الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 7 ديسمبر 2021

مذكرة النيابة العمومية في الطلب المقدم من حضرة صاحبة الجلالة الملكة جيوفانا للتصريح لها ببيع حصة ولديها القاصرين الدكتور سمير صفا

مجلة المحاماة - العدد الخامس
السنة الحادية والثلاثون

مذكرة
النيابة العمومية في الطلب المقدم من حضرة صاحبة الجلالة الملكة جيوفانا بصفتها وصية شرعية على ولديها القاصرين صاحب الجلالة الملك سيمون وسمو الأميرة ماري لويز للتصريح لها ببيع حصة القاصرين في الممتلكات الموروثة لهما عن المغفور له جلالة الملك فرديناند [(1)]
في الوقائع

قدمت صاحبة الجلالة الملكة جيوفانا - أرملة المغفور له الملك بوريس والمقيمة حاليًا بالإسكندرية - طلبًا في 24 أكتوبر سنة 1950 إلى حضرة صاحب العزة رئيس محكمة الإسكندرية تذكر فيه أن ولديها القاصرين وهما جلالة الملك سيمون ملك بلغاريا سابقًا وسمو الأميرة ماري لويز قد ورثا في تركة جدهما لأبيهما المغفور له الملك فيرديناند الثلث مشاعًا (بواقع السدس لكل منهما) في العقارات الكائنة بمدينة كوبورج في ألمانيا، وقد بينت جلالة الطالبة مفردات هذه العقارات ومساحتها ورقم سجلها العقاري وأضافت أن مدينة كوبورج عرضت على ورثة المغفور له الملك فيرديناند شراء هذه العقارات مقابل مبلغ معين يخص القاصرين فيه حوالي...، وبينت أن هذا الثمن مناسب وقدمت شهادة من موث قكوبورج تثبت هذا، ثم قررت أن للقاصرين مصلحة في بيع هذه العقارات.......، وانتهت بطلب التصريح لها بصفتها وصية ببيع هذه العقارات بالأثمان التي بينتها في طلبها.
ثم قدمت جلالة الطالبة في 6 نوفمبر سنة 1950 طلبًا آخر بينت فيه أن المرحوم الملك فيرديناند توفي في 10 سبتمبر سنة 1948 دون أن يترك وصية وبينت أن ورثته هم: ولديها القاصرين حفيدي المتوفى والأميرتين أيدوكي ونادجيدا أولاد المتوفى المقيمين في ألمانيا، ورددت ما جاء بطلبها الأول السابق ذكره وأضافت إليه طلب تحديد جلسة لإثبات وفاة المرحوم الملك فيرديناند وحصر تركته في الورثة السالف ذكرهم.
وقد قدمت جلالتها صورة شهادة ثبوت وراثة صادرة من محكمة كوبورج في 21 مارس سنة 1948 مثبتًا فيها تاريخ وفاة صاحب الجلالة الملك فيرديناند وورثته الأربعة السالفة ذكرهم ونصيب القصر في هذا الميراث ما يفيد تمثيل جلالة الطالبة شرعًا لولديها القاصرين، وقد طلب من النيابة إبداء رأيها في الطلب الخاص ببيع أموال القاصرين.

في الاختصاص

أولاً: في الاختصاص العام:
هل المحاكم المصرية في جملتها مختصة بنظر هذا الطلب ؟ أم المحاكم الألمانية على أساس وجود عقارات القاصرين بها ؟ للبحث في هذا الاختصاص يجب الرجوع إلى أحكام الاختصاص العام في قانوننا المصري، وقد تبين بعد الاطلاع على قواعد هذا القانون الخاصة بالإجراءات (قانون المرافعات) أن المشرع المصري أغفل حكم تلك الحالة التي نحن بصددها ولم يرد نص بشأنها.
إذن هل للمحاكم الألمانية مختصة بهذا الطلب ؟
نص القانون المدني الألماني في المادة (23) منه على جواز قيام الوصايا حتى بالنسبة للأجانب الذين لا تحميهم الدولة المنتمين إليها، إلا أن المادة (36) من القانون الألماني المعمول به الآن والصادر في 17 مايو سنة 1898 اشترطت أن تكون الوصايا خاصة بالقصر المقيمين في ألمانيا.
يراجع في ذلك

Raape, internationales Privatrecht, 1850, s, 254

ويفهم من هذا النص الأخير أنه إذا كان القاصر مقيمًا في خارج ألمانيا فلا اختصاص للقضاء الألماني بالنسبة لمسائل الوصاية عليه.
وحيث إنه بذلك ففي دعوانا، وثابت بها إقامة القاصرين في مصر لا تكون المحاكم الألمانية مختصة بمسائل الوصاية عليهما.
يبدو - مما تقدم - أن المحاكم المصرية والألمانية غير مختصة وفقًا للنصوص السابقة !!
إذن فمجال البحث أن نتجه إلى أحكام الفقه الدولي والقانون الدولي العام لمعرفة الحل السليم للفصل في مسألة الاختصاص العام.
وحيث إن حق التقاضي، وهو من الحقوق الخاصة للأجانب ينظمه تشريع كل دولة ومبدأ التسوية في المعاملة بالنسبة لتلك الحقوق بين الأجانب والوطنيين معمول به في أغلب التشريعات الحديثة مع استثناءات تقتضيها مصلحة الدولة، وإذا ما تصفحنا ما جاء على لسان فقهاء القانون الدولي تبين أن هناك مبدأ عام مسلم به هو حق الأجنبي في الالتجاء إلى القضاء، وقد جاء في هذا العدد في مؤلف:

A. De lapradalle et J. P. Niboyet (Répertoire de droit international) t. VIII Etranger:
No. 353 – (L’étranger est considéré généralement comme ayant droit à la protection judiciaire de l’Etat où il séjourne sous réserve de particularifes de procedure).

وهو ما معناه:
والأجنبي له حق حماية القضاء في الدولة التي يقيم فيها، كما جاء في البند (354) من المؤلف نفسه:

No. 354 – (On admet généralement qu’il existe à la charge des Etats une obligation de permettre aux étrangers I’accés aux tribunaux, afin que satisfaction soit donnés a leurs prétentions fondées).

وهو ما معناه:
من المسلم به أن على الدولة التزامًا هو السماح للأجانب بالالتجاء إلى القضاء للوصول إلى الحق.
نخلص من كل ما تقدم أن المحاكم المصرية، وقد توطن القاصران وجلالة الطالبة في مصر، أصبحت مختصة بالتصريح لها ببيع أموال القاصرين الموجودة بالخارج.
انتهينا إذن من الاختصاص العام وننتقل بعد ذلك إلى الاختصاص المتعلق بالوظيفة.
ثانيًا: الاختصاص المتعلق بالوظيفة: نصت المادة (12) من قانون نظام القضاء رقم (147) لسنة 1949 على أن المحاكم المدنية تختص بالفصل في مسائل الأحوال الشخصية المتعلقة بغير المصريين وأشارت المادة (13) من نفس القانون إلى أن مسائل الوصاية تدخل ضمن مسائل الأحوال الشخصية وبالتالي فالمحاكم المدنية المصرية تكون مختصة بنظر هذا الطلب.
ثالثًا: الاختصاص النوعي والمحلي:
نصت المادة (810) من المرسوم بقانون رقم (94) لسنة 1937 على أنه (في كل الأحوال التي يشترط قانون البلد فيها أن يحصل الوصي للقيام ببعض الأعمال على الإذن من السلطة القضائية أو الإدارية بمنع ذلك الإذن بأمر على عريضة يصدره رئيس المحكمة الابتدائية المختصة بعد أن تبدي النيابة العمومية رأيها كتابةً).
وحيث إن ما جاء بتلك المادة لبيان المحكمة المختصة محليًا تفسره المواد السابقة في هذا الباب الخاص بالوصاية والقواعد والتي يستفاد جميعًا أن الاختصاص المحلي مرتبط بمحل توطن القاصر وبالتالي فتكون المحكمة المختصة بهذا الطلب محليًا هي محكمة محل توطن القاصرين أي محكمة الإسكندرية.
ومن ثم فتقديم الطلب قد وافق جهة مختصة محليًا ونوعيًا.

في القانون الواجب التطبيق

أولاً: البحث في إسقاط الجنسية (Dénatinalisation):
حيث إنه ثابت من الأوراق أن العائلة المالكة البلغارية قد تركت بلغاريا في سنة 1946 على أثر الظروف السياسية إلى مصر، وقد سقطت الجنسية البلغارية عن أفراد تلك العائلة وحصلت على تصريح بالإقامة في مصر وبذلك أصبح أفراد هذه العائلية لا جنسية لهم وعلى وجه التحديد وأصبح القاصران لا جنسية لهما.
وحيث إن القانون الدولي الخاص يعرف شخصين أولهما من له جنسيات متعددة وثانيهما من لا جنسية له.
فهل من أسقطت عنه جنسية يعتبر في نظر القانون الدولي الخاص ممن لا جنسية له ؟ وبمعنى آخر:
هل إسقاط الجنسية البلغارية عن القاصرين جعلهما في عداد من لا جنسية لهم وفقًا لأحكام القانون الدولي الخاص ؟ أم أن إسقاط الجنسية لا أثر له من ناحية القانون ؟
من الناحية النظرية لا يمكن القول بإسقاط الجنسية عن شخص معين رغم إرادته ولكن من ناحية الواقع الانتماء إلى دولة معينة لا يكون إلا برضاء وموافقة هذه الدولة مما يتعين معه القول بأن إسقاط الجنسية معتمد دوليًا وذو أثر في القانون الدولي الخاص.
يراجع في ذلك:

1- Maury, Nationalité No. 82 bis et 83 dans Laparadelle - Niboyet (Répertoire de droit international) t. IX, p. 284 et 285, Tribunal de la Seine 7 Mars 1929, Sirey 1929. 2. 167.
2- Vichniac (Le Statut international des apatrides) dans Recueil des cours de l’Académie de droit et la Haye, Volume 43, p. 119 et s. et 177 et s.
3- Cluent (Journal de droit international) t. 51, année 1924, P. 5 à 62 ; études prudhomme, Grouber, Idelson et Fruend.

وفي حالتنا - طبقًا للمبادئ السابقة - يعتبر القاصران بعد أن سقطت عنهما الجنسية البلغارية لا جنسية لهما.
ثانيًا: في القانون الواجب التطبيق موضوعًا.
نصت المادة (25) من القانون المدني المصري على أنه:
(يعين القاضي القانون الذي يجب تطبيقه في حالة الأشخاص الذين لا تعرف لهم جنسية أو الذين تثبت لهم جنسيات متعددة في وقت واحد).
وحيث إن الأعمال التحضيرية الخاصة بهذه المادة تفيد بأن القاضي يعتد في حالة التنازع السلبي للجنسية بقانون موطن الشخص أو محل إقامته.
وبالتالي فإعمالاً لهذا النص وفقًا لما جاء بالأعمال التحضيرية يكون المقصود بعبارة القانون الذي يعينه القاضي هو قانون موطن الشخص أو محل إقامته.
تلك هي نظرة المشرع المصري بالنسبة للقانون الواجب التطبيق لمن لا جنسية لهم.
وليس هذا التفسير بغريب عن الفقه أو التشريعات الأجنبية بل إن الفقه المصري والفرنسي قد اتفقا على الأخذ به:
يراجع:
1 - حامد زكي كتاب القانون الدولي الخاص صـ 579 إلى 582.
2 - باتيفول Battifol (Traité élémentaire de droit international privé) 1949 No. 387 texte et note I et 2
كما أن الفقه الألماني أيد الفقه المصري والفرنسي في هذه النظرة كما أخذ التشريع الألماني بهذه النظرية في المادة (29) المعدلة بالقانون الصادر في 12 إبريل سنة 1938.
كما أن معاهدة جنيف الدولية المبرمة في 28 أكتوبر سنة 1933 قد أوصت بالأخذ بهذا الرأي.
وحيث إن الموطن هو المحل الذي يختاره الشخص ليكون المأوى النهائي له وذلك بصفة حقيقية ومستمرة وليكون مركز لعلاقته القانونية ولأشغاله.
يراجع:
1 - حامد زكي كتاب القانون الدولي الخاص صـ 593 بند (497).
2 - عبد الحميد أبو هيف في القانون الدولي الخاص الجزء الأول صـ 82 بند من (87 - 89).
وحيث إنه قد ثبت أن القاصرين قد توطنا في مصر وفقًا للتفسير السالف الذكر لذلك يكون القانون المصري هو الواجب التطبيق طبقًا لقاعدة الإسناد المنصوص عنها في المادة (25) السابق ذكرها.
وحيث إن قانون المحاكم الحسبية رقم (99) لسنة 1947 هو القانون الواجب التطبيق في المسائل الخاصة بالوصاية باعتبارها من المسائل المتعلقة بالولاية على المال دون النظر إلى ملة المتقاضين.
وحيث إن هذا القانون نص في المادة (20) منه على أنه لا يجوز للوصي مباشرةً التصرف في أموال القاصر بالبيع إلا بعد الحصول على إذن من المحكمة.
وحيث إن المادة (860) من المرسوم بقانون رقم (94) لسنة 1937 الخاص بالإجراءات في مواد الأحوال الشخصية للأجانب أوجبت على الوصي في حالة اشتراط القانون الحصول على إذن من السلطة القضائية أن يحصل على ذلك الإذن من رئيس المحكمة الابتدائية.
وحيث إن هذه المادة توجب قبل صدور ذلك الإذن أن تبدي النيابة رأيها فإننا نختتم هذا البحث بالموافقة على صدور إذن لجلالة الطالبة ببيع نصيب القاصرين بعد أن ثبت أن هذا البيع في مصلحتها.
---------------------------
[(1)] حررها الدكتور سمير صفا وكيل نيابة الأحوال الشخصية بمحكمة الإسكندرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق