الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 19 ديسمبر 2021

القضيتان 185 ، 186 لسنة 25 ق جلسة 11 / 6 / 2006 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 2 دستورية ق 421 ص 2656

جلسة 11 يونيه سنة 2006

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح والدكتور حنفي علي جبالي وماهر سامي يوسف،

وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين،

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (421)
القضيتان رقما 185 و186 لسنة 25 قضائية "دستورية"

(1) دعوى دستورية "مناط المصلحة فيها".
إن المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع.
(2) رقابة دستورية "مناطها التعارض بين نص تشريعي وبين حكم في الدستور".
الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية التشريع مناطها قيام تعارض بين نص قانوني أو لائحي وبين حكم في الدستور ولا شأن بما يقع من تناقض - بفرض صحته - بين تشريعين سواء اتحدا أم اختلفا في مرتبتيهما ما لم يكن ذلك منطوياً بذاته على مخالفة دستورية.
(3) دستور "المادتان 4 و7 منه".
إن ما قرره الدستور في المادة الرابعة من أن الأساس الاقتصادي لمصر هو النظام الاشتراكي الديمقراطي القائم على الكفاية والعدل، بما يحول دون الاستغلال، ويؤدي إلى تقريب الفوارق بين الدخول ويحمي الكسب المشروع ويكفل عدالة توزيع الأعباء والتكاليف العامة، لا يعني الإخلال بحق المشرع في مباشرة سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق، اتباعاً بضوابط الدستور، وهو ما يقوم به بالمفاضلة بين البدائل المتاحة، مرجحاً من بينها ما يراه أكفل لتحقيق المصالح المشروعة التي قصد حمايتها، كما أن تأسيس المواطنين لمجتمعهم على قاعدة التضامن الاجتماعي وفقاً لنص المادة السابعة من الدستور مؤداه تداخل مصالحهم لا تصادمها وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تعارضها بما يرعى القيم التي يؤمنون بها، فلا يتقدم على ضوئها فريق على غيره انتهازاً، ولا ينال قدراً من الحقوق يكون بها - دون مقتض - أكثر امتيازاً من سواه، بل يتمتعون جميعاً بالحقوق عينها - التي تتكافأ مراكزهم القانونية قبلها - وبالوسائل التي تعينهم على ممارستها.
(4) مبدأ تكافؤ الفرص "مضمونه".
حيث إن مبدأ تكافؤ الفرص الذي تكفله الدولة للمواطنين كافة يتصل - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، وإعماله يقع عند تزاحمهم عليها، وأن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية في مجال الانتفاع بها لبعض المتزاحمين على بعض وفقاً لأسس موضوعية يتحقق من خلالها التكافؤ في الفرص يقتضيها الصالح العام.
(5) مبدأ المساواة "أسس موضوعية للتمييز".
إن مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون - على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تباين في مراكزهم القانونية معاملة قانونية متكافئة، كما أنه ليس مبدأ تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة (40) من الدستور.
(6) حق التقاضي "قصر التقاضي على درجة واحدة".
إن المشرع غير مقيد - في مجال ضمانة حق اللجوء إلى القضاء - بأشكال محددة تمثل أنماطاً جامدة لا تقبل التغيير أو التبديل، بل يجوز أن يختار من الصور الإجرائية لإنفاذ هذا الحق ما يكون في تقديره الموضوعي أكثر اتفاقاً مع طبيعة المنازعة التي يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي، ودون ما إخلال بضماناتها الرئيسية التي تكفل إيصال الحقوق لأصحابها وفق قواعد محددة تكون منصفة في ذاتها، ومن ثم فإن قصر التقاضي في بعض الدعاوى على درجة واحدة لا يناقض حق التقاضي.

--------------
1 - إن المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، وكانت الدعويين الموضوعيتين تدور حول المعارضة في أوامر تقدير الرسوم القضائية وكان ما يبغيه المدعي تقرير أحقيته في المعارضة فيها - سواء كانت متعلقة بالرسوم المستحقة عن الدعوى المنظورة أمام محكمة أول درجة أو المستحقة عن استئناف الحكم الصادر فيها - أمام محكمة أول درجة بحيث يكون التقاضي بشأنها على درجتين، فإن مصلحة المدعي الشخصية تنحصر في الطعن على ما تضمنه النص المطعون فيه من أن تقدم المعارضة إلى المحكمة التي أصدر رئيسها أمر التقدير أو القاضي حسب الأحوال، دون باقي النص المذكور.
2 - الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية التشريع مناطها قيام تعارض بين نص قانوني أو لائحي وبين حكم في الدستور ولا شأن بما يقع من تناقض - بفرض صحته - بين تشريعين سواء اتحدا أم اختلفا في مرتبتيهما ما لم يكن ذلك منطوياً بذاته على مخالفة دستورية.
3 - إن ما قرره الدستور في المادة الرابعة من أن الأساس الاقتصادي لمصر هو النظام الاشتراكي الديمقراطي القائم على الكفاية والعدل، بما يحول دون الاستغلال، ويؤدي إلى تقريب الفوارق بين الدخول ويحمي الكسب المشروع ويكفل عدالة توزيع الأعباء والتكاليف العامة، لا يعني الإخلال بحق المشرع في مباشرة سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق، اتباعاً بضوابط الدستور، وهو ما يقوم به بالمفاضلة بين البدائل المتاحة، مرجحاً من بينها ما يراه أكفل لتحقيق المصالح المشروعة التي قصد حمايتها، كما أن تأسيس المواطنين لمجتمعهم على قاعدة التضامن الاجتماعي وفقاً لنص المادة السابعة من الدستور مؤداه تداخل مصالحهم لا تصادمها وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تعارضها بما يرعى القيم التي يؤمنون بها، فلا يتقدم على ضوئها فريق على غيره انتهازاً، ولا ينال قدراً من الحقوق يكون بها - دون مقتض - أكثر امتيازاً من سواه، بل يتمتعون جميعاً بالحقوق عينها - التي تتكافأ مراكزهم القانونية قبلها - وبالوسائل التي تعينهم على ممارستها، متى كان ما تقدم وكان النص الطعين ليس إلا حلقة من حلقات تقدير الرسوم القضائية وردت بالقانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية بدأها المشرع بإلزام المدعي عند إقامة دعواه بسداد رسم نسبي يسير كمقدم للحصول على الخدمة القضائية من مرفق العدالة، وذلك للتيسير على الأفراد في الالتجاء للقضاء للذود عن حقوقهم، وفي ذات الوقت لصون مصالح الخزانة العامة، وأرجأ تحصيل ما يزيد على هذه المبالغ لحين صدور الحكم في الدعوى، ثم أجرى تسوية الرسم على أساس ما يحكم به نهائياً، وألزم بمصروفات الدعوى ورسومها الطرف الذي حدده الحكم سواء كان مدعياً أم مدعى عليه، والأصل أن يتم تقدير هذه المصروفات والرسوم في متن الحكم فإذا ما صدر الحكم خلواً من هذا البيان وقدر المشرع تخويل رئيس المحكمة التي أصدرت الحكم أو القاضي حسب الأحوال الاختصاص بتقدير الرسوم بأمر يصدره والفصل بالتالي - بموجب النص الطعين - في المعارضة التي يقدمها ذوو الشأن في مقدار هذه الرسوم، فإن ما قرره المشرع في هذا الشأن يأتي متفقاً مع القواعد العامة في إصدار الأحكام القضائية ومحققاً لسرعة سداد الرسوم القضائية من الطرف الملزم بها حتى لا ينال قدراً من الحقوق - يكون بها دون مقتض - أكثر امتيازاً على سواه، بل يتمتع ومن تتكافأ مراكزهم القانونية معه بالحقوق عينها وبالوسيلة ذاتها التي تعينهم على ممارسة حقهم في المعارضة.
4 - حيث إن مبدأ تكافؤ الفرص الذي تكفله الدولة للمواطنين كافة يتصل - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، وإعماله يقع عند تزاحمهم عليها، وأن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية في مجال الانتفاع بها لبعض المتزاحمين على بعض وفقاً لأسس موضوعية يتحقق من خلالها التكافؤ في الفرص يقتضيها الصالح العام، وإذ كان النص الطعين لا صلة له بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها، فإن النعي عليه بمخالفة حكم المادة (8) من الدستور يكون غير صحيح.
5 - إن مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون - على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تباين في مراكزهم القانونية معاملة قانونية متكافئة، كما أنه ليس مبدأ تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة (40) من الدستور ولما كان المركز القانوني للمعارض في أمر التقدير الصادر من محكمة أول درجة يختلف عن المعارض في الأمر الصادر من المحكمة الاستئنافية ومرجع ذلك أن المنازعة التي تثور بشأن الرسوم القضائية المستحقة تتفرع عن الدعوى الأصلية وتخضع لذات القاعدة التي يخضع لها الحكم الصادر في الدعوى الأصلية تطبيقاً لقاعدة أن الفرع يتبع الأصل، متى كان ذلك، وكان الحكم الصادر من محكمة الدرجة الثانية غير جائز الطعن فيه بالاستئناف، فإن الحكم الصادر من رئيس المحكمة الأخيرة في المعارضة في أمر تقدير الرسوم يكون بالتبعية غير جائز الطعن فيه بالاستئناف، ومن ثم فإن قالة إخلال النص الطعين بمبدأ المساواة المنصوص عليه بالمادة 40 من الدستور لا يكون لها محل.
6 - إن المشرع غير مقيد - في مجال ضمانة حق اللجوء إلى القضاء - بأشكال محددة تمثل أنماطاً جامدة لا تقبل التغيير أو التبديل، بل يجوز أن يختار من الصور الإجرائية لإنفاذ هذا الحق ما يكون في تقديره الموضوعي أكثر اتفاقاً مع طبيعة المنازعة التي يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي، ودون ما إخلال بضماناتها الرئيسية التي تكفل إيصال الحقوق لأصحابها وفق قواعد محددة تكون منصفة في ذاتها، ومن ثم فإن قصر التقاضي في بعض الدعاوى على درجة واحدة لا يناقض حق التقاضي، لما كان ما تقدم، وكان المشرع التزاماً منه بحق التقاضي قد كفل لكل من أُعلن بأمر تقدير الرسوم القضائية ضمان حماية حقوقه بأن أجاز له المعارضة في هذا الأمر أمام المحكمة التي اصدر رئيسها أمر التقدير أو القاضي حسب الأحوال وأوجب أن يصدر الحكم بعد سماع أقوال قلم الكتاب والمعارض إذا حضر، دونما تدخل من أي سلطة أخرى ومن ثم لا تشوب النص الطعين أية مخالفة لمبدأي خضوع الدولة للقانون واستقلال القضاء المنصوص عليهما بالمادتين 65 و165 من الدستور.


الإجراءات

بتاريخ الحادي عشر من يونيو سنة 2003، أودع المدعي صحيفتي هاتين الدعويين قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة 18 من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية فيما تضمنه من أن تقدم المعارضة إلى المحكمة التي أصدر رئيسها أمر التقدير أو إلى القاضي حسب الأحوال..... ويجوز استئناف الحكم في ميعاد خمسة عشر يوماً من يوم صدوره وإلا سقط الحق في الطعن.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة في الدعوى رقم 185 لسنة 25 قضائية دستورية طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها، كما قدمت مذكرة في الدعوى رقم 186 لسنة 25 قضائية دستورية طلبت فيها الحكم برفضها.
وبعد تحضير الدعويين، أودعت هيئة المفوضين تقريراً بالرأي في كل منهما.
ونُظرت الدعويان على النحو المبين بمحضر الجلسة، حيث قررت المحكمة ضم الدعوى رقم 186 لسنة 25 قضائية دستورية إلى الدعوى رقم 185 لسنة 25 قضائية دستورية ليصدر فيهما حكم واحد بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفتي الدعويين وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى عليهم الخامسة والسادسة والسابع في الدعوى الماثلة كانوا قد أقاموا ضد المدعي الدعوى رقم 70 لسنة 2000 مدني كلي ملوى بطلب الحكم ببطلان عقد البيع المؤرخ 13/ 7/ 1998 والمشهر برقم 1466 بتاريخ 12/ 9/ 1998 للعقار المبين الحدود والمعالم بالصحيفة ومحو وشطب كافة التأشيرات والتسجيلات الخاصة بالعقد المذكور واعتباره كأن لم يكن على سند من أن البائع كان مريضاً بمرض الموت وقت البيع وبجلسة 28/ 8/ 2000 قضت محكمة الموضوع باعتبار العقد المشار إليه وصية مضافة إلى ما بعد الموت مع محو وشطب كافة التأشيرات والتسجيلات الخاصة به وألزمت المدعى عليه (المدعي في الدعوى الماثلة) المصروفات، فقام بالطعن على هذا الحكم بالاستئناف رقم 1694 لسنة 36 قضائية أمام محكمة استئناف بني سويف، التي قضت بجلسة 17/ 6/ 2000 بعدم نفاذ التصرف المؤرخ 13/ 7/ 1998 إلا في حدود ثلث تركة المرحوم نسيم جندي بولس وبتعديل التأشيرات والتسجيلات الخاصة بهذا التصرف، وألزمت المستأنف المصروفات، وبناء على هذا الحكم أصدر حكم المطالبة بمحكمة استئناف بني سويف أمري تقدير الرسوم المستحقة بواقع 50ر45364 جنيهاً رسوماً نسبية ومبلغ 25ر22685 جنيهاً رسم صندوق الخدمات، فعارض المدعي في هذين الأمرين أمام محكمة المنيا الابتدائية بالدعوى رقم 2040 لسنة 2002 مدني كلي طالباً الحكم بإلغائهما لمخالفتهما الحكم الاستئنافي ونص المادة 37 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، كما عارض في هذين الأمرين أيضاً أمام محكمة استئناف بني سويف حيث قيدت المعارضة أمامها بذات رقم الاستئناف الأصلي 1694 لسنة 36 قضائية، وعند إعلان المدعي بأمري تقدير الرسوم المستحقة عن الدعوى رقم 70 لسنة 2000 مدني كلي عارض فيهما أمام محكمة المنيا الابتدائية (مأمورية ملوى الكلية) التي نظرت هذه المعارضة مع المعارضة المقدمة بشأنها الدعوى رقم 2040 لسنة 2002 والتي قيدت أمامها برقم 1317 لسنة 2002 حيث قضت في الأولى باعتبار المعارضة كأن لم تكن وفي الثانية بعدم قبولها لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون، وإذ لم يرتض المدعي هذا الحكم فقد طعن فيه بالاستئناف رقم 262 لسنة 39 قضائية أمام محكمة استئناف بني سويف وأثناء نظر هذا الاستئناف مع الاستئناف رقم 1694 لسنة 36 قضائية دفع المدعي في كل منهما بعدم دستورية نص المادة 18 من قانون الرسوم القضائية رقم 90 لسنة 1944، وإذ قدرت المحكمة جدية دفعه وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية فيهما، فقد أقام الدعويين الماثلتين.
وحيث إن المادة 18 من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية تنص على أن "تقدم المعارضة إلى المحكمة التي أصدر رئيسها أمر التقدير أو إلى القاضي حسب الأحوال، ويصدر الحكم فيها بعد سماع أقوال قلم الكتاب والمعارض إذا حضر، ويجوز استئناف الحكم في ميعاد خمسة عشر يوماً من يوم صدوره وإلا سقط الحق في الطعن".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، وكانت الدعويين الموضوعيتين تدور حول المعارضة في أوامر تقدير الرسوم القضائية وكان ما يبغيه المدعي تقرير أحقيته في المعارضة فيها - سواء كانت متعلقة بالرسوم المستحقة عن الدعوى المنظورة أمام محكمة أول درجة أو المستحقة عن استئناف الحكم الصادر فيها - أمام محكمة أول درجة بحيث يكون التقاضي بشأنها على درجتين، فإن مصلحة المدعي الشخصية تنحصر في الطعن على ما تضمنه النص المطعون فيه من أن تقدم المعارضة إلى المحكمة التي أصدر رئيسها أمر التقدير أو القاضي حسب الأحوال، دون باقي النص المذكور، ويغدو الدفع المقدم من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى رقم 185 لسنة 25 قضائية دستورية لانتفاء المصلحة على غير أساس متعيناً رفضه.
حيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه - محدداً نطاقاً على النحو المتقدم - مخالفته أحكام المواد 4، 7، 8، 40، 65، 165 من الدستور على سند من أنه يخالف ما يقوم عليه الأساس الاقتصادي للبلاد من الكفاية والعدل بتقريب الفوارق بين الدخول وعدالة توزيع الأعباء العامة، كما يخل بالتضامن الاجتماعي ويهدر مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين إذ أخل بحق طائفة من المتقاضين مرجحاً كفة بعضهم على بعض بمنحهم حق استئناف الأحكام دون أقرانهم من المتقاضين بما يتعارض مع استقلال القضاء وما يكفله من مكنة التقاضي على درجتين فضلاً عن مخالفة النص المذكور لحكم المادتين 36، 63 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
وحيث إن ما ينعاه المدعي من مخالفة النص الطعين لحكم المادتين 36، 63 من قانون المرافعات المدنية والتجارية فمردود بأن الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية التشريع مناطها قيام تعارض بين نص قانوني أو لائحي وبين حكم في الدستور ولا شأن بما يقع من تناقض - بفرض صحته - بين تشريعين سواء اتحدا أم اختلفا في مرتبتيهما ما لم يكن ذلك منطوياً بذاته على مخالفة دستورية.
وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص المذكور لحكم المادتين (4 و7) من الدستور فإنه مردود بأن ما قرره الدستور في المادة الرابعة من أن الأساس الاقتصادي لمصر هو النظام الاشتراكي الديمقراطي القائم على الكفاية والعدل، بما يحول دون الاستغلال، ويؤدي إلى تقريب الفوارق بين الدخول ويحمي الكسب المشروع ويكفل عدالة توزيع الأعباء والتكاليف العامة، لا يعني الإخلال بحق المشرع في مباشرة سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق، اتباعاً بضوابط الدستور، وهو ما يقوم به بالمفاضلة بين البدائل المتاحة، مرجحاً من بينها ما يراه أكفل لتحقيق المصالح المشروعة التي قصد حمايتها، كما أن تأسيس المواطنين لمجتمعهم على قاعدة التضامن الاجتماعي وفقاً لنص المادة السابعة من الدستور مؤداه تداخل مصالحهم لا تصادمها وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تعارضها بما يرعى القيم التي يؤمنون بها، فلا يتقدم على ضوئها فريق على غيره انتهازاً، ولا ينال قدراً من الحقوق يكون بها - دون مقتض - أكثر امتيازاً من سواه، بل يتمتعون جميعاً بالحقوق عينها - التي تتكافأ مراكزهم القانونية قبلها - وبالوسائل التي تعينهم على ممارستها، متى كان ما تقدم وكان النص الطعين ليس إلا حلقة من حلقات تقدير الرسوم القضائية وردت بالقانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية بدأها المشرع بإلزام المدعي عند إقامة دعواه بسداد رسم نسبي يسير كمقدم للحصول على الخدمة القضائية من مرفق العدالة، وذلك للتيسير على الأفراد في الالتجاء للقضاء للذود عن حقوقهم، وفي ذات الوقت لصون مصالح الخزانة العامة، وأرجأ تحصيل ما يزيد على هذا المبالغ لحين صدور الحكم في الدعوى، ثم أجرى تسوية الرسم على أساس ما يحكم به نهائياً، وألزم بمصروفات الدعوى ورسومها الطرف الذي حدده الحكم سواء كان مدعياً أم مدعى عليه، والأصل أن يتم تقدير هذه المصروفات والرسوم في متن الحكم فإذا ما صدر الحكم خلواً من هذا البيان وقدر المشرع تخويل رئيس المحكمة التي أصدرت الحكم أو القاضي حسب الأحوال الاختصاص بتقدير الرسوم بأمر يصدره والفصل بالتالي - بموجب النص الطعين - في المعارضة التي يقدمها ذوو الشأن في مقدار هذه الرسوم، فإن ما قرره المشرع في هذا الشأن يأتي متفقاً مع القواعد العامة في إصدار الأحكام القضائية ومحققاً لسرعة سداد الرسوم القضائية من الطرف الملزم بها حتى لا ينال قدراً من الحقوق - يكون بها دون مقتض - أكثر امتيازاً على سواه، بل يتمتع ومن تتكافأ مراكزهم القانونية معه بالحقوق عينها وبالوسيلة ذاتها التي تعينهم على ممارسة حقهم في المعارضة.
وحيث إن مبدأ تكافؤ الفرص الذي تكفله الدولة للمواطنين كافة يتصل - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، وإعماله يقع عند تزاحمهم عليها، وأن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية في مجال الانتفاع بها لبعض المتزاحمين على بعض وفقاً لأسس موضوعية يتحقق من خلالها التكافؤ في الفرص يقتضيها الصالح العام، وإذ كان النص الطعين لا صلة له بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها، فإن النعي عليه بمخالفة حكم المادة (8) من الدستور يكون غير صحيح.
وحيث إن مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون - على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تباين في مراكزهم القانونية معاملة قانونية متكافئة، كما أنه ليس مبدأ تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة (40) من الدستور ولما كان المركز القانوني للمعارض في أمر التقدير الصادر من محكمة أول درجة يختلف عن المعارض في الأمر الصادر من المحكمة الاستئنافية ومرجع ذلك أن المنازعة التي تثور بشأن الرسوم القضائية المستحقة تتفرع عن الدعوى الأصلية وتخضع لذات القاعدة التي يخضع لها الحكم الصادر في الدعوى الأصلية تطبيقاً لقاعدة أن الفرع يتبع الأصل، متى كان ذلك، وكان الحكم الصادر من محكمة الدرجة الثانية غير جائز الطعن فيه بالاستئناف، فإن الحكم الصادر من رئيس المحكمة الأخيرة في المعارضة في أمر تقدير الرسوم يكون بالتبعية غير جائز الطعن فيه بالاستئناف، ومن ثم فإن قالة إخلال النص الطعين بمبدأ المساواة المنصوص عليه بالمادة 40 من الدستور لا يكون لها محل.
وحيث إن المشرع غير مقيد - في مجال ضمانة حق اللجوء إلى القضاء - بأشكال محددة تمثل أنماطاً جامدة لا تقبل التغيير أو التبديل، بل يجوز أن يختار من الصور الإجرائية لإنفاذ هذا الحق ما يكون في تقديره الموضوعي أكثر اتفاقاً مع طبيعة المنازعة التي يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي، ودون ما إخلال بضماناتها الرئيسية التي تكفل إيصال الحقوق لأصحابها وفق قواعد محددة تكون منصفة في ذاتها، ومن ثم فإن قصر التقاضي في بعض الدعاوى على درجة واحدة لا يناقض حق التقاضي، لما كان ما تقدم، وكان المشرع التزاماً منه بحق التقاضي قد كفل لكل من أُعلن بأمر تقدير الرسوم القضائية ضمان حماية حقوقه بأن أجاز له المعارضة في هذا الأمر أمام المحكمة التي اصدر رئيسها أمر التقدير أو القاضي حسب الأحوال وأوجب أن يصدر الحكم بعد سماع أقوال قلم الكتاب والمعارض إذا حضر، دونما تدخل من أي سلطة أخرى ومن ثم لا تشوب النص الطعين أية مخالفة لمبدأي خضوع الدولة للقانون واستقلال القضاء المنصوص عليهما بالمادتين 65 و165 من الدستور.
وحيث إن النص الطعين لا يخالف أي حكم آخر من أحكام الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات ومائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق