جلسة 22 من مارس سنة 1960
برياسة السيد محمود محمد مجاهد المستشار، وبحضور السادة: أحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي، ومحمد عطية إسماعيل، وعادل يونس المستشارين.
------------------
(59)
الطعن رقم 1537 لسنة 29 القضائية
(أ - د) قتل خطأ. عناصر الواقعة الإجرامية.
الخطأ: ما يوفره في خصوص حوادث الهدم.
الإهمال في صيانة المنزل رغم التنبيه على المتهم بقيام خطر سقوطه وإقدامه مع ذلك على تأجيره قبيل الحادث.
علاقة السببية: ما لا ينفيها.
عدم إذعان المجني عليهم لطلب الإخلاء الموجه إليهم.
وما لا يجدي في نفيها:
تراخي الجهة الإدارية في إخلاء المنزل من ساكنيه - عدم استيفاء قرار الهدم شروطه القانونية ووصوله إلى المتهم بعد الحادث. متى لا تجدي إثارته؟
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه تسبب من غير قصد ولا تعمد في قتل حلمي دسوقي نصر وإصابة محمد دسوقي السيد نصر، وكان ذلك ناشئاًًًًً عن إهماله وعدم مراعاته اللوائح وعدم احتياطه، بأن ترك منزله الآيل للسقوط بدون إصلاح وبدون أن ينبه المجني عليهما إلى ما به من خلل فسقط عليهما وأحدث بهما الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتقرير الطبي والتي أودت بحياة الأول. وطلبت عقابه بالمادتين 238, 244 من قانون العقوبات. والمحكمة الجزئية قضت حضورياًًًًً عملاًًًًً بمادتي الاتهام بحبس المتهم ثلاثة شهور مع الشغل وكفالة لوقف التنفيذ، استأنف المتهم هذا الحكم والمحكمة الاستئنافية قضت حضورياًًًًً بتأييد الحكم المستأنف فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في التسبيب وخطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال كما أخطأ في تطبيق القانون, ذلك أنه دان الطاعن بجريمة القتل والإصابة الخطأ استناداًًًًً إلى صفته كحارس قضائي على المنزل الذي آل للسقوط بدعوى أن هذه الصفة أهلته للعلم بقرار الهدم وأنه أجر مسكناًًًًً بالمنزل إلى محمد دسوقي نصر قبل الحادث بأيام مع علمه بحالة المنزل المذكور - مع أن هذه الواقعة لا مأخذ لها من الأوراق، وفي حين أن الدفاع عن الطاعن قد تمسك أمام المحكمة الاستئنافية بأن المنزل لم يكن آيلاًًًًً للسقوط وأن قرار الهدم الصادر بشأنه ورد إلى الطاعن بعد سقوط المنزل فعلاًًًًً وأن مرد هذا التأخير كما علله مهندس التنظيم هو وجود خلاف في الرأي في مصلحة التنظيم حول هدم المنزل أو إصلاحه، وأن الأمر لم يكن يستلزم الهدم، وأثار الدفاع وجوب قيام مصلحة التنظيم بإخطار القسم لإخلاء المنزل من السكان فوراًًًًً، ولم يرد الحكم على هذا الدفاع بما يفنده، وقد أشار الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه إلى إجماع السكان في التحقيق على أن البوليس أنذرهم وأخذ تعهداًًًًً بالإخلاء مما يرفع المسئولية عن الطاعن، كما حصل الحكم المذكور أقوال مدير أعمال التنظيم على أن قرار الهدم شمل المنزل جميعه، مع أن الشاهد المذكور قرر صراحة أمام النيابة أن الرأي الأول لمهندس التنظيم كان يقضي بهدم المنزل ثم عدل عن هذا الرأي إلى تنكيس المنزل تنكيساًًًًً جيداًًًًً وربط الشروخ وإصلاح السلم وإجراء هدم جزئي بالمباني العلوية، ولو كانت المحكمة حصلت هذه الأقوال على حقيقتها وتنبهت إلى أن القرار لا ينصب على الهدم الكلي لكان من المحتمل أن يتغير وجه الرأي في الدعوى، هذا إلى أن الحكم جاء قاصراًًًًً في استظهار علاقة السببية بين الخطأ والنتيجة، فقد ثبت من التحقيقات ومن مدونات الحكم أن المسئولية - جنائية كانت أو إدارية - تقع على عاتق جهة الإدارة وحدها لتقاعسها عن تنفيذ إخلاء المنزل من السكان، مع أنه كان مقرراًًًًً وأحيط به أولئك السكان ومن بينهم الطاعن، فإذا استمر الساكن في المنزل مع علمه علم اليقين بخطورة بقائه فإن هذا التصرف من جانبه لا يجوز أن يسأل عنه الطاعن، كما أن الحكم لم يعن بالتحقيق من توافر العناصر القانونية لقرار الهدم والشرائط التي أشارت إليها المادة 5 من القانون رقم 605 لسنة 1954 من وجوب صدوره من لجنة خاصة وإعلانه إلى ذوي الشأن طبقاًًًًً للقانون وإخطار جهة الإدارة به لكي ينتج أثره القانوني في ترتيب المسئولية، وقد قدم الدفاع عن الطاعن ما يثبت أن قرار اللجنة وإعلان الطاعن به لم يقعا إلا بعد وقوع الحادث بشهر، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية المكونة لجريمتي القتل الخطأ والإصابة الخطأ اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها واستظهر ركن الخطأ مما دلل عليه من إخطار الطاعن بالطريق الإداري بوساطة قسم السيدة زينب - الذي يتبعه - بقرار مصلحة التنظيم المبلغ إلى القسم المذكور في شأن عمل جميع التحفظات للمنزل الذي يتولى الطاعن حراسته والمسئول عنه وحده حسب إقراره بذلك والتنبيه على السكان بالإخلاء وكان ذلك في شهر فبراير سنة 1957 أي قبل وقوع الحادث في 28 من يوليه سنة 1957 وإهماله في تعهد المنزل بالإصلاح على رغم علمه بحالته وإقدامه مع ذلك على تأجيره إلى محمد دسوقي نصر قبل الحادث بأربعة أيام - وهو ما له أصله في الأوراق - وأورد مؤدى أقوال مدير أعمال هندسة قبلي بمصلحة التنظيم في قوله: "وحيث إنه بسؤال السيد محمد عبد الفتاح الخميسي مدير أعمال هندسة قبلي بمصلحة التنظيم قرر بأنه وردت شكوى للتنظيم بأن المنزل آيل للسقوط فكلف محمد محمد عوض المهندس بالتوجه لمعاينة العقار، فقام بمعاينته وحرر إشارة إلى قسم السيدة بالتنبيه على مالك العقار وبضرورة عمل التحفظات اللازمة لمنزله ومسئوليته عما يحدث من أضرار مع نصح السكان بالإخلاء المؤقت منه ثم حرر محضر هدم، وقد تم مراجعته وقد وردت في هذه الفترة عدة خطابات من إدارة الإسكان بناءً على طلبات المستأجرين فأحيطوا علماًًًًً بأنه قد صدر قرار بالهدم وأن السبب في انهياره هو سقوط سقف في الدور العلوي بالناحية البحرية وتسبب من سقوطه سقوط باقي الأسقف"، ثم أورد الحكم مؤدى تقرير الطب الشرعي وما تضمنه من إصابات تحدث من المقاومة والاحتكاك بجسم أو أجسام صلبة راضة ويجوز حدوثها من سقوط منزل، وأن وفاة المجني عليهم نشأت عن إسفكسيا كتم النفس نتيجة لانسداد المسالك الهوائية الخارجية بالأتربة، واستخلص الحكم مما تقدم رابطة السببية بين خطأ الطاعن ووفاة المجني عليه وهو استخلاص سائغ مقبول وتتحقق به رابطة السببية كما هي معرفة به قانوناًًًًً، وخلص الحكم من ذلك إلى ثبوت ركن الخطأ قبل الطاعن بقوله: "إنه مع إعلانه بوجود خلل بالبناء يخشى أن يؤدي إلى سقوطه المفاجئ قد أهمل في صيانته حتى سقط على من فيه، وأنه كان يتعين عليه حين أعلن بوجود الخلل في ملكه أن يعمل على إبعاد الخطر عمن كانوا يقيمون فيه سواءً بإصلاحه أو بتكليفهم إخلاءه، وأنه رغم علمه بوجود هذه الحالة الخطرة فإنه لم يحرك ساكناًًًًً لدرء ذلك الخطر عن السكان، وقد تسبب عن إهماله هذا وعدم احتياطه انهيار المنزل وسقوطه فأصاب المجني عليهما بالإصابات التي أفقدت كلاًًًًً من السيد شلبي ومحمود سيد شلبي وحلمي دسوقي وماجدة محمود حياتهم وإصابة محمد دسوقي السيد وفريدة أحمد". وانتهى إلى معاقبة الطاعن طبقاًًًًً للمادتين 238، 244 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت هذه المحكمة بضمها تحقيقاًًًًً لوجه الطعن أن الحكم المطعون فيه قد حصل أدلة الدعوى بما لا خطأ فيه في الإسناد فيكون ما ينعاه الطاعن عليه في هذا الشأن لا محل له. ولما كان عدم إذعان المجني عليهم لطلب الإخلاء الموجه إليهم لا ينفي عن الطاعن الخطأ الموجب لمسئوليته عن الحادث إذ يصح في القانون أن يكون الخطأ الذي أدى إلى وقع الحادث مشتركاًًًًً بين المتهم والمجني عليه فلا ينفي خطأ أحدهما مسئولية الآخر، وكان الحكم قد أثبت على الطاعن هذه المسئولية بأدلة سائغة تقوم أساساًًًًً على إهماله في صيانة المنزل المنوط به حراسته والمسئول عنه وحده حسب إقراره على رغم التنبيه عليه بقيام خطر سقوط المنزل وتقصيره في الحفاظ على سكان المنزل ودرء الخطر عنهم وإقدامه على تأجيره قبيل الحادث مما تتوافر به صور الخطأ المؤثم قانوناًًًًً، فلا جدوى مما يثيره الطاعن في شأن النعي على قرار الهدم عدم استيفائه الشروط التي نص عليها القانون رقم 605 لسنة 1954 ووصول القرار إليه بعد الحادث ذلك أن مجال البحث في هذا الخصوص إنما يكون عند تطبيق ذلك القانون وإعمال أحكامه مجرداًًًًً عن النتيجة التي وقعت والتي دين الطاعن بها تأسيساًًًًً على توافر الخطأ في حقه بصرف النظر عن قرار الهدم وهو ما يكفي لحمل قضاء الحكم المطعون فيه، وكان لا مصلحة للطاعن فيما يثيره في شأن مسئولية جهة الإدارة لتراخيها في إخلاء المنزل من سكانه بعد إذ تحقق لها خطر سقوط المنزل، ذلك أن تقدير وجوب هذا التدخل أو عدم وجوبه موكول للسلطة القائمة على أعمال التنظيم، فإذا جاز القول بأن خطأها في هذا التقدير يعرضها للمسئولية من ناحية القانون العام فإن ذلك إنما يكون بوصفها سلطة عامة ذات شخصية اعتبارية من أخص واجباتها المحافظة على الأمن وعلى أرواح الناس، كما أنه بفرض قيام هذه المسئولية فإن هذا لا ينفي مسئولية الطاعن طالما أن الحكم قد أثبت قيامها في حقه. ولما كان باقي ما يثيره الطاعن في طعنه في شأن حالة البناء هو من قبيل المناقشة فيما ساقه الحكم من أدلة سائغة على خطئه ولا يعدو أن يكون جدلاًًًًً واقعياًًًًً لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ومتعيناًًًًً رفضه موضوعاًًًًً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق