باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من يونيه سنة 2024م،
الموافق الثاني من ذي الحجة سنة 1445ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 77 لسنة 28
قضائية "دستورية"
المقامة من
بثينة مسعد تادرس
ضد
1– رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- وزير العدل
4- الممثل القانوني لبنك القاهرة
---------------
الإجراءات
بتاريخ العاشر من مايو سنة 2006، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة – وصحتها الثانية - من المادة الثالثة من القانون رقم 17 لسنة 1999، بإصدار قانون التجارة، المعدل بالقانونين رقمي 150 لسنة 2001 و158 لسنة 2003.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق في أن البنك المدعى عليه الرابع أقام بطريق الادعاء المباشر أمام محكمة جنح ومخالفات الزيتون الجزئية الدعوى رقم 16998 لسنة 2000 جنح، ضد المدعية، طالبًا معاقبتها بموجب نص المادتين (336 و337) من قانون العقوبات، مع إلزامها بالتعويض المؤقت؛ لإصدارها عدد ستة شيكات بنكية لأمر شركة فيكتوري للتوكيلات والتجارة والتصنيع، التي قامت بتظهيرها إليه تظهيرًا تامًّا ناقلًا للملكية، وبتقديم تلك الشيكات إلى البنك المسحوب عليه أفاد بالرجوع على الساحب لعدم كفاية الرصيد. حكمت المحكمة غيابيًّا بمعاقبة المدعية بالحبس ثلاث سنوات مع الشغل وكفالة لوقف التنفيذ، مع إلزامها بالتعويض المدني المؤقت. عارضت المدعية في ذلك الحكم، وقضي برفض المعارضة وتأييد الحكم المعارض فيه؛ فطعنت عليه أمام محكمة جنح مستأنف الزيتون بالاستئناف رقم 7800 لسنة 2002، التي حكمت غيابيًّا بسقوط الحق في الاستئناف؛ فعارضت المدعية – استئنافيًّا - في الحكم. وبجلسة 1/4/2006، دفعت بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة - وصحتها الثانية - من المادة الثالثة من القانون رقم 17 لسنة 1999 بإصدار قانون التجارة، المعدل بالقانونين رقمي 150 لسنة 2001 و158 لسنة 2003. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية؛ فأقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 1999 بإصدار قانون
التجارة تنص على أن " يلغى قانون التجارة الصادر بالأمر العالي في 13 من
نوفمبر سنة 1883، عدا الفصل الأول من الباب الثاني منه والخاص بشركات الأشخاص،
ويستعاض عنه بالقانون المرافق.
ويلغى نص المادة (337) من قانون العقوبات اعتبارًا من أول أكتوبر سنة
2000.
كما يلغى كل حكم يتعارض مع أحكام القانون المرافق ".
وتطبق على الشيك الصادر قبل هذا التاريخ الأحكام
القانونية المعمول بها في تاريخ إصداره، إذا كان ثابت التاريخ أو تم إثبات تاريخه
قبل أول أكتوبر سنة 2001.
ويكون إثبات تاريخ الشيك المشار إليه لدى أحد مكاتب التوثيق بمصلحة
الشهر العقاري، بلا رسوم، أو بقيده في سجلات خاصة لدى أحد البنوك، أو بأية طريقة
أخرى من الطرق المنصوص عليها في المادة (15) من قانون الإثبات في المواد المدنية
والتجارية ".
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية، فلا تفصل في غير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي، ويتحدد مفهوم هذا الشرط باجتماع عنصرين، أولهما: أن يقيم المدعي، وفي الحدود التي اختصم فيها النص المطعون فيه، الدليل على أن ضررًا واقعيًّا، اقتصاديًّا أو غيره قد لحق به، وثانيهما: أن يكون الضرر عائدًا إلى النص المطعون فيه، وليس ضررًا متوهمًا أو منتحلًا أو مجهلًا. كما جرى قضاء هذه المحكمة على أنه لا يكفي توافر شرط المصلحة عند رفع الدعوى الدستورية أو عند إحالتها إليها من محكمة الموضوع، وإنما يتعين أن تظل هذه المصلحة قائمة حتى الفصل فيها، فإذا زالت المصلحة بعد رفع الدعوى وقبل الفصل فيها؛ فلا سبيل للتطرق إلى موضوعها.
وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه إخلاله بالحق في المساواة، بين المتهمين المخاطبين بأحكام قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، وغيرهم من المتهمين المخاطبين بقانون التجارة الملغي، الصادر بالأمر العالي في 13 من نوفمبر سنة 1883، وذلك في شأن الشروط المتعين توافرها لوقوع جريمة إعطاء شيك بغير رصيد قائم وقابل للسحب، وهو ما يشكل غموضًا في نصوص التجريم ويمس أصل البراءة.
وحيث إنه ترتيبًا على ما تقدم، فإن نطاق الدعوى المعروضة يتحدد بنص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 17 لسنة 1999 بإصدار قانون التجارة.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه وإن كان مبدأ عدم رجعية القوانين يقيد السلطة التشريعية، إعمالًا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وصونًا للحرية الشخصية بما يرد كل عدوان عليها، إلا أن هذا المبدأ لا يعمل منفردًا، بل تكمله وتقوم إلى جانبه قاعدة أخرى، هي رجعية القانون الأصلح للمتهم، وهي قاعدة مؤداها إفادته من النصوص التي تمحو عن الفعل صفته الإجرامية، أو تنزل بالعقوبة المفروضة؛ جزاءً على ارتكابه، إلى ما دونها، وهو ما قررته المادة (5) من قانون العقوبات التي تقضي بأن "يعاقَب على الجرائم بمقتضى القوانين المعمول بها وقت ارتكابها، ومع ذلك إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الحكم فيه نهائيًّا، قانون أصلح للمتهم فهو الذي يتبع دون غيره ......". كما أنه ولئن كان الدستور لا يتضمن بين أحكامه مبدأ رجعية القوانين الأصلح للمتهم، إلا أن القاعدة التي يرتكز عليها هذا المبدأ، تفرضها المادة (41) من دستور 1971 وتقابلها المادة (54) من دستور 2014، التي تقرر أن الحرية الشخصية حق طبيعي، وأنها مصونة لا تمس؛ ذلك أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وما اتصل به من عدم جواز تقرير رجعية النصوص العقابية، غايته حماية الحرية الفردية وصونها من العدوان عليها، في إطار من الموازنة بين موجباتها من ناحية، وما يعتبر لازمًا لحماية مصلحة الجماعة والتحوط لنظامها العام من ناحية أخرى، وفي إطار هذه الموازنة وعلى ضوئها، تكون رجعية القوانين الأصلح للمتهم ضرورة حتمية، يقتضيها صون الحرية الفردية، بما يرد عنها كل قيد غدا تقريره مفتقرًا إلى أية مصلحة اجتماعية.
وحيث إن مسألة إرجاء العمل بالأحكام المشار إليها في القانون رقم 17
لسنة 1999 بإصدار قانون التجارة، قد تناولها تعديل هذا القانون بموجب القانونين
رقمي 168 لسنة 2000 و150 لسنة 2001، ثم القانون رقم 158 لسنة 2003 الذي نص في
المادة الأولى منه على أن " تستبدل عبارة " أول أكتوبر سنة 2005 "
بعبارة " أول أكتوبر سنة 2003" الواردة بكل من نص الفقرة الثانية من
المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 1999 بإصدار قانون التجارة، ونص الفقرة
الأولى من المادة الثالثة من ذات القانون.
كما تستبدل عبارة "المادتين (535 و536)"
بعبارة "المادة (536)" الواردة في الفقرة الثانية من المادة الثالثة
المشار إليها، وعبارة "أول أكتوبر سنة 2006" بعبارة "أول أكتوبر
سنة 2004" الواردة بنص الفقرة الثالثة من المادة ذاتها".
وتنص المادة الثانية من ذلك القانون على أن "يُنشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، ويُعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره". وقد نُشر القانون في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 27 بتاريخ 3/7/2003.
وحيث إن مفاد ما تقدم، أنه اعتبارًا من أول أكتوبر سنة 2005 فإن قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999 أضحى نافذًا، بما حواه من أحكام جديدة خاصة بالشيك، لا سيما البيانات التي اشترطت المادة (473) منه توافرها في الورقة لكي تعتبر شيكًا، وكذلك العقوبات التي رصدها القانون لمن يصدر شيكًا ليس له مقابل وفاء قابل للصرف، أو لمن ظهر لغيره شيكًا تظهيرًا ناقلًا للملكية، ويتعين على محكمة الموضوع إنزال حكمه على الواقعة محل الاتهام المسند إلى المدعية، باعتبار أن هذه الأحكام الجديدة تعتبر قانونًا أصلح لها؛ ومن ثم فإنه بزوال العقبة القانونية المتمثلة في تأجيل العمل بأحكام الشيك في قانون التجارة الجديد - على النحو المتقدم بيانه - لم يعد للمدعية مصلحة تُرجى من الفصل في الدعوى الدستورية المعروضة؛ الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم قبولها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق