جلسة 12 من نوفمبر سنة 1997
برئاسة السيد المستشار/ محمد أحمد حسن نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ عبد اللطيف علي أبو النيل ومحمد إسماعيل موسى ويحيى محمود خليفة ومحمد علي رجب نواب رئيس المحكمة.
----------------
(187)
الطعن رقم 18823 لسنة 65 القضائية
(1) تفتيش "إذن التفتيش". إصداره. نيابة عامة.
صحة التفتيش الذي تجريه النيابة العامة أو تأذن في إجرائه في مسكن المتهم أو ما يتصل بشخصه. شرطه؟
(2) مواد مخدرة. تفتيش "إذن التفتيش إصداره. بياناته". استدلالات. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير جدية التحريات". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش. موضوعي المجادلة في ذلك. أمام النقض. غير جائزة.
خلو محضر التحريات من إيراد البيانات التي ساقها الطاعنان بأسباب طعنهما. غير قادح في جدية التحريات.
عدم العثور على المخدر في مسكن الطاعنين خلافاً لما ورد بمحضر التحريات. غير قادح في جديتها. علة ذلك؟
(3) إثبات "اعتراف". إكراه. دفوع "الدفع ببطلان الاعتراف". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
دفع الطاعن ببطلان اعترافه بالتحقيقات المكونة وليد إكراه معنوي تمثل في حبسه انفرادياً بالسجن باعتباره جدي باعترافه بالجريمة أمام المحكمة. أثر ذلك؟
المحبوسان احتياطياً. إقامتهم في أماكن منفصلة عن غيرهم من المسجونين. أساس ذلك؟
حبس الطاعن انفرادياً بالسجن لا يمثل إكراهاً معنوياً مبطلاً لاعترافه. ما دام لا يدعي وجود محبوسين احتياطياً غيره في السجن وقت حبسه.
للمحكمة الالتفات عن الدفاع القانوني في ظاهر البطلان.
(4) دفوع "الدفع ببطلان الاعتراف". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم التزام المحكمة بالرد على الدفع ببطلان الاعتراف ما دام أنها لم تعول عليه في الإدانة ولم تشر إليه في مدوناته حكمها.
(5) إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى" "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. ما دام سائغاً. وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
أخذ المحكمة بأقوال شاهد. مفاده؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى. غير جائز أمام النقض.
(6) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته والرد عليه ماهيته؟
مثال: لطلب غير جازم.
(7) مسئولية جنائية "الإعفاء منها". أسباب الإباحة وموانع العقاب "الجنون والعاهة العقلية".
المرض العقلي الذي تنعدم به المسئولية الجنائية هو الذي يعدم الشعور والإدراك. المادة 62 عقوبات.
الحالات النفسية التي لا تفقد الشعور والإدراك ليست سبباً لانعدام المسئولية.
(8) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الجنون والعاهة العقلية". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير حالة المتهم العقلية. موضوعي ما دام سائغاً.
عدم التزام المحكمة بندب خبير فني في الدعوى للوقوف على إصابة المتهم بالمرض العقلي إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها تقديرها.
(9) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
إغفال الحكم الإشارة إلى التقرير الطبي الذي قدمه الطاعن. لا يعيبه. علة ذلك؟
(10) مسئولية جنائية. أسباب الإباحة وموانع العقاب "الغيبوبة" "السكر الاختياري". عقوبة "عقوبة الجريمة الأخف". قصد جنائي. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها" "المصلحة في الطعن".
الغيبوبة المانعة من المسئولية المنصوص عليها في المادة 62 عقوبات. ماهيتها؟
تناول المخدر أو المسكر عن علم واختيار. أثره؟
اقتراف الجاني لجرائم تتطلب قصد جنائي خاص. وجوب التحقق من قيام هذا القصد لديه من الأدلة المستمدة من حقيقة الواقع.
دفع الطاعن بإصابته بمرض عقلي لإدمانه تعاطي المخدر. ليس مانعاً من مسئوليته عن جريمة إحراز المخدر بغير قصد.
انتفاء مصلحة الطاعن في النعي على الحكم قصوره في الرد على دفعه بانعدام مسئوليته الجنائية لإصابته بمرض عقلي لإدمانه تعاطي المخدر. متى أوقع عليه عقوبة جريمة إحراز المخدر بقصد التعاطي الأخف من تلك المقررة لجريمة إحرازه بغير قصود.
(11) نقض "حالات الطعن. الخطأ في القانون" "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة الإعادة.
قضاء محكمة الإعادة بزيادة الغرامة المقضي بها على الطاعن بموجب الحكم المنقوض. خطأ في القانون. ما دام النقض حاصلاً بناء على طعنه وحده. أساس ذلك؟
(12) نقض "الطعن للمرة الثانية" "نظره والحكم فيه" "حالات الطعن. الخطأ في القانون".
متى يجوز لمحكمة النقض في حالة نقض الحكم للمرة الثانية الفصل فيه دون تحديد جلسة لنظر الموضوع؟
2 - إذ كان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فمتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة العامة على تصرفها في هذا الشأن - فلا معقب عليها فيما ارتأته ولا تجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض، ولما كان خلو محضر التحريات من إيراد البيانات التي ساقها الطاعنان بأسباب طعنهما لا يقدح بذاته في جدية التحريات، وكان عدم العثور على المخدر في مسكن الطاعنين خلافاً لما ورد بمحضر التحريات لا يقدح في جديتها لأن الأعمال الإجرائية محكومة من جهة الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها فإن منعى الطاعنين في صدد ما تقدم لا يكون سديداً.
3 - لما كان البين من الأوراق أن الطاعن الأول وإن دفع في مذكرة دفاعه المقدمة إلى المحكمة بجلسة.... ببطلان اعترافه بالتحقيقات لكونه وليد إكراه معنوي تمثل في حبسه انفرادياً بسجن طره، إلا أنه مثل أمام المحكمة بجلسة..... - وهي تالية لتقديم المذكرة - واعترف بقيامه بإحضار المخدر المضبوط معه ليتعاطاه حتى لا يضطر إلى شرائه من السوق، وكان البين من المفردات المضمومة أن اعترافه بالتحقيقات لا يخرج في مضمونه عما أقر به بمحضر الجلسة وهو ما يفقد الدفع ببطلان اعترافه بالتحقيقات الذي أثاره في مذكرة دفاعه جديته وتضحى المحكمة في حل من الرد عليه. هذا فضلاً عن أن المادة 14 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون قد نصت على أن "يقيم المحبوسون احتياطياً في أماكن منفصلة عن أماكن غيرهم من المسجونين...." وإذ كان الطاعن لا يدعي وجود محبوسين احتياطياً آخرين في السجن وقت حبسه، فإنه حبسه انفرادياً في السجن - بفرض وقوعه - يغدو إجراء مشروعاً ولا يمثل - تبعاً لذلك - إكراهاً معنوياً مبطلاً لاعترافه، ومن ثم فإن دفعه ببطلان الاعتراف استناداً إلى حبسه هذا لا يعدو أن يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان ولا على المحكمة إن هي التفتت عنه ولم ترد عليه.
4 - لما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه لم يعول في قضائه بإدانة الطاعنين على اعتراف أولهما بمحضر ضبط الواقعة ولم يشر إليه في مدوناته ومن ثم فقد انحسر عنه الالتزام بالرد استقلالاً على الدفع ببطلانه، ويغدو ما يثيره في صدد ما تقدم غير سديد.
5 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها الثابت في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف، التي يؤدون فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع ومتى أخذت بأقوال شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة فإن ما يثيره الطاعنان من منازعة في صورة الواقعة بدعوى ضبطها في مسكنهما وليس في المكان الذي حصل فيه الضبط ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها منها، مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
6 - إذ كان البين من الأوراق أن الطاعن الأول وإن طلب في مذكرة دفاعه المقدمة بجلسة..... ضم دفتر أحوال قسم مكافحة المخدرات وسؤال باقي أفراد القوة المرافقة لضابط الواقعة وسؤال العاملين بالمحل الذي وقع الضبط أمامه، إلا أنه لم يصر في جلسة المرافعة الأخيرة المنعقدة بتاريخ..... على إجراء هذا التحقيق، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية، وإذ كانت طلبات التحقيق المشار إليها قد افتقدت صفة الطلب الجازم - فلا على المحكمة أن التفتت عن إجابتها أو الرد عليها.
7 - المقرر أن المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة عقلية وتنعدم به المسئولية الجنائية قانوناً على ما تقضي به المادة 62 من قانون العقوبات هو ذلك المرض الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك أما سائر الأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية.
8 - من المقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية ومدى تأثيرها على مسئوليته الجنائية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وهي غير ملزمة بندب خبير فني في الدعوى للوقوف على حقيقة إصابة المتهم بالمرض العقلي إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها تقديرها.
9 - لا يعيب الحكم إغفال الإشارة إلى التقرير الطبي الذي قدمه الطاعن لما هو مقرر من أنه ليس على الحكم أن يورد إلا ما له أثر في قضائه، وفي إغفال المحكمة ذكر هذا التقرير ما يدل على أنها لم تر فيه ما يغير من عقيدتها في الدعوى.
10 - لما كانت المادة 62 من قانون العقوبات قد نصت على أنه "لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل: إما لجنون أو عاهة في العقل، وإما لغيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه بها" وكان مفاد هذا النص أن من يتناول مادة مخدرة أو مسكرة وعن علم بحقيقة أمرها يكون مسئولاً عن الجرائم التي تقع منه وهو تحت تأثيرها فالقانون يجري عليه في هذه الحالة حكم المدرك التام الإدراك مما ينبني عليه توافر القصد الجنائي لديه إلا في بعض الجرائم التي يتطلب القانون فيها ثبوت قصد جنائي خاص لدى المتهم، فإنه لا يتصور اكتفاء الشارع في ثبوت هذا القصد باعتبارات وافتراضات قانونية، بل يجب في هذه الجرائم التحقق من قيام القصد الجنائي الخاص من الأدلة المستمدة من حقيقة الواقع، وكان مؤدى ما تقدم أن دفع الطاعن بإصابته بمرض عقلي نتيجة إدمانه تعاطي المخدر - بفرض صحته - لا يؤثر في مسئوليته الجنائية عن جريمة إحرازه المخدر مجرده من أي قصد من القصود الخاصة المسماة في القانون، ولا يحول دون عقابه عنها وإذ كانت عقوبة جريمة إحراز المخدر بقصد التعاطي التي دانه الحكم بها أخف من العقوبة المقررة لجريمة إحرازه ذات المخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي فلا تكون له مصلحة فيما يثيره من تعييب للحكم في رده على دفعه سالف البيان.
11 - لما كان البين من الأوراق أن محكمة جنايات القاهرة بجلسة.... حضورياً بمعاقبة الطاعن الثاني بالأشغال الشاقة لمدة ست سنوات وبتغريمه خمسين ألف جنيه عما أسند إليه من إحراز جوهر مخدر "هيروين" بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي، فقرر المحكوم عليه المذكور بالطعن بطريق النقض في الحكم المشار إليه وقد قضت محكمة النقض بقبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه والإعادة، ومحكمة الإعادة قضت بتاريخ..... بحكهما المطعون فيه بمعاقبة الطاعن الثاني بالأشغال الشاقة لمدة ست سنوات وبتغريمه مائة ألف جنيه، وكان نقض الحكم السابق - فيما يتعلق بالطاعن المذكور - حاصلاً بناء على طعنه وحده دون النيابة العامة مما لا يجوز معه أن يضار بطعنه عملاً بنص المادة 43 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقرار بقانون رقم 57 لسنة 1959 فإن منعى الطاعن على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون إذ زاد عقوبة الغرامة يكون في محله.
12 - لما كان الطعن بالنقض للمرة الثانية إلا أنه لما كان العيب الذي شاب الحكم مقصوراً على الخطأ في تطبيق القانون فإنه يتعين حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 39 من القرار بقانون رقم 57 لسنة 1959 أن تحكم هذه المحكمة في الطعن وتصحح الخطأ وتحكم بمقتضى القانون دون حاجة إلى تحديد جلسة لنظر الموضوع ما دام العوار لم يرد على بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر فيه مما كان يقتضي التعرض لنظر الدعوى.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما أولاً: جلبا جوهراً مخدراً "هيروين" إلى داخل أراضي جمهورية مصر العربية دون تصريح كتابي من الجهة الإدارية المختصة بذلك. ثانياً: ألفا عصابة من أغراضها الاتجار في الجواهر المخدرة داخل البلاد. ثالثاً: أحرزا بقصد الاتجار جوهراً مخدراً "هيروين" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وأحالتهما إلى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 3، 17/ 1، 33، 34/ ج، 36، 38، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل والبند رقم "2" من القسم الأول من الجدول رقم "1" الملحق به مع إعمال المادتين 17، 32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه خمسمائة ألف جنيه والثاني بالأشغال الشاقة لمدة ست سنوات وتغريمه خمسين ألف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض (قيد بجدول محكمة النقض برقم... لسنة 62 القضائية) وهذه المحكمة قضت بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات القاهرة لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى ومحكمة الإعادة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 37/ 1، 38/ 1، 2، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل والبند رقم "2" من القسم الأول من الجدول رقم "1" الملحق به مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة للطاعن الثاني بمعاقبة الأول بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وتغريمه خمسين ألف جنيه والثاني بالأشغال الشاقة لمدة ست سنوات وتغريمه مائة ألف جنيه وبمصادرة المخدر المضبوط.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض - للمرة الثانية -... الخ.
المحكمة
من حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان أولهما بجريمة إحراز جوهر مخدر بقصد التعاطي ودان الثاني بجريمة إحراز جوهر مخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن أطرح الدفع ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية خلت من إيراد بيانات كافية عنهما بما لا يسيغ إطراحه، كما أن الطاعن الأول تمسك ببطلان اعترافه بمحضر الضبط وبالتحقيقات لإدلائه به تحت تأثير الإكراه المادي والمعنوي بيد أن الحكم عول على هذا الاعتراف والتفت عن الدفع ببطلانه إيراداً ورداً، كما التفت عن دفاعه القائم على المنازعة في مكان ضبطه ولم تستجب المحكمة إلى طلبه تحقيق هذا الدفاع بضم دفتر الأحوال وسؤال باقي أفراد القوة المرافقة لضبط الواقعة والعاملين بالمحل الذي قبل بوقوع الضبط أمامه، هذا إلى أن الطاعن الأول دفع بانتفاء مسئوليته الجنائية لإصابته بمرض عقلي نتيجة إدمانه تعاطي المخدر ودلل على ذلك بتقديم تقرير طبي وطلب فحص حالته العقلية عن طريق المختص فنياً غير أن المحكمة أطرحت دفعه بما لا يسوغ إطراحه دون أن تعنى بتحقيقه أو تعرض لما قدمه من دليل، وفضلاً عن ذلك فقد زاد الحكم عقوبة الغرامة التي قضى بها على الطاعن الثاني عما حكم به عليه الحكم الأول المنقوض رغم أنه وحده الذي طعن بالنقض في الحكم المذكور ولم تطعن فيه النيابة العامة، وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين بهما وأورد على ثبوتهما في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. ثم عرض للدفع ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية وأطرحه بقوله "وحيث إن وعن قالة بطلان الإذن بالقبض والتفتيش لابتنائه على تحريات غير جادة، فما كان من المقرر قانوناً أن أمر تقدير جدية التحريات مرجعه سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، وكان الثابت من مطالعة محضر التحريات المؤرخ..... المحرر بمعرفة العقيد.... أن ما ورد به من معلومات في شأن إحراز المتهمين لمخدر الهيروين في غير الأحوال المصرح بها قانوناً كان كافياً لإصدار الإذن بضبطهما وتفتيشهما ومن ثم فلا تثريب على سلطة التحقيق إن هي أصدرت الإذن بذلك ومن ثم يضحى ذلك الدفع في غير محله جديراً بالرفض". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن كل ما يشترط لصحة التفتيش الذي تجريه النيابة العامة أو تأذن في إجرائه في مسكن المتهم أو ما يتصل بشخصه هو أن يكون رجل الضبط القضائي قد علم من تحرياته واستدلالاته أن جريمة معينة - جناية أو جنحة - قد وقعت من شخص معين وأن يكون هناك من الدلائل والأمارات الكافية أو الشبهات المقبولة ضد هذا الشخص ما يبرر التعرض لحريته أو لحرمة مسكنه في سبيل كشف مبلغ اتصاله بتلك الجريمة، وكان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فمتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة العامة على تصرفها في هذا الشأن - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فلا معقب عليها فيما ارتأته ولا تجوز المجادلة في ذلك أمام النقض، ولما كان خلو محضر التحريات من إيراد البيانات التي ساقها الطاعنان بأسباب طعنهما لا يقدح بذاته في جدية التحريات، وكان عدم العثور على المخدر في مسكن الطاعنين خلافاً لما ورد بمحضر التحريات لا يقدح في جديتها لأن الأعمال الإجرائية محكومة من جهة الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها، فإن منعى الطاعنين في صدد ما تقدم لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن الطاعن الأول وإن دفع في مذكرة دفاعه المقدمة إلى المحكمة بجلسة.... ببطلان اعترافه بالتحقيقات لكونه وليد إكراه معنوي تمثل في حبسه انفرادياً بسجن طره، إلا أنه مثل أمام المحكمة بجلسة.... - وهي تالية لتقديم المذكرة - واعترف بقيامه بإحضار المخدر المضبوط معه ليتعاطاه حتى لا يضطر إلى شرائه من السوق، وكان البين من المفردات المضمومة أن اعترافه بالتحقيقات لا يخرج في مضمونه عما أقر به بمحضر الجلسة وهو ما يفقد الدفع ببطلان اعترافه بالتحقيقات الذي أثاره في مذكرة دفاعه جديته وتضحى المحكمة في حل من الرد عليه، هذا فضلاً عن أن المادة 14 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون قد نصت على أن "يقيم المحبوسون احتياطياً في أماكن منفصلة عن أماكن غيرهم من المسجونين...." وإذ كان الطاعن لا يدعي وجود محبوسين احتياطياً آخرين في السجن وقت حبسه، فإنه حبسه انفرادياً في السجن - بفرض وقوعه - يغدو إجراء مشروعاً ولا يمثل - تبعاً لذلك - إكراهاً معنوياً مبطلاً لاعترافه، ومن ثم فإن دفعه ببطلان الاعتراف استناداً إلى حبسه هذا لا يعدو أن يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان ولا على المحكمة إن هي التفتت عنه ولم ترد عليه. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه لم يعول في قضائه بإدانة الطاعنين على اعتراف أولهما بمحضر ضبط الواقعة ولم يشر إليه في مدوناته ومن ثم فقد انحسر عنه الالتزام بالرد استقلالاً على الدفع ببطلانه، ويغدو ما يثيره في صدد ما تقدم غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها الثابت في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع ومتى أخذت بأقوال شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة فإن ما يثيره الطاعنان من منازعة في صورة الواقعة بدعوى ضبطهما في مسكنهما وليس في المكان الذي حصل فيه الضبط ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها ومنها، مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن الطاعن الأول وإن طلب في مذكرة دفاعه المقدمة بجلسة.... ضم دفتر أحوال قسم مكافحة المخدرات وسؤال باقي أفراد القوة المرافقة لضابط الواقعة وسؤال العاملين بالمحل الذي وقع الضبط أمامه، إلا أنه لم يصر في جلسة المرافعة الأخيرة المنعقدة بتاريخ..... على إجراء هذا التحقيق، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية، وإذ كانت طلبات التحقيق المشار إليها قد افتقدت صفة الطلب الجازم - على نحو ما تقدم - فلا على المحكمة إن التفتت عن إجابتها أو الرد عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفع الطاعن الأول بانتفاء مسئوليته الجنائية لإصابته بمرض عقلي ونفسي نتيجة إدمانه تعاطي المخدر ورد عليه بقوله "وحيث إنه عن قالة المتهم الأول مريض نفسياً بسبب إدمانه تعاطي المخدرات بما يفقده المسئولية الجنائية فالمحكمة تلتفت عن ذلك القول آية ذلك أن المحكمة لم يخالجها أي شك في خصوص سلامة قوى المتهم العقلية خاصة وأنه مثل أمام سلطة التحقيق ومن بعدها القاضي المختص بتحديد أمر حبسه ثم مثل أمام المحكمة بهيئة مغايرة ثم مثل مؤخراً أمام تلك الهيئة وعلى مدى مراحل المثول المتنوع والمغاير لم تلحظ أية جهة منها أن المتهم مصاب بثمة مرض يؤثر على قواه العقلية، كما لم يدفع بذلك الدفع إلا أمام الهيئة الحالية بما يدعو للقول بأنه وسيلة دفاع قصد بها الإفلات من العقاب لكن جاءت ولا سند لها في الأوراق ولا سند لها في الواقع بما يستوجب الالتفات عن هذا الدفاع". ولما كان من المقرر أن المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة عقلية وتنعدم به المسئولية الجنائية قانوناً على ما تقضي به المادة 62 من قانون العقوبات هو ذلك المرض الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك أما سائر الأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية، وكان تقدير حالة المتهم العقلية ومدى تأثيرها على مسئوليته الجنائية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وهي غير ملزمة بندب خبير فني في الدعوى للوقوف على حقيقة إصابة المتهم بالمرض العقلي إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها تقديرها، وإذ كان ما أورده الحكم فيما تقدم سائغاً وكافياً لإطراح دفاع الطاعن سالف الذكر وله معينه الثابت في الأوراق. وكان لا يعيب الحكم إغفال الإشارة إلى التقرير الطبي الذي قدمه الطاعن، لما هو مقرر من أنه ليس على الحكم أن يورد إلا ما له أثر في قضائه، وفي إغفال المحكمة ذكر هذا التقرير ما يدل على أنها لم تر فيه ما يغير من عقيدتها في الدعوى ومن ثم فإن منعى الطاعن على الحكم في صدد ما تقدم لا يكون قويماً، هذا إلى أنه لما كانت المادة 62 من قانون العقوبات قد نصت على أنه "لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل، إما لجنون أو عاهة في العقل، وإما لغيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه بها" وكان مفاد هذا النص أن من يتناول مادة مخدرة أو مسكرة وعن علم بحقيقة أمرها يكون مسئولاً عن الجرائم التي تقع منه وهو تحت تأثيرها فالقانون يجري عليه في هذه الحالة حكم المدرك التام الإدراك مما ينبني عليه توافر القصد الجنائي لديه إلا في بعض الجرائم التي يتطلب القانون فيها ثبوت قصد جنائي خاص لدى المتهم، فإنه لا يتصور اكتفاء الشارع في ثبوت هذا القصد باعتبارات وافتراضات قانونية، بل يجب في هذه الجرائم التحقق من قيام القصد الجنائي الخاص من الأدلة المستمدة من حقيقة الواقع، وكان مؤدى ما تقدم أن دفع الطاعن بإصابته بمرض عقلي نتيجة إدمانه تعاطي المخدر - بفرض صحته - لا يؤثر في مسئوليته الجنائية عن جريمة إحرازه المخدر مجردة من أي قصد من القصود الخاصة المسماة في القانون، ولا يحول دون عقابه عنها وإذ كانت عقوبة جريمة إحراز المخدر بقصد التعاطي التي دانه الحكم بها أخف من العقوبة المقرر لجريمة إحرازه ذات المخدر بغير بقصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي فلا تكون له مصلحة فيما يثيره من تعييب للحكم في رده على دفعه سالف البيان، ويضحى كافة ما ينعاه الطاعن الأول على الحكم غير سديد. لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن محكمة جنايات القاهرة قضت بجلسة.... حضورياً بمعاقبة الطاعن الثاني بالأشغال الشاقة لمدة ست سنوات وبتغريمه خمسين ألف جنيه عما أسند إليه من إحراز جوهر مخدر "هيروين" بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي، فقرر المحكوم عليه المذكور بالطعن بطريق النقض في الحكم المشار إليه وقد قضت محكمة النقض بقبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه والإعادة. ومحكمة الإعادة قضت بتاريخ.... بحكهما المطعون فيه بمعاقبة الطاعن الثاني بالأشغال الشاقة لمدة ست سنوات وبتغريمه مائة ألف جنيه، وكان نقض الحكم السابق - فيما يتعلق بالطاعن المذكور - حاصلاً بناء على طعنه وحده دون النيابة العامة مما لا يجوز معه أن يضار بطعنه عملاً بنص المادة 43 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقرار بقانون رقم 57 لسنة 1959 فإن منعى الطاعن على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون إذ زاد عقوبة الغرامة يكون في محله. لما كان ذلك، وإن كان الطعن بالنقض للمرة الثانية إلا أنه لما كان العيب الذي شاب الحكم مقصوراً على الخطأ في تطبيق القانون فإنه يتعين حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 39 من القرار بقانون المذكور أن تحكم هذه المحكمة في الطعن وتصحح الخطأ وتحكم بمقتضى القانون دون حاجة إلى تحديد جلسة لنظر الموضوع ما دام العوار لم يرد على بطلان في حكم أو بطلان في الإجراءات أثر فيه مما كان يقتضي التعرض لنظر الدعوى. لما كان ما تقدم فإنه يتعين تصحيح الحكم المطعون فيه بجعل الغرامة المقضى بها على الطاعن الثاني خمسين ألف جنيه ورفض الطعن فيما عدا ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق