القضية رقم 141 لسنة 4 ق "دستورية ".
باسم الشعب
المحكمة الدستورية
العليا
بالجلسة
العلنية المنعقدة في يوم السبت 4 من أبريل 1987م الموافق 6 شعبان 1407ه.
برئاسة
السيد المستشار/ محمد على بليغ
رئيس المحكمة
وحضور
السادة المستشارين/ محمود حمدي عبد العزيز وممدوح مصطفى حسن ومنير أمين عبد المجيد
ورابح لطفى جمعة ومحمد كمال محفوظ والدكتور محمد إبراهيم ابو العينين
أعضاء
وحضور
السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عماره المفوض
وحضور
السيد/ رأفت محمد عبد الواحد أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في
القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 141 لسنة 4 قضائية
"دستورية ".
بعد
أن أحالت محكمة جنح ملوى ملف الدعوى رقم 340 لسنة 1981 جنح قسم ملوى .
المرفوعة من:
-
النيابة العامة .
ضد
1-
وجيه بشرى .
2-
شاكر بديع جاد السيد.
3-
السيد/ رئيس الوزراء.
"الإجراءات"
بتاريخ
6 ديسمبر سنة 1982 ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 340 لسنة 1981 جنح قسم
ملوى بعد أن قضت محكمة جنح ملوى فى 13 أبريل لسنة 1981 بوقف الدعوى وإحالة الأوراق
إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية المادة 7 من القانون 63 لسنة
1976 بحظر شرب الخمر.
وقدمت
هيئة قضايا الدولة مذكرة طالبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً
برفضها.
وبعد
تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت
الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
"المحكمة "
بعد
الاطلاع على الأوراق والمداولة .
حيث
إن الوقائع – على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أن النيابة
العامة اتهمت المتهمين في الجنحة رقم 340 لسنة 1981 قسم ملوى بأنهما (1) تناولا
مواد كحولية في الطريق العام (2) ضبطاً في الطريق العام بحالة سكر على الوجه
المبين بالمحضر، وطلبت إلى محكمة جنح ملوى عقابهما بالمواد (1، 2، 7) من القانون
رقم 63 لسنة 1976 بحظر شرب الخمر، وإذ ترامى للمحكمة عدم دستورية المادة 7 من
القانون المشار إليه، فقد قضت بجلسة 13 إبريل سنة 1981 بوقف الدعوى وإحالة الأوراق
إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية تلك المادة ، استناداً إلى أنها –
إذ تنص على عقاب من يضبط فى محل عام فى حالة سكر بالحبس أو الغرامة – تكون قد
انطوت على مخالفة لمبادئ الشريعة ال إسلامية التي أصبحت طبقاً للمادة الثانية من
الدستور "المصدر الرئيسي للتشريع" ، وذلك باعتبار أن شرب الخمر من جرائم
الحدود فى الشريعة الإسلامية التي توجب القضاء بعقوبة الجلد.
وحيث
إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى لانعدام المصلحة فى الحكم بعدم
دستورية نص المادة 7 من القانون رقم 63 لسنة 1976 بحظر شرب الخمر، تأسيساً على أن
القضاء بذلك لا يحقق ما قصده قرار الإحالة من إثارة المسألة الدستورية توصلاً
لتوقيع حد الجلد على المتهمين، ذلك أن مؤدى هذا القضاء أن يصبح شرب الخمر بلا
عقوبة إلى أن تقنن عقوبة الجلد فى نص تشريعي جديد، وأنه حتى بعد تقنين مثل هذا
النص، فإن تلك العقوبة لن تكون سارية إلا من وقت العمل بالنص الجديد دون أثر رجعى
إعمالاً لنص المادة (66) من الدستور.
وحيث
إن المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979
– بعد أن نصت فى صدرها على أن تتولى المحكمة الرقابة القضائية على دستورية
القوانين واللوائح على الوجه التالى – حددت فى فقرتها (أ) الطريقة الأولى تحقيق
هذه الرقابة ، فنصت على أنه "إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات
الاختصاص القضائي أثناء نظر إحدى الدعاوى عدم دستورية نص فى قانون أو لائحة لازم
للفصل فى النزاع، أوقفت الدعوى وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية
العليا للفصل في المسألة الدستورية ، ومؤدى هذه الفقرة أن مناط قبول الدعوى
الدستورية المحالة إلى هذه المحكمة إعمالاً لها هو أن يكون نص القانون أو اللائحة
المطلوب الفصل فى دستوريته – لازماً للفصل فى النزاع فى الدعوى الموضوعية التى
أثيرت المسألة الدستورية بمناسبتها – بأن يكون من شأن الحكم فى هذه المسألة أن
يؤثر فى الحكم فى دعوى الموضوع.
لما كان ذلك، وكانت المادة السابعة من القانون رقم 63 لسنة 1976 المطلوب الفصل فى
دستوريتها – تتضمن بيان العقوبة التى طلبت النيابة العامة إلى محكمة الجنح توقيعها
على المتهمين جزاء لما أسندته إليهما من اتهام فى الجنحة المشار إليها، وهى على
هذا الأساس لازمة للفصل فيها، ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى الذى أثارته
الحكومة فى هذا الشأن قائماً على غير أساس متعيناً رفضه.
وحيث
أن الدعوى استوفت أوضاعها القانونية .
وحيث
أن القانون رقم 63 لسنة 1976 بحظر شرب الخمر الصادر فى 12 من أغسطس سنة 1976
والمعمول به ابتداء من 12 أكتوبر سنة 1976 ينص فى المادة السابعة منه – محل الطعن
– على أن "يعاقب كل من يضبط فى مكان عام أو فى محل عام فى حالة سكر بين
بالحبس الذى لا تقل مدته عن أسبوعين ولا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تقل عن
عشرين جنيهاً ولا تجاوز مائة جنيه و يجب الحكم بعقوبة الحبس فى حالة العود".
وحيث
أنه يبين من تعديل الدستور الذى تم بتاريخ 22 مايو سنة 1980 أن المادة الثانية
أصبحت تنص على أن "الإسلام دين الدولة ، واللغة العربية لغتها الرسمية ،
ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" بعد أن كانت تنص عند صدور
الدستور فى 11 سبتمبر سنة 1971 على أن "الإسلام دين الدولة واللغة العربية
لغتها الرسمية ، ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع"، والعبارة
الأخيرة من هذا النص لم يكن لها سابقة فى أي من الدساتير المصرية المتعاقبة ابتداء
من دستور 1923 وحتى دستور سنة 1964.
وحيث
إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح – المنوطة بالمحكمة الدستورية
العليا – تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وتأكيد احترامه وحمايته من الخروج على
أحكامه، وسبيل هذه الرقابة التحقق من التزام سلطة التشريع بما يورده الدستور فى
مختلف نصوصه من ضوابط وقيود، ومن ثم فإنه يتعين – عند الفصل فيما يشار فى شأن هذه
التشريعات من مطاعن تستهدف نقض قرينة الدستورية – استظهار هذه الضوابط والقيود
وتحديدها وذلك للتعرف على مدى مخالفة تلك التشريعات لها.
وحيث
أنه يبين من صيغة العبارة الأخيرة من المادة الثانية من الدستور- بعد
تعديلها على نحو ما سلف – أن المشرع الدستوري أتى بقيد على السلطة المختصة
بالتشريع قوامه إلزام هذه السلطة – وهي بصدد وضع التشريعات – بالالتجاء إلى مبادئ
الشريعة لاستمداد الأحكام المنظمة للمجتمع، وهو ما أشارت إليه اللجنة الخاصة
بالإعداد لتعديل الدستور فى تقريرها إلى مجلس الشعب والذى أقره المجلس بجلسة 19
يوليه سنة 1979 وأكدته اللجنة التي أعدت مشروع التعديل وقدمته إلى المجلس فناقشه
ووافق عليه بجلسة 30 إبريل سنة 1980، إذ جاء فى تقريرها عن مقاصد تعديل الدستور
بالنسبة للعبارة الأخيرة من المادة الثانية بأنها "تلزم المشرع بالالتجاء إلى
أحكام الشريعة الإسلامية للبحث عن بغيته فيها مع إلزامه بعدم الالتجاء إلى غيرها،
فإذا لم يجد فى الشريعة الإسلامية حكماً صريحاً، فإن وسائل استنباط الأحكام من
المصادر الاجتهادية فى الشريعة الإسلامية تمكن المشرع من التوصل إلى الأحكام
اللازمة والتي لا تخالف الأصول والمبادئ العامة للشريعة ...".
ولما
كان مفاد ما تقدم أن سلطة التشريع اعتباراً من تاريخ العمل بتعديل العبارة الأخيرة
من المادة الثانية من الدستور في 22 مايو سنة 1980 – أصبحت مقيدة فيما تسنه من
تشريعات مستحدثة أو معدلة لتشريعات سابقة على هذا التاريخ، بمراعاة أن تكون هذه
التشريعات متفقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية وبحيث لا تخرج في الوقت ذاته- عن
الضوابط والقيود التي تفرضها النصوص الدستورية الأخرى على سلطة التشريع فى صدد
الممارسة التشريعية ، فهي التي يتحدد بها – مع ذلك القيد المستحدث- النطاق الذى
تباشر من خلاله المحكمة الدستورية العليا رقابتها القضائية على دستورية
التشريعات. لما كان ذلك، وكان التزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية
المصدر الرئيسي للتشريع على ما سلف بيانه لا ينصرف سوى إلى التشريعات التى تصدر
بعد التاريخ الذى فرض فيه الإلزام بحيث إذا انطوى أي منها على ما يتعارض مع مبادئ
الشريعة الإسلامية يكون قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية ، أم التشريعات السابقة
على ذلك التاريخ، فلا يتأتى إنفاذ حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها لصدورها
فعلاً من قبله، أي في وقت لم يكن القيد المتضمن هذا الإلزام قائماً واجب الإعمال،
ومن ثم فإن هذه التشريعات تكون بمن أى عن إعمال هذا القيد، وهو مناط الرقابة
الدستورية . ويؤيد هذا النظر ما أو ردته اللجنة العامة فى مجلس الشعب بتقريرها
المقدم بجلسة 15 سبتمبر سنة 1981 والذى وافق عليه المجلس من أنه "كان دستور
سنة 1971 أول دستور فى تاريخنا الحديث ينص صراحة على أن الشريعة الإسلامية مصدر
رئيسي للتشريع، ثم عدل الدستور سنة 1980 لتكون الشريعة الإسلامية هي المصدر
الرئيسي للتشريع، وهذا يعني عدم جواز إصدار أي تشريع فى المستقبل يخالف أحكام
الشريعة الإسلامية ، كما يعني ضرورة إعادة النظر فى القوانين القائمة قبل العمل
بدستور سنة 1971 وتعديلها بما يجعلها متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية "،
واستطرد تقرير اللجنة إلى أن "الانتقال من النظام القانوني القائم حالياً فى
مصر والذى يرجع إلى أكثر من مائة سنة إلى النظام القانوني الإسلامي المتكامل يقتضي
الأناة والتدقيق العملي، ومن هنا فإن تقنين المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التى
لم تكن مألوفة أو معروفة ، وكذلك ما جد فى عالمنا المعاصر وما يقتضيه الوجود في
المجتمع الدولي من حالات وعلاقات ومعاملات، كل ذلك يستأهل الروية ويتطلب جهوداً،
ومن ثم فإن تغيير النظام القانونية جميعه ينبغي أن يتاح لواضعيه والقائمين عليه
الفترة الزمنية المناسبة حتى تجميع هذه القوانين متكاملة في إطار القرآن والسنة
وأحكام المجتهدين من الأئمة والعلماء....".
وحيث
إن إعمال المادة الثانية من ا لدستور – بعد تعديلها – على ما تقد بيانه – وإن كان
مؤداه إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي لما يضعه من
تشريعات بعد التاريخ الذى فرض فيه هذا الإلزام بما يترتب عليه من اعتباره مخالفاً
للدستور إذا لم يلتزم بذلك القيد، إلا أن قصر هذا الإلزام على تلك التشريعات لا
يعنى إعفاء المشرع من تبعة الإبقاء على التشريعات السابقة – رغم ما قد يشوبها من
تعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية ، وإنما يلقى على عاتقه من الناحية السياسية
مسئولية المبادرة إلى تقنية نصوص هذه التشريعات من أية مخالفة للمبادئ سالفة
الذكر، تحقيقاً للاتساق بينها وبين التشريعات اللاحقة في وجوب اتفاقها جميعاً مع
هذه المبادئ وعدم الخروج عليها.
وحيث
أنه ترتيباً على ما تقدم، ولما كان مبنى الطعن مخالفة المادة السابعة من القانون
رقم 63 لسنة 1976 بحظر شرب الخمر للمادة الثانية من الدستور تأسيساً على أن شرب
الخمر الذى تعاقب عليه تلك المادة بالحبس أو الغرامة – يعد من جرائم الحدود في
الشريعة الإسلامية التي توجب توقيع عقوبة الجلد طبقاً لمبادئ تلك الشريعة التى
جعلتها المادة الثانية من الدستور المصدر الرئيسي للتشريع، وإذ كان القيد المقرر
بمقتضى هذه المادة – بعد تعديلها بتاريخ 22 مايو سنة 1980 والم تضمن إلزام المشرع
بعدم مخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية – لا يتأتى إعماله بالنسبة للتشريعات السابقة
عليه حسبما سلف بيانه، وكانت المادة السابعة من القانون رقم 63 لسنة 1976 بحظر شرب
الخمر الصادر في 12 أغسطس سنة 1976 والمعمول به ابتداء من 12 أكتوبر سنة 1976 لم
يلحقها أي تعديل بعد التاريخ المشار إليه، ومن ثم فإن النعي عليها – وحالتها هذه –
بمخالفة حكم المادة الثانية من الدستور – وأياً ما كان وجه الرأي في تعارضها مع
مبادئ الشريعة الإسلامية – يكون فى غير محله، الأمر الذى يتعين معه الحكم برفض
الدعوى .
"فلهذه الأسباب"
حكمت
المحكمة برفض الدعوى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق