الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 28 مايو 2015

الطعن 18823 لسنة 65 ق جلسة 12 / 11 / 1997 مكتب فني 48 ق 187 ص 1234

  برئاسة السيد المستشار / محمد احمد حسن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين /عبد اللطيف على ابو النيل ومحمد اسماعيل موسى ويحيى محمود خليفة ومحمد على رجب نواب رئيس المحكمة .
----------------
1 - من المقرر ان كل ما يشترط لصحة التفتيش الذى تجريه النيابة العامة او تأذن فى اجرائه فى مسكن المتهم او ما يتصل بشخصه هو ان يكون رجل الضبط القضائى قد علم من تحرياته واستدلالاته ان جريمة معينة - جناية او جنحة - قد وقعت من شخص معين وان يكون هناك من الدلائل والامارات الكافية او الشبهات المقبولة ضد هذا الشخص ما يبرر التعرض لحريته او لحرمة مسكنه فى سبيل كشف مبلغ اتصاله بتلك الجريمة .

2 - اذ كان تقدير جدية التحريات وكفايتها لاصدار الامر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التى يوكل الامر فيها الى سلطة التحقيق تحت اشراف محكمة الموضوع ، فمتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التى بنى عليها امر التفتيش وكفايتها لتسويغ اصداره واقرت النيابة العامة على تصرفها فى هذا الشأن - فلا معقب عليها فيما ارتأته ولا تجوز المجادلة فى ذلك امام محكمة النقض ، ولما كان خلو محضر التحريات من ايراد البيانات التى ساقها الطاعنان باسباب طعنها لا يقدح بذاته فى جدية التحريات ، وكان عدم العثور على المخدر فى مسكن الطاعنين خلافا لما ورد بمحضر التحريات لا يقدح فى جديتها لان الاعمال الاجرائية محكومة من جهة الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها فان منعى الطاعنين فى صدد ما تقدم لا يكون سديدا .

3 - لما كان البين من الاوراق ان الطاعن الاول وان دفع فى مذكرة دفاعه المقدمة الى المحكمة بجلسة .... ببطلان اعترافه بالتحقيقات لكونه وليد اكراه معنوى تمثل فى حبسه انفراديا بسجن طره ، الا انه مثل امام المحكمة بجلسة .... وهى تالية لتقديم المذكرة - واعترف بقيامه باحضار المخدر المضبوط معه ليتعاطاه حتى لا يضطر الى شرائه من السوق ، وكان البين من المفرادات المضمومة ان اعترافه بالتحقيقات لا يخرج فى مضمونه عما اقر به بمحضر الجلسة وهو ما يفقد الدفع ببطلان اعترافه بالتحقيقات الذى اثاره فى مذكرة دفاعه جديته وتضحى المحكمة فى حل من الرد عليه . هذا فضلا عن ان المادة 14 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 396 لسنة 1956 فى شأن تنظيم السجون قد نصت على ان يقيم المحبوسون احتياطيا فى اماكن منفصلة عن اماكن غيرهم من المسجونين .... واذ كان الطاعن لا يدعى وجود محبوسين احتياطيا اخرين فى السجن وقت حبسه ، فان حبسه انفراديا فى السجن - بفرض وقوعه - يغدو اجراء مشروعا ولا يمثل - تبعا لذلك - اكراها معنويا مبطلا لاعترافه ، ومن ثم فان دفعه ببطلان الاعتراف استنادا الى حبسه هذا لا يعدو ان يكون دفاعا قانونيا ظاهر البطلان ولا على المحكمة ان هى التفتت عنه ولم ترد عليه .

4 - لما كان البين من الحكم المطعون فيه انه لم يعول فى قضائه بادانة الطاعنين على اعتراف اولهما بمحضر ضبط الواقعة ولم يشر اليه فى مدوناته ومن ثم فقد انحسر عنه الالتزام بالرد استقلالا على الدفع ببطلانه ، ويغدو ما يثيره فى صدد ما تقدم غير سديد .

5 - المقرر ان لمحكمة الموضوع ان تستخلص من اقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة امامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى اليه اقتناعها وان تطرح ما يخالفها من صور اخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا الى ادلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها اصلها الثابت فى الاوراق ، وكان وزن اقوال الشهود وتقدير الظروف ، التى يؤدون فيها الشهادة متروكا لتقدير محكمة الموضوع ومتى اخذت بأقوال شاهد فان ذلك يفيد انها اطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الاخذ بها ، واذ كانت المحكمة قد اطمأنت الى اقوال شهود الاثبات وصحة تصويرهم للواقعة فان ما يثيره الطاعنان من منازعة فى صورة الواقعة بدعوى ضبطها فى مسكنها وليس فى المكان الذى حصل فيه الضبط ينحل الى جدل موضوعى فى تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها منها ، مما لا يجوز اثارته امام محكمة النقض .

6 - اذ كان البين من الاوراق ان الطاعن الاول وان طلب فى مذكرة دفاعه المقدمة بجلسة ..... ضم دفتر احوال قسم مكافحة المخدرات وسؤال باقى افراد القوة المرافقة لضابط الواقعة وسؤال العاملين بالمحل الذى وقع الضبط امامه ، الا انه لم يصر فى جلسة المرافعة الاخيرة المنعقدة بتاريخ ...... على اجراء هذا التحقيق ، وكان من المقرر ان الطلب الذى تلتزم محكمة الموضوع بإجابته او الرد عليه هو الطلب الجازم الذى يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والاصرار عليه فى الطلبات الختامية ، واذ كانت طلبات التحقيق المشار اليها قد افتقدت صفه الطلب الجازم - فلا على المحكمة ان التفتت عن اجابتها او الرد عليها .

7 - المقرر ان المرض العقلى الذى يوصف بانه جنون او عاهة عقلية وتنعدم به المسئولية الجنائية قانونا على ما تقضى به المادة 62 من قانون العقوبات هو ذلك المرض الذى من شأنه ان يعدم الشعور والادراك اما سائر الاحوال النفسية التى لا تفقد الشخص شعوره وادراكه فلا تعد سببا لانعدام المسئولية .

8 - من المقرر ان تقدير حالة المتهم العقلية ومدى تأثيرها على مسئوليته الجنائية من الامور الموضوعية التى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيه ما دامت تقيم تقديرها على اسباب سائغة ، وهى غير ملزمة بندب خبير فنى فى الدعوى للوقوف على حقيقة اصابة المتهم بالمرض العقلى الا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التى يتعذر عليها تقديرها .

9 - لا يعيب الحكم اغفال الاشارة الى التقرير الطبى الذى قدمه الطاعن لما هو مقرر من انه ليس على الحكم ان يورد الا ما له اثر فى قضائه ،وفى اغفال المحكمة ذكر هذا التقرير كما يدل على انها لم تر فيه ما يغير من عقيدتها فى الدعوى .

10 - لما كانت المادة 62 من قانون العقوبات قد نصت على انه لا عقاب على من يكون فاقد الشعور او الاختيار فى عمله وقت ارتكاب الفعل : اما لجنون او عاهة فى العقل ، واما لغيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة ايا كان نوعها اذا اخذها قهرا عنه او على غير علم منه بها وكان مفاد هذا النص ان من يتناول مادة مخدرة او مسكرة وعن علم بحقيقة امرها يكون مسئولا عن الجرائم التى تقع منه وهو تحت تأثيرها فالقانون يجرى عليه فى هذه الحالة حكم المدرك التام الادراك مما ينبنى عليه توافر القصد الجنائى لديه الا فى بعض الجرائم التى يتطلب القانون فيها ثبوت قصد جنائى خاص لدى المتهم ، فانه لا يتصور اكتفاء الشارع فى ثبوت هذا القصد باعتبارات وافتراضات قانونية ، بل يجب فى هذه الجرائم التحقق من قيام القصد الجنائى الخاص من الادلة المستمدة من حقيقة الواقع ، وكان مؤدى ما تقدم ان دفع الطاعن بإصابته بمرض عقلى نتيجة ادمانه تعاطى المخدر - بفرض صحته - لا يؤثر فى مسئوليته الجنائية عن حريمة احراز المخدر مجردة من اى قصد من القصود الخاصة المسماة فى القانون ، ولا يحول دون عقابه عنها واذ كانت عقوبة جريمة احراز المخدر بقصد التعاطى التى دانه الحكم بها اخف من العقوبة المقررة لجريمة احرازه ذات المخدر بغير قصد الاتجار او التعاطى او الاستعمال الشخصى فلا تكون له مصلحة فيما يثيره من تعييب للحكم فى رده على دفعه سالف البيان .

11 - لما كان البين من الاوراق ان محكمة جنايات القاهرة بجلسة ...... حضوريا بمعاقبة الطاعن الثانى بالاشغال الشاقة لمدة ست سنوات وبتغريمه خمسين الف جنيه عما اسند اليه من احراز جوهر مخدر "هيروين" بغير قصد الاتجار او التعاطى او الاستعمال الشخصى ، فقرر المحكوم عليه المذكور بالطعن بطريق النقض فى الحكم المشار اليه وقد قضت محكمة النقض بقبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه والاعادة ، ومحكمة الاعادة قضت بتاريخ ..... بحكمها المطعون فيه بمعاقبة الطاعن الثانى بالاشغال الشاقة لمدة ست سنوات وبتغريمة مائه الف جنيه ، وكان نقض الحكم السابق - فيما يتعلق بالطاعن المذكور - حاصلا بناء على طعنه وحده دون النيابة العامة مما لا يجوز معه ان يضار بطعنه عملا بنص المادة 43 من قانون حالات واجراءات الطعن امام محكمة النقض الصادر بالقرار بقانون رقم 57 لسنة 1959 فان منعى الطاعن على الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون اذ زاد عقوبة الغرامة يكون فى محله .

12 - لما كان الطعن بالنقض للمرة الثانية الا أنه لما كان العيب الذى شاب الحكم مقصورا على الخطأ فى تطبيق القانون فانه يتعين حسب القاعدة الاصلية المنصوص عليها فى المادة 39 من القرار بقانون رقم 57 لسنة 1959 ان تحكم هذه المحكمة فى الطعن وتصحيح الخطأ وتحكم بمقتضى القانون دون حاجة الى تحديد جلسة لنظر الموضوع ما دام ان العوار لم يرد على بطلان فى الحكم او بطلان فى الاجراءات اثر فيه مما كان يقتضى التعرض لنظر الدعوى .
-------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما أولا : جلبا جوهرا مخدرا "هيروين" إلى داخل جمهورية مصر العربية دون تصريح كتابى من الجهة الإدارية المختصة بذلك . ثانيا : ألفا عصابة من أغراضها الإتجار فى الجواهر المخدرة داخل البلاد . ثالثا : أحرزا بقصد الإتجار جوهرا مخدرا "هيروين" فى غير الأحوال المصرح بها قانونا وأحالتهما الى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبتهما طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة . والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمواد 1 ، 2 ، 3 ، 17/1 ، 33 ، 34/ج ، 36 ، 38 ، 42/1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل والبند رقم (2) من القسم الأول من الجدول رقم (1) الملحق به مع إعمال المادتين 17 ، 32/2 من قانون العقوبات بمعاقبة الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه خمسمائة ألف جنيه والثانى بالأشغال الشاقة لمدة ست سنوات وتغريمه خمسين ألف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط . فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض (قيد بجدول محكمة النقض برقم ..... لسنة 62 القضائية) وهذه المحكمة قضت بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات القاهرة لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى ومحكمة الإعادة قضت حضوريا عملا بالمواد 1 ، 2 ، 37/1 ، 38/1 ، 2 ، 42/1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل والبند رقم (2) من القسم الأول من الجدول رقم (1) الملحق به مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة للطاعن الثانى بمعاقبة الأول بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وتغريمه خمسين ألف جنيه والثانى بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وتغريمه خمسين ألف جنيه والثانى بالأشغال الشاقة لمدة ست سنوات وتغريمه مائة ألف جنيه وبمصادرة المخدر المضبوط .
فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية .... إلخ .
-----------------
المحكمة
من حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان أولهما بجريمة إحراز جوهر مخدر بقصد التعاطي ودان الثاني بجريمة إحراز جوهر مخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن أطرح الدفع ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية خلت من إيراد بيانات كافية عنهما بما لا يسيغ إطراحه، كما أن الطاعن الأول تمسك ببطلان اعترافه بمحضر الضبط وبالتحقيقات لإدلائه به تحت تأثير الإكراه المادي والمعنوي بيد أن الحكم عول على هذا الاعتراف والتفت عن الدفع ببطلانه إيرادا وردا، كما التفت عن دفاعه القائم على المنازعة في مكان ضبطه ولم تستجب المحكمة إلى طلبه تحقيق هذا الدفاع بضم دفتر الأحوال وسؤال باقي أفراد القوة المرافقة لضبط الواقعة والعاملين بالمحل الذي قبل بوقوع الضبط أمامه، هذا إلى أن الطاعن الأول دفع بانتفاء مسئوليته الجنائية لإصابته بمرض عقلي نتيجة إدمانه تعاطي المخدر ودلل على ذلك بتقديم تقرير طبي وطلب فحص حالته العقلية عن طريق المختص فنيا غير أن المحكمة أطرحت دفعه بما لا يسوغ إطراحه دون أن تعنى بتحقيقه أو تعرض لما قدمه من دليل، وفضلا عن ذلك فقد زاد الحكم عقوبة الغرامة التي قضى بها على الطاعن الثاني عما حكم به عليه الحكم الأول المنقوض رغم أنه وحده الذي طعن بالنقض في الحكم المذكور ولم تطعن فيه النيابة العامة، وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين بهما وأورد على ثبوتهما في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، ثم عرض للدفع ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية وأطرحه بقوله ((وحيث إن وعن قالة بطلان الإذن بالقبض والتفتيش لابتنائه على تحريات غير جادة، فلما كان من المقرر قانونا أن أمر تقدير جدية التحريات مرجعه سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، وكان الثابت من مطالعة محضر التحريات المؤرخ .... المحرر بمعرفة العقيد ..... أن ما ورد به من معلومات في شأن إحراز المتهمين لمخدر الهيروين في غير الأحوال المصرح بها قانونا كان كافيا لإصدار الإذن بضبطهما وتفتيشهما ومن ثم فلا تثريب على سلطة التحقيق إن هي أصدرت الإذن بذلك ومن ثم يضحى ذلك الدفع في غير محله جديرا بالرفض))، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن كل ما يشترط لصحة التفتيش الذي تجريه النيابة العامة أو تأذن في إجرائه في مسكن المتهم أو ما يتصل بشخصه هو أن يكون رجل الضبط القضائي قد علم من تحرياته واستدلالاته أن جريمة معينة - جناية أو جنحة - قد وقعت من شخص معين وأن يكون هناك من الدلائل والأمارات الكافية أو الشبهات المقبولة ضد هذا الشخص ما يبرر التعرض لحريته أو لحرمة مسكنه في سبيل كشف مبلغ اتصاله بتلك الجريمة، وكان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فمتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة العامة على تصرفها في هذا الشأن - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فلا معقب عليها فيما ارتأته ولا تجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض، ولما كان خلو محضر التحريات من إيراد البيانات التي ساقها الطاعنان بأسباب طعنهما لا يقدح بذاته في جدية التحريات، وكان عدم العثور على المخدر في مسكن الطاعنين خلافا لما ورد بمحضر التحريات لا يقدح في جديتها لأن الأعمال الإجرائية محكومة من جهة الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها، فإن منعى الطاعنين في صدد ما تقدم لا يكون سديدا، لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن الطاعن الأول وإن دفع في مذكرة دفاعه المقدمة إلى المحكمة بجلسة ..... ببطلان اعترافه بالتحقيقات لكونه وليد إكراه معنوي تمثل في حبسه انفراديا بسجن طره، إلا أنه مثل أمام المحكمة بجلسة ...... وهي تالية لتقديم المذكرة، واعترف بقيامه بإحضار المخدر المضبوط معه ليتعاطاه حتى لا يضطر إلى شرائه من السوق، وكان البين من المفردات المضمومة أن اعترافه بالتحقيقات لا يخرج في مضمونه عما أقر به بمحضر الجلسة وهو ما يفقد الدفع ببطلان اعترافه بالتحقيقات الذي أثاره في مذكرة دفاعه جديته وتضحى المحكمة في حل من الرد عليه، هذا فضلا عن أن المادة 14 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون قد نصت على أن ((يقيم المحبوسون احتياطيا في أماكن منفصلة عن أماكن غيرهم من المسجونين .....)) وإذ كان الطاعن لا يدعي وجود محبوسين احتياطيا آخرين في السجن وقت حبسه، فإن حبسه انفراديا في السجن - بفرض وقوعه - يغدو إجراء مشروعا ولا يمثل - تبعا لذلك - إكراها معنويا مبطلا لاعترافه، ومن ثم فإن دفعه ببطلان الاعتراف استنادا إلى حبسه هذا لا يعدو أن يكون دفاعا قانونيا ظاهر البطلان ولا على المحكمة إن هي التفتت عنه ولم ترد عليه. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه لم يعول في قضائه بإدانة الطاعنين على اعتراف أولهما بمحضر ضبط الواقعة ولم يشر إليه في مدوناته ومن ثم فقد انحسر عنه الالتزام بالرد استقلالا على الدفع ببطلانه، ويغدو ما يثيره في صدد ما تقدم غير سديد، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها الثابت في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروكا لتقدير محكمة الموضوع ومتى أخذت بأقوال شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة فإن ما يثيره الطاعنان من منازعة في صورة الواقعة بدعوى ضبطهما في مسكنهما وليس في المكان الذي حصل فيه الضبط ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها منها، مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن الطاعن الأول وإن طلب في مذكرة دفاعه المقدمة بجلسة ..... ضم دفتر أحوال قسم مكافحة المخدرات وسؤال باقي أفراد القوة المرافقة لضابط الواقعة وسؤال العاملين بالمحل الذي وقع الضبط أمامه، إلا أنه لم يصر في جلسة المرافعة الأخيرة المنعقدة بتاريخ .... على إجراء هذا التحقيق، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية، وإذ كانت طلبات التحقيق المشار إليها قد افتقدت صفة الطلب الجازم - على نحو ما تقدم - فلا على المحكمة إن التفت عن إجابتها أو الرد عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفع الطاعن الأول بانتفاء مسئوليته الجنائية لإصابته بمرض عقلي ونفسي نتيجة إدمانه تعاطي المخدر ورد عليه بقوله ((وحيث إنه وعن قالة المتهم الأول مريض نفسيا بسبب إدمانه تعاطي المخدرات بما يفقده المسئولية الجنائية فالمحكمة تلتفت عن ذلك القول آية ذلك أن المحكمة لم يخالجها أي شك في خصوص سلامة قوى المتهم العقلية خاصة وأنه مثل أمام سلطة التحقيق ومن بعدها القاضي المختص بتحديد أمر حبسه ثم مثل أمام المحكمة بهيئة مغايرة ثم مثل مؤخرا أمام تلك الهيئة وعلى مدى مراحل المثول المتنوع والمغاير لم تلحظ أية جهة منها أن المتهم مصاب بثمة مرض يؤثر على قواه العقلية، كما لم يدفع بذلك الدفع إلا أمام الهيئة الحالية بما يدعو للقول بأنه وسيلة دفاع قصد بها الإفلات من العقاب لكن جاءت ولا سند لها في الأوراق ولا سند لها في الواقع بما يستوجب الالتفات عن هذا الدفاع، ولما كان من المقرر أن المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة عقلية وتنعدم به المسئولية الجنائية قانونا على ما تقضي به المادة 62 من قانون العقوبات هو ذلك المرض الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك أما سائر الأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سببا لانعدام المسئولية، وكان تقدير حالة المتهم العقلية ومدى تأثيرها على مسئوليته الجنائية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وهي غير ملزمة بندب خبير فني في الدعوى للوقوف على حقيقة إصابة المتهم بالمرض العقلي إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها تقديرها، وإذ كان ما أورده الحكم فيما تقدم سائغا وكافيا لإطراح دفاع الطاعن سالف الذكر وله معينه الثابت في الأوراق، وكان لا يعيب الحكم إغفال الإشارة إلى التقرير الطبي الذي قدمه الطاعن، لما هو مقرر من أنه ليس على الحكم أن يورد إلا ما له أثر في قضائه، وفي إغفال المحكمة ذكر هذا التقرير ما يدل على أنها لم تر فيه ما يغير من عقيدتها في الدعوى ومن ثم فإن منعى الطاعن على الحكم في صدد ما تقدم لا يكون قويما، هذا إلى أنه لما كانت المادة 62 من قانون العقوبات قد نصت على أنه ((لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل، إما لجنون أو عاهة في العقل، وإما لغيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أيا كان نوعها إذا أخذها قهرا عنه أو على غير علم منه بها، وكان مفاد هذا النص أن من يتناول مادة مخدرة أو مسكرة وعن علم بحقيقة أمرها يكون مسئولا عن الجرائم التي تقع منه وهو تحت تأثيرها فالقانون يجرى عليه في هذه الحالة حكم المدرك التام الإدراك مما ينبني عليه توافر القصد الجنائي لديه إلا في بعض الجرائم التي يتطلب القانون فيها ثبوت قصد جنائي خاص لدى المتهم، فإنه لا يتصور اكتفاء الشارع في ثبوت هذا القصد باعتبارات وافتراضات قانونية، بل يجب في هذه الجرائم التحقق من قيام القصد الجنائي الخاص من الأدلة المستمدة من حقيقة الواقع، وكان مؤدى ما تقدم أن دفع الطاعن بإصابته بمرض عقلي نتيجة إدمانه تعاطي المخدر - بفرض صحته - لا يؤثر في مسئوليته الجنائية عن جريمة إحرازه المخدر مجردة من أي قصد من القصود الخاصة المسماة في القانون، ولا يحول دون عقابه عنها وإذ كانت عقوبة جريمة إحراز المخدر بقصد التعاطي التي دانه الحكم بها أخف من العقوبة المقررة لجريمة إحرازه ذات المخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي فلا تكون له مصلحة فيما يثيره من تعييب للحكم في رده على دفعه سالف البيان، ويضحى كافة ما ينعاه الطاعن الأول على الحكم غير سديد، لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن محكمة جنايات القاهرة قضت بجلسة ...... حضوريا بمعاقبة الطاعن الثاني بالأشغال الشاقة لمدة ست سنوات وبتغريمه خمسين ألف جنيه عما أسند إليه من إحراز جوهر مخدر ((هيروين)) بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي، فقرر المحكوم عليه المذكور بالطعن بطريق النقض في الحكم المشار إليه وقد قضت محكمة النقض بقبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه والإعادة، ومحكمة الإعادة قضت بتاريخ ..... بحكمها المطعون فيه بمعاقبة الطاعن الثاني بالأشغال الشاقة لمدة ست سنوات وبتغريمه مائة ألف جنيه، وكان نقض الحكم السابق - فيما يتعلق بالطاعن المذكور - حاصلا بناء على طعنه وحده دون النيابة العامة مما لا يجوز معه أن يضار بطعنه عملا بنص المادة 43 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقرار بقانون رقم 57 لسنة 1959 فإن منعى الطاعن على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون إذ زاد عقوبة الغرامة يكون في محله، لما كان ذلك، وإن كان الطعن بالنقض للمرة الثانية إلا أنه لما كان العيب الذي شاب الحكم مقصورا على الخطأ في تطبيق القانون فإنه يتعين حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 39 من القرار بقانون المذكور أن تحكم هذه المحكمة في الطعن وتصحح الخطأ وتحكم بمقتضى القانون دون حاجة إلى تحديد جلسة لنظر الموضوع ما دام أن العوار لم يرد على بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر فيه مما كان يقتضي التعرض لنظر الدعوى، لما كان ما تقدم فإنه يتعين تصحيح الحكم المطعون فيه بجعل الغرامة المقضي بها على الطاعن الثاني خمسين ألف جنيه ورفض الطعن فيما عدا ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق