الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 16 أغسطس 2024

الطعن رقم 39 لسنة 32 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 3 / 8 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من أغسطس سنة 2024م، الموافق الثامن والعشرين من المحرم سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 39 لسنة 32 قضائية دستورية

المقامة من
عبد اللطيف أحمد إمام علي
ضد
1 - رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- وزير العدل، بصفته الرئيس الأعلى للشهر العقاري بالزقازيق
4- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)
5- خلود محمد جمال الدين الصادق
6- تغريد محمد جمال الدين الصادق
7- نجوى محمد جمال الدين الصادق
8- آية محمد جمال الدين الصادق

------------------
" الإجراءات "
بتاريخ الحادي عشر من فبراير سنة 2010، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية المادة (30) من قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

-----------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعي أقام أمام محكمة الزقازيق الابتدائية – مأمورية منيا القمح - الدعوى رقم 407 لسنة 2003 مدني كلي، ضد كل من المدعى عليهن من الخامسة حتى الثامنة، والمدعى عليه الثالث، طالبًا الحكم، أولًا: بصفة مستعجلة، بفرض الحراسة القضائية على العين موضوع الدعوى. ثانيًا: بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 4/2/2003، والمتضمن بيع المدعى عليهن إلى المدعي مساحة أرض قدرها فدان وستة قراريط. ثالثًا: بتسليم الأطيان موضوع العقد خالية من الشواغل. رابعًا: بإلزام المدعى عليه الثالث بالتأشير في صحائف الوحدة العقارية بمضمون الطلبات الختامية؛ على سند من أنه بموجب عقد بيع ابتدائي مؤرخ 4/2/2003، اشترى المدعي من المدعى عليهن من الخامسة إلى الثامنة، قطعة الأرض المبينة بالصحيفة بثمن مقداره مائة وخمسون ألف جنيه، رفضت البائعات تسلمه؛ فأقام دعواه. وبجلسة 27/1/2004، قضت المحكمة بصحة ونفاذ عقد البيع المشار إليه مع إلزام المدعى عليهن بالتسليم وإلزام المدعى عليه الثالث بالتأشير بصحائف الوحدة العقارية. طعنت المدعى عليها الخامسة على الحكم أمام محكم استئناف المنصورة – مأمورية الزقازيق - بالاستئناف رقم 944 لسنة 47 قضائية، كما طعنت عليه المدعى عليهن السادسة والسابعة والثامنة أمام المحكمة ذاتها، بالاستئناف رقم 1058 لسنة 47 قضائية. ضمت المحكمة الاستئنافين، كما أقام المدعي الاستئناف الفرعي رقم 6605 لسنة 51 قضائية، ودفع بعدم دستورية نص المادة (30) من قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964، لمخالفته المواد (2 و32 و34 و40) من دستور سنة 1971. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية؛ فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (30) من قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964 تنص على أنه يجب قيد حق الإرث إذا اشتملت التركة على حقوق عينية عقارية بقيد السندات المثبتة لحق الإرث مع قوائم جرد التركة التي يجب أن تتضمن نصيب كل وارث، وإلى أن يتم هذا القيد لا يجوز للوارث أن يتصرف في حق من هذه الحقوق.
ويكون قيد حق الإرث في خلال خمس سنوات من تاريخ وفاة المورث بدون رسم، أما بعد ذلك فلا يقبل القيد إلا بعد أداء الرسم المفروض على نقل الملكية أو الحق العيني. وتبدأ مدة الخمس سنوات بالنسبة إلى حقوق الإرث القائمة من تاريخ نفاذ القرار المشار إليه في المادة الثانية من قانون الإصدار.
وتنص المادة (30) من القانون المار ذكره بعد استبدالها بالقانون رقم 83 لسنة 2006 على أنه يجب على الوارث قيد حق الإرث إذا اشتملت التركة على حقوق عينية عقارية وذلك بقيد السند المثبت لحق الإرث مع قوائم جرد التركة التي يجب أن تتضمن نصيب كل وراث.
ولا يجوز قيد أي تصرف يصدر من الوراث في حق من هذه الحقوق إلا بعد إتمام القيد المنصوص عليه في الفقرة السابقة.
ويجوز أن يقتصر قيد حق الإرث على جزء من عقارات التركة، وفي هذه الحالة يعتبر هذا الجزء وحدة عقارية تبنى على أساسها تصرفات الورثة.
ولا يجوز قيد أي تصرف من الوارث طبقًا لأحكام الفقرة السابقة إلا في حدود نصيبه الشرعي في كل وحدة.
ولا يجوز قيد أي تصرف في أي عين من الأعيان التي انتهى فيها الوقف إلا بعد قيد إلغائه.
وفي جميع الحالات السابقة يكون القيد بدون رسم.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه مخالفته أحكام المواد (2 و32 و34 و40) من دستور سنة 1971، ذلك أن الميراث يُعد سببًا من أسباب كسب الملكية وكانت الملكية تنتقل إلى الوارث بمجرد الوفاة في العقارات وغيرها، والنص قد حظر على الوارث التصرف فيما آل إليه من ميراث قبل إشهار حق الإرث، بما يمثل قيدًا على حق الملكية، وأضاف النص الطعين سببًا جديدًا إلى أسباب كسب الملكية الواردة على سبيل الحصر في القانون المدني، فضلًا عن أنه مايز بين الخاضعين لنظام الشهر الشخصي وأولئك الخاضعين لنظام السجل العيني، مما يُعد إخلالًا بمبدأ المساواة.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، بما مؤداه أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة، وهو ما يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيها، ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، سواء أكان الضرر وشيكًا يتهددهم، أم كان قد وقع فعلًا. ويتعين دومًا أن يكون الضرر منفصلًا عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلًّا بالعناصر التي يقوم عليها، ممكنًا تحديده وتسويته بالترضية القضائية، عائدًا في مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذ لم يكن النص قد طُبق على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعًا، لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية، يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني، بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.
وحيث إن المقرر أيضًا في قضاء هذه المحكمة، أن الخطأ في تأويل أو تطبيق النصوص القانونية لا يوقعها في حمأة المخالفة الدستورية، إذا كانت صحيحة في ذاتها، وأن الفصل في دستورية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، لا يتصل بكيفية تطبيقها عملًا، ولا بالصورة التي فهمها القائمون على تنفيذها، وإنما مرد اتفاقها مع أحكام الدستور أو خروجها عليه إلى الضوابط التي فرضها الدستور على الأعمال التشريعية جميعًا.
وحيث إن النص المطعون فيه، بصريح عباراته، وواضح دلالاته، ينطوي على خطاب موجه إلى الورثة، ليبادروا إلى قيد حق الإرث في السجل العيني، إثباتًا لملكيتهم وتنظيمًا لها، وضمانًا للتعامل في الحقوق العقارية وفق أسس ثابتة، أخذًا بمبدأ القوة المطلقة للقيد بالسجل، وتحقيقًا لهذا الغرض حرص المشرع على دفع الورثة إلى المبادرة لقيد هذا الحق بقيد السندات المثبتة له، مع قوائم جرد التركة التي يجب أن تتضمن نصيب كل وارث، وجعل هذا القيد دون رسم إذا تم خلال السنوات الخمس التالية لوفاة المورث، أما بعد فوات هذه المدة فلا يقبل القيد إلا بأداء الرسوم المقررة لنقل الملكية أو الحق العيني، وحظر النص – في جميع الأحوال - على الوارث أن يتصرف في أي من حقوق التركة العينية قبل إتمام هذا القيد، وبذلك لا يكون المشرع بهذا التنظيم قد خاطب غير الورثة في شأن قيد حق الإرث، ويكون هؤلاء أو أحدهم – دون غيرهم من المتصرف إليهم في العقارات الموروثة بوجه من أوجه التصرفات التي ترد على الحقوق العينية العقارية - مكلفين قانونًا بمباشرة إجراءات القيد بالسجل العيني أو سداد الرسوم المقررة لذلك حال استحقاقها، وإنما تقع تبعة ذلك على الوارث وحده. لما كان ذلك، وكان المدعي ليس من الورثة، فإن الضرر الذي يدعيه لا يكون مرده إلى النص المطعون فيه، وإنما إلى فهم غير صحيح لأحكامه؛ ومن ثم فلا يكون له مصلحة في الطعن على دستورية النص المشار إليه قبل وبعد استبداله، فضلًا عن أن المتصرف إليه من الوارث الذي لم يقم بشهر حق الإرث لديه من الوسائل الموضوعية والإجرائية التي أتاحها له المشرع، تمكنه من بلوغ غايته في الاعتداد بالتصرف وإنفاذه في مواجهة الكافة، وذلك شأن المدعي أمام محكمة الموضوع، دون حاجة إلى التعرض للنص التشريعي من الناحية الدستورية؛ الأمر الذى تنتفي معه المصلحة في الدعوى المعروضة؛ مما يتعين معه القضاء بعدم قبولها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات.

الطعن رقم 23 لسنة 18 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 3 / 8 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من أغسطس سنة 2024م، الموافق الثامن والعشرين من المحرم سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

 وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 23 لسنة 18 قضائية دستورية

المقامة من
فؤاد عبد الرحمن ثابت، بصفته مدير شركة استارتريد للمقاولات وأعمال الألومنيوم
ضد
1- رئيس مجلس الوزراء
2- وزير المالية
3- رئيس مصلحة الضرائب على المبيعات

-----------------
" الإجراءات "
بتاريخ الحادي والعشرين من مارس سنة 1996، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (23) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، والتعليمات الصادرة من مصلحة الضرائب على المبيعات بتاريخ 18/ 4/ 1993، بإخضاع أعمال المقاولات ضمن خدمات التشغيل للغير– تفسيرًا لقرار رئيس الجمهورية رقم 77 لسنة 1992 الصادر بتاريخ 3/ 3/ 1992، فيما تضمنه من إضافة خدمات التشغيل للغير بالكشف حرف (ب) المرافق له.
وقدمت هيئة قضايا الدولة ثلاث مذكرات، طلبت فيها  وفقًا لطلباتها الختامية  الحكم، أصليًّا: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطيًّا: أولًا: بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن على قرار رئيس الجمهورية رقم 77 لسنة 1992 والتعليمات التفسيرية المؤرخة 18/ 4/ 1993. ثانيًا: برفض الدعوى برمتها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

----------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعي أقام الدعوى التي صار قيدها أمام محكمة بورسعيد الابتدائية برقم 683 لسنة 1995 ضرائب، ضد المدعى عليه الثاني وآخرين، طالبًا الحكم، أولًا: بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار اللجنة المشكلة من مصلحة الضرائب على المبيعات بمحضرها المؤرخ 1/ 4/ 1993، في شأن احتساب الضريبة العامة على المبيعات عن نشاطه بمبلغ 38118,40 جنيهًا، بالإضافة إلى تعويض يعادل مثلي الضريبة. ثانيًا: الدفع بعدم دستورية المادة (٢٣) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، على سند من أنه تم فرض ضريبة على الشركة التي يمثلها، عن الفترة من أبريل عام 1991 حتى أبريل عام 1993، بنسبة 10٪ من جملة الأعمال، بمبلغ مقداره 38118,40 جنيهًا، بالإضافة إلى مبلغ 76234,8٠ جنيهًا، يمثل تعويضًا يعادل مثلي الضريبة، وإذ رفضت اللجنة المختصة تظلمه على هذا التقدير، ولم يتم التصالح بشأنه؛ فقد أقام الدعوى. وحال نظرها دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة (23) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية؛ فأقام الدعوى المعروضة، ناعيًا على نص الفقرة الأولى من المادة (23) من القانون المار ذكره، والتعليمات الصادرة من مصلحة الضرائب على المبيعات بتاريخ 18/ 4/ 1993، والمبلغة لمأمورية ضرائب بورسعيد، بإضافة أعمال المقاولات ضمن خدمات التشغيل للغير الخاضعة لهذه الضريبة، مخالفتهما لنص المادتين (38 و40) من دستور سنة 1971.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، على سند من أن حقيقة طلبات المدعي هى المنازعة حول خضوع نشاطه في مجال المقاولات للضريبة العامة على المبيعات، وهو ما لا يُشكل عيبًا دستوريًّا تمتد إليه الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، فإنه مردود بأن مقتضى ما نصت عليه المادة (192) من الدستور والمواد (25 و27 و29) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وهى قاطعة في دلالتها على أن اختصاص المحكمة في مجال الرقابة على الدستورية منحصر في النصوص التشريعية أيًّا كان موضوعها، أو نطاق تطبيقها، أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها، ذلك أن هذه النصوص هي التي تتولد عنها مراكز قانونية عامة مجردة، وما يميزها كقواعد قانونية هو أن تطبيقاتها مترامية، ودوائر المخاطبين بها غير متناهية، والآثار المترتبة على إبطالها - إذا أهدرتها هذه المحكمة لمخالفتها الدستور- بعيدة في مداها. متى كان ذلك، وكانت طلبات المدعي في الدعوى المعروضة، الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (23) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وكان مبتغاه من الطعن على هذه المادة القضاء بعدم دستورية خضوع نشاط المقاولات للضريبة المقررة بموجب ذلك القانون؛ الأمر الذي يدخل الفصل فيه في نطاق ولاية المحكمة الدستورية العليا؛ ومن ثم يضحى الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى قائمًا على غير أساس، جديرًا بالالتفات عنه.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها – وفقًا لنص البند (ب) من المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذي أثير أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها تلك المحكمة جديته، وبما لا يجاوز الطلبات الختامية الواردة في صحيفة الدعوى الدستورية. متى كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن الدفع الذي أبداه المدعي بصحيفة الدعوى الموضوعية، وردده بمحضر جلسة 27/ 1/ 1996، وقدرت محكمة الموضوع جديته، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، قد اقتصر على نص المادة (23) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، وخلا من التعليمات الصادرة من مصلحة الضرائب على المبيعات بتاريخ 18/ 4/ 1993، وإذ قصر المدعي طلباته الختامية على نص الفقرة الأولى من المادة (23) المشار إليها؛ ومن ثم فإن ما تضمنته صحيفة الدعوى المعروضة من طعن على دستورية التعليمات السالفة البيان، ينحل إلى دعوى دستورية أصلية لم تتصل بالمحكمة الدستورية العليا على النحو المقرر بقانونها، وتكون الدعوى بشأنها غير مقبولة، ويكون ما جاوز الفقرة الأولى من المادة (23) من القانون المار ذكره غير مطروح على هذه المحكمة.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (23) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، تنص على أن للمسجل عند حساب الضريبة أن يخصم من الضريبة المستحقة على قيمة مبيعاته من السلع ما سبق سداده أو حسابه من ضريبة على المردودات من مبيعاته وما سبق تحميله من هذه الضريبة على مدخلاته، وكذلك الضريبة السابق تحميلها على السلع المبيعة بمعرفة المسجل في كل مرحلة من مراحل توزيعها طبقًا للحدود وبالشروط والأوضاع التي تحددها اللائحة التنفيذية.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة هو الذي يحدد فكرة الخصومة الدستورية، ويبلور نطاق المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، ويؤكد ضرورة أن تكون المنفعة التي يقرها القانون هي محصلتها النهائية. ومن المقرر - كذلك - أن شرط المصلحة منفصل دومًا عن توافق النص التشريعي المطعون عليه مع أحكام الدستور أو مخالفته لها، باعتبار أن هذا التوافق أو الاختلاف هو موضوع الدعوى الدستورية، فلا تخوض فيه المحكمة إلا بعد قبولها. كما اطرد قضاء هذه المحكمة على أنه لا يكفي توافر المصلحة عند رفع الدعوى الدستورية فقط، وإنما يتعين أن تظل قائمة حتى الفصل فيها، فإذا زالت المصلحة بعد رفعها، وقبل الحكم فيها، فلا سبيل إلى التطرق إلى موضوعها.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قد قضت بحكمها الصادر بجلسة 15/ 4/ 2007، في الدعوى رقم 232 لسنة 26 قضائية دستورية، أولًا: بعدم دستورية عبارة خدمات التشغيل للغير الواردة قرين المسلسل رقم (11) من الجدول رقم (2) المرافق لقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 2 لسنة 1997. ثانيًا: بعدم دستورية صدر المادة (2) من القانون رقم 11 لسنة 2002 بتفسير بعض أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، والذي ينص على أنه مع مراعاة الأثر الكاشف لهذا القانون. ثالثًا: رفض ما عدا ذلك من الطلبات. وقد نُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد 16 (تابع) بتاريخ 19/ 4/ 2007.
متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول طلب المدعي وقف تنفيذ ثم إلغاء قرار اللجنة المشكلة من مصلحة الضرائب على المبيعات المار بيانه، وذلك لعدم خضوع نشاطه في مجال أعمال المقاولات، خلال الفترة من أبريل عام 1991 حتى أبريل عام 1993، لأحكام قانون الضريبة على المبيعات السالف ذكره. وكان مؤدى قضاء المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 15/ 4/ 2007، في الدعوى رقم 232 لسنة 26 قضائية دستورية السالف بيانه، عدم خضوع هذا النشاط لتلك الضريبة عن الفترة محل النزاع، بعد زوال السند التشريعي الذي فرضت بمقتضاه الضريبة العامة على المبيعات على خدمات التشغيل للغير، ومن بينها النشاط الذي يباشره المدعي، وذلك عن الفترة السابقة على العمل بالقانون رقم 11 لسنة 2002 المار ذكره؛ ومن ثم يكون هذا القضاء محققًا للمدعي مبتغاه من دعواه الموضوعية، دون حاجة للتعرض لدستورية النص المطعون فيه، وتنتفي – تبعًا لذلك – مصلحته الشخصية المباشرة في الطعن عليه بعدم الدستورية، لتكون دعواه بشأنه غير مقبولة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات.

الطعن رقم 40 لسنة 39 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 3 / 8 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من أغسطس سنة 2024م، الموافق الثامن والعشرين من المحرم سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 40 لسنة 39 قضائية دستورية

المقامة من
عماد الدين مصطفى عبد الحميد صالح
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)
3- رئيس مجلس الوزراء
4- محافظ المنوفية
5- رئيس مجلس مدينة أشمون

--------------------

" الإجراءات "

بتاريخ التاسع والعشرين من مارس سنة 2017، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية البند (6) والفقرة الأخيرة من المادة (60) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

----------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعي أقام أمام محكمة القضاء الإداري بالمنوفية الدعوى رقم 10040 لسنة 18 قضائية، طلبًا للحكم، بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ وإلغاء قرار محافظ المنوفية رقم 185 لسنة 2013، فيما تضمنه من إزالة منزله، وذلك على سند من صدور ذلك القرار متضمنًا إزالة منزله الكائن بحوض النعناعي - بندر أشمون – محافظة المنوفية، لإقامته على أرض زراعية، دون الحصول على ترخيص؛ فأقام المدعي دعواه. وأثناء نظرها دفع المدعي بعدم دستورية البند (6) والفقرة الأخيرة من المادة (60) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008، فصرحت له المحكمة برفع الدعوى الدستورية؛ فأقام الدعوى المعروضة. بيد أن محكمة الموضوع مضت في نظر الشق العاجل من الدعوى، وقضت بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وحيث إن المادة الثانية من القانون رقم 119 لسنة 2008 بإصدار قانون البناء تنص على أن تحظر إقامة أي مبان أو منشآت خارج حدود الأحوزة العمرانية المعتمدة للقرى والمدن أو المناطق التي ليس لها مخطط استراتيجي عام معتمد، أو اتخاذ أي إجراءات في شأن تقسيم هذه الأراضي، ويستثنى من هذا الحظر:
(أ) الأراضي التي تقام عليها مشروعات تخدم الإنتاج الزراعي أو الحيواني في إطار الخطة التي يصدر بها قرار من مجلس الوزراء، بناء على عرض الوزير المختص بالزراعة.
(ب) الأراضي الزراعية الواقعة خارج أحوزة القرى والمدن التي يقام عليها مسكن خاص أو مبنى خدمي، وذلك طبقًا للضوابط التي يصدر بها قرار الوزير المختص بالزراعة.
ويشترط في الحالات الاستثنائية المشار إليها في البندين (أ) و (ب) صدور ترخيص طبقًا لأحكام هذا القانون.
وحيث إن المادة (60) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 تنص على أن تزال بالطريق الإداري على نفقة المالك المخالفات الآتية:
1- ...... 2-....... 3-...... 4-........ 5-........
6- المباني والمنشآت والأعمال التي تقام خارج الحيز العمراني المعتمد للمدينة أو القرية.
ويصدر بذلك قرار من المحافظ المختص دون التقيد بالأحكام والإجراءات الخاصة بإيقاف الأعمال ولا يجوز التجاوز عن إزالة هذه المخالفات.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية، ومناط هذه المصلحة أن تتوافر رابطة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع . متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول طلب المدعي الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار محافظ المنوفية رقم 185 لسنة 2013، بإزالة المنزل الذي أقامه على أرض زراعية خارج الحيز العمراني، مستندًا في إصداره إلى نص المادة (60) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008؛ ومن ثم فإن النص المطعون فيه يكون قد طبق على المدعي وأعملت أحكامه في مواجهته؛ وبالتالي فإن الفصل في دستوريته يرتب أثرًا مباشرًا وانعكاسًا أكيدًا على الطلبات المطروحة بالدعوى الموضوعية، مما تتحقق به المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي في الدعوى المعروضة، ويتحدد نطاقها في نص البند (6) من الفقرة الأولى والفقرة الأخيرة من المادة (60) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008، فيما تضمناه من أن تزال بالطريق الإداري على نفقة المالك المباني والمنشآت والأعمال التي تقام خارج الحيز العمراني المعتمد للمدينة أو القرية، على أن يصدر بذلك قرار من المحافظ المختص، دون التقيد بالأحكام والإجراءات الخاصة بإيقاف الأعمال، وحظر التجاوز عن إزالة هذه المخالفات.
ولا ينال مما تقدم مُضي محكمة الموضوع في نظر الشق العاجل من الدعوى الموضوعية بعد تصريحها بإقامة الدعوى الدستورية المعروضة، وحكمها بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار؛ ذلك أن النزاع المطروح على محكمة الموضوع لا يزال قائمًا، ولم تفصل فيه تلك المحكمة بقضاء منه للخصومة، وكان حكمها في الشق العاجل من النزاع لا يحول دون أن يناقضه قضاؤها في الموضوع؛ ومن ثم تظل مصلحة المدعي الشخصية المباشرة قائمة في الدعوى الدستورية.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه مخالفته نصوص المواد (40 و58 و78 و95 و184) من الدستور، على سند من أن قرارات الإزالة تتماثل في طبيعتها مع المصادرة الخاصة التي يوجب الدستور أن تكون بموجب حكم قضائي، بما يُعد افتئاتًا على ولاية السلطة القضائية، ومخالفًا مبدأ حرمة المنازل، وإخلالاً بالالتزام الواقع على عاتق الدولة بكفالة حق المواطنين في المسكن الملائم، وإهدارًا للملكية الخاصة، فضلًا عن عصفه بضمانات حق التقاضي.
وحيث إن قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 قد أخضع أعمال البناء لعدد من الضوابط الإجرائية والموضوعية التي يتعين استيفاؤها قبل الشروع في البناء، وتُعد هذه الضوابط والشروط بمثابة الوسيلة التي استخدمها المشرع لتحقيق الغايات الكلية من إصدار هذا القانون، على ما يتبين من الأحكام الواردة بنصوصه والمبررات التي ساقتها مذكرته الإيضاحية وتقرير اللجنة المشتركة من لجنة الإسكان والمرافق العامة والتعمير ومكتب لجنة الثقافة والإعلام والسياحة، والمناقشات التي طرحها أعضاء غرفتي السلطة التشريعية في شأنه، والتي تتحدد في إقرار منظومة قانونية متكاملة لتنظيم أعمال البناء والحفاظ على التراث المعماري والثروة العقارية، بما يضمن تلافي كافة الآثار السلبية والمعوقات التي شابت كافة قوانين البناء السابقة، وتوقي المخاطر والأزمات التي قد تُستفحل من جراء تنامي ظاهرة البناء العشوائي، المقام خارج الحيز العمراني المعتمد للمدن والقرى، وتقع في مقدمتها تآكل الرقعة الزراعية، مما قد ينجم عنه تهديد مباشر للأمن القومي للدولة، والحيلولة دون فرص تنمية هذه الأراضي واستغلال مواردها الاستغلال الأمثل، علاوة على صعوبة تقديم وتوفير المرافق والخدمات الأساسية والحيوية لقاطني هذه المباني العشوائية، بما ينعكس سلبًا على صلاح المجتمع.
وحيث إن المشرع أفرد الباب الثالث من قانون البناء المار ذكره لتنظيم أعمال البناء على كافة أعمال العمران بوحدات الإدارة المحلية والمناطق السياحية والصناعية والتجمعات العمرانية الجديدة، وعلى المباني والتجمعات السكنية التي يصدر بتحديدها قرار من الوزير المختص، وقد حظر المشرع إنشاء مبانٍ أو منشآت أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو ترميمها أو هدم المباني غير الآيلة للسقوط جزئيًا أو كليًا أو إجراء أي تشطيبات خارجية دون الحصول على ترخيص بذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم، وفي حالة القيام بأي من تلك الأعمال من دون ترخيص، فقد تضمنت المادة (60) من القانون ذاته – النص المطعون فيه – ست حالات على سبيل الحصر، ارتأى معها المشرع أن المخالفة قد بلغت حداً من الجسامة بحيث لا يصلح معها التقيد بالأحكام والإجراءات الخاصة بإيقاف الأعمال، فأوجب إصدار قرار الإزالة بشأنها من دون الحاجة إلى أن يسبقه قرار بإيقاف الأعمال المخالفة، واستلزم صدور قرار الإزالة في تلك الحالات من المحافظ المختص، وحظر التجاوز عن إزالة هذه المخالفات، وفرض إزالة المخالفة في تلك الحالات على نفقة المالك، والتي من شأنها أن ترد على المخالف قصده في شأن تحقيق منافع مادية من إقامة مبانٍ غير مرخص بها من جهة الإدارة، وتهدف إلى رد الضرر الناشئ عن المخالفة وإيلام المخالف بالنَّيل من العناصر الإيجابية لذمته المالية، بتحميله نفقة أعمال الإزالة للمباني المخالفة.
وحيث إنه في مجال الردع الذي يكفل ضمان تحقيق الغايات التشريعية المار ذكرها، حظرت المادة الثانية من القانون رقم 119 لسنة 2008 بإصدار قانون البناء إقامة أي مبانٍ أو منشآت خارج الأحوزة العمرانية المعتمدة للقرى والمدن أو المناطق التي ليس لها مخطط استراتيجي عام معتمد، أو اتخاذ أية إجراءات في شأن تقسيم هذه الأراضي؛ وذلك تقديرًا من المشرع لخطر أي من الأفعال السالفة على الأمن القومي بمفهومه الاجتماعي والثقافي، وإضرارها عناصر الثروة الوطنية على مستوى الدولة والمواطن وإضرارها بمقومات التنمية المستدامة، مما دعا المشرع إلى تجريم الأفعال التي يواجهها ذلك الحظر، من خلال العقاب عليها بمقتضى نص الفقرة الثانية من المادة (102) من قانون البناء السالف الذكر، ثم أوجب المشرع الإزالة المنصوص عليها في النص المطعون فيه لمواجهة البناء بدون ترخيص، الذي يهدد من ناحية سلامة شاغلي تلك المباني وأموالهم، ومن ناحية أخرى يضر بمصلحة عامة مؤكدة هي التصدي لتفشي ظاهرة إقامة مبان غير مرخصة من جهة الإدارة، بما تحمله هذه الظاهرة من دلالات سلبية، تنال من توجه الدولة نحو إنشاء بيئة حضارية، وتنتهك مشروعاتها في مجالات التخطيط العمراني والتنسيق الحضاري.
وحيث إنه عن نعي المدعي على النص المطعون فيه – محددًا بالنطاق السالف الذكر – إخلاله بالتزام الدولة بكفالة الحق في السكن الملائم، فإنه مردود؛ ذلك أن كفالة الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية، مؤداه على ما نصت عليه المادة (78) من الدستور، والمادة (2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التزام الدولة بوضع خطة وطنية للإسكان تراعي الخصوصية البيئية وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية في تنفيذها، وتنظيم استخدام أراضي الدولة، ومدها بالمرافق الأساسية في إطار تخطيط عمراني شامل للمدن والقرى واستراتيجية لتوزيع السكان، بما يحقق الصالح العام وتحسين نوعية الحياة للمواطنين، ويحفظ حقوق الأجيال القادمة. ومع ذلك، فلا تقتضي كفالة الدولة للحق في السكن قيامها ببناء مساكن لجميع مواطنيها، ولا ضمانها سكنًا خاصًا لكل من لا سكن له، اعتبارًا بأن الحق في السكن يشمل اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون التشرد، والتركيز على الفئات الأكثر ضعفًا وتهميشًا، وضمان لياقة السكن لكل مواطن، وهي تدابير ذات طبيعة تشريعية وتنفيذية، يتم اتخاذها في إطار من السياسة العامة للدولة، وبرامجها التنموية، وأولوياتها الخططية، في حدود مواردها المتاحة.
متى كان ما تقدم، وكان ما تضمنه النص المطعون فيه من أن تزال بالطريق الإداري وعلى نفقة المالك المباني والمنشآت والأعمال التي تقام خارج الحيز العمراني المعتمد للمدينة أو القرية، وذلك بموجب قرار من المحافظ المختص، دون التقيد بالأحكام والإجراءات الخاصة بإيقاف الأعمال، إنما يندرج ضمن التدابير التشريعية اللازمة لكفالة الحق في السكن بمعناه المتقدم بيانه، كما أن ذلك التنظيم لا يمس جوهر الحق في السكن أو أصله، ولا ينتقص من عناصره الأساسية؛ ومن ثم يغدو النعي على النص المطعون فيه - من هذا الوجه - لا سند له، متعينًا الالتفات عنه.
وحيث إنه عما ينعاه المدعي على النص المطعون فيه، من إخلاله بالحماية الدستورية المقررة لحق الملكية، فإنه مردود بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن اضطلاع الملكية الخاصة التي صانها الدستور بمقتضى نص المادة (35) بدورها في خدمة المجتمع، يدخل في إطار أدائها لوظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكمًا، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها، وبمراعاة أن القيود التي يفرضها المشرع على الملكية للحد من إطلاقها لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل يمليها خير الفرد والجماعة. ومن المقرر - أيضًا - في قضاء هذه المحكمة أن الدستور وإن كان قد كفل حق الملكية الخاصة، وأحاطه بسياج من الضمانات التي تصون هذه الملكية، وتدرأ كل عدوان عليها، فإنه في ذلك كله لم يخرج عن تأكيده على الدور الاجتماعي لحق الملكية، حيث يجوز تحميلها ببعض القيود التي تقتضيها أو تفرضها ضرورة اجتماعية، ما دامت هذه القيود لم تبلغ مبلغًا يصيب حق الملكية في جوهره أو يعدم جل خصائصه. متى كان ذلك، وكانت الإزالة المقررة بالطريق الإداري الواردة بالنص المطعون فيه إنما تنصب على المباني والمنشآت والأعمال التي تقام خارج الحيز العمراني المعتمد للمدن والقرى، كونها المساحة المخصصة لأغراض التنمية العمرانية، مرصودة على أغراضها، كصورة من صور تنظيم ممارسة النشاط الفردي، ضمانًا لعدم انحرافه عن الغايات المقصودة من مباشرته، دون أن ينال من أصل حق الملكية أو يعدم خصائصها، إذ يظل حق ملكية الأراضي المقام عليها المباني والمنشآت محل الإزالة ثابتًا لصاحبه دون منازعة فيه. فضلًا عن ذلك، فإن المشرع لم يحل كلية دون إقامة المباني والمنشآت على تلك المساحات من الأراضي، إنما أجازه من خلال إجراءات واشتراطات معينة، وفقًا لما تمليه ضرورة استغلالها في أغراض تتسق وأغراضها الأصلية، على أن يكون ذلك رهنًا بالحصول على ترخيص به من قبل الجهة الإدارية المختصة، ضمانًا للغاية ذاتها، بما يحفظ التوازن بين الصالح العام والصالح الخاص؛ مما يكون معه النعي على النص المطعون فيه بالإخلال بالحماية التي فرضها الدستور للملكية الخاصة قائمًا على غير أساس.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه أن الإزالة المقررة بموجبه تنطوي على عقوبة لا يجوز توقيعها إلا بحكم قضائي، وأن تخويل المحافظ المختص سلطة إصدار قرارات بإزالة المباني المقامة خارج الحيز العمراني يُعد غصبًا لولاية السلطة القضائية، وعدوانًا على استقلالها.
وحيث إن هذا النعي مردود أولاً: بأن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط محددة، تعتبر تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، ويتمثل جوهر هذه السلطة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – في المفاضلة بين البدائل المختلفة التي تتزاحم فيما بينها وفق تقديره على تنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها إلا ما يكون منها عنده مناسبًا أكثر من غيره لتحقيق الأغراض التي يتوخاها. وكلما كان التنظيم التشريعي مرتبطًا منطقيًا بهذه الأغراض – وبافتراض مشروعيتها – كان هذا التنظيم موافقًا للدستور. متى كان ذلك، وكان تخويل المحافظ المختص سلطة إصدار قرارات إزالة بالطريق الإداري، على نفقة المالك – إعمالًا للنص المطعون فيه – للمباني والمنشآت والأعمال التي تقع خارج الأحوزة العمرانية، إنما يكون اتساقًا مع دور الدولة بسلطاتها العامة في مجال الضبط الإداري، متى قامت مسوغاته ومبرراته القانونية والدستورية، مستهدفًا تحقيق أغراض المصلحة العامة والأمن القومي، من خلال سرعة اتخاذ إجراء إداري فعال يهدف إلى محو آثار العدوان على الأراضي الواقعة خارج الأحوزة العمرانية، وكان هاديه في ذلك الالتزام الملقى على عاتق الدولة بموجب نص المادة (78) من الدستور، بوضع خطة وطنية للإسكان، تراعي الخصوصية البيئية في إطار تخطيط عمراني شامل للمدن والقرى، واستراتيجية لتوزيع السكان بما يحقق الصالح العام، والتزامها كذلك بوضع خطة قومية شاملة لمواجهة مشكلة العشوئيات، تشمل إعادة التخطيط وتوفير البنية الأساسية.
ومردود ثانيًا: بأن قرارات إزالة أعمال البناء المقامة على الأراضي التي تقع خارج الحيز العمراني، إنما هي قرارات إدارية خالصة تُفصح عن إرادة السلطة العامة الملزمة، في إطار ممارسة وظائفها وصلاحيتها بهدف تحقيق المصلحة العامة، وهو ما يفارق بين طبيعته تلك وبين مفهوم الجزاء الجنائي – المدعى به – الذي لا يجوز افتراضه بغير نص يقرره.
ومردود ثالثًا: بأن محكمة القضاء الإداري – وعملًا بنص المادة (114) من قانون البناء المار ذكره – تختص دون غيرها بالفصل في الطعون المقدمة إليها في شأن القرارات الصادرة بوقف أعمال البناء أو إزالتها أو تصحيحها، لضمان مشروعيتها وتقويمًا لاعوجاجها، ويكون نظر تلك الطعون والفصل فيها على وجه السرعة، كما تختص تلك المحكمة بإشكالات التنفيذ في الأحكام الصادرة منها في هذا الشأن، ولم يحل النص دون أن تأمر لمحكمة ذاتها بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه. وفي ذلك توكيد لاستقلال السلطة القضائية من خلال تسليط إحدى جهاتها لبسط رقابتها القضائية على كل قرار يتعلق بأعمال بناء يُدّعى مخالفتها لأحكام القانون، سواء أكان هذا القرار متعلقًا بوقفها أو بتصحيحها أو بإزالتها، ليكون إسناد الاختصاص بنظر هذه الطعون لجهة القضاء الإداري دون غيرها، إنما يتماهى مع كونه قاضيها الطبيعي، عملًا بنص المادتين (97 و190) من الدستور؛ مما يضحى معه ما نعاه المدعي على النص المطعون فيه، من إخلاله بضمانات حق التقاضي والنيل من استقلال القضاء، والتدخل في شئون العدالة، لا سند له، جديرًا بالرفض.
وحيث إنه عن نعي المدعي على النص المطعون فيه إخلاله بما فرضه الدستور من أن تكون المصادرة الخاصة بموجب حكم قضائي، بحسبان قرارات الإزالة تتفق في طبيعتها مع المصادرة، ليكون إصدارها بقرارات إدارية، مخالفًا لنص المادة (40) من الدستور؛ فإن هذا النعي مردود بأن من المقرر قانونًا أن المصادرة ما هي إلا إجراء الغرض منه تمليك الدولة أشياء مضبوطة ذات صلة بجريمةقهرًا عن صاحبها وبغير مقابل – وهى عقوبة قد تكون وجوبية يقتضيها النظام العام لتعلقها بشيء خارج بطبيعته عن دائرة التعامل، وهى على هذا الاعتبار تعد تدبيرًا وقائيًا لا مفر من اتخاذه في مواجهة الكافة، كما قد تكون المصادرة في بعض القوانين الخاصة من قبيل التعويضات المدنية، إذا نُص على أن تؤول الأشياء المصادرة إلى خزانة الدولة كتعويض عما سببته الجريمة من أضرار. ولما كان القرار الصادر بإزالة البناء المخالف يُعد إجراءً إداريًّا قُصد به محو الضرر الذي أحدثته المخالفة، وتنفيذ القرار الصادر بها إنما يكون بإزالة الأثر الناشئ عن مخالفة القانون وإنهاء حالة البناء غير المشروع ومحو آثاره، دون أن يتضمن ذلك إضافة أية عناصر إيجابية إلى ذمة الدولة ترتبط أو تنشأ عن تنفيذ هذا القرار، بما يجافي مدلول المصادرة على النحو المار بيانه؛ مما يضحى معه ما نعاه المدعي على مخالفة النص المطعون فيه للمادة (40) من الدستور، لا سند له جديرًا بالرفض.
وحيث إنه عن نعي المدعي على النص المطعون فيه – محددًا بالنطاق السالف بيانه – مخالفته ما أكد عليه الدستور من حرمة دخول المنازل إلا بأمر قضائي مسبب، مما يخالف أحكام المادة (58) من الدستور، فمردود بأن النص المطعون فيه خلا في تنظيمه من أيّة أحكام ذات صلة بدخول المنازل أو تفتيشها، وإنما أتى بأحكام تتعلق بإجراءات إزالة المباني والمنشآت المقامة خارج الأحوزة العمرانية بموجب قرارات إدارية يصدرها المحافظ المختص، إعمالًا لما تخوله له سلطة الضبط الإداري من إصدار هذه القرارات، ولا صلة لهذه القرارات الإدارية بإجراءات دخول المنازل وضوابطها الدستورية والقانونية، وليس من شأنها المساس بحرمة المسكن، التي تنبثق عن الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة؛ مما يكون معه هذا النعي في غير محله.
وحيث كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه لا يخالف أيًّا من المواد (29 و35 و40 و58 و78 و95 و97 و184) من الدستور، كما لا يتصادم وأي نص آخر فيه؛ فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات

الطعن رقم 178 لسنة 26 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 3 / 8 / 2024

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من أغسطس سنة 2024م، الموافق الثامن والعشرين من المحرم سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 178 لسنة 26 قضائية دستورية، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة الدائرة الرابعة، بحكمها الصادر بجلسة 12/ 6/ 2001، ملف الدعوى رقم 935 لسنة 51 قضائية.

المقامة من
زينب صالح عبد المولى
ضد
وزير المالية، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك

------------------

" الإجراءات "

بتاريخ السادس والعشرين من أغسطس سنة 2004، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 935 لسنة 51 قضائية، بعد أن حكمت محكمة القضاء الإداري الدائرة الرابعة بجلسة 12/ 6/ 2001، بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية البند (2) من المادة (118)، والمادة (119) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963، قبل تعديلهما بالقانون رقم 160 لسنة 2000.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وقدمت المدعية - في الدعوى الموضوعية - مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم دستورية المادتين المحالتين.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى بجلسة 14/ 1/ 2007، وفيها قررت المحكمة إعادتها لهيئة المفوضين لاستكمال التحضير؛ فأودعت الهيئة تقريرًا تكميليًا برأيها، ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 8/ 6/ 2024؛ فقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
-----------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - في أن المدعية في الدعوى الموضوعية، أقامت الدعوى التي صار قيدها أمام محكمة القضاء الإداري الدائرة الرابعة برقم 935 لسنة 51 قضائية، طلبًا للحكم بإلزام المدعى عليه برد مبلغ 28133,924 جنيهًا، قيمة ما سددته من ضرائب ورسوم جمركية على بضائع استوردتها من الخارج، والغرامة الجمركية الموقعة عليها من مدير جمرك المحمودية، على سند من أن المعاينة التي أجراها الجمرك، وأيدتها لجنة التحكيم العالي، قد خلصت إلى عدم صحة الإقرار المقدم منها عن قيمة البضائع، وإلزامها بسداد المبلغ محل دعوى الاسترداد؛ مما حدا بها إلى إقامة دعواها، التي اقتصر نطاقها أمام محكمة الإحالة على طلب الحكم بإلغاء قرار مدير الجمرك المختص بفرض غرامة على مشمول الرسالة محل البيان الجمركي موضوع الدعوى، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها رد قيمة الغرامة. ونعى حكم الإحالة على النصين المحالين أن المشرع إذ فرض غرامة على المستورد لتقديم بيانات خاطئة عن قيمة البضائع إذا ظهرت فيها زيادة تجاوز عشرين في المائة، وناط بمدير الجمرك المختص توقيع هذه الغرامة بقرار منه، فإنه يكون قد فرض عقوبة جنائية بغير حكم قضائي، مما يخالف أحكام المواد (66 و67 و69 و165) من دستور سنة 1971.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لسبق حسم المسألة الدستورية المثارة في الدعوى المعروضة، وذلك بحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 2/ 8/ 1997، في الدعوى رقم 72 لسنة 18 قضائية دستورية، فمردود بأن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلًا حاسمًا بقضائها، أما النصوص التي لم تكن مطروحة على المحكمة ولم تفصل فيها فلا تمتد إليها تلك الحجية. متي كان ذلك، وكان الحكم المحاج به قد انصب على المادتين (37 و38) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963، بعد ربطهما بالمادتين (117 و119) من القانون ذاته، حال وجود نقص غير مبرر في الطرود التي تم تفريغها من الطائرة عما هو مدون بشأنها في قائمة الشحن، سواء اتصل هذا النقص بعدد الطرود أو بمحتوياتها، وقُضي فيها بعدم دستورية تلك النصوص، الأمر الذي يفارق مؤدى نص البند (2) من المادة (118) والمادة (119) في مجال تطبيقها على البند ذاته من القانون المار ذكره، ومقتضى ما تقدم أن تكون حجية ذلك الحكم مقصورة على نطاقه، دون أن تجاوزه إلى نصوص أخرى لم يفصل فيها؛ ومن ثم يكون الدفع المبدى بسبق الفصل في موضوع هذه الدعوى بالحكم المار ذكره قائمًا على غير أساس، ويتعين تبعًا لذلك رفضه.
وحيث إن المادة (118) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963، قبل استبدالها بالقانون رقم 160 لسنة 2000 تنص على أن تفرض غرامة لا تقل عن عشر الضرائب الجمركية المعرضة للضياع ولا تزيد على مثلها في الأحوال الآتية: (1) ... (2) تقديم بيانات خاطئة عن القيمة إذا ظهرت فيها زيادة تجاوز عشرين في المائة. (3) ... (4) ....
وتنص المادة (119) من القانون ذاته، قبل استبدالها بالقانون رقم 160 لسنة 2000، على أن تفرض الغرامات المنصوص عليها في المواد السابقة بقرار من مدير الجمرك المختص ويجب أداؤها خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ إعلان المخالفين بهذا القرار بخطاب مسجل مصحوب بعلم وصول ما لم يتظلم ذوو الشأن بكتاب يقدم للمدير العام للجمارك خلال الخمسة عشر يومًا المذكورة وللمدير العام في هذه الحالة أن يؤيد الغرامة أو يعدلها أو يلغيها.
وتحصل الغرامات بطريق التضامن من الفاعلين والشركاء وذلك بطريق الحجز الإداري. وتكون البضائع ضامنة لاستيفاء تلك الغرامات.
ويجوز الطعن في قرارات المدير العام للجمارك خلال خمسة عشر يومًا من إعلانها بخطاب موصى عليه مصحوب بعلم وصول وذلك أمام المحكمة المختصة، ويكون حكم المحكمة نهائيًّا وغير قابل للطعن فيه.
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - مناطها - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة.
متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب إلغاء قرار مدير الجمرك المختص بتوقيع غرامة على المدعية، لتقديمها بيانات خاطئة عن قيمة البضاعة بما يجاوز عشرين في المائة، وكان سند فرض هذه الغرامة النصان المحالان - سواء من حيث صحة فرضها أو السلطة الموسد إليها توقيعها-؛ ومن ثم فإن للفصل في دستوريتهما أثرًا مباشرًا وانعكاسًا أكيدًا على قضاء محكمة الموضوع في النزاع المردد أمامها، ويتحدد نطاق هذه الدعوى في المادة (118/ 2) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 قبل استبدالها بالقانون رقم 160 لسنة 2000، وصدر المادة (119) من قانون الجمارك المشار إليه، فيما تضمنه من تخويل مدير الجمارك الاختصاص بفرض الغرامة المنصوص عليها في المادة (118/ 2) من القانون ذاته.
ولا ينال من ذلك استبدال النصين المحالين بالقانون رقم 160 لسنة 2000 بتعديل بعض أحكام قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963، وإلغاء هذا القانون برمته بموجب المادة الخامسة من القانون رقم 207 لسنة 2020 بإصدار قانون الجمارك؛ ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية أنها تسري على الوقائع التي تتم في ظلها، أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى إلغائها، فإذا أُلغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين القانونيتين؛ ومن ثم فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل أي من القانونين - القديم أو الجديد - تخضع لحكمه. ولما كانت الغرامة المالية محل الدعوى الموضوعية قد فُرضت على وقائع حدثت في ظل العمل بقانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963، وقبل العمل بأحكام القانون رقم160 لسنة 2000، والقانون رقم 207 لسنة 2020؛ فمن ثم يكون القانون الأول هو الواجب التطبيق على النزاع الموضوعي.
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن حماية هذه المحكمة للدستور إنما تنصرف إلى الدستور القائم، إلا أنه لما كان هذا الدستور ليس ذا أثر رجعي، فإنه يتعين إعمال أحكام الدستور السابق الذى صدر القانون المطعون عليه في ظل العمل بأحكامه، طالما أن هذا القانون قد عمل بمقتضاه إلى أن تم إلغاؤه أو استبدال نص آخر به خلال مدة سريان ذلك الدستور. متى كان ذلك، وكان النصان المحالان، في النطاق السابق التحديد، قد جرى استبدالهما بالقانون رقم 160 لسنة 2000، أثناء العمل بدستور سنة 1971، ومن ثم فإن هذه المحكمة تعمل رقابتها الدستورية عليهما استنادًا إلى أحكام الدستور الذي أُلغي النصان في ظله.
وحيث إنه عن دستورية نص البند (2) من المادة (118) من قانون الجمارك المار ذكره، فإن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تجريم أفعال بذواتها لا يتم إلا من خلال عقوبة جنائية، تمثل جزاء قدره ‏المشرع عند مقارفتها، ولا يعتبر هذا الجزاء - وتلك طبيعته - عوضًا ماليًا عن ‏الجريمة التي عينها المشرع، بل جزءًا منها لا ينفصل عنها، فلا جريمة بغير ‏عقوبة، ولا عقوبة إلا عن فعل أو امتناع أخل بقيم الجماعة أو نقضها؛ وصار ‏مؤثمًا ضمانًا لصونها، فلا تُقَابَل الجرائم- أيًا كان نوعها- بتعويض يكون مكافئًا ‏للضرر الناجم عنها، وإنما يتحدد جزاؤها بقدر خطورتها ووطأتها؛ فلا يكون مجاوزًا ‏قدر الضرورة الاجتماعية التي يقتضيها، ولا واقعًا دون متطلباتها، فالضريبة لا تقابل ‏جرمًا؛ ولا يفترض فيما نشأ عنها من إيراد أن يكون متأتيًا من مصدر غير ‏مشروع، ولا يقصد بها كذلك أن تكون إيلامًا للمكلفين بها، وإنما يقع عبؤها على ‏أموالهم بوصفهم مواطنين يسهمون عدلًا في تحمل نصيبهم من التنمية وتطوير ‏مجتمعهم، بما يؤكد تضامنهم، ولا كذلك الغرامة التي يفرضها المشرع متوخيًا بها أن ‏تكون عقابًا زاجرًا، حائلًا بمداه دون الجريمة التي نهى عن ارتكابها، ومحيطًا بها ‏بعد وقوعها من خلال جزاء جنائي يناسبها.‏
وحيث إن المقرر - أيضًا - في قضاء هذه المحكمة أن القانون الجنائي وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، فإن هذا القانون يفارقها في اتخاذه الجزاء الجنائي أداة لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلي عن تلك التي ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيّا أن يحدد من منظور اجتماعي، ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية؛ ومن ثم يتعين على المشرع، حين يقدر وجوب التدخل بالتجريم حماية لمصلحة المجتمع، أن يجري موازنة دقيقة بين مصلحة المجتمع والحرص على أمنه واستقراره من جهة، وضمان حريات وحقوق الأفراد من جهة أخرى.
وحيث إن النطاق الحقيقي لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المنصوص عليه في المادة (66) من دستور سنة 1971، إنما يتحدد على ضوء عدة ضمانات، يأتي على رأسها وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها ولا غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع، متصيّدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهى ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بيّنة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولًا عليها.
وحيث إن المشرع يعمد أحيانًا إلى تقرير جرائم عن أفعال ذات طبيعة تنظيمية، لا يتصل بها قصد جنائي، باعتبار أن الإثم ليس كامنًا فيها، ولا تدل بذاتها على ميل إلى الشر والعدوان، ولا يختل بها قدر مرتكبها أو اعتباره، وإنما ضبطها المشرع تحديدًا لمجراها، وأخرجها بذلك من مشروعيتها -وهى الأصل - وجعل عقوباتها متوازنة مع طبيعتها، وكان ما توخاه المشرع من التجريم في هذه الأحوال، هو الحد من مخاطر بذواتها بتقليل فرص وقوعها، وإنماء القدرة على السيطرة عليها، والتحوط لدرئها، فلا يكون إيقاع عقوبتها معلقًا على النوايا المقصودة من الفعل، ولا على تبصر النتيجة الضارة التي أحدثها، وإنما على استواء قيام الركن المعنوي لهذه النوعية من الجرائم بأي من هاتين الصورتين كبديلين متساويين -وقد بدا هذا الاتجاه متصاعدًا إثر الثورة الصناعية وتعقد الوظيفة الإدارية للدولة وزيادة مقتضيات ضبط التنظيم القانوني لأعمالها -الأمر الذي يكون معه الخوض في هذين الأمرين معطلاً لأغراض التجريم، على تقدير أن المتهم -ولو لم يكن قد أراد الفعل- كان باستطاعته أن يتوقاه لو بذل جهدًا معقولًا لا يزيد وفقًا للمقاييس الموضوعية عما يكون متوقعًا من الشخص المعتاد. وغدا منطقيًا - بالتالي - أن يتحمل الأضرار التي أنتجها، وأن يكون مسئولًا عنها، حتى ما وقع منها بصفة عرضية أو مجاوزًا تقديره. ولازم ما تقدم، أن هذا النوع من الجرائم - وتلك هي خصائصها - يعد استثناءً من الأصل في جرائم القانون العام، التي لا تكتمل مقوماتها إلا باعتبار أن القصد الجنائي ركن فيها.
وحيث إن افتراض أصل البراءة الذي نص عليه دستور سنة 1971 في المادة (67) منه - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يُعد أصلًا ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية، وينسحب إلى الدعوى الجنائية في جميع مراحلها وعلى امتداد إجراءاتها، وقد غدا حتمًا عدم جواز نقض البراءة بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها المحكمة، وتتكون من مجموعها عقيدتها، حتى تتمكن من دحض أصل البراءة المفروض في الإنسان، على ضوء الأدلة المطروحة أمامها، التي تثبت كل ركن من أركان الجريمة، وكل واقعة ضرورية لقيامها.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، يتمثل جوهرها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - في المفاضلة بين البدائل المختلفة وفق تقديره لتنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها إلا ما يكون منها عنده مناسبًا أكثر من غيره لتحقيق الأغراض التي يتوخاها. وكلما كان التنظيم التشريعي مرتبطًا منطقيًّا بهذه الأغراض - وبافتراض مشروعيتها - كان هذا التنظيم موافقًا للدستور.
وحيث إن المشرع في الجريمة المؤثمة بالبند (2)من المادة(118)من قانون الجمارك المار ذكره، تقديرًا منه لثقل العبء الملقى على الإدارة الجمركية في مقام تحصيل الضريبة، وصعوبة قيامها بفحص شتى الرسائل التي تتولى فرض الضريبة عليها، استحدث في المادتين(22 و23) من القانون ذاته نظامًا، بمقتضاه كلف كل صاحب شحنة بالإقرار عن قيمتها إقرارًا يتعين مطابقته للحقيقة في تاريخ تسجيل البيان الجمركي، حتى يتسنى لمأموري الجمرك فرض الضريبة المناسبة استنادًا إلى هذا الإقرار، قاصدًا من ذلك منح الإدارة الجمركية مكنة الاعتماد على الإقرار المذكور، دون فحص، في الأحوال التي ترتئيها، دون إخلال بحقها في معاينة الرسالة وفحصها، ليكون أعون لقدرات الدولة على تحصيل مستحقاتها الضريبية، وكان سبيل المشرع لإنفاذ هذا الالتزام وضمان تفعيله سن الجريمة التنظيمية موضوع النص المحال، ألزم بمقتضاه المخاطبين بحكمه سلوكًا قويمًا ييسر للإدارة الجمركية الاعتماد عليه، ويلقي عليهم التزامًا ببذل العناية التي يتوقعها المشرع من أوسطهم، للحد من العبء الإداري الملقى على موظفي الجمارك، فإنه يكون قد استهدف مصلحة جديرة بالحماية الجنائية، قاصدًا إلى تحقيق غاية تشريعية مبررة. إذ كان ذلك، وكانت صياغة النص المحال قد جاءت واضحة، لا يشوبها لبس ولا يعتريها غموض، وقد عينت الركن المادي للجريمة، وحددت مناط تحققه بأن تكون القيمة الفعلية للرسالة المستوردة تزيد على قيمتها الواردة بالإقرار زيادة تجاوز عشرين في المائة، فإن تجاوزت القيمة الفعلية ما أثبته المستورد بالإقرار، قامت مسئوليته الجنائية؛ بما يكون معه التجريم في النص المحال قد جاء موافقًا لأحكام الدستور. ولما كانت عقوبة الغرامة المفروضة بموجب هذا النص - وهي عقوبة جنائية- تستجمع سائر عناصر عقوبة الغرامة النسبية المقررة في القوانين العقابية، إذ فرضت على أساس نسبي يتماهى مع مقدار الضرر المحتمل حدوثه للحصيلة الضريبية من ارتكاب الجريمة، وكان هذا التنظيم الجنائي قد أتى في حدود السلطة التقديرية للمشرع، وفي إطار متناسب مع الفعل المؤثم، وكانت تلك العقوبة قد وردت بين حدين أعلى وأدنى، فأتاحت للقائم على توقيعها أن يتخير بين هذين الحدين، مراعيًا في ذلك جسامة الفعل، متخذًا من قيمة الضرائب الجمركية المعرضة للضياع أساسًا لتحديد مقدار الغرامة، ولم يرد في هذا النص ما يحول دون جواز وقف تنفيذ هذه العقوبة؛ فمن ثم تكون هذه العقوبة قد استوفت سائر الأحكام الموضوعية التي تطلبها الدستور في العقوبة الجنائية.
لما كان ذلك جميعه، فإن نص البند (2) من المادة (118) من قانون الجمارك المشار إليه، لا يكون قد خالف نصوص المواد (66 و67 و69) من دستور سنة 1971، أو أي حكم آخر من أحكامه؛ ومن ثم فإن المحكمة تقضي برفض الدعوى بشأنه.
وحيث إنه عن دستورية نص المادة (119) من قانون الجمارك المار ذكره - في النطاق المحدد سلفًا - فلما كان الدستور قد أعلى قدر الحرية الفردية، فاعتبرها من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية والتي لا يمكن فصلها عنها، ومنحها بذلك الرعاية الأوفى والأشمل توكيدًا لقيمتها، وبما لا إخلال فيه بالحق في تنظيمها، وبمراعاة أن القوانين الجزائية قد تفرض على هذه الحرية
- بطريق مباشر أو غير مباشر- أخطر القيود وأبلغها أثرًا على هذه الحرية الجوهرية. وإذ جرى نص الفقرة الثانية من المادة (66) من دستور سنة 1971 على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، فقد دل ذلك على انعقاد اختصاص القضاء الجنائي وحده، دون سواه، بنظر الدعوى الجنائية؛ بما لازمه عدم جواز توقيع عقوبة جنائية إلا بحكم قضائي، ذلك أن اختصاص السلطة التشريعية بإقرار القواعد القانونية ابتداءً، أو تفويض السلطة التنفيذية في إصدارها في الحدود التي بينها الدستور، لا يخول أيتهما العدوان على اختصاص عهد به الدستور إلى السلطة القضائية وقصره عليها، وإلا كان هذا افتئاتًا على ولايتها، وتقويضًا لاستقلالها. ومن ثم لا يجوز أن يمتد اختصاص السلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائم وتقرير عقوباتها، إلى نزع اختصاص السلطة القضائية في نظر الجرائم وتوقيع العقوبات عليها، لتحول بها بين السلطة القضائية ومباشرة مهامها، في نطاق الدعوى الجنائية التي اختصها الدستور بالفصل فيها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحق في التقاضي يفترض - ابتداءً وبداهةً - تمكين كل متقاضٍ من النفاذ إلى القضاء نفاذًا ميسرًا، لا تثقله أعباء مالية، ولا تحول دونه عوائق إجرائية، ولا يعدو هذا النفاذ - بما يعنيه من حق كل شخص في اللجوء إلى القضاء- وأن أبوابه المختلفة غير موصدة في وجه من يلوذ بها، وأن الطريق إليها معبد قانونًا- ولا يستقيم هذا الحق إلا إذا كان الفصل في الحقوق التي تقام الدعوى لطلبها موكولًا إلى أيد أمينة عليها، تتوافر لديها - وفقًا للنظم المعمول بها أمامها - كل ضمانة تقتضيها إدارة العدالة إدارة فعالة، بما يعكس حيدة المحكمة واستقلالها، وحصانة أعضائها والأسس الموضوعية لضماناتها العملية، وهي بذلك تكفل بتكاملها المقاييس المعاصرة التي توفر لكل شخص حقًا مكتملًا ومتكافئًا مع غيره في محاكمة منصفة وعلنية، تقوم عليها محكمة مستقلة محايدة ينشئها القانون، تتولى الفصل - خلال مدة معقولة - في حقوقه والتزاماته المدنية أو في التهمة الجنائية الموجهة إليه، ويتمكن في كنفها من عرض دعواه، وتحقيق دفاعه، ومواجهة أدلة خصمه، ردًّا وتعقيبًا، في إطار من الفرص المتكافئة، وبمراعاة أن تشكيل المحكمة، وأسس تنظيمها، وطبيعة القواعد الموضوعية والإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها من الناحية العملية، هي التي تحدد الملامح الرئيسية التي يتطلبها الدستور في الجهة التي يعهد إليها بالفصل في الأنزعة القضائية.
متى كان ذلك، وكانت الجرائم التنظيمية الواردة بقانون الجمارك المشار إليه، لا يجوز الفصل في ثبوتها وتقرير المسئولية الجنائية عنها في حق من وجهت إليه، إلا بتقديم مرتكبيها إلى محاكمة جنائية، تتولى بمقتضاها محكمة جنائية تتمتع بالحيدة والاستقلال، تكون مهمتها تمحيص الأدلة القائمة ضده، تحريًا لثبوتها، لتقف على استقامة أركان كل جريمة منها، وتتيح بالمقابل لكل من المتهم وسلطة الاتهام، مناقشة الأدلة القائمة ضده إيرادًا وردًا وتعقيبًا، فلا يكون إخفاقهم في نفيها، إلا تقريرًا لمسئوليتهم الجنائية عنها، بما يناقض افتراض براءتهم، ويحول دون انتفاعهم بضمانة الدفاع، التي تفترض لممارستها قيام اتهام محدد ضدهم، معزز بالبراهين الجائز قبولها قانونًا؛ وإخلالًا بالضوابط التي فرضها الدستور في مجال محاكمتهم إنصافًا؛ وتعديًا كذلك على الحدود التي فصل بها بين ولاية كل من السلطتين التشريعية والقضائية، وكان الدستور قد أسند الاختصاص بالفصل في الجرائم وتقرير عقوباتها إلى القضاء الجنائي وحده دون غيره؛ باعتباره صاحب الولاية العامة فيها، وكان النص المطعون فيه قد أسند سلطة إيقاع الغرامة المنصوص عليها في المادة (118) من قانون الجمارك المار بيانه إلى مدير الجمرك، منحيًا بذلك سلطة المحكمة الجنائية عن هذا الاختصاص المعقود لها؛ الأمر الذي يصم النص المحال، في مجال تطبيقه على الجريمة المنصوص عليها في البند رقم (2) من المادة (118) السالفة الذكر، بمخالفته لأحكام المواد (41 و66 و67 و69 و165) من دستور سنة 1971.
وحيث إن مقتضى قضاء هذه المحكمة بعدم دستورية صدر المادة (119) من قانون الجمارك المار ذكره، سقوط باقي أحكام هذه المادة، لارتباط سائر أحكامها بما قُضي بعدم دستوريته ارتباطًا لا يقبل التجزئة، ولا يمكن فصلها أو تطبيقها استقلالًا عنها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية صدر المادة (119) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 قبل استبدالها بالقانون رقم 160 لسنة 2000، فيما تضمنه من تخويل مدير الجمرك الاختصاص بفرض الغرامة المنصوص عليها في المادة (118/ 2) من القانون ذاته، وسقوط باقي أحكام المادة (119) المار بيانها، وبرفض ما عدا ذلك من طلبات.

الطعن رقم 180 لسنة 31 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 3 / 8 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من أغسطس سنة 2024م، الموافق الثامن والعشرين من المحرم سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 180 لسنة 31 قضائية دستورية

المقامة من
عبد الحميد أحمد إمام علي
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)
4- خلود محمد جمال الدين الصادق
5- تغريد محمد جمال الدين الصادق
6- نجوى محمد جمال الدين الصادق
7- آية محمد جمال الدين الصادق
8- وزير العدل، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الشهر العقاري والتوثيق والسجل العيني بالزقازيق

-------------------
" الإجراءات "
بتاريخ التاسع عشر من أغسطس سنة 2009، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة (30) من قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وقدم المدعي مذكرة، صمم فيها على طلباته الواردة بصحيفة دعواه.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

---------------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعي أقام أمام محكمة الزقازيق الابتدائية – مأمورية منيا القمح – الدعوى رقم 408 لسنة 2003 مدني كلي حكومة، ضد المدعى عليهن من الرابعة إلى السابعة، والمدعى عليه الثامن، طلبًا للحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 13/2/2003، المتضمن بيع المدعى عليهن إلى المدعي مساحة أرض قدرها فدان واحد وستة قراريط، وتسليمها للمدعي خالية من الشواغل، وشمول الحكم بالنفاذ المعجل، مع إلزام المدعى عليه الأخير بالتأشير في صحائف الوحدات العقارية بمضمون الطلبات الختامية الواردة بصحيفة دعواه، على سند من القول بأن المدعى عليهن من الرابعة إلى السابعة يمتلكن بطريق الإرث من والدتهن قطعة أرض زراعية بناحية الجديدة، مركز منيا القمح، محافظة الشرقية، بحوض القيد والخطابة رقم 2 ص 72، ضمن العقد المسجل رقم 2784 في 29/4/1959، وقد بعن إلى المدعي المساحة المبينة آنفًا، بموجب عقد بيع ابتدائي مؤرخ 13/2/2003، وذلك نظير مبلغ مقداره مائة وخمسون ألف جنيه، عجَّل المدعي منه مائة ألف جنيه عند تحرير العقد، وأجَّل سداد باقي ثمن الأرض حتى تاريخ 15/8/2003، وإذ رفضت المدعى عليهن استلام هذا المبلغ المؤجّل؛ قام المدعي بعرضه عرضًا قانونيًّا، وأقام دعواه سالفة الذكر. وبجلسة 27/1/2004، قضت المحكمة بصحة ونفاذ عقد البيع المار ذكره، وألزمتهن بتسليم تلك الأرض للمدعي، ورفضت ما عدا ذلك من طلبات. استأنفت المدعى عليهن الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة – مأمورية الزقازيق – بالاستئنافين رقمي 943 و1057 لسنة 47 قضائية، وقد تضمنت صحيفة استئنافهن الأخير دفعًا بعدم قبول الدعوى؛ لعدم إشهار حق الإرث، عملًا بنص المادة (30) من قانون السجل العيني المار ذكره. كما أقام المدعي استئنافًا فرعيًا قُيد برقم 2461 لسنة 50 قضائية، طالبًا الحكم بإلزام المدعى عليهن من الرابعة إلى السابعة بأن يؤدين إليه مبلغًا مقداره 4062,5 جنيهًا، قيمة الفرق بين الأرض المبيعة بعقد البيع العرفي المؤرخ 13/2/2003، وبين المساحة الموجودة على الطبيعة وفق كشف تحديد البيانات المساحية؛ فقررت المحكمة ضم هذه الاستئنافات جميعها، ليصدر فيها حكم واحد. وحال نظرها، دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة (30) من قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية؛ فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (30) من قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964 تنص على أنه يجب قيد حق الإرث إذا اشتملت التركة على حقوق عينية عقارية بقيد السندات المثبتة لحق الإرث مع قوائم جرد التركة التي يجب أن تتضمن نصيب كل وارث، وإلى أن يتم هذا القيد لا يجوز للوارث أن يتصرف في حق من هذه الحقوق.
ويكون قيد حق الإرث في خلال خمس سنوات من تاريخ وفاة المورث بدون رسم، أما بعد ذلك فلا يقبل القيد إلا بعد أداء الرسم المفروض على نقل الملكية أو الحق العيني. وتبدأ مدة الخمس سنوات بالنسبة إلى حقوق الإرث القائمة من تاريخ نفاذ القرار المشار إليه في المادة الثانية من قانون الإصدار.
وتنص المادة (30) من القانون المار ذكره، بعد استبدالها بالقانون رقم 83 لسنة 2006 على أنه يجب على الوارث قيد حق الإرث إذا اشتملت التركة على حقوق عينية عقارية وذلك بقيد السند المثبت لحق الإرث مع قوائم جرد التركة التي يجب أن تتضمن نصيب كل وراث.
ولا يجوز قيد أي تصرف يصدر من الوراث في حق من هذه الحقوق إلا بعد إتمام القيد المنصوص عليه في الفقرة السابقة.
ويجوز أن يقتصر قيد حق الإرث على جزء من عقارات التركة، وفي هذه الحالة يعتبر هذا الجزء وحدة عقارية تبنى على أساسها تصرفات الورثة.
ولا يجوز قيد أي تصرف من الوارث طبقًا لأحكام الفقرة السابقة إلا في حدود نصيبه الشرعي في كل وحدة.
ولا يجوز قيد أي تصرف في أي عين من الأعيان التي انتهى فيها الوقف إلا بعد قيد إلغائه.
وفي جميع الحالات السابقة يكون القيد بدون رسم.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه مخالفته أحكام المواد (2 و23 و32 و34 و40) من دستور سنة 1971؛ إذ إنه قد حظر على الوارث التصرف فيما آل إليه من ميراث قبل إشهار حق الإرث، بالمخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، وبما يمثل قيدًا على حق الملكية، كما أضاف سببًا جديدًا إلى أسباب كسب الملكية الواردة على سبيل الحصر في القانون المدني، فضلًا عن أنه مايز بين الخاضعين لنظام الشهر الشخصي وأولئك الخاضعين لنظام السجل العيني، مما يُعد إخلالًا بمبدأ المساواة.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، بما مؤداه أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة، وهو ما يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيها، ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، سواء أكان الضرر وشيكًا يتهددهم، أم كان قد وقع فعلًا. ويتعين دومًا أن يكون الضرر منفصلًا عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلًّا بالعناصر التي يقوم عليها، ممكنًا تحديده وتسويته بالترضية القضائية، عائدًا في مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذ لم يكن النص قد طُبق على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعًا، لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية، يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني، بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.
وحيث إن المقرر أيضًا في قضاء هذه المحكمة، أن الخطأ في تأويل أو تطبيق النصوص القانونية لا يوقعها في حمأة المخالفة الدستورية، إذا كانت صحيحة في ذاتها، وأن الفصل في دستورية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، لا يتصل بكيفية تطبيقها عملًا، ولا بالصورة التي فهمها القائمون على تنفيذها، وإنما مرد اتفاقها مع أحكام الدستور أو خروجها عليه إلى الضوابط التي فرضها الدستور على الأعمال التشريعية جميعًا.
وحيث إن النص المطعون فيه، بصريح عباراته، وواضح دلالاته، ينطوي على خطاب موجه إلى الورثة ليبادروا إلى قيد حق الإرث في السجل العيني، إثباتًا لملكيتهم، وتنظيمًا لها، وضمانًا للتعامل في الحقوق العقارية وفق أسس ثابتة، أخذًا بمبدأ القوة المطلقة للقيد بالسجل، وتحقيقًا لهذا الغرض حرص المشرع على دفع الورثة إلى المبادرة لقيد هذا الحق بقيد السندات المثبتة له مع قوائم جرد التركة التي يجب أن تتضمن نصيب كل وارث، وجعل هذا القيد من دون رسم إذا تم خلال السنوات الخمس التالية لوفاة المورث، أما بعد فوات هذه المدة فلا يقبل القيد إلا بأداء الرسوم المقررة لنقل الملكية أو الحق العيني، وحظر النص – في جميع الأحوال - على الوارث أن يتصرف في أي من حقوق التركة العينية قبل إتمام هذا القيد، وبذلك لا يكون المشرع بهذا التنظيم قد خاطب غير الورثة في شأن قيد حق الإرث، ويكون هؤلاء أو أحدهم – دون غيرهم من المتصرف إليهم في العقارات الموروثة بوجه من أوجه التصرفات التي ترد على الحقوق العينية العقارية - مكلفين قانونًا بمباشرة إجراءات القيد بالسجل العيني أو سداد الرسوم المقررة لذلك حال استحقاقها، وإنما تقع تبعة ذلك على الوارث وحده. لما كان ذلك، وكان المدعي ليس من الورثة، فإن الضرر الذي يدعيه لا يكون مرده إلى النص المطعون فيه، وإنما إلى فهم غير صحيح لأحكامه؛ ومن ثم فلا يكون له مصلحة في الطعن على دستورية النص المشار إليه قبل وبعد استبداله، فضلًا عن أن المتصرف إليه من الوارث الذي لم يقم بشهر حق الإرث لديه من الوسائل الموضوعية والإجرائية التي أتاحها له المشرع، وتمكنه من بلوغ غايته في الاعتداد بالتصرف وإنفاذه في مواجهة الكافة، وذلك شأن المدعي أمام محكمة الموضوع، دون حاجة إلى التعرض للنص التشريعي من الناحية الدستورية؛ الأمر الذى تنتفي معه المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى المعروضة؛ مما لازمه القضاء بعدم قبولها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات.

الطعن 800 لسنة 23 ق جلسة 8/ 6/ 1953 مكتب فني 4 ج 3 ق 335 ص 927

جلسة 8 من يونيه سنة 1953

المؤلفة من حضرة رئيس المحكمة أحمد محمد حسن رئيسا, وحضرات المستشارين: إسماعيل مجدي, ومصطفى حسن, وأنيس غالي, ومصطفى كامل أعضاء.

-----------------

(335)
القضية رقم 800 سنة 23 القضائية

حكم. تسبيبه. 

سبق الإصرار. مثال للقصور في التدليل على قيامه.

----------------
إن سبق الإصرار يستلزم أن تسبق الجريمة فترة من التفكير تكفي لأن يدبر الجاني أمر ارتكاب الجريمة في هدوء وروية, ويقلب الرأي فيما عقد العزم عليه مقدار خطورته, ناظرا إلى عواقبه. فإذا كان ما قاله الحكم هو أن الطاعن إذ عرف في يوم الحادث أن والده أرسل إليه عمه ليوقظه, ليذهب إلى الحقل مبكرا, فكر في التخلص من أبيه, وبعد أن سار مع عمه برهة تركه على أنه ذاهب إلى الحقل, ولكنه عاد إلى مكان قريب كان يخفي فيه بندقيته, ولما رأى والده منفردا اتجه إليه وأطلق النار عليه - فإن ما قاله الحكم من ذلك لا يكفي للتدليل على أن الطاعن قد ارتكب جريمته بعد أن أعمل تفكيره الهادئ المطمئن مما يستلزمه ظرف سبق الإصرار قانونا.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: قتل توفيق محمد الديب عمدا مع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتله وأعد سلاحا ناريا أطلق منه على المجني عليه عيارين أصابه أحدهما قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموضحة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته على محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادتين 230و231 من قانون العقوبات, فقررت الغرفة بذلك. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضوريا بتاريخ 25 ديسمبر سنة 1952 بمعاقبة الديب توفيق محمد الديب بالإعدام شنقا وذلك عملا بمادتي الاتهام. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه جاء قاصرا في استظهار ظرف سبق الإصرار, إذ لم يقم الدليل على توفره.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد تحدث عن ظرف سبق الإصرار فقال: "إنه متوافر من ظروف الدعوى وما استخلصته المحكمة من أقوال الشاهدين: إبراهيم محمد الديب ومحمد عيسى محمد في التحقيقات من الخلاف الذي نشأ بين المتهم ووالده وانتهى إلى هذا الحادث المروع الذي وقع بعد تفكير من المتهم في التخلص من والده وتصميمه على قتله, فقد ثبت من هذه الأقوال أن المجني عليه عهد إلى والده المتهم بإدارة شئونه في الأرض وآلات الري فأساء هذا الولد التصرف واستبد بوالده بل خان الأمانة فاغتال غلة الماكينات وأهمل في الإشراف على الزرع الأمر الذي أغضب الوالد, ودب الخلاف بين الاثنين وكثرت المشاحنات بسبب ذلك حتى إذا ما كان يوم الحادث وعرف المتهم أن والده أرسل إليه إبراهيم الديب ليوقظه لكي يذهب إلى الحقل مبكرا, وأنه فعل ذلك إذ أبى أن ينادي عليه بنفسه فكر في التخلص منه وصمم على ذلك وبعد أن ساير عمه وتركه على أنه سيذهب إلى الحقل عاد لتنفيذ الخطة وإعداد العدة, فتوجه إلى مكان قريب من الدار حيث كان يخفي فيه بندقيته وزودها بالرصاص, وانتظر حتى إذا ما رأى والده منفردا, بعد أن افترق عنه أخوه إبراهيم, فذهب إليه وأطلق النار عليه" ولما كان سبق الإصرار يستلزم أن تسبق الجريمة فترة من التفكير تكفي لأن يدبر الجاني أمر ارتكاب الجريمة في هدوء وروية ويقلب الرأي فيما عقد العزم عليه مقدار خطورته ناظرا إلى عواقبه, وكان ما قاله الحكم من أن الطاعن إذ عرف في يوم الحادث أن والده أرسل إليه عمه ليوقظه, ليذهب إلى الحقل مبكرا, فكر في التخلص من أبيه وبعد أن سار مع عمه برهة تركه على أنه ذاهب إلى الحقل ولكنه عاد إلى مكان قريب كان يخفي فيه بندقيته, ولما رأى والده منفردا اتجه إليه وأطلق النار عليه - ما قاله الحكم من ذلك لا يكفي للتدليل على أن الطاعن قد ارتكب جريمته بعد أن أعمل تفكيره الهادئ المطمئن مما يستلزمه ظرف سبق الإصرار قانونا - لما كان ذلك فإن الحكم يكون قاصر البيان واجبا نقضه من غير حاجة لبحث أوجه الطعن الأخرى.