جلسة 15 من مايو سنة 1997
برئاسة السيد المستشار/ محمد يحيى رشدان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مجدي الجندي وحسين الشافعي ووفيق الدهشان ومحمود شريف فهمي نواب رئيس المحكمة.
----------------
(85)
الطعن رقم 20889 لسنة 62 القضائية
(1) "زنا". قانون "تفسيره". اشتراك.
مفاد نص المادة 276 عقوبات في إدانة شريك الزوجة الزانية.
(2) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
الأدلة في جريمة الزنا قبل شريك المرأة الزانية المنصوص عليها في المادة 276 عقوبات. ماهيتها.
اشتراط كون الأدلة في جريمة الزنا مؤدية بالذات ومباشرة إلى ثبوت الزنا. غير لازم. كفاية أي دليل فيها يستمد منه القاضي اقتناعه بأن الزنا قد وقع فعلاً. للمحكمة استكمال الدليل. اهتداء بالعقل والمنطق.
(3) زنا. تلبس. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
التلبس بجريمة الزنا. مناط تحققه.
مثال.
(4) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تأخر المجني عليه في الإبلاغ. لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله متى اطمأنت إليها.
(5) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
لمحكمة الموضوع تكوين عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة الدعوى وعناصرها.
خصومة الشاهد للمتهم. لا تمنع من الأخذ بشهادته.
الأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى. جائز. متى اطمأنت إليها المحكمة ولو كان بينه وبين المتهم خصومة أو خالفت قولاً آخر له أبداه في مرحلة أخرى.
(6) إثبات "شهود". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله مع أقوال غيره. لا يعيب الحكم. ما دام استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
(7) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود. موضوعي.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(8) استدلالات. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير جدية التحريات".
تقدير جدية التحريات. موضوعي.
للمحكمة التعويل على تحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة.
(9) إثبات "شهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
طلب سماع شهود النفي. موضوعي. وجوب أن يكون ظاهر التعلق بموضوع الدعوى ولازماً للفصل في ذات الموضوع. التفات المحكمة عن إجابته. مفاده.
(10) إجراءات "إجراءات التحقيق". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم.
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي حاجة لإجرائه. غير جائز.
مثال.
(11) محكمة الموضوع "سلطتها". دفوع "الدفع بعدم الدستورية". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
لمحكمة الموضوع تقدير جدية الدفع بعدم الدستورية. لها مطلق التقدير في وقف نظر الدعوى المنظورة أمامها وتحديد ميعاد لرفع الدعوى بعدم الدستورية. أساس ذلك.
(12) دستور. شريعة إسلامية "تطبيقها".
نص المادة الثانية من الدستور أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. مؤداه.
أحكام الشريعة الإسلامية. مجال إعمالها؟
2 - إنه إذ كان القانون في المادة 276 من قانون العقوبات بتحديده الأدلة التي لا يقبل الإثبات بغيرها على الرجل الذي يزني مع المرأة المتزوجة لا يشترط أن تكون هذه الأدلة مؤدية بذاتها فوراً ومباشرة إلى ثبوت فعل الزنا فمتى توافر قيام دليل من هذه الأدلة المعينة - كالتلبس - يصح للقاضي أن يعتمد عليه في ثبوت الزنا ولو لم يكن صريحاً في الدلالة عليه ومنصباً على حصوله متى اطمأن بناء عليه إلى أن الزنا قد وقع فعلاً، وفي هذه الحالة لا تقبل مناقشة القاضي فيما انتهى إليه على هذه الصورة إلا إذا كان الدليل الذي اعتمد عليه ليس من شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي وصل إليها ذلك لأنه بمقتضى القواعد العامة لا يجب أن يكون الدليل الذي ينبني الحكم عليه مباشراً، بل للمحكمة - وهذا من أخص خصائص وظيفتها التي أنشئت من أجلها - أن تكمل الدليل مستعينة بالعقل والمنطق وتستخلص منه ما ترى أنه لابد مؤد إليه.
3 - من المقرر أنه إذ كانت المادة 276 من قانون العقوبات قد نصت على التلبس بفعل الزنا كدليل من أدلة الإثبات على المتهم بالزنا مع المرأة المتزوجة لم تقصد التلبس الحقيقي، كما عرفته المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية فلم تشترط فيه أن يكون المتهم قد شوهد حال ارتكابه الزنا بالفعل بل يكفي أن يكون قد شوهد في ظروف لا تترك عند قاضي الدعوى مجالاً للشك في أنه ارتكب فعل الزنا وإثبات هذه الحالة غير خاضع لشروط وأوضاع خاصة. وذلك لأن الغرض من المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية غير الغرض الملحوظ في المادة 276 من قانون العقوبات إذ المقصود من الأولى بيان الحالات الاستثنائية التي يخول فيها لمأموري الضبط القضائي مباشرة أعمال التحقيق، أما الثانية فالمقصود منها لا يعتمد في إثبات الزنا إلا على ما كان من الأدلة ذا مدلول قريب من ذات الفعل. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى تلبس الطاعن بالزنا من وجوده بمنور شقة الزوجية الذي يتصل مباشرة بغرفة النوم بينما كانت الزوجة ترتدي قميص نومها العادي وباب الشقة الخارجي موصد عليها من الداخل ولدى فتحها له بعد مضي فترة من الوقت من طرق الزوج المجني عليه له كانت وشريكها الطاعن في حالة ارتباك وخوف، وكانت تلك الوقائع التي استظهرت منها المحكمة توافر حالة التلبس ووقوع فعل الزنا كافية بالفعل وصالحة لأن يفهم منها هذا المعنى ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها فلا محل لما يثيره الطاعن في هذا الشأن لأنه تقدير ذلك كله مما يملكه قاضي الموضوع ولا وجه للطعن عليه فيه ومجادلته في ذلك لا يكون لها من معنى سوى فتح باب المناقشة في مبلغ قوة الدليل في الإثبات، وهذا غير جائز لتعلقه بصميم الموضوع.
4 - تأخر المجني عليه في الإبلاغ عن الحادث لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله ما دامت قد أفصحت عن اطمئنانها إلى شهادته وأنها كانت على بينة بالظروف التي أحاطت بها.
5 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع في المواد الجنائية كامل الحرية في تكوين عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر الدعوى ما دام له أصل ثابت في أوراقها، ولها في سبيل ذلك أن تأخذ بقول الشاهد ولو كان بينه وبين المتهم خصومة قائمة، كما تأخذ بقوله في أي مرحلة من مراحل الدعوى متى اطمأنت إليه ولو خالف قولاً آخر له أبداه في مرحلة أخرى.
6 - من المقرر أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً بما لا تناقض فيه.
7 - إن وزن أقوال الشهود وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع، ومن ثم فإن منازعة الطاعن في تعويل المحكمة على الدليل المستمد منها لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل لا يجوز معه إثارته أمام محكمة النقض.
8 - إن تقدير جدية التحريات من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر لمحكمة الموضوع، وأن للمحكمة متى اقتنعت بسلامة هذه التحريات وصحتها أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بها باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة.
9 - إن طلب سماع شهود نفي هو دفاع موضوعي يجب كسائر الدفوع الموضوعية أن يكون ظاهر التعلق بموضوع الدعوى بمعنى أن يكون الفصل فيه لازماً للفصل في الموضوع ذاته، وإلا فالمحكمة تكون في حل من الاستجابة إليه، كما أنها ليست ملزمة بالرد عليه صراحة في حكمها، ويكون الفصل في الدعوى دون الاستجابة إليه مفاده أنها أطرحته ولم تر أنه ظاهر التعلق بالموضوع أو لازماً الفصل فيه.
10 - لما كان ما يثيره الطاعن في خصوص قعود النيابة عن معاينة مسكن المجني عليه وعرض الزوجة على الطب الشرعي وسؤال محرر محضر التحريات ومالك ماكينة التريكون، لا يعدو - في مجموعه - أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، وكان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن قد طلب إلى المحكمة تدارك هذا النقص فليس له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها ولم تر هي حاجة إلى إجرائه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة كما رواها الشاهد وعززتها التحريات.
11 - لما كان دفع الطاعن بعدم دستورية مواد الاتهام لتعارضها مع أحكام الشريعة الإسلامية مردوداً، بأن القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا المعمول به وقت نظر الدعوى نص في المادة 29 منه على أن تتولى هذه المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالي.... (ب) "إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر الدعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدي، أجلت نظر الدعوى وحددت لمن آثار الدفع ميعاداً لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كأن لم يكن". وكان مفاد هذا النص أن محكمة الموضوع وحدها هي الجهة المختصة بتقدير جدية الدفع بعدم الدستورية وأن الأمر بوقف الدعوى المنظورة أمامها وتحديد ميعاد لرفع الدعوى بعدم الدستورية جوازي لها ومتروك لمطلق تقديرها.
12 - لما كان من المقرر أن ما نص عليه الدستور في المادة الثانية من أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ليس واجب الإعمال بذاته وإنما هو دعوة للشارع كي يتخذ الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً فيما يستنه من قوانين، ومن ثم فإن أحكام تلك الشريعة لا تكون واجبة التطبيق بالتعويل على نص الدستور المشار إليه، إلا إذا استجاب الشارع لدعوته وأفرغ هذه الأحكام في نصوص تشريعية محددة ومنضبطة تنقلها إلى مجال العمل والتنفيذ وبالتالي فإنه لا مجال للتحدي بأحكام الشريعة الإسلامية ما دام أن السلطة التشريعية لم تفرغ مبادئها في تشريع وضعي.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وأخرى أنه اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع امرأة متزوجة في ارتكاب جريمة الزنا بأن اتفق معها وساعدها على ارتكابها بأن توجه إليها بمسكنها وهي فيه بقصد ارتكاب جريمة الزنا وطلبت محاكمته بالمواد 40/ ثانياً - ثالثاً، 273، 274، 275، 276، 370 من قانون العقوبات المعدل بالقانون رقم 29 لسنة 1982. وادعى زوج المتهمة الأخرى مدنياً قبل المتهمين بالتضامن أن يؤديا له مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح قسم المطرية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بحسبه سنة مع الشغل وكفالة مائة جنيه لوقف التنفيذ وإلزامهما متضامنين بأن يؤديا للمدعي بالحقوق المدنية مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. استأنف ومحكمة شمال القاهرة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن الأستاذ/...... المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.
المحكمة
من حيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها أورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان قول الطاعن أن وجوده بمنور شقة المجني عليه والذي يتصل مباشرة بغرفة نوم زوجته لا يشكل جريمة الزنا لأن المجني عليه مسيحي الديانة بينما تشترط المادة 276 من قانون العقوبات أن يكون هذا المنزل لرجل مسلم، مردود بأن المادة المشار إليها أوجبت على القاضي أن يستمد اقتناعه في إدانة شريك الزوجة الزانية من أدلة إثبات معينة لم تقف في - هذه المادة - عند الوجود في منزل مسلم في المكان المخصص للحريم فحسب بل تضمنت أدلة أخرى هي التلبس والاعتراف والمكاتيب والأوراق ويكفي أي دليل منها على حده لكي يستمد منه القاضي اقتناعه بالإدانة، وإذ كان القانون في المادة 276 من قانون العقوبات بتحديده الأدلة التي لا يقبل الإثبات بغيرها على الرجل الذي يزني مع المرأة المتزوجة لا يشترط أن تكون هذه الأدلة مؤدية بذاتها فوراً ومباشرة إلى ثبوت فعل الزنا فمتى توافر قيام دليل من هذه الأدلة المعينة - كالتلبس - يصح للقاضي أن يعتمد عليه في ثبوت الزنا ولو لم يكن صريحاً في الدلالة عليه ومنصباً على حصوله متى اطمأن بناء عليه إلى أن الزنا قد وقع فعلاً وفي هذه الحالة لا تقبل مناقشة القاضي فيما انتهى إليه على هذه الصورة إلا إذا كان الدليل الذي اعتمد عليه ليس من شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي وصل إليها ذلك لأنه بمقتضى القواعد العامة لا يجب أن يكون الدليل الذي ينبني الحكم عليه مباشراً، بل للمحكمة - وهذا من أخص خصائص وظيفتها التي أنشئت من أجلها - أن تكمل الدليل مستعينة بالعقل والمنطق وتستخلص منه ما ترى أنه لابد مؤد إليه. وإذ كانت المادة 276 المذكورة قد نصت على التلبس بفعل الزنا كدليل من أدلة الإثبات على المتهم بالزنا مع المرأة المتزوجة لم تقصد التلبس الحقيقي كما عرفته المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية فلم تشترط فيه أن يكون المتهم قد شوهد حال ارتكابه بالزنا بالفعل بل يكفي أن يكون قد شوهد في ظروف لا تترك عند قاضي الدعوى مجالاً للشك في أنه ارتكب فعل الزنا وإثبات هذه الحالة غير خاضع لشروط وأوضاع خاصة، وذلك لأن الغرض من المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية غير الغرض الملحوظ في المادة 276 من قانون العقوبات إذ المقصود من الأولى بيان الحالات الاستثنائية التي يخول فيها لمأموري الضبط القضائي مباشرة أعمال التحقيق، أما الثانية فالمقصود منها لا يعتمد في إثبات الزنا إلا على ما كان من الأدلة ذا مدلول قريب من ذات الفعل. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى تلبس الطاعن بالزنا من وجوده بمنور شقة الزوجية الذي يتصل مباشرة بغرفة النوم بينما كانت الزوجة ترتدي قميص نومها العادي وباب الشقة الخارجي موصد عليها من الداخل ولدى فتحها له بعد مضي فترة من الوقت من طرق الزوج المجني عليه له وكانت وشريكها الطاعن في حالة ارتباك وخوف وكانت تلك الوقائع التي استظهرت منها المحكمة توافر حالة التلبس ووقوع فعل الزنا كافية بالفعل وصالحة لأن يفهم منها هذا المعنى ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها فلا محل لما يثيره الطاعن في هذا الشأن لأنه تقدير ذلك كله مما يملكه قاضي الموضوع ولا وجه للطعن عليه فيه ومجادلته في ذلك لا يكون لها من معنى سوى فتح باب المناقشة في مبلغ قوة الدليل في الإثبات، وهذا غير جائز لتعلقه بصميم الموضوع. لما كان ذلك، وكان تأخر المجني عليه في الإبلاغ عن الحادث لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله ما دامت قد أفصحت عن اطمئنانها إلى شهادته وأنها كانت على بينة بالظروف التي أحاطت بها، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا المقام لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع في المواد الجنائية كامل الحرية في تكوين عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر الدعوى ما دام له أصل ثابت في أوراقها، ولها في سبيل ذلك أن تأخذ بقول الشاهد ولو كان بينه وبين المتهم خصومة قائمة، كما تأخذ بقوله في أي مرحلة من مراحل الدعوى متى اطمأنت إليه ولو خالف قولاً آخر له أبداه في مرحلة أخرى كما أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً بما لا تناقض فيه - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - إذ أن وزن أقوال الشهود وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع، ومن ثم فإن منازعة الطاعن في تعويل المحكمة على الدليل المستمد منها لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل لا يجوز معه إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان تقدير جدية التحريات من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها لمحكمة الموضوع. وأن للمحكمة متى اقتنعت بسلامة هذه التحريات وصحتها أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بها باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص يكون غير قويم. لما كان ذلك، وكان طلب سماع شهود نفي هو دفاع موضوعي يجب كسائر الدفوع الموضوعية أن يكون ظاهر التعلق بموضوع الدعوى بمعنى أن يكون الفصل فيه لازماً للفصل في الموضوع ذاته، وإلا فالمحكمة تكون في حل من الاستجابة إليه، كما أنها ليست ملزمة بالرد عليه صراحة في حكمها، ويكون الفصل في الدعوى دون الاستجابة إليه مفاده أنها أطرحته ولم تر أنه ظاهر التعلق بالموضوع أو لازماً للفصل فيه - وهو الحال في الدعوى الماثلة - فإن النعي على الحكم بهذا يكون بعيداً عن الصواب. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن في خصوص قعود النيابة عن معاينة مسكن المجني عليه وعرض الزوجة على الطب الشرعي وسؤال محرر محضر التحريات ومالك ماكينة التريكون، لا يعدو - في مجموعه - أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، وكان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن قد طلب إلى المحكمة تدارك هذا النقص فليس له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها ولم تر هي حاجة إلى إجرائه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة كما رواها الشاهد وعززتها التحريات. لما كان ذلك، وكان دفع الطاعن بعدم دستورية مواد الاتهام لتعارضها مع أحكام الشريعة الإسلامية مردوداً بأن القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا المعمول به وقت نظر الدعوى نص في المادة 29 منه على أن تتولى هذه المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالي.... (ب) "إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر الدعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدي، أجلت نظر الدعوى وحددت لمن آثار الدفع ميعاداً لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كأن لم يكن". وكان مفاد هذا النص أن محكمة الموضوع وحدها هي الجهة المختصة بتقدير جدية الدفع بعدم الدستورية وأن الأمر بوقف الدعوى المنظورة أمامها وتحديد ميعاد لرفع الدعوى بعدم الدستورية جوازي لها ومتروك لمطلق تقديرها، فضلاً عن أن ما نص عليه الدستور في المادة الثانية منه أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع وليس واجب الإعمال بذاته وإنما هو دعوة للشارع كي يتخذ الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً فيما يستنه من قوانين، ومن ثم فإن أحكام تلك الشريعة لا تكون واجبة التطبيق بالتعويل على نص الدستور المشار إليه، إلا إذا استجاب الشارع لدعوته وأفرغ هذه الأحكام في نصوص تشريعية محددة ومنضبطة تنقلها إلى مجال العمل والتنفيذ، وبالتالي فإنه لا مجال للتحدي بأحكام الشريعة الإسلامية ما دام أن السلطة التشريعية لم تفرغ مبادئها في تشريع وضعي، وإذ كان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة في حدود سلطتها التقديرية رأت أن دفع الطاعن بعدم الدستورية غير جدي ولا محل لوقف الدعوى المنظورة أمامها لرفع الدعوى بعد الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون على غير سند. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس مفصحاً عن عدم قبوله موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق