باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من أغسطس سنة 2024م،
الموافق الثامن والعشرين من المحرم سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان
وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس
المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 39 لسنة 32
قضائية دستورية
المقامة من
عبد اللطيف أحمد إمام علي
ضد
1 - رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- وزير العدل، بصفته الرئيس الأعلى للشهر العقاري بالزقازيق
4- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)
5- خلود محمد جمال الدين الصادق
6- تغريد محمد جمال الدين الصادق
7- نجوى محمد جمال الدين الصادق
8- آية محمد جمال الدين الصادق
------------------
" الإجراءات "
بتاريخ الحادي عشر من فبراير سنة 2010، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى
قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية المادة (30) من
قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
-----------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق –
في أن المدعي أقام أمام محكمة الزقازيق الابتدائية – مأمورية منيا القمح - الدعوى
رقم 407 لسنة 2003 مدني كلي، ضد كل من المدعى عليهن من الخامسة حتى الثامنة،
والمدعى عليه الثالث، طالبًا الحكم، أولًا: بصفة مستعجلة، بفرض الحراسة القضائية
على العين موضوع الدعوى. ثانيًا: بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 4/2/2003،
والمتضمن بيع المدعى عليهن إلى المدعي مساحة أرض قدرها فدان وستة قراريط. ثالثًا:
بتسليم الأطيان موضوع العقد خالية من الشواغل. رابعًا: بإلزام المدعى عليه الثالث
بالتأشير في صحائف الوحدة العقارية بمضمون الطلبات الختامية؛ على سند من أنه بموجب
عقد بيع ابتدائي مؤرخ 4/2/2003، اشترى المدعي من المدعى عليهن من الخامسة إلى
الثامنة، قطعة الأرض المبينة بالصحيفة بثمن مقداره مائة وخمسون ألف جنيه، رفضت
البائعات تسلمه؛ فأقام دعواه. وبجلسة 27/1/2004، قضت المحكمة بصحة ونفاذ عقد البيع
المشار إليه مع إلزام المدعى عليهن بالتسليم وإلزام المدعى عليه الثالث بالتأشير
بصحائف الوحدة العقارية. طعنت المدعى عليها الخامسة على الحكم أمام محكم استئناف
المنصورة – مأمورية الزقازيق - بالاستئناف رقم 944 لسنة 47 قضائية، كما طعنت عليه
المدعى عليهن السادسة والسابعة والثامنة أمام المحكمة ذاتها، بالاستئناف رقم 1058
لسنة 47 قضائية. ضمت المحكمة الاستئنافين، كما أقام المدعي الاستئناف الفرعي رقم
6605 لسنة 51 قضائية، ودفع بعدم دستورية نص المادة (30) من قانون السجل العيني الصادر
بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964، لمخالفته المواد (2 و32 و34
و40) من دستور سنة 1971. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى
الدستورية؛ فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (30) من قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964 تنص على أنه يجب قيد حق الإرث إذا اشتملت
التركة على حقوق عينية عقارية بقيد السندات المثبتة لحق الإرث مع قوائم جرد التركة
التي يجب أن تتضمن نصيب كل وارث، وإلى أن يتم هذا القيد لا يجوز للوارث أن يتصرف
في حق من هذه الحقوق.
ويكون قيد حق الإرث في خلال خمس سنوات من تاريخ وفاة المورث بدون رسم،
أما بعد ذلك فلا يقبل القيد إلا بعد أداء الرسم المفروض على نقل الملكية أو الحق
العيني. وتبدأ مدة الخمس سنوات بالنسبة إلى حقوق الإرث القائمة من تاريخ نفاذ
القرار المشار إليه في المادة الثانية من قانون الإصدار.
وتنص المادة (30) من القانون المار ذكره بعد استبدالها بالقانون رقم
83 لسنة 2006 على أنه يجب على الوارث قيد حق الإرث إذا اشتملت التركة على حقوق
عينية عقارية وذلك بقيد السند المثبت لحق الإرث مع قوائم جرد التركة التي يجب أن
تتضمن نصيب كل وراث.
ولا يجوز قيد أي تصرف يصدر من الوراث في حق من هذه الحقوق إلا بعد
إتمام القيد المنصوص عليه في الفقرة السابقة.
ويجوز أن يقتصر قيد حق الإرث على جزء من عقارات التركة، وفي هذه
الحالة يعتبر هذا الجزء وحدة عقارية تبنى على أساسها تصرفات الورثة.
ولا يجوز قيد أي تصرف من الوارث طبقًا لأحكام الفقرة السابقة إلا في
حدود نصيبه الشرعي في كل وحدة.
ولا يجوز قيد أي تصرف في أي عين من الأعيان التي انتهى فيها الوقف إلا
بعد قيد إلغائه.
وفي جميع الحالات السابقة يكون القيد بدون رسم.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه مخالفته أحكام المواد (2
و32 و34 و40) من دستور سنة 1971، ذلك أن الميراث يُعد سببًا من أسباب كسب الملكية
وكانت الملكية تنتقل إلى الوارث بمجرد الوفاة في العقارات وغيرها، والنص قد حظر
على الوارث التصرف فيما آل إليه من ميراث قبل إشهار حق الإرث، بما يمثل قيدًا على
حق الملكية، وأضاف النص الطعين سببًا جديدًا إلى أسباب كسب الملكية الواردة على
سبيل الحصر في القانون المدني، فضلًا عن أنه مايز بين الخاضعين لنظام الشهر الشخصي
وأولئك الخاضعين لنظام السجل العيني، مما يُعد إخلالًا بمبدأ المساواة.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة
الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط
بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، بما مؤداه أن تفصل المحكمة
الدستورية العليا في الخصومة من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو
تصوراتها المجردة، وهو ما يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويرسم تخوم
ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع
الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيها، ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير
الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، سواء أكان الضرر
وشيكًا يتهددهم، أم كان قد وقع فعلًا. ويتعين دومًا أن يكون الضرر منفصلًا عن مجرد
مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلًّا بالعناصر التي يقوم عليها، ممكنًا
تحديده وتسويته بالترضية القضائية، عائدًا في مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذ لم
يكن النص قد طُبق على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه،
أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل
ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه
الصور جميعًا، لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية، يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني،
بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.
وحيث إن المقرر أيضًا في قضاء هذه المحكمة، أن الخطأ في تأويل أو
تطبيق النصوص القانونية لا يوقعها في حمأة المخالفة الدستورية، إذا كانت صحيحة في
ذاتها، وأن الفصل في دستورية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، لا يتصل
بكيفية تطبيقها عملًا، ولا بالصورة التي فهمها القائمون على تنفيذها، وإنما مرد
اتفاقها مع أحكام الدستور أو خروجها عليه إلى الضوابط التي فرضها الدستور على
الأعمال التشريعية جميعًا.
وحيث إن النص المطعون فيه، بصريح عباراته، وواضح دلالاته، ينطوي على
خطاب موجه إلى الورثة، ليبادروا إلى قيد حق الإرث في السجل العيني، إثباتًا
لملكيتهم وتنظيمًا لها، وضمانًا للتعامل في الحقوق العقارية وفق أسس ثابتة، أخذًا
بمبدأ القوة المطلقة للقيد بالسجل، وتحقيقًا لهذا الغرض حرص المشرع على دفع الورثة
إلى المبادرة لقيد هذا الحق بقيد السندات المثبتة له، مع قوائم جرد التركة التي
يجب أن تتضمن نصيب كل وارث، وجعل هذا القيد دون رسم إذا تم خلال السنوات الخمس
التالية لوفاة المورث، أما بعد فوات هذه المدة فلا يقبل القيد إلا بأداء الرسوم
المقررة لنقل الملكية أو الحق العيني، وحظر النص – في جميع الأحوال - على الوارث
أن يتصرف في أي من حقوق التركة العينية قبل إتمام هذا القيد، وبذلك لا يكون المشرع
بهذا التنظيم قد خاطب غير الورثة في شأن قيد حق الإرث، ويكون هؤلاء أو أحدهم – دون
غيرهم من المتصرف إليهم في العقارات الموروثة بوجه من أوجه التصرفات التي ترد على
الحقوق العينية العقارية - مكلفين قانونًا بمباشرة إجراءات القيد بالسجل العيني أو
سداد الرسوم المقررة لذلك حال استحقاقها، وإنما تقع تبعة ذلك على الوارث وحده. لما
كان ذلك، وكان المدعي ليس من الورثة، فإن الضرر الذي يدعيه لا يكون مرده إلى النص
المطعون فيه، وإنما إلى فهم غير صحيح لأحكامه؛ ومن ثم فلا يكون له مصلحة في الطعن
على دستورية النص المشار إليه قبل وبعد استبداله، فضلًا عن أن المتصرف إليه من
الوارث الذي لم يقم بشهر حق الإرث لديه من الوسائل الموضوعية والإجرائية التي
أتاحها له المشرع، تمكنه من بلوغ غايته في الاعتداد بالتصرف وإنفاذه في مواجهة
الكافة، وذلك شأن المدعي أمام محكمة الموضوع، دون حاجة إلى التعرض للنص التشريعي
من الناحية الدستورية؛ الأمر الذى تنتفي معه المصلحة في الدعوى المعروضة؛ مما
يتعين معه القضاء بعدم قبولها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي
المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق