جلسة 3 من مارس سنة 1996
برئاسة السيد المستشار/ مقبل شاكر نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ طلعت الإكيابى ومحمد عبد الواحد وعادل الشوربجي نواب رئيس المحكمة ورضا القاضي.
-----------------
(45)
الطعن رقم 6225 لسنة 64 القضائية
(1) قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
قصد القتل. أمر خفي. إدراكه بالظروف المحيطة. استخلاصه. موضوعي.
(2) قتل عمد. ظروف مشددة. سبق إصرار. ترصد. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
البحث في توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد. موضوعي.
(3) قتل عمد. سبق إصرار. ترصد. عقوبة "العقوبة المبررة". نقض "المصلحة في الطعن".
انعدام مصلحة الطاعنين في النعي على الحكم بشأن ظرفي سبق الإصرار والترصد. ما دامت العقوبة الموقعة على كل منهم تدخل في الحدود المقررة للقتل العمد مجرد من أي ظروف مشددة.
(4) جريمة "أركانها". باعث. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الباعث ليس ركناً من أركان الجريمة. الخطأ فيه أو ابتناؤه على الظن أو إغفاله جملة. لا يعيب الحكم.
(5) إثبات "شهود" حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
إحالة الحكم في إيراد أقوال شاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر. لا يعيبه. ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
(6) قتل عمد. إثبات "بوجه عام". "قرائن". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لا جناح على الحكم إن استند على الأسلحة المضبوطة. كقرينة معززة ومؤيدة للأدلة الأخرى التي أوردها. ما دام أنه لم يتخذ منها دليلاً أساسياً في ثبوت الاتهام قبل الطاعنين.
(7) إثبات "بوجه عام". "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه. طالما أن له مأخذه الصحيح من الأوراق.
وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم. موضوعي.
أخذ المحكمة بأقوال الشهود. مفاده؟
حق المحكمة أن تأخذ بقول الشاهد في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة. متى اطمأنت إليه. وأن تلتفت عما عداه. دون بيان العلة أو موضع الدليل في أوراق الدعوى. ما دام له أصل ثابت فيها.
(8) إثبات "شهود" "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
(9) شهادة زور. جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
اطمئنان المحكمة إلى مغايرة شهادة الطاعنين الحق وتأييد الباطل بعد حلف اليمين. بقصد تضليل القضاء ومحاباة المتهمين. والتصميم عليها حتى نهاية الجلسة. بيان كاف وسائغ لجريمة شهادة الزور.
(10) شهادة زور. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "المصلحة في الطعن" "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
توجيه المحكمة تهمة شهادة الزور إلى الطاعنين بالجلسة التي استمعت فيها إلى شهادتهما في حضورهما. لا إخلال بحق الدفاع.
انتفاء مصلحة الطاعنين في النعي على الحكم بخصوص عدم إدانة شاهدة أخرى.
2 - من المقرر أن البحث في توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج.
3 - من المقرر أن لا مصلحة للطاعنين في النعي على الحكم بشأن ظرفي سبق الإصرار والترصد لأن العقوبة المقضى بها على كل منهم - وهي الأشغال الشاقة المؤبدة - تدخل في الحدود المقررة لجناية القتل العمد مجرد من أي ظرف من الظروف المشددة.
4 - من المقرر أن الباعث على الجرائم ليس ركناً فيها ومن ثم فلا يقدح في سلامة الحكم الخطأ فيه أو ابتناؤه على الظن أو إغفاله جملة.
5 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في إيراد أقوال شاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
6 - لما كانت المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصيلة على الأسلحة المضبوطة وإنما استندت إليها كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها، فإنه لا جناح على الحكم إن عول على تلك القرينة تأييداً وتعزيزاً للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ما دام أنه لم يتخذ من الأسلحة المضبوطة دليلاً أساسياً في ثبوت الاتهام قبل الطاعنين.
7 - لما كان لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت كل الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها - وللمحكمة أن تأخذ بقول الشاهد في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة متى اطمأنت إليه وأن تلتفت عما عداه دون أن تبين العلة أو موضع الدليل في أوراق الدعوى ما دام له أصل ثابت فيها.
8 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تتطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني مع الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
9 - لما كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر شهادة الطاعنين بالجلسة شهادة كاذبة قصداً منها إفلات المتهمين في الجناية من العقاب، وصمما على شهادتهما هذه حتى نهاية الجلسة، وكذلك المحكمة قد اطمأنت إلى مغايرتهما الحق وتأييد الباطل بعد حلف اليمين وذلك بقصد تضليل القضاء ومحاباة المتهمين، فإن الحكم يكون قد حصل جريمة شهادة الزور التي دان الطاعنين بها وأورد في شأنها بياناً كافياً سائغاً.
10 - لما كان الثابت من محضر جلسة المحكمة التي استمعت فيها المحكمة إلى شهادة الطاعنين في الدعوى أن المحكمة وجهت إلى كل منهما بالجلسة في حضوره تهمة شهادة الزور أمام القضاء - على خلاف ما يدعيه الطاعنان في طعنهما - مما يبرئ الحكم من قالة الإخلال بحق الدفاع. لما كان ذلك، وكان لا مصلحة للطاعنين فيما يثيراه بشأن عدم إدانة شاهدة أخرى فإن منعاهما في هذا الصدد يكون غير مقبول.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين الأربعة الأول وآخر بأنهم: أولاً: قتلوا عمداً مع سبق الإصرار والترصد المجني عليه..... بأن عقدوا العزم وبيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك أسلحة نارية وبيضاء (أفرد، بنادق، سنجة) وترصدوه في الطريق الذي أيقنوا مروره فيه في مثل ذلك الوقت من النهار وما أن ظفروا به أطلقوا عليه عدة طلقات نارية وتعدى عليه الرابع بسلاح حاد قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ثانياً: شرعوا في قتل المجني عليهما...... و.... بأن عقدوا العزم وبيتوا النية على قتل المجني عليه......... فأطلق الأول أعيرة نارية من سلاحه سالف الذكر عليه قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا بالمجني عليهما الإصابات الموصوفة بتقرير الطب الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه هو مداركتهما بالعلاج. ثالثاً: المتهمون من الأول إلى الثالث: ( أ ) أحرزوا بغير ترخيص أسلحة نارية غير مششخنة (أفرد وبنادق). (ب) أحرزوا ذخائر نارية مما تستعمل في الأسلحة النارية سالفة الذكر دون أن يكون مرخصاً لهم بحيازة أو إحراز سلاحها. رابعاً: المتهم الرابع: أحرز بغير ترخيص سلاحاً أبيضاً (سنجة) دون ضرورة شخصية بذلك. وأحالتهم إلى محكمة جنايات المنيا لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً المواد 41/ 1، 46، 230، 231، 232 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 6، 25 مكرراً، 26/ 1 - 5، 30 - من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981 والجدول رقم (2) الملحق بالقانون الأول والبند الحادي عشر من الجدول رقم (1) الملحق بالقانون 97 لسنة 1992 والمادتين 17، 32 من قانون العقوبات بمعاقبتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة ومصادرة المضبوطات وقضت عملاً بنص المادة 294 عقوبات بمعاقبة كلاً من..... و...... بالحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنوات عن شهادتهما زوراً.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض........ إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعنين الأربعة الأول هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانهم بجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والشروع في القتل، وإحراز أسلحة نارية غير مششخنة، وذخيرتها، وسلاح أبيض بغير ترخيص قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد والتناقض. ذلك بأن الحكم لم يدلل على ما أورده في مدوناته من وجود خصومة ثأرية سابقة بين عائلتي الطاعنين والمجني عليه القتيل، كما لم يدلل تدليلاً سائغاً على توافر نية القتل وظرفي سبق الإصرار والترصد في حق الطاعنين، كما أحال في بيان أقوال الشاهدة..... إلى ما شهدت به........ بتحقيقات النيابة العامة، وفي بيان أقوال الشاهد....... إلى ما شهد به...... بتلك التحقيقات، رغم اختلاف أقوال كل من هؤلاء الشهود، وأورد عن أقوال الشاهدتين سالفتي الذكر بجلسة المحاكمة أنهما شهدا بمثل ما شهدا به بتحقيقات النيابة العامة رغم اختلاف روايتهما في المرحلتين، ولم يبين مضمون شهادة النقيب..... ومحضره بشأن الأسلحة المضبوطة، ورغم أن الشهود...... و..... و..... نفوا بجلسة المحاكمة صدق شهادتهم بالتحقيقات وقرروا أنها كانت نتيجة إكراه وإيعاز من رجال الشرطة، وتمسك الطاعنون بعدم صحة أقوال الشهود بتحقيقات النيابة العامة، إلا أن الحكم رد على هذا الدفع رداً غير سائغ، هذا إلى أن المدافع عن الطاعنين تمسك في دفاعه بتناقض الدليلين القولي والفني، إلا أن الحكم أطرح هذا الدفاع بما لا يسوغ به إطراحه، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والشروع في القتل، وإحراز أسلحة نارية مششخنة، وذخيرتها، وسلاح أبيض بغير ترخيص التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، وهي مستمدة من أقوال شهود الإثبات..... و..... و........ و...... و..... بتحقيقات النيابة العامة، ومن التقارير الطبية الشرعية ومعاينة النيابة العامة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على توافر نية القتل وظرفي سبق الإصرار والترصد في حق الطاعنين في قوله "حيث إنه عن نية القتل والشروع فيه فقد توافرت في حق المتهمين إذ أن نيتهم قد انصرفت إلى إزهاق روح المجني عليه..... من الضغينة الثأرية السابقة ومن إعدادهم بندقيتين وفردين وسنجة وهي أسلحة قاتلة بطبيعتها وتوجيه أعيرتهم وضرباتهم إليه في مواضع قاتلة من جسده الرأس والوجه والرقبة والصدر ومن بشاعة ومقدار إصاباته على النحو الذي فصله تقرير الصفة التشريحية وعدم تركهم مكان الحادث إلا بعد أن أعملوا فيه كافة أسلحتهم وإجهازهم عليه رغم محاولته الفرار وقد ساهم كل منهم في تنفيذ الجريمة حتى أزُهقت روحه وذلك يكشف بيقين عن ثبوت نية القتل لديهم ومتى كانوا قد انتووا القتل وتعمدوه فإنهم جميعاً يكونوا مسئولين جنائياً عن الشروع في قتل المجني عليهما..... و..... صاحبي الدار التي اقتحموها وراء المجني عليه وإصابتهما بطلقات أعيرتهم التي أطلقوها تنفيذاً لقصدهم المشترك الذي بيتوا النية عليه، وأنه عن سبق الإصرار فمتوافر من الضغينة الكامنة في نفوسهم من جراء الخصومة الثأرية القائمة بينهم وبين المجني عليه ومن إعدادهم السلاح اللازم في تنفيذها وتحينهم للزمان والمكان بما يقطع بأنهم فكروا وصمموا وترووا قبل مقارفتهم جريمتهم، وأنه عن الترصد فثابت من تربصهم وترقبهم للمجني عليه في الطريق الذي توقعوا مروره فيه بعد خروجه من المسجد عائداً إلى بيته ليتوصلوا بذلك من الاعتداء عليه". ولما كان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، ومن ثم فإن استخلاص نية القتل من عناصر الدعوى موكول إلى محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية ما دام تدليلها على توافرها كافياً. كما أنه من المقرر أن البحث في توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج، وإذ كان ما ساقه الحكم مما سلف سائغاً ويتحقق به توافر نية القتل وظرفي سبق الإصرار والترصد حسبما هم معرفون به في القانون، فضلاً عن أنه لا مصلحة للطاعنين في النعي على الحكم بشأن ظرفي سبق الإصرار والترصد لأن العقوبة المقضى بها على كل منهم - وهي الأشغال الشاقة المؤبدة - تدخل في الحدود المقررة لجناية القتل العمد مجرد من أي ظرف من الظروف المشددة، وكان ما يثيره الطاعنون في شأن الخصومة الثأرية السابقة لا يعيب الحكم لما هو من مقرر من أن الباعث على الجرائم ليس ركناً فيها ومن ثم فلا يقدح في سلامة الحكم الخطأ فيه أو ابتناؤه على الظن أو إغفاله جملة، ومن ثم فإن النعي على الحكم في شأن ما تقدم يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في إيراد أقوال شاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، فإنه لا ضير على الحكم إذ أحال في بيان مؤدى شهادة.... إلى ما أورده من أقوال الشاهدة.....، وفي بيان مؤدى شهادة ...... إلى ما أورده من أقوال الشاهد.....، بتحقيقات النيابة العامة، ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم من أن...... و.... شهدتا بجلسة المحاكمة بمضمون ما قررتاه بالتحقيقات له أصل ثابت في الأوراق - على ما يبين من مطالعة أقوالهما بمحضر جلسة المحاكمة، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد بدعوى الخطأ في الإسناد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم بعد أن استعرض أدلة الدعوى أورد عن الأسلحة المضبوطة قوله "وقد تعززت هذه الأدلة بضبط الأسلحة المستعملة في ارتكاب الحادث بمعرفة النقيب.... الذي أرشده المتهمون إلى مكان إخفائها والتي ثبت من التقرير الطبي الشرعي جواز حدوث إصابات المجني عليهم من مثلها". وإذ كان الثابت من مدونات الحكم أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على الأسلحة المضبوطة وإنما استندت إليها كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها، فإنه لا جناح على الحكم إن عول على تلك القرينة تأييداً وتعزيزاً للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ما دام أنه لم يتخذ من الأسلحة المضبوطة دليلاً أساسياً في ثبوت الاتهام قبل الطاعنين، ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد في غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما تمسك به الطاعنون من أن أقوال الشهود بالتحقيقات ملفقة بمعرفة الشرطة وأنه عدلوا عن أقوالهم بجلسة المحاكمة ورد عليه بقوله "إن المحكمة تطمئن إلى أقوال الشهود بتحقيقات النيابة العامة خاصة وأن النيابة لم تلحظ ثمة ما يشير إلى إكراه وقع على أي منهم وهو يدلي بشهادته وأقواله أمامها، وعدم تأثر إرادته بأي مؤثر خارجي، ومن ثم تلتفت المحكمة عما حاوله شهود الإثبات أمامها من قلب للحقائق أو إخفائها ومغايرتهم للحق وتأييد الباطل بعد حلف اليمين، وتطرح كل الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بأقوالهم التي حملتها تحقيقات النيابة العامة". وإذ كان هذا الذي ساقه الحكم في اطمئنانه لأقوال شهود الإثبات بتحقيقات النيابة العامة التي عول عليها سائغاً، وكان لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت كل الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وللمحكمة أن تأخذ بقول الشاهد في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة متى اطمأنت إليه وأن تلتفت عما عداه دون أن تبين العلة أو موضع الدليل في أوراق الدعوى ما دام له أصل ثابت فيها - وهو ما لا يجادل فيه الطاعنون، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في شأن القوة التدليلية لأقوال الشهود بتحقيقات النيابة العامة يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما أثاره الطاعنون بدعوى تناقض الدليلين القولي والفني وأطرحه في قوله "إن ما أثاره الدفاع بأن هناك تناقض بين الدليل القولي والفني لأن إصابة العين اليسرى النافذة إلى المخ لا يمكن للمجني عليه معها الحركة ولو لأمتار بدخول منزل المجني عليهما الآخرين للاحتماء فيه لأنها تحدث وفاته فوراً أو بعد لحظة من حدوثها - لا سند له، إذ أن الأوراق قد خلت من شاهد يقطع بأن إصابة العين اليسرى للمجني عليه كانت هي أولى إصاباته، وما ورد ذلك إلا في تحريات الشرطة التي التفتت عنها المحكمة ولم تعول عليها في هذا الشأن، ويؤيد ذلك تعدد إصابات المجني عليه ووجود أربع إصابات منها من مسافات بعيدة والأخرى من مسافات قريبة، الأمر الذي تطمئن معه المحكمة إلى ما قرره الطبيب الشرعي الذي أجرى التشريح من أن الأرجح لديه أن الإصابات البعيدة هي التي أصابت المجني عليه أولاً وأن باقي إصاباته القريبة إنما كانت بعد أن تمكنوا منه ووقع في قبضة أيديهم، ومن ثم تلتفت المحكمة عما أثاره الدفاع في هذا الشأن". ولما كان من المقرر أنه ليس بلازم أن تتطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني مع الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، ومن ثم فإن قالة التناقض بين أقوال الشهود وبين الدليل الفني تكون منتفية، ويضحى تعييب الحكم في هذا الصدد في غير محله. لما كان ما تقدم، فإن هذا الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن الطاعنين الخامس والسادس ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة الشهادة الزور قد شابه القصور في التسبيب، والإخلال بحق الدفاع، والفساد في الاستدلال، ذلك بأن الحكم لم يدلل على توافر أركان جريمة الشهادة الزور في حقهما، لأن روايتهما بمحضر جلسة المحاكمة هي الرواية الصحيحة، كما أن المحكمة لم تنبه كل منهما إلى تهمة شهادة الزور، ولم تعاقب الشاهدة.... مثل الطاعنين بجريمة الشهادة الزور، مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن استعرض أقوال الطاعنين بتحقيقات النيابة من رؤيتهما للمتهمين يرتكبون الحادث، وما شهدا به بجلسة المحاكمة بعد تحليفهما اليمين القانونية وأصرا عليه لحين قفل باب المرافعة في الدعوى من أنهما لم يشاهدا الحادث، وما قرراه أمام المحكمة من أن أقوالهما بتحقيقات النيابة العامة غير صحيحة وأنها نتيجة إيعاز من الشرطة، فند أقوالهما بتحقيقات النيابة العامة والتي تأيدت بأقوال باقي الشهود بتلك التحقيقات وماديات الدعوى، وأبدى اطمئنانه إلى صحتها وخلوها من أية عيوب للقرائن التي ساقها في معرض رده على دفاع المتهمين - على ما سلف بيانه، وخلص الحكم إلى إدانة الطاعنين بجريمة الشهادة الزور التي وجهتها إليهما المحكمة بجلسة المحاكمة في قوله "وحيث إنه عن جريمة شهادة الزور، ولما كان الشاهدان...... و..... قد تعمدا تغيير الحقيقة في وقائع شهادتهما بإنكار الحق وتأييد الباطل بقصد تضليل القضاء وكان من شأن شهادتهما أمام المحكمة أن تسبب ضرراً بتبرئة مجرم وتؤثر في الحكم لصالح المتهمين، ولم يعدلا عن أقوالهما الكاذبة بجلسة المحاكمة حتى أقفل باب المرافعة في الدعوى، فيكونا قد ارتكبا جريمة شهادة الزور الأمر المعاقب عليه بمقتضى المادة 294 عقوبات، مما يتعين أخذهما بمقتضاها مع إلزامهما المصاريف الجنائية عملاً بالمادة 313 من قانون الإجراءات الجنائية". ولما كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر شهادة الطاعنين بالجلسة شهادة كاذبة قصداً منها إفلات المتهمين في الجناية من العقاب، وصمما على شهادتهما هذه حتى نهاية الجلسة، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى مغايرتهما الحق وتأييد الباطل بعد حلف اليمين وذلك بقصد تضليل القضاء ومحاباة المتهمين، فإن الحكم يكون قد حصل جريمة شهادة الزور التي دان الطاعنين بها وأورد في شأنها بياناً كافياً سائغاً. لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة التي استمعت فيها المحكمة إلى شهادة الطاعنين في الدعوى أن المحكمة وجهت إلى كل منهما بالجلسة في حضوره تهمة شهادة الزور أمام القضاء - على خلاف ما يدعيه الطاعنان في طعنهما - مما يبرئ الحكم من قالة الإخلال بحق الدفاع. لما كان ذلك، وكان لا مصلحة للطاعنين فيما يثيراه بشأن عدم إدانة شاهدة أخرى فإن منعاهما في هذا الصدد يكون غير مقبول. لما كان ما تقدم، فإن هذا الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق