جلسة 9 من أبريل سنة 1979
برياسة السيد المستشار
حسن على المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد صلاح الدين
الرشيدي، وعادل برهان نور، وشرف الدين خيرى، ومحمد وهبة.
----------------
(98)
الطعن رقم 2037 لسنة 48
القضائية
(1) عفو. عقوبة. "العفو عن
العقوبة". دعوى جنائية. "نظرها والحكم فيها". دعوى مدنية(1).
العفو عن العقوبة.
ماهيته؟.
صدور عفو عن العقوبة قبل
الحكم النهائي في الدعوى الجنائية. أثره: عدم جواز المضي في نظرها ولو أمام محكمة
النقض. عدم تأثير ذلك على الدعوى المدنية التابعة. علة ذلك؟
(2)ضرب. "أفضى إلى موت". فاعل أصلى. مسئولية جنائية. حكم
"تسبيبه. تسبيب معيب".
مساءلة الجاني بصفته
فاعلاً في جريمة الضرب المفضي إلى موت. شرطه؟
(3) اشتراك. اتفاق. توافق. إثبات. "بوجه
عام". "قرائن". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الاتفاق. تعريفه. وجه
الاستدلال عليه. موضوعي. مثال.
(4)إثبات. "شهادة". بطلان. إجراءات. "إجراءات التحقيق".
حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". استعراف.
عدم رسم القانون صورة
معينة لتعرف الشاهد على المتهم. حق المحكمة الأخذ بتعرف الشاهد على المتهم ولو لم
يجر عرضه في جمع من أشباهه.
------------------
1 - من المقرر أن
الالتجاء إلى رئيس الدولة للعفو عن العقوبة المحكوم بها هو الوسيلة الأخيرة
للمحكوم عليه للتظلم من العقوبة الصادرة عليه، والتماس إعفائه منها كلها أو بعضها
وإبدالها بعقوبة أخف منها فمحله إذن أن يكون الحكم القاضي بالعقوبة غير قابل للطعن
بأية طريقة من طرقه العادية وغير العادية ولكن إذا كان التماس العفو قد حصل وصدر
العفو فعلاً عن العقوبة المحكوم بها قبل أن يفصل في الطعن بطريق النقض في الحكم
الصادر بالعقوبة فإن صدور هذا العفو يخرج الأمر من يد القضاء مما تكون معه محكمة
النقض غير مستطيعة المضي في نظر الدعوى ويتعين عليها التقرير بعدم جواز نظر الطعن،
ولما كان من المقرر أيضاً أن العفو عن العقوبة لا يمكن أن يمس الفاعل في ذاته ولا
يمحو الصفة الجنائية التي تظل عالقة به ولا يرفع الحكم ولا يؤثر فيما نفذ من عقوبة
بل يقف دون ذلك جميعاً لما كان ما تقدم، وكان أثر العفو عن الطاعن ينصرف إلى
الدعوى الجنائية وحدها ويقف دون المساس بما قضى به في الدعوى المدنية التي تسند
إلى الفعل ذاته لا إلى العقوبة المقضي بها عنه. وكان الطاعن قد طلب في أسباب طعنه
نقض الحكم في كل ما قضى به سواء بالنسبة للدعوى الجنائية أو الدعوى المدنية ومن ثم
يتعين القضاء بعدم جواز نظر الطعن المقدم منه بالنسبة للدعوى الجنائية وحدها مع
نظره بالنسبة للدعوى المدنية.
2 - متى كان الحكم
المطعون فيه وإن أورد في سياقه سرد ماديات الدعوى مختلطة بأدبياتها إلا أن ذلك لم
يفقده وضوحه وكفايته لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة
وحسبه في ذلك أن ذكر اسم الطاعن في صدد استخلاصه للواقعة ثم أشار إليه وإلى
الطاعنين الثالث والرابع والخامس بعد ذلك جملة بعبارة "الشرطة السرية"
تدليلاً على الأفعال التي قاموا بها مجتمعين دون تحديد لما ارتكبه كل منهم على حده
طالما أنه رتب مسئوليتهم جميعاً عن جريمة ضرب أفضى إلى موت والتي وقعت بناء على اتفاقهم
لما هو مقرر من أن الجاني يسأل بصفته فاعلاً في جريمة الضرب المفضي إلى الموت، إذا
كان هو الذى أحدث الضربة أو الضربات التي أفضت إلى الوفاة أو ساهمت في ذلك، أو أن
يكون هو قد أتفق مع غيره على ضرب المجنى عليه ثم باشر معه الضرب تنفيذاً للغرض الإجرامي
الذى اتفق معه عليه ولو لم يكن هو محدث الضربة أو الضربات التي سببت الوفاة بل كان
غيره ممن اتفق معهم هو الذى أحدثها.
3 - من المقرر أن الاتفاق
هو اتخاذ نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه. وهذه النية أمر داخلي لا يقع
تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية فمن حق القاضي أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج
والقرائن التي تتوافر لديه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل وجود
اتفاق بين الجانبين في قوله "إن الطاعن الأول كان يقف بين رجاله. وأخذته
العزة بالإثم ربطه بباقي المتهمين صلة العمل فضلاً عن المعية في الزمن والمكان
وأتجه وإياهم إلى قصد واحد مشترك بينهم هو الاعتداء على......... والتنكيل به
ينشدون إعلاء رأيه الباطل والقوة الغاشمة وأسهم كل منهم بدور في تنفيذه هذا
الاعتداء بحسب الخطة التي تكونت لديهم لحظة تنفيذ الجريمة فوضع الحديد في يديه من
خلف وفى قدميه وطرح أرضاً على وجهه وأخذ المتهم الأول وباقي المتهمين وقد نزعت
الرحمة من قلوبهم يركلونه بأقدامهم". ثم خلص الحكم إلى أنه قد ثبت لدى
المحكمة ثبوتاً لا ريب فيه أنهم اتفقوا فيما بينهم على ضرب ..... وباشر كل منهم
فعل الضرب تنفيذاً لهذا الاتفاق الذى تكون لديهم وقت أن خلص إليهم داخل القسم وأن
وفاته قد حدثت مما أحدثته الإصابات السابق بيانها في التقرير الطبي الشرعي. لما
كان ذلك، وكان ما أورده الحكم كافياً لإثبات تقابل إرادة المتهمين على التداخل في ضرب
المجنى عليه الأول - لا مجرد التوافق بينهم بناء على استقراء سائغ من المحكمة لا
يتنافى وحكم المنطق مما تنتفى معه عن الحكم قالة القصور في التسبيب أو الفساد في الاستدلال.
4 - إن القانون لم يرسم
صورة خاصة يبطل إذا لم يتم عليها. ومن حق محكمة الموضوع أن تأخذ بتعرف الشاهد على
المتهم ولو لم يجر عرضه في جمع من أشباهه، ما دامت قد اطمأنت إليه، إذ العبرة هى
باطمئنان المحكمة إلى صدق الشاهد نفسه.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعنين الخمسة الأول بأنهم ( أ ) المتهمون جميعا ضربوا ...... عمدا بأن اقتاده
المتهمون من الثاني حتى الأخير بأمر من المتهم الأول إلى ديوان قسم شرطة اللبان
واعتدوا عليه جميعاً بالضرب باتفاق بينهم بأن وضعوا قيدين حديديين بالقوة في يديه
من الخلف وساقيه وطرحوه أرضاً على وجهه في حجرة نوبة القسم وانهالوا عليه ركلا
بالأرجل ولكما بالأيدي مع الضغط على رقبته بالأقدام فأحدثوا به الإصابات الموصوفة
بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصدوا من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته. (ب)
(المتهم الأول) وهو مقدم شرطة .... (1) استعمل القسوة مع .... اعتماداً على سلطة
وظيفته بأن ضربه فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي. (2) قبض على
المجنى عليه سالف الذكر وأمر بحجزه بمكان الحجز بقسم شرطة اللبان في غير الأحوال التي
تصرح فيها القوانين واللوائح بالقبض على ذوى الشبهة، وطلبت من مستشار الإحالة
إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمادة 236/ 1 عقوبات بالإضافة إلى
المادتين 129 و280 منه بالنسبة للمتهم الأول، فقرر ذلك. وادعت والدة المجنى عليه
الأول عن نفسها وبصفتها وصية على ابنها...... كما ادعى أخوته البلغ...... و......
و....... و....... و...... مدنياً قبل المتهمين ووزارة الداخلية المسئولة عن
الحقوق المدنية بمبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض، ومحكمة جنايات الإسكندرية
قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات. (أولاً)
بمعاقبة كل من .... و.... و.... و.... و.... بالسجن لمدة خمس سنوات عن التهمة
الأولى، وبإلزامهم ووزير الداخلية بصفته بأن يدفعوا متضامنين إلى المدعين بالحق المدني
مبلغ سبعة آلاف جنيه والمصاريف المدنية المناسبة ومبلغ عشرين جنيهاً مقابل أتعاب
المحاماة. (ثانياً) بحبس المتهم الأول ستة شهور مع الشغل عن التهمتين الثانية
والثالثة. فطعن كل من المحكوم عليهم والمسئول عن الحقوق المدنية في هذا الحكم
بطريق النقض ... إلخ.
المحكمة
حيث إن الثابت من أوراق
الدعوى أنه بتاريخ 25 سبتمبر سنة 1977 أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 445 لسنة
1977 بالعفو عن باقي العقوبة المحكوم بها على الطاعن الأول..... وكذلك عن كافة
العقوبات والآثار الجنائية المترتبة على الحكم المطعون فيه. لما كان ذلك، وكان
الالتجاء إلى رئيس الدولة للعفو عن العقوبة المحكوم بها هو الوسيلة الأخيرة
للمحكوم عليه للتظلم عن العقوبة الصادرة عليه، والتماس إعفائه منها كلها أو بعضها
أو إبدالها بعقوبة أخف منها فمحله إذن أن يكون الحكم القاضي بالعقوبة غير قابل
للطعن بأية طريقة من الطرق العادية وغير العادية ولكن إذا كان التماس العفو قد حصل
وصدر العفو فعلاً عن العقوبة المحكوم بها قبل أن يفصل في الطعن بطريق النقض في الحكم
الصادر بالعقوبة فإن صدور هذا العفو يخرج الأمر من يد القضاء مما تكون معه محكمة
النقض غير مستطيعة المضي في نظر الدعوى ويتعين عليها التقرير بعدم جواز نظر الطعن،
ولما كان من المقرر أيضا أن العفو عن العقوبة لا يمكن أن يمس الفاعل في ذاته ولا
يمحو الصفة الجنائية التي تظل عالقة به ولا يرفع الحكم ولا يؤثر فيما نفذ من عقوبة
بل يقف دون ذلك جميعا. لما كان ما تقدم، وكان أثر العفو عن الطاعن ينصرف إلى
الدعوى الجنائية وحدها ويقف دون المساس بما قضى به في الدعوى المدنية التي تسند
إلى الفعل ذاته لا إلى العقوبة المقضي بها عنه. وكان الطاعن قد طلب في أسباب طعنه
نقض الحكم في كل ما قضى به سواء بالنسبة للدعوى الجنائية أو الدعوى المدنية ومن ثم
يتعين القضاء بعدم جواز نظر الطعن المقدم منه بالنسبة للدعوى الجنائية وحدها مع
نظره بالنسبة للدعوى المدنية.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه حصل واقعة الدعوى بما مجمله أنه أثناء مرور المقدم ..... الطاعن الأول -
بدائرة قسم شرطة اللبان شاهد ..... مصابا وعلم أن الذى اعتدى عليه هو ......
المجنى عليه الأول - فأمر رجال الشرطة السريين - الطاعنين الثاني والثالث والرابع
- بضبطه وإحضاره، وأثناء توجهم مع المطلوب ضبطه وفى صحبته شقيقه ...... المجنى
عليه الثاني - إلى قسم الشرطة كان الطاعن الأول يقف بباب مبنى القسم وما أن أبصر
به رجال الشرطة السريين حتى أمسكوا بالمجنى عليه الأول يجروه إلى داخل القسم
وأخذوا يعتدون عليه بالضرب، كما أن الطاعن لما علم بصلة المجنى عليه الأول بالمجنى
عليه الثاني أخذ يعتدى على هذا الخير ركلاً وصفعاً وقيد رجال الشرطة يديه من خلف
وأدخلوه حجرة النوبة حيث كان الطاعن الأول ومعه الشرطة السريين يضربون المجنى عليه
الأول في وحشية وهو ملقى على الأرض مقيد اليدين والقدمين يوسعونه ركلاً بأقدامهم
وزاد الطاعن الثالث بأن أخذ يقفز على كتفيه ولم يكونوا يقصدون من ذلك قتله ولكن
الضرب أفضى إلى موته. وأورد الحكم على ثبوت هذه الوقائع في حق المتهمين أدلة
مستمدة من أقوال المجنى عليه الثاني والشهود ومن التقرير الطبي الشرعي وانتهى إلى
إدانة المتهمين - الطاعنين الخمسة الأول - بجريمة ضرب المجنى عليه الأول ضرباً
أفضى إلى موته وإدانة الطاعن الأول بجريمتي استعمال القسوة مع المجنى عليه الثاني
والقبض عليه وحجزه بقسم الشرطة في غير الأحوال التى تصرح فيها القوانين بذلك، وقضت
بعقابهم جميعاً بالسجن لمدة خمس سنوات عن التهمة الأولى وبإلزامهم مع وزير
الداخلية - المسئول عن الحقوق المدنية - الطاعن السادس بأن يدفعوا متضامنين إلى
المدعيين بالحق المدنى مبلغ سبعة آلاف جنيه والمصاريف وبحبس الطاعن الأول ستة شهور
مع الشغل عن التهمتين الثانية والثالثة.
أولاً: الطعن المقدم من
الطاعن الأول:
وحيث إن مبنى الطعن
المقدم من الطاعن الأول هو القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد
والإخلال بحق الدفاع والخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن الحكم خلا من إيضاح صورة الواقعة
من ناحية تحديد زمن وقوعها وقام دفاع الطاعن على عدم صحة رواية أخوى المجنى عليه
الأول وأن العدوان الذى وقع على هذا الأخير كان بعد نوم الطاعن بدلالة شهادة عامل
التليفون الذى أيقظه في الصباح لإخطاره بحالة المجنى عليه ولم يعن الحكم بالرد على
هذا الدفاع الجوهري كما عول الحكم على أقوال الشهود رغم تضاربها وعدم اتفاقها مع
تقرير الصفة التشريحية إذ شهدوا بأن أحد المتهمين كان يقفز على رقبة المجنى عليه
وكتفيه في حين أن التقرير الطبي خلا من ذكر آثار تدل على ذلك هذا بالإضافة إلى أن
الحكم أسند إلى الشاهدة ....... أنها رأت واقعة الاعتداء وهو ما يخالف أقوالها
الثابتة في الأوراق واعتبر حصول الطاعن على شهادة سوابق أحد الشهود إجراء غير
مشروع رغم أن من حق الطاعن الحصول على دليل براءته من أى طريق وأخيراً فإن الحكم
دان الطاعن عن واقعتي الاعتداء على المجنى عليهما وأنزل به عقوبة مستقلة عن كل
تهمة رغم ارتباطهما.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان
الطاعنين بها، وأورد على ثبوتها أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم
عليها. وحيث أنه من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود
وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى
إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا
إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق وأن وزن أقوال الشهود
وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذى
تطمئن إليه بغير معقب وأن الأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد
اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وأن
القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة
والظروف التي وقعت فيها. بل يكفى أن يكون مجموع ما أوردة الحكم كافياً في تفهم
الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة. لما كان ذلك وكانت المحكمة قد
أوردت صورة الواقعة حسبما استخلصتها في بيان كاف لتفهمها واطمأنت إلى أقوال شهود
الإثبات وصحة تصويرهم وأوضحت واقعة الدعوى حسب تسلسل الأحداث فيها وأوردت على ثبوت
كل حلقة فيها أقوال الشاهد الذى عاصر وقوعها ولم تر في شهادة عامل التليفون ما
يغير من هذا الاطمئنان فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في حق
محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة وتقدير الدليل مما لا يجوز مجادلتها فيه أو
مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان تناقض الشهود أو
تضاربهم في أقوالهم أو تناقض رواياتهم في بعض تفصيلاتها - بفرض حصوله - لا يعيب
الحكم أو يقدح في سلامته ما دام الحكم قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصهم
سائغاً لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات على نحو يركن به إليها في تكوين
عقيدته - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي في هذا الشأن يكون على غير
أساس. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما أثير في شأن واقعة القفز مقرراً أنه ليس
بلازم أن ينشأ عنها كسر العظم اللامي وأضاف إلى ذلك قوله: "خاصة إذا ما شهد
شقيقه..... و..... أنه (أي الطاعن الثالث) كان يقفز فوقه، والفوقية كما تكون على
عنقه تكون على رأسه وكتفيه وظهره، وقد أوضح التقرير الطبي الشرعي عن وجود إصابات
بالرأس وبالكتفين وبالعنق والظهر" ثم نقل الحكم عن التقرير الطبي بياناً لتلك
الإصابات فإن ما أورده الحكم في ذلك كاف لإزالة التعارض بل وإيجاد التلاءم بين
الدليلين القولي والفني بما يكون معه نعى الطاعن في هذا الشأن غير صحيح. لما كان
ذلك، وكان ما أورده الحكم من شهادة....... مفاده أنها شاهدت المجنى عليه الأول
مقيد وملقى على الأرض بغرفة النوبة وتبين لها أنه فارق الحياة ولم يسند إليها
القول بمشاهدة العدوان كما لم يتساند إلى قولها في بيان كيفية وقوعه ومن ثم يبرأ
الحكم من قالة الخطأ في الإسناد، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير سديد.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدور رئيس المباحث الجنائية في محاباة
زميله الطاعن الأول بتسليمه مذكرة سوابق شاهد الإثبات ووصف ذلك بعدم الأمانة إلا
أن ذلك لم يكن إلا تزيداً من الحكم واستطراداً في عرض ما أحاط بالدعوى من ملابسات
وليس من شأنه أن يؤثر في منطق الحكم، ومن ثم فإن النعي عليه في ذلك يكون في غير
محله لما هو مقرر من أنه لا يعيب الحكم تزيده فيما لم يكن في حاجة إليه ما دام أنه
أقام قضاءه على أسباب صحيحة كافية بذاتها لحمله - كما هو الحال في الدعوى الماثلة
- لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن عن عدم إعمال أحكام الارتباط في شأن الجرائم التي
دانه بها هو نعى يتعلق بالعقوبة المقضي بها لا بأصل الإدانة وكان قرار العفو
الصادر عن العقوبة قد كف يد القضاء عن معاودة بحثها على ما سلف بيانه وكان أمر
الارتباط أو التجزئة لا يؤثر بحال على الحكم الصادر في الدعوى المدنية وهو ما
انحصر فيه نطاق بحث الطعن فإنه لا محل للرد على نعى الطاعن في هذا الشأن، لما كان
ما تقدم فإن الطعن يكون واجب الرفض.
ثانياً: عن الطعن المقدم
من الطاعن الثاني.
حيث إن مبنى الطعن المقدم
من الطاعن الثاني هو القصور في التسبيب ذلك واطلقت في نسبة الاعتداء إلى الشرطة
السريين دون بيان لدور الطاعن في الاعتداء ولا مضمون كل دليل من الأدلة التى تساند
إليها الحكم في إدانته.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه وإن أورد في بيانه سرد ماديات الدعوى مختلطة بأمر بيانها إلا أن ذلك لم يفقده
وضوحه وكفايته لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة وحسبه في ذلك
أن ذكر اسم الطاعن في صدد استخلاصه للواقعة ثم أشار إليه وإلى الطاعنين الثالث
والرابع والخامس يعد ذلك جملة بعبارة (الشرطة السريين) تدليلاً على الأفعال التي
قاموا بها مجتمعين دون تحديد لما ارتكبه كل منهم على حده طالما أنه رتب مسئوليتهم
جميعاً عن جريمة الضرب المفضي إلى موت والتي وقعت بناء على اتفاقهم لما هو مقرر من
أن الجاني يسأل بصفته فاعلاً في جريمة الضرب المفضي إلى الموت إذا كان هو الذى
أحدث الضربة أو الضربات التي أفضت إلى الوفاة أو ساهمت في ذلك، أو أن يكون هو قد
أتفق مع غيره على ضرب المجنى عليه ثم باشر معه الضرب تنفيذاً للغرض الإجرامي الذى
اتفق معه عليه ولو لم يكن هو محدث الضربة أو الضربات التي سببت الوفاة بل كان غيره
ممن اتفق معهم الذى أحدثها. أما ما يثيره الطاعن عن عدم بيان الحكم مضمون كل دليل
من الأدلة فمردود بما أورده الحكم من بيان لما عول عليه من أقوال شهود الإثبات وما
أورده تقرير الطبيب الشرعي على نحو يستقيم به قضاؤه لما هو مقرر من أن محكمة
الموضوع لا تلتزم بأن تورد في حكمها من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها لما
كان ما تقدم فإن منعى الطاعن يكون غير سديد ويضحى طعنه حرياً بالرفض.
ثالثاً عن الطعن المقدم
من الطاعن الثالث:
حيث إن مبنى الطعن المقدم
من الطاعن الثالث هو القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، والخطأ في تطبيق
القانون ذلك بأن الحكم لم يرد على ما دفع به المدافع عن الطاعن من عدم قيام اتفاق
بين المتهمين يرتب تضامناً فيما بينهم في المسئولية مما يجعل مسئولية الطاعن في نطاق
القدر المتيقن - وساق الحكم في التدليل على وجود اتفاق بين المتهمين عبارات تدل
على معنى التوافق على الاعتداء لا الاتفاق عليه، كما أن الحكم لم يعمل في حق
الطاعن الأول نص المادة 32 من قانون العقوبات رغم ارتباط الجرائم المسندة إليه.
وحيث إنه من المقرر أن
الاتفاق هو اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه. وهذه النية أمر داخلي
لا يقع تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية فمن حق القاضي أن يستدل عليه بطريق
الاستنتاج والقرائن التي تتوافر لديه، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل
وجود اتفاق بين الجانبين في قوله "أن الطاعن الأول كان يقف بين رجاله وأخذته
العزة بالإثم ربطه بباقي المتهمين صلة العمل فضلاً عن المعية في الزمان والمكان
وأتجه وإياهم إلى قصد واحد مشترك بينهم هو الاعتداء على......... والتنكيل به
ينشدون إعلاء رأيه الباطل والقوة الغاشمة وأسهم كل منهم بدور في تنفيذ هذا
الاعتداء بحسب الخطة التي تكونت لديهم لحظة تنفيذ الجريمة فوضع الحديد في يديه من
خلف وفى قدميه وطرح أرضاً على وجهه وأخذ المتهم الأول وباقي المتهمين وقد نزعت
الرحمة من قلوبهم يركلونه بأقدامهم....". ثم خلص الحكم إلى أنه قد ثبت لدى
المحكمة ثبوتاً لا ريب فيه أنهم اتفقوا فيما بينهم على ضرب....... وباشر كل منهم
فعل الضرب تنفيذاً لهذا الاتفاق الذى تكون لديهم وقت أن خلص إليهم داخل القسم وأن
وفاته قد حدثت مما أحدثته الإصابات السابق بيانها في التقرير الطبي. لما كان ذلك،
وكان ما أورده الحكم كافياً لإثبات تقابل إرادة المتهمين على التداخل في ضرب
المجنى عليه الأول - لا مجرد التوافق بينهم - بناء على استقراء سائغ من المحكمة لا
يتنافى وحكم المنطق مما تنتفى معه عن الحكم قالة القصور في التسبيب أو الفساد في الاستدلال.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان
متصلاً منها بشخص الطاعن في هذا الخصوص وكان ما ينعاه الطاعن الثالث من إغفال
الحكم إعمال أحكام الارتباط بالنسبة للجرائم التي دين بها الطاعن الأول لا تتصل
بشخصه ولا مصلحة له فيه بل يختص بالطاعن الأول وحده ومن ثم لا يقبل من الطاعن ما
يثيره في هذا المنعى ويكون طعنه برمته على غير أساس ويتعين رفضه.
رابعاً عن الطعن المقدم
من الطاعن الرابع:
وحيث إن مبنى الطعن
المقدم من الطاعن الرابع هو القصور في التسبيب ذلك بأن المدافع عنه أثار أمام
المحكمة دفاعاً هاماً هو أن الشاهدين........ و........ لم يتعرفا على الطاعن في عملية
العرض التي أجرتها النيابة العامة فلم يسقط الحكم هذا الدفاع حقه في الرد عليه.
وحيث إنه من المقرر أن
القانون لم يرسم صورة خاصة يبطل إذا لم يتم عليها وأن من حق محكمة الموضوع أن تأخذ
بتعرف الشاهد على المتهم ولو لم يجر عرضه في جمع من أشباهه، ما دامت قد اطمأنت
إليه، إذ العبرة هي باطمئنان المحكمة إلى صدق الشاهد نفسه. لما كان ذلك، وكان
الحكم المطعون فيه بعد أن أورد دفاع الطاعن في هذا الشأن عقب عليه بقوله "أنه
مردود بما هو ثابت بمحضر السيد رئيس النيابة....... تعرف هذين الشاهدين على
المتهمين....... والرابع وقد كانا واقفين خارج غرفة الحبس.... وتطمئن المحكمة إلى
تعرف الشاهدين على المتهم الرابع" وهو رد كاف وسائغ على دفاع الطاعن إذ لا
على المحكمة إن هي اعتمدت على الدليل المستمد من تعرف المجنى عليها على الطاعن ما
دام قوة تقدير الدليل من سلطة محكمة الموضوع وحدها، وتكون مجادلة الطاعن في هذا
الخصوص غير مقبولة ويكون طعنه مرفوضاً.
خامساً: عن الطعن المقدم
من الطاعن الخامس:
حيث إن مبنى الطعن المقدم
من الطاعن الخامس هو القصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق
الدفاع ذلك بأن الحكم دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت دون أن يسند إليه
أفعالاً من شأنها إحداث الموت وخلا من تحديد محدث الإصابة التي أدت إلى الوفاة ولم
يورد الأدلة السائغة على وجود اتفاق بين المتهمين كما أن الدفاع عنه تمسك بأنه كان
وقت الاعتداء مكلف بالخدمة خارج باب القسم فلم تحقق المحكمة دفاعه هذا بالاطلاع
على دفتر توزيع القوة وسؤال المختصين ولم ترد عليه.
وحيث إن الأوجه الأولى من
هذا الطعن مردوده بما سبق الرد به على مثيلتها من أوجه الطعن السابقة أما ما يثيره
الطاعن في شأن تكليفه بالعمل خارج باب القسم فإنه لا يؤدى - بفرض صحته - إلى نفى
الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة بل المقصود به التشكيك في أقوال
شهود الإثبات التي اطمأنت إليها المحكمة ومن ثم فلا تثريب عليها بعد ذلك إن هى
أعرضت عنه ولم تحققه باعتباره دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته. لما كان
ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس.
سادساً: عن الطعن المقدم
من الطاعن السادس:
وحيث إن مبنى الطعن
المقدم من الطاعن السادس - المسئول عن الحقوق المدنية - هو الخطأ في تطبيق القانون
إذ قضى الحكم في خصوص الدعوى المدنية بما لم يطلبه الخصوم ذلك بأنهم طلبوا في صحيفة
ادعائهم تعويضا عما لحقهم من أضرار مادية وأدبية بسبب فقد المجنى عليه الأول فقضى
لهم الحكم بالتعويض عما أصاب مورثهم من ضرر مادى وهو قضاء منه بما لم يطلبه محامى
الخصوم.
وحيث إن البين من محاضر
جلسات المحاكمة أن محامى المدعين بالحق المدني طلب إلزام المتهمين والمسئول عن
الحقوق المدنية متضامنين بمبلغ عشرة آلاف جنيه وقدم للمحكمة ما يفيد انحصار إرث
المجنى عليه في المدعين بالحق المدني، كما أشار في مرافعته إلى أن المجنى عليه كان
يعول والدته وأخوته وأنهم أضيروا من وفاته ومفاد ذلك أن المدعيين بالحقوق المدنية
قد استندوا في طلب التعويض إلى ما توافر لهم من حقيقة صفة لوارث للمجني عليه وصفة
المضرور وضرراً مباشراً من وفاته. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه إذ عرض
لأمر التعويض قد فطن للصفتين فأشار ابتداء إلى الضرر المادي الذي أصاب المورث
وانتقل الحق في التعويض عنه إلى المدعين بالحقوق المدنية ثم أردف ذلك إلى التحدث
عن الضرر المباشر الذي لحق بهم بقوله: "وحيث إنه بإيضاح ما تقدم، وكان كل خطأ
يسبب ضرر للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض، فإن المحكمة تقدر التعويض الذي يلتزم به
المتهمين متضامنين، وعلى ضوء المعاير التي أوردتها المادة 170 من القانون المدني
بمبلغ سبعة آلاف جنيه مراعية في ذلك أن يكون هذا التعويض شاملاً للضرر بشقيه المادي
والمعنوي" فإن الحكم يكون قد جمع للمدعيين بالحقوق المدنية من حقهم الموروث
عن المجنى عليه في تعويض ما أصابه من ضرر مادي إلى تعويض ما أصابهم من جراء فقده
من ضرر أدبي وهو ما يتفق وحقيقة طلباتهم الختامية ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا
الخصوص غير صحيح وطعنه واجب الرفض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن المقدم من الطاعنين
يكون في غير محله متعيناً رفضه موضوعاً.
(1) راجع
أيضاً الطعن رقم 1603 لسنة 48 - جلسة 11/ 6/ 1979 (لم ينشر). والسنة 18 صـ 334،
ومجموعة الربع قرن صـ 837 بند 1.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق