتها وولاية القضاء عامة، واحتجزه الدستور لسلطة أخرى من سلطات الدولة، بما يناقض مبدأي الفصل بين السلطات وخضوع الدولة للقانون، ذلك أن الدولة القانونية هي التي تتقيد في ممارستها لسلطاتها، أيا كانت وظائفها أو غاياتها، بقواعد قانونية تعلو عليها، وتردها على أعقابها إن هي جاوزتها، فلا تتحلل منها، إذ إن سلطاتها هذه، وأيا كان القائمون عليها، لا تعتبر امتيازا شخصيا لمن يتولونها، ولا هي من صنعهم، بل أسستها إرادة الجماهير في تجمعاتها على امتداد الوطن، وضبطتها بقواعد آمرة لا يجوز النزول عنها، ومن ثم تكون هذه القواعد قيدا على كل أعمالها وتصرفاتها، فلا تأتيها إلا في الحدود التي رسمها الدستور
ومن حيث إن مناط الفصل في الدعوى المعروضة، هو تحديد ما إذا كان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية مندرجا في أعمال السيادة، أم أنه محض عمل من أعمال الإدارة، توصلا لتحديد جهة القضاء المختصة بنظره. وعلى الرغم من تعذر وضع تعريف جامع مانع لأعمال السيادة، وفي القلب منها الأعمال السياسية، التي تعد بحق المجال الحيوي والطبيعي لنظرية أعمال السيادة، فإن ثمة عناصر ومميزات تميز هذه الأعمال عن الأعمال الإدارية العادية، أهمها تلك الصبغة السياسية البارزة فيها، فهي تتصل بنظام الدولة السياسي، أو بسيادتها في الداخل أو الخارج، اتصالا وثيقا، إذ تصدر عن السلطة التنفيذية بوصفها سلطة حكم، وبما لها من سلطة عليا لتحقيق مصلحة الجماعة السياسية كلها والسهر على احترام دستورها والإشراف على علاقتها مع الدول الأخرى وتأمين سلامتها وأمنها في الداخل والخارج. وهو ما يفارق هذه الأعمال عن أعمال الإدارة العادية التي تجريها السلطة التنفيذية بوصفها سلطة إدارة، تتولى الإشراف على المصالح اليومية للجمهور ومرافقة العامة، ويبرر، في الآن ذاته، منح السلطة التنفيذية، في شأن الأعمال السياسية، سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقا، ومن ثم استبعادها من ولاية القضاء عامة، تحقيقا للغايات المتقدمة، واتساقا مع الاعتبارات السياسية التي تقتضيها طبيعة هذه الأعمال، بل إن خروج الأعمال السياسية عن ولاية القضاء يعد أحد صور التطبيق الأمثل لإعمال المفهوم الصحيح لمبدأ الفصل بين السلطات، الذي يوجب إقامة توازن دقيق بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بحيث تتولى كل من هذه السلطات صلاحياتها التي خلعها عليها الدستور وفي الحدود التي رسمها دون افتئات من إحداها على الأخرى
وحيث إن العبرة في تحديد التكييف القانوني لأي عمل تجريه السلطة التنفيذية، لمعرفة ما إذا كان من أعمال السيادة أم لا، وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، رهن بطبيعة العمل ذاته، فإذا تعلق العمل بعلاقات سياسية بين الدولة وغيرها من أشخاص القانون الدولي العام، أو دخل في نطاق التعاون والرقابة الدستورية المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؛ عد عملا من أعمال السياسة، وبالبناء على هذا النظر؛ فإن إبرام المعاهدات والتوقيع عليها يعد من أبرز أمثلة هذه الأعمال، وذلك من وجهين؛ الأول: تعلقها بعلاقة بين السلطة التنفيذية، ممثلة للدولة، وبين سائر أشخاص القانون الدولي العام، من دول ومنظمات دولية وذلك في مراحل التفاوض والتوقيع والتنفيذ، الثاني: وقوعها في مجال الاختصاص المشترك، والرقابة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فبمقتضى المادة (151) من الدستور يراقب مجلس النواب السلطة التنفيذية فيما تبرمه من معاهدات، وله أن يوافق أو يرفض ما يدخل منها في اختصاصه بموجب الفقرة الأولى من المادة المذكورة، كما له تقرير ما إذا كانت تلك المعاهدات تتعلق بالفقرتين الثانية والثالثة من المادة ذاتها، فيحال ما يندرج منها في الفقرة الثانية للاستفتاء، ويمتنع عن الموافقة، بأية صورة، على ما يتعلق منها بالنزول عن شيء من إقليم الدولة أو ما يخالف الدستور. وسلطة البرلمان في ذلك سلطة حصرية لا يشاركه فيها غيره، فإذا ما استنفد مجلس النواب سلطاته، كان ملاك الأمر، مرة أخرى، لرئيس الجمهورية وحده، بما له من سلطة رقابة سياسية، إن شاء صدق على المعاهدة، وإن شاء أبى، وذلك كله وفقا لتقديراته السياسية وما يتطلبه صون المصالح العليا للبلاد، ويمتنع على السلطة القضائية بجميع جهاتها ومحاكمها التدخل في أي من هذه الشئون جميعها حتى تمامها، فإذا نشرت المعاهدة وفقا للأوضاع المقررة في الدستور، وأصبح لها قوة القانون، جاز مراقبتها قضائيا من وجهين، الأول: رقابة استيفائها للشروط الشكلية المقررة في الدستور، الثاني: الرقابة الموضوعية للمعاهدة، وهي رقابة تجد موجباتها في نص الفقرة الأخيرة من المادة (151) من الدستور، التي حظرت مخالفة المعاهدة لأحكام الدستور كافة، وهذه الرقابة القضائية على المعاهدات، من وجهيها، هي رقابة دستورية لا مشروعية، وهي، بهذه المثابة، منوطة استئثارا بالمحكمة الدستورية العليا، لا تشاركها فيها جهة قضائية أخرى أيا كانت، وذلك متى اتصلت الدعوى الدستورية بها طبقا لأحكام قانونها
وهديا بما سبق؛ فإن توقيع ممثل الدولة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين حكومتي جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية يعد، لا ريب، من الأعمال السياسية، وإذ كان الحكم الصادر في الدعويين رقمي 43709، 43866 لسنة 70ق "قضاء إداري" والمؤيد بالحكم الصادر من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 74236 لسنة 62ق "عليا"، قد خالف هذا المبدأ، بأن قضى باختصاص القضاء الإداري بنظر صحة توقيع ممثل الدولة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين حكومتي جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، حال كونه ممنوعا من ذلك، على نحو ما سلف، عدوانا على اختصاص السلطة التشريعية، فإنه يكون خليقا بعدم الاعتداد به
وحيث إن المادة (190) من الدستور تنص على أن "مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه ....."، وكان الحكم الصادر في الدعوى رقم 121 لسنة 2017 مستعجل القاهرة، المؤيد بالحكم الصادر في الاستئناف رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة قد خالف هذا النظر، وفصل في منازعة تنفيذ موضوعية متعلقة بحكم صادر من المحكمة الإدارية العليا، فإنه يكون قد انتحل اختصاصا ممتنعا عليه دستورا، ويكون، والحال كذلك، حقيقا بعدم الاعتداد به
وحيث إنه عن الدفع بعدم دستورية قرار وزير الخارجية رقم 26 لسنة 2017، وما تضمنه من القرار الجمهوري رقم 607 لسنة 2016، وكتاب رئيس مجلس النواب المؤرخ 14 من يونيو سنة 2017، ووثيقة تصديق رئيس الجمهورية وكافة الخطابات المتبادلة والمنشورة جميعها بالجريدة الرسمية، وكذلك الدفع بعدم دستورية اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين حكومتي جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية ذاتها؛ فلما كان من المقرر أن دستور سنة 1971 بنص المادة (175) منه، والمقابلة لنص المادة (192) من الدستور الحالي، بعد أن وسد للمحكمة الدستورية العليا وحدها سلطة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، حرص على أن يفوض السلطة التشريعية في أن تنظم كيفية مباشرة المحكمة الدستورية العليا لرقابتها هذه، دون أن تنال من محتواها، وفي حدود هذا التفويض، صدر قانون المحكمة الدستورية العليا مفصلا القواعد الإجرائية التي تباشر من خلالها، وعلى ضوئها، رقابتها على الشرعية الدستورية، فرسم لاتصال الخصومة الدستورية بها طرائق بذاتها حددتها المادتان (27) و(29) من هذا القانون باعتبار أن ولوجها من الأشكال الجوهرية التي ينبغي اتباعها حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية في إطارها وبمراعاة أحكامها، فلا يتحلل أحد منها
وباستقراء هاتين المادتين يتبين أن أولاهما تخول المحكمة الدستورية العليا أن تعمل بنفسها نظرها في شأن دستورية النصوص القانونية التي تعرض لها بمناسبة ممارسة جميع اختصاصاتها، وذلك بعد اتخاذ الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوى الدستورية، بينما لا تثار دستورية النصوص القانونية، عملا بثانيتهما، إلا من أحد مدخلين: فإما أن تمنح محكمة الموضوع خصما، أثار أمامها دفعا بعدم دستورية نص قانوني لازم للفصل في النزاع المعروض فيها، وبعد تقديرها لجدية مناعيه، أجلا لا يجاوز ثلاثة أشهر يقيم خلالها الدعوى الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، وإما أن تحيل بنفسها إلى المحكمة الدستورية العليا نصوص قانونية يثور لديها شبهة مخالفتها للدستور، ولا يتصور في المنطق السديد، ولوج المحكمة الدستورية العليا أحد المدخلين المنصوص عليهما في المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا، لتمارس اختصاصها المنفرد برقابة دستورية ما يعرض لها من نصوص بمناسبة مباشرة عملها القضائي، ذلك أن علة ما ورد بهذه المادة هو امتناع الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على أي من جهات القضاء خلا المحكمة الدستورية العليا، فكان لزاما، إذا ما عرض لأي من محاكم هذه الجهات، بمناسبة مباشرتها لعملها، شبهة عدم دستورية نص قانوني، أن تسعى لاستنهاض ولاية المحكمة الدستورية العليا؛ إما إحالة وإما تصريحا للخصوم بإقامة الدعوى الدستورية، ثم توقف، من بعد، الدعوى المعروضة عليها، حتى يأتيها قول المحكمة الدستورية العليا الفصل في شأن ما ارتأته من مظنة عدم الدستورية، وهو ما لا يسوغ القول به في شأن المحكمة الدستورية العليا، إذ تملك ممارسة اختصاصاتها بالرقابة الدستورية مباشرة أثناء نظرها أي من الدعاوى المعروضة عليها، لتفصل في دستورية ما عرض لها من نصوص وفي موضوع الدعوى بحكم واحد، ومن ثم؛ تكون رخصة التصدي هي الوسيلة الوحيدة لممارسة المحكمة الدستورية العليا اختصاصها بالفصل في دستورية النصوص التي تعرض لها أثناء نظرها للدعاوى المعروضة عليها، وينحل الدفع المبدى بعدم الدستورية في الدعوى المعروضة، في حقيقته، طلبا من الخصوم يتغيا حث المحكمة الدستورية العليا على استعمال رخصة التصدي، المخولة لها بمقتضى المادة (27) من قانونها، في شأن قرار وزير الخارجية رقم 26 لسنة 2017، وما أرفق به من وثائق قانونية، وعلى رأسها اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين حكومتي جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية
وحيث إن إعمال المحكمة الدستورية العليا الرخصة المقررة لها بمقتضى نص المادة (27) من قانونها، منوط بأن يكون النص الذي يرد عليه التصدي متصلا بالنزاع المطروح عليها، وترتبط ممارسة هذه الرخصة في مجال الفصل في تناقض الأحكام - المقرر لهذه المحكمة طبقا لنص البند "ثالثا" من المادة (25) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - بطبيعة ذلك الاختصاص، القائم حسمه على قواعد الاختصاص الولائي، والنصوص الحاكمة له، والتي يتحدد بها إطار ممارسة هذه الرخصة في هذا الشأن، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى عدم الاعتداد بالحكمين المشار إليهما، وذلك إعمالا لنص المادة (11) من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972، التي تضمنت قاعدة آمرة، بمقتضاها لا تختص محاكم مجلس الدولة بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة، والمادة (190) من الدستور، التي جعلت مجلس الدولة هو صاحب الاختصاص، دون غيره، بالفصل في منازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه - على النحو سالف البيان - وبالتالي لا يكون هناك مسوغ لإعمال سلطتها في التصدي
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة بعدم الاعتداد بكل من الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 21/ 6/ 2016 في الدعويين رقمي 43709، 43866 لسنة 70 "قضائية" المؤيد بالحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا "دائرة فحص الطعون" بجلسة 16/ 1/ 2017 في الطعن رقم 74236 لسنة 62 "قضائية عليا"، والحكم الصادر من محكمة مستعجل جنوب القاهرة بجلسة 2/ 4/ 2017 في الدعوى رقم 121 لسنة 2017 "مستعجل القاهرة" المؤيد بالحكم الصادر من محكمة جنوب القاهرة بجلسة 28/ 5/ 2017 في الاستئناف رقم 157 لسنة 2017 "مستأنف تنفيذ موضوعي جنوب القاهرة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق