جلسة 27 من ديسمبر سنة 1962
برياسة السيد/ محمود عياد رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود القاضي، ومحمد عبد اللطيف مرسى، واميل جبران، ومحمد ممتاز نصار.
---------------------
(191)
الطعن رقم 86 لسنة 26 القضائية
(أ) عقد. دعوى. "دعوى صحة التعاقد". "نطاق الدعوى".
دعوى إثبات التعاقد ودعوى صحة ونفاذ العقد، مسميان لدعوى واحدة موضوعية، تمتد سلطة المحكمة فيها إلى بحث موضوع العقد ومداه ونفاذه.
(ب) عقد. التزام "سبب الالتزام". صورية. إثبات. "عبء الإثبات". "قرائن قانونية".
مؤدى نص المادتين 136 و137 مدنى أن المشرع وضع بهما قرينة قانونية يفترض بمقتضاها أن للعقد سببا مشروعا ولو لم يذكر به، فإن ذكر اعتبر السبب الحقيقي للالتزام. إذا ادعى المدين صورية السبب الوارد بالعقد كان عليه عبء إثبات هذه الصورية عبء إثبات أن للعقد سببا مشروعا آخر يقع على عاتق الدائن المتمسك به.
(جـ) صلح. حجر "التنازل على طلب الحجر". التزام "سبب الالتزام" محكمة الموضوع.
لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية. التنازل عن طلب الحجر عديم الأثر قانونا.
استخلاص الحكم - بأدلة سائغة - أن السبب في عقد البيع هو التنازل عن دعوى حجر وأن ثمنا لم يدفع. الحكم ببطلان هذا البيع لصورية السبب الوارد به. لا مخالفة فى ذلك للقانون.
-----------------------
1 - دعوى إثبات التعاقد ودعوى صحة ونفاذ العقد هما مسميان لدعوى واحدة موضوعية تمتد سلطة المحكمة فيها إلى بحث موضوع العقد ومداه ونفاذه.
2 - مؤدى نص المادتين 136 و137 من القانون المدني أن المشرع قد وضع بهما قرينة قانونية يفترض بمقتضاها أن للعقد سببا مشروعا ولو لم يذكر هذا السبب فإن ذكر في العقد فانه يعتبر السبب الحقيقي الذي قبل المدين أن يلتزم من أجله، وان ادعى المدين صورية السبب المذكور في العقد كان عليه أن يقدم الدليل القانوني على هذه الصورية ومن ثم ينتقل عبء إثبات أن للعقد سببا آخر مشروعا على عاتق المتمسك به.
3 - لما كانت المادة 551 من القانون المدني لا تجيز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية فإن التنازل عن طلب الحجر يكون عديم الأثر قانونا، ومن ثم فاذا كانت محكمة الموضوع قد استخلصت بأدلة سائغة في حدود سلطتها الموضوعية، أن عقد البيع قد انعقد مقابل التنازل عن دعوى حجر وأن ثمنا لم يدفع، فإنها تكون قد تحققت من صورية السبب الوارد في العقد، الحكم المطعون فيه، إذ انتهى إلى بطلان عقد البيع لا يكون قد خالف القانون.
-------------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن وقائع النزاع تتحصل - حسبما ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - في أن الطاعن أقام الدعوى 416 سنة 51 كلي أسيوط ضد المرحوم الشيخ عبد العال محمد سيد مورث المطعون عليهم وضد ابنته الست هانم عبد العال ممثلة في زوجها المطعون عليه الأول بوصفه مديرا مؤقتا على أموال زوجته لغيابها غيبة منقطعة طلب فيها الحكم بإثبات التعاقد الصادر منهما إليه في 25 أكتوبر سنة 1950 ببيع 12 ف و12 ط نظير ثمن مقداره 1250 ج - وقد أصدرت المحكمة الابتدائية حكمها بتاريخ 19 مارس 1952 حضوريا بإثبات صحة التعاقد الآنف ذكره فاستأنف المحكوم عليهما هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط في القضية رقم 140 سنة 27 ق طالبين إلغاءه ورفض الدعوى - وطعنا بالتزوير في عقد البيع كما طعنا على العقد بالبطلان لأنه مشوب بالإكراه ومنعدم السبب. فضلا عن أن الثمن المذكور به غير جدى - وقد أحالت محكمة الاستئناف الدعوى إلى التحقيق لتحقيق شواهد التزوير وبعد سماع شهود الطرفين أصدرت حكمها فى 3 مايو سنة 1955 أولا - برفض دعوى التزوير مع إلزام المستأنفين بغرامة قدرها 25 جنيها. ثانيا - وفي موضوع الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليه وإلزامه بالمصاريف عن الدرجتين وقد طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بتقرير مؤرخ 19 فبراير سنة 1956 - وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فأصدرت قرارها في 13 نوفمبر سنة 1960 بإحالة الطعن إلى الدائرة المدنية وبعد استيفاء الإجراءات اللاحقة لقرار الإحالة تحدد لنظر الطعن جلسة 22 نوفمبر سنة 1962 وفيها صممت النيابة على مذكرتها المتضمنة طلب نقض الحكم.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن في السبب الأول على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في القانون ذلك أن الطاعن أقام دعواه بطلب إثبات التعاقد. ولكن محكمة الاستئناف عالجتها على اعتبار أنها دعوى بطلب صحة ونفاذ العقد - وبعد أن حققت دعوى التزوير الفرعية وانتهت منها إلى صحة صدور العقد وانعقاده - جاوزت نطاق الخصومة - وتصدت إلى معالجة الدفوع التي تتناول صحة ونفاذ البيع مما لا يتسع له نطاق دعوى إثبات التعاقد. وبذلك خلطت بين هذه الدعوى وبين دعوى صحة ونفاذ البيع مع الفارق بينهما.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن دعوى إثبات التعاقد ودعوى صحة ونفاذ العقد هما مسميان لدعوى واحدة موضوعية. تمتد سلطة المحكمة فيها إلى بحث موضوع العقد ومداه ونفاذه.
وحيث إن السببين الثالث والرابع يتحصلان في أن الحكم المطعون فيه قد ذهب إلى أن عقد البيع وقع باطلا لأنه بغير سبب تأسيسا على أن الطاعن قد تنازل عن طلب الحجز المقدم به ضد عمه مورث المطعون عليهم مع أن الحجر من مسائل الحسبة مما يجعل التصالح عليه باطلا لوروده على حق موهوم لا وجود له. وقد أوجب القانون لصحة الالتزام أن يكون له سبب حقيقي ومشروع - وليس صحيحا أن التنازل عن طلب الحجر يعتبر واردا على حق موهوم. لأن الطاعن قد سار في إجراءات الحجر إلى النهاية. وقدمت النيابة القضية للجلسة. وقام الطبيب الشرعي بفحص حالة عمه ولم يتنازل الطاعن من أجل وهمية السبب. بل تنازل عنه عندما طولب بفرق الرسوم. وأضاف الطاعن أن السبب في عقد البيع هو ما ذكر منه من أداء الثمن. ولم تقم الدليل على صورية السبب وعدم مشروعيته - وقد انتهت المحكمة إلى بطلان عقد البيع دون بيان الأدلة التي استندت إليها في أن السبب موهوم أو صوري أو غير موجود مما يجعل الحكم مشوبا بالقصور ومخالفة القانون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على ما أورده فيما يلى بعد أن أشار إلى ما جاء فى الشكوى الإدارية رقم 1161 سنة 1951 وما جاء في مذكرة الطاعن المقدمة في قضية الجنحة 1527 سنة 1952 أبنوب فقال "إنه بالاطلاع على عقد الصلح المقدم يتضح أنه ورد بالبند الأول منه تنازل من المستأنفين عن 12 ف و12 ط ثمانية أفدنه من هانم وأربعة ونصف من المورث - وفي البند الثاني تنازل (الطاعن) عن قضية الحجر الذى يقابل تنازل عمه وكريمته عن الأطيان - وتستخلص المحكمة من هذه البيانات التي وردت على لسان المستأنف عليه أن عقدي البيع والصلح لم يحررا إلا تحت تأثير الضغط والإكراه.... وفضلا عما تقدم فيبين من الوقائع التي وردت على لسان المستأنف عليه السابق بيانها أن الباعث للعمدة وكريمته على التنازل للمستأنف ضده عن نصيبه في الميراث هو الرغبة الشديدة في الحصول منه على التنازل عن طلب الحجر ويدل على ذلك أن العقدين الصلح والبيع والأول منصوص فيه على التنازل عن طلب الحجر مؤرخان في يوم واحد هو يوم 25 أكتوبر سنة 1950. وقد حضر المستأنف عليه في اليوم التالي 26 أكتوبر سنة 1950 أمام وكيل النيابة الحسبية وصمم على طلب الحجر ثم حضر أمام الطبيب الشرعي الذي ندب للكشف على عمه في دعوى الحجر في يوم 7 نوفمبر سنة 1950 وصمم على أن عمه مريض بما يخول الحجر عليه. وأثبت الطبيب في محضره ذلك كما يتضح من الاطلاع عليه. ولما طولب في 29 نوفمبر سنة 1950 بفرق الرسم بعد أن ظهر أن الدعوى كلية تنازل عن الطلب وأثبت ذلك وكيل النيابة فى محضره المؤرخ 31 ديسمبر سنة 1950 وقدم القضية للجلسة. ويبين من هذا أن المستأنف عليه لم يتنازل عن طلب الحجر تنفيذا للتعاقد بل بقى مصرا عليه لغاية آخر ديسمبر سنة 1950 مع أن وعده بالتنازل كان في 25 أكتوبر سنة 1950 - على أن طلب الحجر هو حق لكل فرد لأن دعوى الحجر دعوى حسبة فتنازله عن طلب الحجر كان تنازلا عن حق موهوم لا وجود له. وعلى ذلك يكون التنازل عن الصفقة قد وقع باطلا - وذلك لأن السبب يجب أن يكون حقيقيا غير كاذب كما يجب أن يكون مشروعا. ويكون السبب كاذبا إذا كان موهوما أو صوريا. والسبب يكون موهوما إذا لم يكن موجودا واعتقد أحد المتعاقدين خطأ أنه موجود. ويخلص مما تقدم أن التعاقد على البيع قد تم بلا سبب. ومتى كان كذلك فيكون باطلا... وحيث إنه لا يبقى بعد ما تقدم إلا ما أثاره الحاضر عن المستأنف ضده فى مذكرته من أن عقد البيع قد تم صحيحا فهو يشمل رضاء وقبولا ومبيعا وثمنا. وقد وضح فيما سبق بيانه أن التعاقد قد تم تحت تأثير الإكراه أى بغير رضاء صحيح - أما الثمن فقد وضح فيما تقدم أن المستأنف عليه قد ذكر فى إجابته بالشكوى المقدمة من المستأنفة الثانية عبارة - وفعلا اتفقنا على ذلك وحررنا عقد صلح وبوقته عقد بيع وتم عقد البيع على ذلك على أنى أتنازل عن دعوى الحجر المرفوعة منى ضد عمى وهذا ما حصل - وترى هذه المحكمة أن فى إيراد هذه العبارة دون أن يذكر به شئ عن الثمن - أن الثمن الوارد بالعقد غير جدى. إذ كل ما فى عبارته التى أوردها فى أقواله فى الشكوى هو تنازل عن صفقة مقابل تنازل عن طلب حجر - وفى سبيل تنفيذها كتب عقد البيع - ومن المتفق عليه - أنه فى حالة ذكر ثمن فى العقد يستطيع المدين أن يثبت أن هذا السبب غير صحيح - وأنه ذكر لإخفاء السبب الحقيقى الغير مشروع - وذلك بكافة الطرق لأن صورية السبب أريد بها - إخفاء عدم مشروعيته - ويخلص من ذلك أن عقد البيع وقع باطلا لأنه بغير سبب صحيح - والثمن الوارد به غير حقيقى وقصد بذكره إخفاء سببه الصحيح وهو التنازل عن دعوى الحجر ويخلص من ذلك أن ما ذكره وكيل المستأنف ضده فى مذكرته من أن ما ثبت بعقد بالكتابة لا يدحضه إلا دليل كتابى آخر قد تقدم به المستأنف ضده نفسه فى أقواله بالشكوى المذكورة".
وحيث إن المادة 136 من القانون المدنى تنص على أنه إذا لم يكن للالتزام سبب أو كان سببه مخالفا للنظام العام أو الآداب كان العقد باطلا - وتنص المادة 137 من ذلك القانون على أن كل التزام لم يذكر له سبب يفترض أن له سببا مشروعا ما لم يقم الدليل على غير ذلك - ويعتبر السبب المذكور فى العقد هو السبب الحقيقى حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك - فإذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعى أن للالتزام سببا آخر مشروعا أن يثبت ما يدعيه ومؤدى هذا أن القانون قد وضع قرينة قانونية يفترض بمقتضاها أن للعقد سببا مشروعا - ولو لم يذكر هذا السبب - فإن ذكر فى العقد فإنه يعتبر السبب الحقيقى الذى قبل المدين أن يلتزم من أجله - وإذا ادعى المدين أن السبب المذكور فى العقد هو سبب صورى فعليه أن يقدم الدليل القانونى على هذه الصورية - وبذلك ينتقل عبء إثبات أن للعقد سببا آخر مشروعا على عاتق المتمسك - ولما كان يبين مما أورده الحكم المطعون فيه أن ثمة تلازما بين عقد البيع وعقد الصلح الذى تضمن التنازل عن دعوى الحجر المبرمين في تاريخ واحد وأن المحكمة فى حدود سلطتها الموضوعية قد استخلصت بأدلة سائغة مستمدة من أقوال الطاعن وإقراراته والشكوى الإدارية أنه لم يدفع ثمنا إلى المطعون عليها الأولى ومورثها - فإنها تكون بذلك قد تحققت من صورية السبب الوارد في عقد البيع - ومن أن عقد البيع إنما حرر في مقابل التنازل عن دعوى الحجر - لما كان ذلك، وكانت المادة 551 من القانون المدني لا تجيز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية - فإن عقد الصلح المؤرخ 25 أكتوبر سنة 1950 فيما اشتمل عليه من تنازل عن قضية الحجر يكون عديم الأثر قانونا - والحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى بطلان عقد البيع يكون صحيحا قانونا في نتيجته ولا جدوى بعد ذلك من النعي بما أثاره الطاعن في السببين الثاني والخامس بشأن خطأ الحكم فيما استظهره من أن العقد شابه إكراه.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعين الرفض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق