الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 5 ديسمبر 2021

طبيعة الديون الناشئة عن المقامرة من الوجهة القانونية الفرنسية حمدي عبد الحميد

مجلة المحاماة
السنة الرابعة - 1923

أبحاث قانونية وشؤون قضائية
طبيعة الديون الناشئة عن المقامرة
من الوجهة القانونية الفرنسية

قبل أن ندخل في جوهر الموضوع نرى من المناسب أن نفرق بين المقامرة jeu - وبين المراهنة pari - وذلك نظرًا لشدة التشابه بينهما.
فالمقامرة والمراهنة تشتركان في أنهما من عقود الغرر aléatoires – والتراضي consensuels والتبادل synallagmatiques فأما كونهما من عقود الغرر أو العقود الاحتمالية فهذا ظاهر - لأن تحقق النتيجة في أيهما - يتوقف على حدوث أمر غير محقق événement incertain وأما كونهما من عقود التراضي فلأن العقد فيهما يتم بمجرد حصول الإيجاب والقبول - بدون حاجة إلى إجراءات أخرى كما في عقد الهبة التي يشترط لصحتها أن تحرر في صورة عقد رسمي acte authentiqueوكونهما من عقود التبادل ظاهر أيضًا - ففي البداية يتعهد كل طرف أن يدفع للآخر مبلغًا من النقود أو أي شيء غير ذلك من المنقولات أو الأشياء الثابتة الداخلة في دائرة التعامل عند تحقق الشرط المتفق عليه - أي أن الأمر يبتدئ بوجود دائنين ومدينين، ولكنه يؤول في النهاية إلى وجود دائن واحد هو الرابح gagnant - ومدين واحد هو الخاسر perdant.
ووجه الخلاف بينهما هو أن الشرط الذي يجب تحققه لكي يربح المقامر اللعب هو عمل يقوم به نفس المتعاقدين un fait â exécuter par les parties بينما ربح الرهان يتوقف على التثبت من أمر حقيقة حصلت في الماضي يؤكدها أحد الطرفين وينكرها عليه الطرف الآخر، وفي هذه الحالة فقط يجوز أن تكون تلك الحقيقة فعلاً صدر من أحد المتعاقدين - أما إذا كان الأمر المتراهن عليه لم يحصل بعد وإنما ينتظر حصوله بعد تمام عقد المراهنة فإنه لا يجوز أن يكون هذا الأمر من عمل المتراهنين.
وتنقسم المقامرة قسمين ثانويين. مقامرة يكون الفوز فيها نتيجة المهارة الخاصة بأحد الطرفين وتسمى ألعاب هذا النوع بالفرنسية jeux d'adressè ومقامرة لا يتوقف الفوز فيها على امتياز أحد الطرفين وتفوقه من جهة المهارة والتمرين وإنما يتوقف على ما سيأتي به القضاء والقدر ويسمى هذا النوع jeux de hasard والواقع أن معظم ألعاب المقامرة خليط من القسمين يتوقف الفوز فيها على مهارة اللاعب وعلى الظروف التي تكون لصالحه وفي جانبه.
والآن نطرق الموضوع الذي هو المقصود من هذا البحث.
إن النزاع لشديد في فرنسا في أحكام المحاكم وبين الشراح بالنسبة لتقرير طبيعة ديون الميسر، فرأي يقول إن هذه الديون طبعية، ورأى يقول إنها ديون باطلة، وثالث يتوسط في الأمر ويفرق بين حالتين: في حالة منهما يعترف بطبيعة هذه الديون، وفي الحالة الأخرى يقرر بطلانها وأخيرًا يوجد رأى يقول بأنها ديون قانونية وصحيحة.
الرأي الأول:
فالرأي الأول الذي يناصره (أوبري ورو aubry et Raa ) و(بودري وواهل Baudry et Wahl) و(جيلوارد Guillouard) وغيرهم من كبار شراح القانون الفرنسي يرى أن المقامرة قد أصبحت من الأمور العادية التي تحصل كل ساعة إذ لم يعد القانون يحرمها على وجه العموم فالالتزامات والديون الناشئة عنها صحيحة ومشروعة في ذاتها valables et licites en elles - mémes غاية الأمر أن الرغبة في نفع المجموع وتوخي خدمة الصالح العام دفعت المقنن إلى تجريد حق الدائن بدين ميسر من حمايته بدعوى يرفعها أمام المحاكم للحصول على حقه هذا، فالأصل أن هذه الديون كسائر الديون مكفولة بالدعوى أمام المحاكم، ولكن المشرع بناءً على رغبته السالفة الذكر نص من جهة بالمادة (1965) [(1)] مدني فرنسي على عدم إمكان رفع دعوى أمام المحاكم بالمطالبة بدين ميسر ونص من جهة أخرى بالمادة (1967) [(2)] على عدم جواز استرداد الخاسر بأي حال ما دفعه من هذه الديون - باختياره - لرابح اللعب ما لم يحصل من جانب هذا الأخير غش أو خداع أو نصب وبذلك دل صراحةً على أنه يعتبر هذه الديون من الديون الطبعية dettes naturelles لأن نص المادتين السابقتين ليس إلا نص وتقرير لظاهرتين من ظواهر هذا النوع من الديون.
وعلى هذا الرأي جرت محكمة النقض والإبرام الإيطالية، فقضت في حكمها الصادر في 15 أكتوبر سنة 1898 المنشور بصفحة (37) من الجزء الرابع من مجموعة (سيريه Sirey) لسنة 1899 أنه يستنتج من نص القانون المدني الإيطالي على أن الخاسر في المقامرة لا يمكنه أن يسترد المبالغ التي دفعها باختياره للاعب معه. إن المشرع يعتبر هذه الديون غير منافية للآداب وأنها من الديون الطبعية، وبناءً على ذلك رفضت تلك المحكمة أن تسمح للمدين أن يثبت بشهادة الشهود أن الدين الوارد بالسند الذي يطالب الخصم بقيمته إنما هو دين صوري وأنه في الواقع دين ناشئ عن المقامرة ليس لخصمه أن يطالبه به لأنه باطل وخالٍ عن السبب الصحيح.
وقد أنصفت المحكمة المذكورة في ما ارتأته ترتيبًا على رأيها لأن خرق قواعد الإثبات ومخالفة أصوله لا يسوغه في مثل هذه الحالة ألا أن يكون في السبب الحقيقي للدين ما يخالف النظام العام وينافي حسن الأخلاق وهي قد رأت في الأصل أن ديون الميسر كسائر الديون الطبعية، وأن السبب فيها لا ينافي الآداب ولا يخالف النظام العام.
وإذا تمشينا على الرأي القائل بطبعية ديون الميسر فلا بد لامتناع حق الاسترداد حسب نص المادة (1967) أن يكون الوفاء من جانب الخاسر حاصلاً باختياره volontairement وليس معنى حصول الوفاء بالاختيار أن يكون الدفع قد حصل بدون إكراه أو تدليس أو خطأ فقط بل معناه أولاً وقبل كل شيء أن المدين كان ساعة الوفاء يعلم أنه إنما يوفي بدين لا يلزمه القانون به ولا يستطيع خصمه أن يجبره على دفعه بحكم محكمة، أما إذا دفع الخاسر المبلغ وهو يعتقد خطأ منه أنه يؤدي دينًا يجب عليه قانونًا أداؤه فإنه يكون له حق استرداد ما دفعه.
ومن باب أولى يكون له هذا الحق إذا كان قد أُكره على الدفع أو كان الدفع قد حصل بناءً على التدليس أو الخطأ، وللمدين الخاسر حق الاسترداد على العموم بنص المادة (1967) الصريح إذا كانت خسارة اللعب ناشئة عن غش الطرف الآخر له أو خداعه أو نصبه عليه أثناء اللعب.
الرأي الثاني:
هذا الرأي يناقض الرأي السابق تمام المناقضة فيرى أنصاره ومن أكبرهم (بلانيول Planiol) أن السبب في ديون الميسر ينافي الآداب وأن في المقامرة كل الخطر وكل الفساد فإن الطمع في الحصول على أعظم الأرباح بأقل الوسائل عناءً وأخفها مشقة يصرف الرجل عن الجد والتعب لكسب عيشه من الطرق الشريفة المشروعة ويجعله ضعيف الهمة خائر العزم شغوفًا بالبطالة والكسل، وفي هذا ما يكفي لإفساد الأخلاق العامة والسير بالمجموع إلى هاوية الدمار والخراب، ولما كان المشرع حريصًا على مصلحة الأمة وكان يمقت كل عمل أو التزام يكون من شأنه إفساد الأخلاق العامة منع المحاكم من سماع دعوى الدائن الذي يطلب الحكم له بدين ميسر (مادة 1965) كما منعها من سماع دعوى المدين باسترداد ما دفعه (مادة 1967) عملاً بالمبدأ القائل بأنه لا توجد مطالبة ولا يوجد حق استرداد ما دام الطرفان قد اشتركا سواسيةً في القيام بالعمل المغاير لحسن الأخلاق المنافي لمصالح البلاد In pari causa turpitudinis cessat repetitio فكان في ترفع المشرع عن حماية هذه الدعاوى أكبر عقاب يستطيع من الوجهة المدنية أن يسوقه نحو أمثال هؤلاء المذنبين.
والمطلع على المحاضر التحضيرية لقانون نابليون Travaux préparatoires du code napolèon يرى أن فكرة المقنن الفرنسي عند وضع القانون في عام 1803 كانت ذاهبة هذا الاتجاه (انظر E. P. Walton "Obligations p. i. pg 29).
وفوق ذلك فإن فريق الشراح الفرنسيين الذي يتمسك بنظرية الطبعية في ديون الميسر يعترف صراحةً بوجود الفروق والاختلافات بين هذه الديون وسائر الديون الطبعية الأخرى، فإنه من المتفق عليه أن الديون القانونية لا يمكن إسقاطها عن المدين بها بطريق المقاصة مع ديون الميسر كما أن هذه الديون لا يمكن إيجاد ديون قانونية محلها بطريق الاستبدال ne peut être convertie par voie de novation وإلى جانب كل هذا فإن ديون الميسر لا تصح الكفالة لها كما أن عقد الرهن الضامن لأدائها باطل تبعًا لبطلانها هي نفسها.
فأما بطلان كفالتها فهو نتيجة طبعية لنص المادة (1965) من القانون المدني الفرنسي على عدم حماية الدين الناتج من المقامرة بأي دعوى وأننا لو قررنا عكس ذلك وقلنا بصحة الكفالة لوقعنا في تناقض بيّن، إذ أنه يكون من السهل على الدائن أن يحصل على دينه وبدعوى أيضًا وفقط بدلاً من أن يوجهها نحو المدين المقامر عليه أن يوجهها نحو كفيله.
ولكن ما هو الحل إذا دفع الكفيل دين المقامر؟ من المؤكد أنه لا يستطيع أن يسترده من رابح اللعب الذي دفع لأنه إنما وفى باختياره volontairement ولو كان المدين الأصيل قام بالدفع على هذا الوجه لما أمكنه الاسترداد عملاً بالمادة (1967) ولكن هل نقول بضياع حقه عليه بتاتًا؟ وهل ليس له من طريق لاسترجاع ماله؟ وإذا كان هذا الطريق موجودًا فمن هو الشخص الذي يقع عليه عبء الرد؟ وهل هذا الشخص ملزم بالدفع في جميع الأحوال على السواء؟ إن الجواب على جميع هذه الأسئلة يكاد يكون الاتفاق عليه عامًا، فإنه إذا كان الكفيل قد دفع الدين بالنيابة عن المدين وبطريق الوكالة عنه - فإنه لا محل للشك في أنه يكون له حق الرجوع على موكله، وأما إذا كان الكفيل قد وفى بالدين من تلقاء نفسه بغير وكالة عن المدين وبدون إذنه فالأمر بين حالين، فإما أن يؤدي له الخاسر المكفول ما دفعه وبذلك ينتهي الأمر وطبعًا لا يكون للخاسر حق استرداد ما دفعه للكفيل لأنه لا يمكنه أن يسترده لو كان هو الذي دفعه للمقامر الذي لاعبه فمن باب أولى لا يكون له هذا الحق إذا كان الدفع قد حصل منه لكفيل نفسه وأما إذا لم يؤدِ للكفيل ما دفعه فلا يستطيع هذا الأخير أن يرفع عليه دعوى ليكرهه بواسطة المحاكم على الأداء لأن الكفيل لا يستطيع بعمله الفضولي أن يفوت عليه حقًا وميزة منحهما له القانون، أو بعبارة أخرى لا يستطيع الكفيل بعمله هذا أن ينزع منه حريته الأصلية في الوفاء أو عدم الوفاء الآيلة له من نص المادة (1965).
قلنا فيما سبق إن عقد الرهن الضامن لدين ميسر باطل تبعًا لبطلان الدين الأصلي الذي يكفله، وهذا صحيح وواجب لنفس السبب الذي شرحناه تدعيمًا للقول ببطلان الكفالة ولمن قدم الرهن سواء أكان هو خاسر اللعب أو شخصًا ثالثًا أجنبيًا عن المقامرة tiers أن يرفع الدعوى لإبطال الرهن أو لاسترداد الأشياء التي رهنها.
ومما سبق يرى أن الرأي القائل بطبعية ديون الميسر ليس وجيهًا كالرأي القائل ببطلان هذه الديون.
وأخيرًا توجد شبهة - لا حجة - قد يستند عليها للقول بأن ديون الميسر لا يمكن أن يكون السبب فيها منافيًا للآداب ومخجلاً immorale et honteuse لأنها لو كانت كذلك فلماذا أطلق عليها اسم ديون الشرف dettes d'honneur؟ ولإزالة هذه الشبهة نقول إن الأصل في إطلاق هذه التسمية على ديون الميسر ليس طبعًا راجعًا إلى أن السبب فيها شريف أو غير شريف، وإنما منشأها في الحقيقة هو المادة (1965) التي لا تجيز رفع الدعوى لإكراه خاسر المقامرة على دفع المبلغ الذي تعهد بدفعه للفائز، لأن النتيجة الطبعية لنص هذه المادة أن يكون الخاسر - حرًا في الدفع - أو عدم الدفع - فإذا ما اختار الوفاء بما وعد به فإنما يكون وفاؤه بدافع من شرف نفسه عملاً بالمثل القائل (وعد الحر دين عليه).
الرأي الثالث:
يناصره (تروبلونج Troplong) - لم يأتِ هذا الرأي بشيء جديد غير ما سبق شرحه وكل ما فعله هو أنه توسط في الأمر وقال إنه إذا كانت المقامرة حاصلة داخل الحدود المعقولة renfermé dans les justes bornes فيكون الدين الناتج عنها ذا سبب حقيقي وشريف réelle et honnête ويعتبر في هذه الحالة دينًا طبعيًا، ولكن إذا كان اللعب حاصلاً خارج الدائرة السابقة وكان عبارة عن مضاربة ومقامرة بمعنى الكلمة فإنه يكون منافيًا لحسن الأخلاق ولا ينشأ عنه أي التزام طبعي.
الرأي الرابع:
هو الرأي الباقي في الموضوع، ومغزاه أن الديون الناشئة عن المقامرة هي ديون حقيقية وقانونية véritables et eiviles لأن المقامرة عقد من العقود المنشئة للالتزامات contrat générateur d'obligations فأما كون المقامرة عقد فذلك ظاهر من نص المادة (1964) التي تعتبرها هي والمراهنة من عقود الغرر [(3)] وهي منتجة للالتزامات لأن القانون يعتبر الوفاء بدين ميسر صحيحًا valable ولا يجيز لذلك لمن وفى أن يسترد ما دفعه اللهم إلا في حالتي التدليس والإكراه وإلى ذلك فإن هناك نوعًا من المقامرة هو المنصوص عنه بالمادة (1966) [(4)] قد كفل المشرع الالتزامات الناتجة عنه بالدعوى أمام المحاكم.
وترتيبًا على ذلك يرى (فرير جون دي سانت [(5)] Fréejouan Du Saint أحد كبار أنصار هذا الرأي أنه إذا دفع خاسر المقامرة المال الذي خسره وهو يعتقد خطأ وجهلاً بالقانون أنه ملزم بالوفاء فلا يمكنه استرداد مبلغه بعد ذلك بأي حال لأنه لم يوفِ التزامًا طبعيًا naturelle وإنما أدى دينًا قانونيًا dette civile.
ومما هو جدير بالذكر أن المادة (1965) لا تكون ذات قيمة في حالة اتفاق المتقامرين على أن يدفع كل منهما مبلغه مقدمًا وديعة تحت يد شخص أجنبي أو أن يضعه في مبدأ اللعب على مائدة القمار لأن هذا العمل من جانبهما يعتبر دفعًا بالاختيار paiement volontaire غاية الأمر أنه معجل، وموقوف على شرط anticipé et sous condition فإذا استرد الخاسر مبلغه بعد ظهور نتيجة اللعب أو امتنع المودع عنده من تسليم المبلغين للرابح يكون له حق رفع الدعوى لاستردادهما بالرغم من كون القانون لا يحمى ديون الميسر بأي دعوى وذلك مما يدعو إلى التناقض في الظاهر إلا أنه في الحقيقة لا يوجد تناقض مطلقًا لأن الدعوى التي يرفعها الرابح في هذه الحالة ليست بالمطالبة بدين ميسر وإنما هي دعوى الملكية لاسترداد مبلغه الذي لم يخرج عن ملكيته مطلقًا ولأخذ مبلغ خصمه الذي صار ملكًا له بمجرد ظهور نتيجة المقامرة.
وفضلاً عن ذلك فإنه إذا اختلس الخاسر مبلغه وهو في يد الأجنبي أو وهو على مائدة اللعب يعتبر سارقًا (cass. 23 fev. 92 Dalloz 18921. 472) ولا يرد على ذلك أنه لا يمكن اعتباره سارقًا لأن أحد أركان السرقة (مال الغير) يكون مفقودًا، إذ أن هذا المال الذي قدمه في مبدأ اللعب قد خرج عن ملكيته بمجرد تحقق النتيجة ويكون بنقله المبلغ بعد ذلك إلى حيازته قد اختلس مالاً مملوكًا للغير.
واستثناءً من القاعدة الواردة بالمادة (1965) اعتبر المشرع الفرنسي بالمادة (1966) الديون الناشئة عن المقامرات الرياضية jeux qui tiennent à I'adresse et à l’exercice dn corps كالسباق والسباحة ورفع الأثقال والتنس وكرة القدم ديونًا قانونية، بمعنى أن للفائز أن يطلب من المحاكم الحكم له على خصمه المقهور بالمبلغ الذي التزم به.
وقد استثنى المشرع هذه المقامرات وكفل ديونها بحمايته تشجيعًا للألعاب الرياضية، ولا يمكن لأحد أن يعيب عليه عمله هذا، بل إن الذي كان يعاب عليه هو عدم الإتيان بهذا الاستثناء وبالتالي عدم تشجيعه للرياضة البدنية التي لا تنكر فائدتها وأثرها في صحة الأبدان وسلامة العقول وتقوية الخلق بعكس المقامرات الأخرى التي تدعو إلى الكسل وتقعد بالهمم وتثبط العزائم فتكون جرثومة الفساد الناخرة في جسم الأمة وفي الأخلاق العامة.
ومن الواجب عدم التوسع وقصر نص هذه المادة على الألعاب الرياضية التي يستفيد منها الجسم، فلا يصح مثلاً أن نتوسع في الاستثناء وندخل تحته ألعاب الشطرنج والورق (الكتشينة) والضامة.
ولكن ما هو الحكم في لعبة البليارد ؟ مما لا شك فيه أنها تعود بالفائدة على جسم لاعبيها فضلاً عن أنها تمرن فيهم صحة الحكم وبعد النظر، ولكن المشاهد للأسف من جهة أخرى أن لاعبي البليارد لا يقصدون غالبًا من لعبهم الفائدة الرياضية بل جل همهم أن يحصلوا من ورائه على المبلغ المقامر عليه، لذلك اختلف بالنسبة لهذه اللعبة ولعل الرأي الراجح هو الذي يقول بأنها لا تدخل في دائرة الاستثناء الذي أتت به المادة (1966)، وعلى ذلك لا تكون الالتزامات الناشئة عنها مكفولة بالدعوى أمام المحاكم.
ولم يذهب المشرع بعيدًا في حماية ديون هذا النوع من المقامرة فقد أعطى المحاكم حق رفض الطلب بتاتًا، بدلاً من أن يعطيها الحق في إنقاصه إلى الدرجة العادلة المقبولة، في كل حال ترى المبلغ المطالب به باهظًا وفائقًا حد الاعتدال [(6)] والعلة في ذلك ظاهرة وهي أن المشرع وإن كان يعطف على الرياضة البدنية إلا أنه من جهة أخرى يمقت روح المضاربة والمقامرة والطمع في كسب المال من غير الطرق الشريفة المألوفة كما يكره في الوقت نفسه أن يجعل الاستثناء الذي أتى به مهربًا يخلص من بابه المتقامرون نحو تحقيق مقاصدهم المنافية لحرمة التشريع ومصالح البلاد.

حمدي عبد الحميد
موظف بمحكمة الاستئناف الأهلية

---------------
[(1)] C. C. F 1965 - La loi n’accorde aucune action pour une dette de jeu on pour le paiement d’un pari.
[(2)] C. C. F 1967 – Dans aucun cas, le perdant ne pent répéter ce qu’il a volontairement payé, â moins qu'il n’y ait en, de la part du gagnant, dol, supercherie ou escroquerie.
[(3)] C. C. F 1964 - Le contrat aléatoire est une cnvention réciproque dont les effets, quant aux avantages et aux pertes, soit pour toutes les parties, soit pour l’une ou plusieurs d’entre elles, dépendent d’un événement incertain.
Tels sont:
- le contrat d’assurance,
- le prêt a grosse aventre,
- le jeu et le pari.
[(4)] C. C. F 1966 - les jeux propres á exereer au fait des armes, les courses á pied ou á cheval, les courses de chariot le jeu de paume et autres jeux de même nature qui tiennent â l’adresse et á l’exercice du corps, sont exceptés de la disposition préeédente.


[(5)] هو محامٍ أمام محكمة الاستئناف بباريس la cour de paris له مؤلف في هذا الموضوع.

[(6)] C. C. F. 1967 Néanmoins le tribunal pent rejeter la demande, quand la somme lui parait excessive.

هناك تعليق واحد:

  1. أنت حقاً رائع ؛ تحياتي لمنتخباتك القانونية التي تعبر عن عقلية ناقلة وعاقلة.

    ردحذف