الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 7 أكتوبر 2022

الطعن 1602 سنة 46 ق جلسة 30 / 5 / 1929 مج عمر ج 1 ق 272 ص 316

جلسة يوم الخميس 30 مايو سنة 1929

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات مسيو سودان وأصحاب العزة محمد لبيب عطية بك وزكى برزي بك وحامد فهمي بك المستشارين.

------------------

(272)
القضية رقم 1602 سنة 46 قضائية 
(الطعن المرفوع من النيابة العامة ضد سيد إبراهيم الشرقاوي)

(أ) بلاغ كاذب. قصد القانون من إقامة الدعوى المشار إليها في المادة 264 ع.
(ب) بلاغ كاذب. واجب قاضي الجنح في تحقيق الأمر المخبر به ولو كان عن جريمة هي جناية.
(جـ) قرار الحفظ في الجنايات. شكله وأوضاعه. استفادته ضمنا من التأشير برفع دعوى البلاغ الكاذب.
(المادة 42 تحقيق)

-------------
1 - المادة 264 عقوبات تنص على أن الإخبار بأمر كاذب يستوجب عقاب المخبر "ولو لم تقم دعوى بما أخبر به".
وإقامة الدعوى في هذه العبارة ليس معناها تقديم الدعوى فعلا لمحكمة الموضوع ولكن معناها اتخاذ الإجراءات القضائية بشأن الأمر المبلغ عنه. فهي تشمل التحقيق الذي تجريه النيابة وإجراءات قاضي الإحالة إن كانت كما تشمل تقديم الدعوى فعلا ونظرها بمعرفة محكمة الموضوع. ومن هذا يعلم أن دعوى البلاغ الكاذب تكون مقبولة حتى ولو لم يحصل أي تحقيق قضائي بشأن الواقعة الحاصل عنها التبليغ.
2 - يجب حتما على قاضى جنحة البلاغ الكاذب أن يستمع لدفاع المتهم وأن يحقق الأمر المخبر به تحقيقا يقتنع هو معه بكذب البلاغ في الواقع أو عدم كذبه. ولا يمنعه من ذلك احترام مبدأ فصل السلطات وأن قاضي الجنح ليس له نظر الجنايات والتقرير بصحة وقائعها أو كذبها. فاذا حكمت محكمة الجنح الاستئنافية بعدم قبول الدعوى العمومية لأن البلاغ الكاذب كان عن جريمة هي جناية لا شأن لقاضي الجنح بها كان حكمها باطلا واجبا نقضه.
3 - لم تشترط الفقرة الأولى من المادة 42 من قانون تحقيق الجنايات لقرارات الحفظ في الجنايات سوى أن تكون صادرة من رئيس النيابة العمومية أو ممن يقوم مقامه. ولم تشترط لها ألفاظا خاصة تؤدّي بها كما لم تشترط أن تكون مسببة. فاذا أشر رئيس النيابة أو القائم مقامه على أوراق تحقيق برفع دعوى البلاغ الكاذب فان معنى هذا هو أنه قد رأى أن التهمة المبلغ عنها فوق كونها غير صحيحة فان المبلغ مستحق للعقاب على كذبه. وهذا يكفى ليعتبر تصرفا في التحقيقات بالحفظ بلا ضرورة لإصدار أمر بالحفظ كتابة.


وقائع الدعوى

اتهمت النيابة العامة هذا المتهم بأنه في يوم 11 فبراير سنة 1928 بقليوب أخبر بأمر كاذب في حق إبراهيم عبد المنعم عمدة ناى وذلك مع سوء القصد بأن ادّعى أنه تستر على حصول جرائم وسرقات ببلدة ناى وطلبت عقابه بالمادتين 262 و264 عقوبات.
ومحكمة جنح قليوب الجزئية بعد أن سمعت الدعوى أصدرت فيها حكما حضوريا بتاريخ 21 نوفمبر سنة 1928 وعملا بالمادتين المذكورتين بحبس المتهم ثلاثة شهور بالشغل بلا مصاريف.
فاستأنف المتهم هذا الحكم في يوم صدوره.
ومحكمة جنح مصر الاستئنافية سمعت الدعوى استئنافيا وقضت فيها حضوريا بتاريخ 9 فبراير سنة 1929 بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وعدم قبول الدعوى العمومية.
فطعن حضرة رئيس نيابة مصر على هذا الحكم بطريق النقض والإبرام في فبراير سنة 1929 وقدم تقريرا ببيان أسباب طعنه في 26 منه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على أوراق الدعوى والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وتلاه بيان الأسباب في الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن أن المحكمة الاستئنافية حكمت بعدم قبول الدعوى العمومية بعلة أن النيابة العمومية بعد أن حققت الأمر المبلغ به لم تتخذ بشأنه قرارا ما، بل تركت الباب فيه مفتوحا وكان الواجب عليها أن تصدر قرارا بحفظ الدعوى حتى يتسنى لها من بعد أن ترفع دعوى البلاغ الكاذب. وبما أنها لم تفعل فدعواها البلاغ الكاذب غير مقبولة. خصوصا وأن البلاغ كان عن جريمة هي جناية ومحكمة الجنح ليس من شأنها تحقيق جرائم الجنايات ومعرفة صحتها من كذبها. وتقول النيابة إن نص القانون لا يقرّ المحكمة على رأيها بل يوجب عليها نظر الدعوى والفصل فيها ما دام توجيه النيابة لها دليلا على اقتناعها بكذب البلاغ ولذلك فهي تطلب نقض الحكم.
وحيث إنه بالاطلاع على الحكم المطعون فيه وجد أن المحكمة حقيقة قد قضت بعدم قبول الدعوى للعلة الواردة بالطعن.
وحيث إن مذهب ذلك الحكم كانت له وجاهته قبل إلغاء المادة 280 من قانون العقوبات القديم. أما من بعد إلغائها واستعاضتها بالمادة 264 فلم يعد ممكنا الجري عليه إذ المادة الجديدة تنص صراحة على أن الإخبار بأمر كاذب يستوجب عقاب المخبر "ولو لم تقم دعوى بما أخبر به". وإقامة الدعوى في هذه العبارة الأخيرة ليس معناها تقديم الدعوى فعلا لمحكمة الموضوع المختصة بالفصل فيه بالعقاب أو التبرئة ولكن معناها اتخاذ الإجراءات القضائية بشأن الأمر المبلغ عنه. فهي تشمل التحقيق الذي تجريه النيابة العمومية مباشرة أو بواسطة من تنتدبهم من أعضاء الضبطية القضائية ثم إجراءات قاضى الإحالة إن كانت كما تشمل تقديم الدعوى فعلا ونظرها بمعرفة محكمة الموضوع وذلك بدليل النص الفرنسي للعبارة وهو:
"et même si le fait denoncé n’aété l’objet d’aucune poursuite judiciaire"
أي ولو لم يتخذ أي إجراء قضائي بشأن الأمر المبلغ به. إذا تقرر هذا علم أن دعوى البلاغ الكاذب تكون مقبولة حتى ولو لم يحصل أي تحقيق قضائي بشأن الواقعة الحاصل عنها التبليغ.
وحيث إن المحكمة تقول إن التحقيق قد حصل فعلا ولكن النيابة لم تتصرف فيه بل تركت الباب مفتوحا وكان عليها أن تصدر قرارا بالكتابة تبدى فيه رأيها في التهمة المبلغ عنها سواء بالحفظ أو بعدمه وإن اكتفاءها برفع دعوى البلاغ الكاذب لا يغنى عن إصدار قرار الحفظ كتابة لما أن قرارات النيابة ينبغي أن تكون صريحة لا ضمنية.
وحيث إنه حتى مع مجاراة المحكمة على رأيها هذا فان نتيجته لا تكون عدم قبول دعوى البلاغ الكاذب كما فعلت بل كل ما قد ينتجه هو مجرّد إيقاف دعوى البلاغ الكاذب حتى تصحح النيابة إجراءاتها لو فرض وكانت تقتضى تصحيحا.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 42 من قانون تحقيق الجنايات لم تشترط لقرارات الحفظ في الجنايات سوى أن تكون صادرة من رئيس النيابة العمومية أو ممن يقوم مقامه ولم تشترط لها ألفاظا خاصة تؤدّى بها كما لم تشترط أن تكون مسببة كما تسبب الأحكام، بل يكفى فيها مجرّد قول صاحب السلطة إنه يأمر بالحفظ "لعدم صحة التهمة" أو "لعدم كفاية الأدلة أو لعدم الجناية" وما أشبه ذلك من العبارات البسيطة الموجزة.
وحيث إن الظاهر من طعن النيابة أن الذي أشر على الأوراق برفع دعوى البلاغ هو النائب الذي يقوم مقام رئيس النيابة في إصدار قرار الحفظ. وتأشيره برفع دعوى البلاغ الكاذب معناه الذي لا جدال فيه أنه - وهو صاحب سلطة الحفظ - قد رأى فوق كون التهمة المبلغ عنها غير صحيحة أن المبلغ مستحق للعقاب على كذبه.
ولذلك يكون القول بأن النيابة لم تتصرف في التهمة بل تركت بابها مفتوحا هو قول فيه تجاوز كبير والتفات عن حقيقة الواقع.
وحيث إن ما تشير إليه المحكمة من أن قاضى الجنح ليس له أن يبحث واقعة جناية من حيث صحتها أو كذبها احتراما لمبدأ فصل السلطات هو قول غير منتج في مثل الدعوى الحالية. لأنه حتى بفرض أن رئيس النيابة أو نائب بنها الذي يقوم مقامه قد كتب على الورقة صراحة أنه "يأمر بحفظ التهمة وبتقديم دعوى" "البلاغ الكاذب ضدّ المخبر" أو بفرض أن المحكمة كانت أوقفت دعوى البلاغ الكاذب حتى يكتب رئيس النيابة أو النائب على الأوراق أنه "يأمر بحفظها" "لعدم الصحة" - بفرض أن شيئا من ذلك كان حاصلا فانه لا حجة فيه على قاضى جنحة البلاغ الكاذب الذي يجب عليه حتما أن يستمع لدفاع المتهم وأن يحقق الأمر المخبر به تحقيقا يقتنع هو معه بكذب البلاغ في الواقع أو عدم كذبه فالتنويه بمبدأ فصل السلطات وبأن قاضى الجنح ليس له نظر الجنايات والتقرير بصحة وقائعها أو كذبها - كل ذلك مهما يكن حقا في ذاته فانه بعيد عن الانطباق في مثل الدعوى الحالية.
وحيث إنه يبين مما تقدّم أن الحكم بعدم قبول الدعوى العمومية هو في غير محله. كما أنه أيضا لا يمكن إيقاف الدعوى العمومية حتى تكتب النيابة على أوراق التهمة الأصلية أنها تحفظها ما دام أن المفهوم الحتمي لرفع دعوى البلاغ الكاذب هو اقتناع صاحب السلطة القانونية اقتناعا نهائيا بوجوب الحفظ وما دام أن طلب التوقيع منه على الأوراق بأنه "يأمر بالحفظ" هو تحصيل حاصل لا يقدّم ولا يؤخر وما دام الحفظ في ذاته لا حجية فيه على محكمة الجنح تلزمها باعتبار الأمر المبلغ به مكذوبا.

ولذلك

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى لمحكمة جنح مصر الاستئنافية للقضاء فيها ثانية من دائرة أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق