جلسة 28 من فبراير سنة 1976
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ أحمد ثابت عويضة نائب رئيس مجلس الدولة. وعضوية السادة الأساتذة: محمد صلاح الدين السعيد، عباس فهمي بدر، جمال الدين إبراهيم وريدة، محمد نور الدين العقاد - المستشارين.
-------------------
(28)
القضية رقم 573 لسنة 20 القضائية
(أ) الاتحاد الاشتراكي العربي - مؤسسات صحفية - فصل بغير الطريق التأديبي.
القرار الصادر من رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي بإسناد الوظيفة التي كان يشغلها المدعي في إحدى المؤسسات الصحفية التي يملكها الاتحاد إلى شخص آخر وسكوت ذلك القرار عن إسناد وظيفة أخرى إلى المدعي - هذا القرار لا يعدو أن يكون قرار بفصل المدعي من وظيفته بغير الطريق التأديبي - دليل ذلك - لا وجه للقول أن هذا القرار هو في ذات الوقت قرار جمهوري بمقولة أن رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي هو نفسه رئيس الجمهورية وأن هناك تلازماً بين الصفتين - أساس ذلك أنه ليس في الدساتير التي تعاقبت على الدولة منذ قيام الاتحاد الاشتراكي العربي ولا في القانون الأساسي لهذا الاتحاد ثمة نص يقضي بأن يكون رئيس الجمهورية رئيساً للاتحاد الاشتراكي العربي بحكم وظيفته - إضفاء هاتين الصفتين على شخص واحد ليس من شأنه أن تندمج كل منهما في الأخرى اندماجاً يفقدها استقلالها - الصحيح في القانون أن تمارس كل منهما في الإطار الذي رسم لها.
(ب) مؤسسات صحفية - مؤسسات عامة - الاتحاد القومي - الاتحاد الاشتراكي العربي - موظف عام
- نصوص القانون رقم 156 لسنة 1960 بتنظيم الصحافة وقرار رئيس الاتحاد القومي الصادر في 24/ 5/ 1960 بإنشاء مؤسسات خاصة لإدارة الصحف التي آلت ملكيتها إلى الاتحاد القومي وتلك التي كانت مملوكة له أصلاً والقانون رقم 151 لسنة 1964 بشأن المؤسسات الصحفية - المستفاد من النصوص المتقدمة أن المؤسسات التي أنشئت لإدارة الصحف التي آلت ملكيتها إلى الاتحاد الاشتراكي العربي لا تعدو أن تكون مؤسسات خاصة تباشر نشاطها كأصل عام في نطاق أحكام القانون الخاص واستثناء من هذا الأصل اعتبرها المشرع في حكم المؤسسات العامة في مسائل على سبيل الحصر - عدم اعتبار المؤسسات الصحفية مؤسسات عامة إلا فيما استثني بنص صريح - يترتب على ذلك أن صفة الموظف العام لا تتوافر لتخلف شرائطها، فيمن يرأس إحدى المؤسسات الصحفية التي يملكها الاتحاد الاشتراكي العربي وفقاً للقانون رقم 156 لسنة 1960 المشار إليه.
(جـ) الاتحاد الاشتراكي العربي - قرار إداري - اختصاص.
الاتحاد الاشتراكي العربي وفقاً لنصوص الدستور ليس سلطة من سلطات الدولة أو فرعاً منها وإنما هو سلطة سياسية شعبية مستقلة عن سلطات الدولة الثلاث - يترتب على ذلك أن الاتحاد الاشتراكي العربي لا يعتبر في طبيعته من الجهة الإدارية ومن ثم فإن قراراته ليست في طبيعتها قرارات إدارية - يترتب على ذلك أن القرار الصادر من رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي بفصل رئيس إحدى المؤسسة الصحفية لا يدخل في عداد القرارات الإدارية ومن ثم فإن المنازعة بشأنه لا تعتبر منازعة إدارية - الاختصاص بنظرها لا ينعقد لمحاكم مجلس الدولة وفقاً للقانون.
(د) الاتحاد الاشتراكي العربي - قرار سياسي - رقابة القضاء - اختصاص.
الاتحاد الاشتراكي العربي وإن كان في طبيعته تنظيماً سياسياً فإن ذلك لا يعني أن كل قرار يصدره يعتبر بالضرورة قرار سياسياً ينأى بطبيعته عن رقابة القضاء - أساس ذلك أن هذا الوصف لا يصدق إلا على ما يصدره الاتحاد من قرارات في نطاق مباشرته لوظيفته الدستورية - ما يصدره الاتحاد من قرارات وما يجريه من تصرفات قانونية في غير النطاق المتقدم يخضع لسلطات القضاء ورقابته - أساس ذلك ما قررته المادة 68 من الدستور من أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة - المنازعة في القرار الصادر بفصل عامل في إحدى المؤسسات الصحفية التي يملكها الاتحاد الاشتراكي يختص بنظرها القضاء العادي - أساس ذلك أن القضاء العادي هو الجهة القضائية صاحبة الولاية العامة في غير المنازعات الإدارية.
(هـ) عاملون مدنيون بالدولة - فصل بغير الطريق التأديبي - مؤسسات عامة - مؤسسات خاصة - مؤسسات صحفية.
القانون رقم 28 لسنة 1974 بشأن إعادة العاملين المدنيين المفصولين بغير الطريق التأديبي إلى وظائفهم لا يجد مجالاً للتطبيق في حالة المفصول من وظيفة رئيس مجلس إدارة إحدى المؤسسات الصحفية التي يملكها الاتحاد الاشتراكي العربي - أساس ذلك أن هذه المؤسسات هي مؤسسات خاصة اعتبرها المشرع في حكم المؤسسات العامة في مسائل بعينها على سبيل الحصر وليس من بينها ما يتصل بشئون العاملين.
5 - لا شبهة في أن القانون رقم 28 لسنة 1974 بشأن إعادة العاملين المدنيين المفصولين بغير الطريق التأديبي إلى وظائفهم لا يجد مجالاً للتطبيق في الخصوصية المطروحة ذلك أن المخاطبين بأحكامه حسبما نصت عليه المادة الأولى منه وهم العاملون المدنيون الذين لا تنظم شئونهم الوظيفية قوانين خاصة وأنهيت خدمتهم عن غير الطريق التأديبي بالإحالة إلى الاستيداع أو إلى المعاش أثناء الاستيداع أو بالفصل من الوظائف بالجهاز الإداري للدولة أو الهيئات العامة أو المؤسسات العامة أو الوحدات الاقتصادية التابعة لأي منها في الفترة من تاريخ العمل بالقانون رقم 31 لسنة 1963 حتى تاريخ العمل بالقانون رقم 10 لسنة 1972 والثابت أن المدعي (المطعون ضده) وفقاً لما سلف بيانه ليس من هؤلاء المخاطبين بأحكام ذلك القانون إذ أنه فصل من وظيفته كرئيس لمجلس إدارة مؤسسة دار التحرير للطباعة والنشر وهى مؤسسة خاصة في طبيعتها اعتبرها الشارع في حكم المؤسسات العامة في مسائل معينة بينها على سبيل الحصر وليس من بينها ما يتصل بشئون العاملين على الوجه المشار إليه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة من حيث إن الطعن قد استوفى كافة أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص حسبما تنبئ به الأوراق في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 18 من يناير سنة 1972 أقام السيد/ حلمي سلام الدعوى رقم 928 لسنة 26 ق ضد السيد رئيس الجهورية - رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي طالباً فيها الحكم أولاً: بإلغاء القرار رقم 1 لسنة 1965 الصادر من السيد الرئيس جمال عبد الناصر باعتباره مفصولاً بغير الطريق التأديبي من رئاسة مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير. ثانياً: بدفع تعويض مؤقت له قدره قرش واحد جبراً للضرر الذي أصابه. ثالثاً: بإلزام الحكومة المصروفات.
وساق المدعي بياناً لدعواه أنه في يوليو سنة 1964 تولى مسئولية إدارة مؤسسة التحرير بمقتضى القرار رقم 6 لسنة 1964 الصادر من السيد الرئيس جمال عبد الناصر وكان حجم ديون تلك المؤسسة قد ارتفع إلى ثلاثمائة وستين ألفاً من الجنيهات استطاع المدعي أن يسدد منها مائة ألف جنيه كما استطاع أن يحقق وفراً في بند المصروفات قدره ثمانون ألف جنيه سنوياً، ووفق في الوقت ذاته في إعفاء المؤسسة من فوائد ديونها لدى البنوك بما يقدر بمبلغ 5145 جنيهاً، وظل ينهض بأعباء عمله أشد ما يكون إخلاصاً للواجب وتفانياً في أدائه إلى أن فوجئ في 19 من مايو سنة 1965 بالقرار رقم 1 لسنة 1965 الصادر من السيد الرئيس جمال عبد الناصر بتعيين السيد الأستاذ مصطفى بهجت بدوي وبإلغاء القرار الذي كان "المدعي" قد عين بمقتضاه. مما ترتب عليه اعتباره مفصولاً بغير الطريق التأديبي، وأضاف المدعي أنه قد فرض عليه الصمت إلى أن صدر في 6 من نوفمبر 1971 حكم المحكمة العليا الذي رفع ما كان يحجب القضاء عن ممارسة سلطته ويمنع وصول الطعون إليه تحصيناً لبعض القرارات من المساءلة بإقحامها على أعمال السيادة التي تأبى بطبيعتها أن ترتفع مثل تلك القرارات إلى مستواها وبناء على هذا الحكم بادر إلى التظلم من القرار المطعون فيه بتاريخ 13 من يناير سنة 1972. ونعى المدعي على القرار المطعون فيه أنه قد صدر مفتقراً إلى الشرعية كما أنه قد حرمه من أداء رسالته في الصحافة التي من حقها أن تفخر بمثله ممن حملوا القلم قبل 23 من يوليو سنة 1952 وبعد ذلك بشرف ونزاهة وأمانة ونهضوا بالواجب بكفاية وعزة وكرامة، وفي الوقت ذاته فقد أصبح "المدعي" يتقاضى معاشاً دون مرتبه بكثير وأضحى مكرهاً على أن يتجمد على هذا الوضع مما ألحق به ضرراً مادياً وأدبياً يكتفي في تقدير التعويض المؤقت عنه بقرش واحد.
وقد قدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة بدفاعها استهلتها ببيان أن القرار المطعون فيه ليس قراراً صادراً من رئيس الجمهورية بفصل أحد الموظفين العموميين وإنما هو قرار صادر من رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي بمقتضى السلطات المخولة له في قانون تنظيم الصحافة رقم 156 لسنة 1960 ومن ثم فليس صحيحاً اعتبار هذا القرار قراراً جمهورياً يحكمه القانون رقم 31 لسنة 1963 الأمر الذي يتعين معه إبعاد هذا القرار عن الآثار التي يمكن أن تترتب على حكم المحكمة العليا بعدم دستورية القانون المشار إليه، وفى ضوء ما تقدم دفعت الإدارة المشار إليها بعدم قبول الدعوى بالنسبة لرئاسة الجمهورية لرفعها على غير ذي صفة استناداً إلى أنه لا يجوز قبول طلب يوجه إلى رئاسة الجمهورية عن قرار لم يصدر من السيد رئيس الجمهورية وإنما صدر من سلطة أخرى لا تتبع رئاسة الجمهورية وهى الاتحاد الاشتراكي العربي التي ينظم الدستور اختصاصاتها باعتبارها سلطة جديدة إلى جانب السلطات الأساسية الثلاثة الأخرى تقوم بوظيفة دستورية حددها الدستور، ثم دفعت تلك الإدارة بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى تأسيساً على أن مؤسسة دار التحرير للطباعة والنشر التي كان يعمل فيها المدعي مملوكة للاتحاد الاشتراكي العربي الذي يمارس حقوقه وسلطاته عليها وفقاً لأحكام القانون رقم 156 لسنة 1960 الخاص بتنظيم الصحافة والقانون رقم 151 لسنة 1964 بشأن المؤسسات الصحفية والثابت أن الاتحاد الاشتراكي العربي عندما يمارس سلطاته في مجال المؤسسات الصحفية بالتطبيق لأحكام القانونين المتقدمين إنما يمارس هذه السلطات باسم التنظيم السياسي وباعتباره سلطة رابعة أناط بها الدستور اختصاصات سياسية الأمر الذي يضفي على قراراته في هذا الصدد الصيغة السياسية ويخرجها بالتالي من عداد القرارات الإدارية ومن ثم يخرجها عن اختصاص القضاء الإداري. ودفعت الإدارة المنوه عنها كذلك بعدم قبول طلب الإلغاء شكلاً لرفعه بعد الميعاد ابتناء على أنه لما كان الثابت أن القرار المطعون فيه ليس قراراً صادراً من رئيس الجمهورية بفصل أحد الموظفين العموميين وإنما هو قرار من رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي بمقتضى السلطات المخولة له في القانون رقم 156 لسنة 1960 بتنظيم الصحافة فمن ثم لم تكن تسري عليه الحصانة التي أسبغها القانون رقم 31 لسنة 1963 على قرارات رئيس الجمهورية بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي وبذا كان يتعين الطعن على هذا القرار في الميعاد الذي رسمته المادة 22 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة وهو ستون يوماً من تاريخ نشر القرار أو إعلان صاحب الشأن به أو علمه به علماً يقينياً، وإذا كانت الدعوى الماثلة قد رفعت بعد مضي أكثر من سبع سنوات فمن ثم تكون قد رفعت بعد الميعاد بما يجعلها غير مقبولة شكلاً في هذا الشأن وفى الموضوع أبانت الإدارة المنوه عنها أنه من المستقر أن الإحالة إلى المعاش بغير الطريق التأديبي مردها إلى وجوب هيمنة الإدارة على تسيير المرافق العامة على وجه الصالح العام ولما كان الموظفون العموميون هم عمال هذه المرافق لزم أن يكون للإدارة الحرية في اختيار من ترى فيهم الصلاحية لهذا الغرض وفصل من ترى أنه قد أصبح غير صالح ومن ثم فإن بقاء الموظف في وظيفته منوط بصلاحيته للنهوض بأعباء هذه الوظيفة وهو أمر من الملاءمات المتروكة لتقديرها بلا معقب عليها ما دام أن قرارها قد خلا من عيب إساءة استعمال السلطة وغني عن البيان أنه لا يلزم في مجال الفصل بغير الطريق التأديبي أن يواجه الموظف بما نسب إليه وأن يحقق معه أو يسمع دفاعه فيه والأصل أن الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي إذ ليس هناك نص يلزمها تسبيب هذه القرارات وأن القرار غير المسبب يفترض فيه أنه قد قام على سببه الصحيح المبرر لصدوره وعلى من يدعي العكس أن يقيم الدليل على ذلك وأضافت الإدارة المتقدمة إجابة على طلب التعويض أنه من المستقر عليه أن مسئولية الإدارة عن قراراتها الإدارية رهينة بأن يكون القرار الإداري مشوباً بعيب راجع إلى خطأ الإدارة وأن يترتب على هذا الخطأ ضرر وأن تقوم علاقة سببية بين الخطأ والضرر أما إذا كان القرار الإداري سليماً فلا تسأل الإدارة عن نتيجته مهما بلغت جسامة الضرر الذي يلحق الفرد من تنفيذه ولما كان القرار المطعون فيه قد صدر سليماً متفقاً مع القانون فمن ثم لا يكون هناك محل للتعويض وحتى مع التسليم جدلاً بعدم مشروعية القرار المشار إليه وأن ذلك مرجعه خطأ الإدارة في إصداره فإن دعوى التعويض الناشئة عنه تكون قد سقطت بمضي ثلاث سنوات طبقاً لنص المادة 172 من القانون المدني التي تقضي بأن تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه وخلصت الإدارة مما تقدم إلى طلب الحكم أولاً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة للسيد رئيس الجمهورية لرفعها على غير ذي صفة. ثانياً: بالنسبة لطلب الإلغاء أصلياً: بعدم قبول الطلب لرفعه بعد الميعاد واحتياطياً برفضه. ثالثاً: بالنسبة لطلب التعويض أصلياً: بسقوط طلب التعويض بالتقادم واحتياطياً: برفضه. وفى جميع الأحوال إلزام المدعي المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وتعقيباً على دفاع الحكومة قدم المدعي مذكرة أبان فيها أنه قد أقام دعواه مختصاً شخصاً واحداً هو رئيس الجمهورية الذي هو في ذات الوقت رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي، وليس من شك في أن الاتحاد الاشتراكي العربي حسبما قيل عنه هو التجسيد الحي لسلطة الشعب التي تعلو جميع السلطات وتوجهها في كافة المجالات وعلى جميع المستويات وعلى هذا المقتضى وعلى ما صدر عن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع لمجلس الدولة من أن الاتحاد الاشتراكي العربي وهو سلطة تعلو جميع السلطات وتوجهها في كافة المجالات وعلى جميع المستويات وأن إدارة قضايا الحكومة تنوب عنه بوصفه من الحكومة. يصبح القرار المطعون فيه قراراً إدارياً بمعناه الدقيق مما يستقل القضاء الإداري بالفصل في الطعن فيه إلغاء وتعويضاً، وأضاف المدعي أن التعويض المطالب به ليس مرتباً حتى تتقادم الدعوى في شأنه بالمدة القصيرة وإنما التعويض في مثل الدعوى القائمة مما لا تتقادم الدعوى في شأنه إلا بالمدة الطويلة وفى الموضوع ساق المدعي أنه من أشرف رجال القلم في مصر وأرفعهم قدراً وأعزهم كرامة ومن ثم فإن تنحيته على خلاف ما تشهد له صحيفته النقية أمر يستلزم إفصاحاً عن سببها وإعراباً عن مبررها وإذ اعتصمت جهة الإدارة بالصمت ولاذت بالسكوت لتنأى بنفسها عن واجب إثبات ما يخالف الظاهر ويجافي الواقع فإن قرارها في هذا الشأن يكون غير قائم على سببه حرياً بالإلغاء وفى ختام المذكرة صمم المدعي على طلباته المبداة في صحيفة الدعوى.
وبجلسة 21 من فبراير سنة 1974 قضت محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات) أولاً: برفض الدفع بعدم قبول الدعوى قبل السيد رئيس الجمهورية لرفعها على غير ذي صفة وبقبولها. ثانياً: برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وبقبولها. ثالثاً: برفض الدفع بسقوط الحق في طلب التعويض بالتقادم. رابعاً: وفى الموضوع بإلغاء القرار رقم 1 لسنة 1965 الصادر من رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي باعتبار المدعي مفصولاً بغير الطريق التأديبي مع ما يترتب على ذلك من آثار. خامساً: بإلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعي مبلغ قرش واحد على سبيل التعويض المؤقت. سادساً: إلزام المدعى عليه بالمصاريف. وأقامت المحكمة قضاءها برفض الدفع بعدم قبول الدعوى قبل السيد رئيس الجمهورية لرفعها على غير ذي صفة على أنه لا يمكن التفرقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الاتحاد الاشتراكي العربي لسببين أولهما أن المدعي قد اختصم السيد رئيس الجمهورية بصفته رئيساً للاتحاد الاشتراكي العربي والثاني أن رئيس الجمهورية هو نفسه رئيس الإتحاد الاشتراكي العربي أي أن هناك اتحاداً وتلازماً بين الصفتين ومن ثم فإن القول بأن رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي هو شخص آخر غير رئيس الجمهورية هو قول لا أساس له من الواقع أو القانون وأضافت المحكمة أنه لا وجه لمحاولة إضفاء الصبغة السياسية على القرار الصادر بإنهاء خدمة المدعي والقول بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظره لهذا السبب ذلك لأنه فضلاً عن أنه ليس في الأوراق ما يدل على أن فصل المدعي قد اتخذ لأسباب فإنه ليس في قانون مجلس الدولة ما يمنع القضاء الإداري من نظر مثل هذه القرارات وارتكزت المحكمة في قضائها برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد على أنه لما كان الثابت أن هناك تلازماً بين وظيفتي رئيس الجمهورية ورئيس الاتحاد الاشتراكي العربي أي أن القرار الصادر من هذا الأخير هو في نفس الوقت قرار جمهوري فلا جناح على المدعي إن هو اعتبر أن القرار الصادر بإنهاء خدمته قد صدر عن رئيس الجمهورية وأنه بهذه المثابة حصين من رقابة القضاء باعتباره من قبيل أعمال السيادة طبقاً لنص القانون رقم 31 لسنة 1963، وإذ أقام دعواه في الميعاد بعد أن قضت المحكمة العليا بعدم دستورية هذا القانون الأخير فإن هذه الدعوى تكون مقبولة شكلاً، وفى الموضوع شيدت المحكمة قضاءها على أن الفصل التأديبي إنما يقوم على ما يتجمع لدى الجهة الإدارية من أسباب مستقاة من ملف الخدمة أو من الأوراق الأخرى أو من معلومات رؤساء الموظف عنه ويعتبر صحيحاً وقائماً على سببه المبرر له قانوناً متى استند إلى وقائع صحيحة وكانت الجهة الإدارية قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها في شأنه استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها وإذ كان يبين من مطالعة ملف خدمة المدعي أنه ليس به شائبة تشوب حياته الوظيفية بل إن في اختياره - وكان عضواً بمجلس إدارة مؤسسة الهلال - لتولي جميع سلطات واختصاصات مجلس الإدارة والعضو المنتدب لمؤسسة دار التحرير للطباعة والنشر بمرتب قدره 350 جنيهاً شهرياً ما يقطع بكفاءته وصلاحيته اللتين تؤهلانه لشغل مثل هذا المنصب ومن ثم يكون القرار المتضمن فصله من وظيفته غير قائم على سبب يبرره وتكون الجهة التي أصدرته قد انحرفت عن الجادة وتنكبت وجه المصلحة العامة الأمر الذي يتعين معه إلغاء القرار الجمهوري المطعون عليه وأضافت المحكمة عن طلب التعويض أنه من المقرر قانوناً أن كل فعل نشأ عنه ضرر للغير يوجب ملزومية فاعله بتعويض ضرر ولا مراء في أن القرار المطعون فيه فيما قضى به عن فصل المدعي من عمله بغير ما سبب قد أصابه بأضرار مادية وأدبية وإذ طلب المدعي الحكم بتعويض مؤقت قدره قرش واحد جبراً لهذا الضرر الذي أصابه فإنه يتعين إجابته إلى طلبه ولا وجه لما أثاره المدعى عليه من أن حق المدعي في طلب التعويض قد سقط بالتقادم بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه ذلك أن دعوى التعويض التي تسقط بالتقادم المنصوص عليه في المادة 172 من القانون المدني هي الدعوى الناشئة عن العمل غير المشروع ومما لا شك فيه أن صدور قرار رئيس الجمهورية مشوباً بعيب من العيوب التي تلحق القرارات الإدارية لا يعتبر عملاً غير مشروع وحتى لو اعتبر كذلك فإن القانون رقم 31 لسنة 1963 وقد منع القضاء الإداري من النظر في الطلبات المتعلقة بالقرارات الجمهورية الصادرة بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي إلغاءاً وتعويضاً يترتب عليه حتماً وقف سريان المدة المسقطة للحق في الفترة من وقت صدور القرار حتى صدور حكم المحكمة العليا بعدم دستورية القرار بقانون رقم 31 لسنة 1963 المشار إليه وإذ بادر المدعي بطلب التعويض على أثر صدور حكم المحكمة العليا المتقدم وقبل مضي ثلاث سنوات فمن ثم يكون الدفع بسقوط التعويض بالتقادم في غير محله متعيناً رفضه.
ومن حيث إن الطعن يقوم في مبناه على أن الحكم الطعين قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله للأسباب الآتية:
أولاً: إن ما استند إليه الحكم في رفض الدفع بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى السيد رئيس الجمهورية لرفعها على غير ذي صفة مردود بأن الثابت من القرار المطعون فيه أنه صادر من رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي ومن ثم كان يتعين اختصام الاتحاد الاشتراكي العربي فقط ذلك أن تولي الشخص أكثر من منصب يعطيه الصفة في تمثيل أكثر من جهة أو سلطة لا تحول من صدور قرار ضده أن يختصم جميع الجهات أو السلطات التي يمثلها مصدر القرار وإنما يتعين أن يقتصر اختصامه على الجهة التي صدر القرار باسمها دون غيرها من الجهات التي قد يمثلها ذات الشخص والثابت أن الاتحاد الاشتراكي العربي سلطة مستقلة عن سائر السلطات الأساسية الأخرى منوط بها القيام بوظيفة دستورية حددها الدستور ولا يصلح سنداً لاختصام رئاسة الجمهورية كون رئيس الجمهورية قد عين في ذات الوقت رئيساً للاتحاد الاشتراكي العربي لأن هذا التعيين لا يعني تداخل السلطتين أو اندماجهما.
ثانياً - إن ما بني عليه الحكم في قضائه برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد مردود بأنه ليس هناك تلازم بين وظيفتي رئيس الجمهورية ورئيس الاتحاد الاشتراكي العربي إذ ليس هناك مانع في القانون يحول بين تولي شخص آخر خلاف رئيس الجمهورية منصب رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي كما أنه ليس هناك قانون يلزم أن يتمتع رئيس الجمهورية بقوة القانون بصفته رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي وحتى مع التسليم الجدلي بقيام التلازم بين وظيفتي رئيس الجمهورية ورئيس الاتحاد الاشتراكي العربي فإن ذلك لا يؤدي إلى اعتبار القرارات الصادرة في شأن من شئون الاتحاد الاشتراكي العربي قرارات صادرة من رئيس الجمهورية في شأن من شئون الموظفين العموميين الخاضعين للقانون رقم 46 لسنة 1964 الذي يحكم العاملين في الدولة والذي لا يسري في شأن العاملين بالصحافة والمؤسسات الصحفية الذين يخضعون للقانونين رقم 156 لسنة 1960، 151 لسنة 1964 ومن ثم لا تتمتع قرارات رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي بالحصانة التي أضفاها القانون رقم 31 لسنة 1963 على قرارات رئيس الجمهورية بفصل الموظفين العموميين بغير الطريق التأديبي باعتبارها من أعمال السيادة ذلك أن قرارات رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي لا تكتسب صفة القرارات الجمهورية طالما لا يوجد نص قانوني يضفي عليها هذه الصفة فضلاً على أن العاملين بالمؤسسات الصحفية لا يعتبرون موظفين عموميين وفقاً للقانون رقم 156 لسنة 1960 وغني عن البيان أن العبرة بالتكييف القانوني السليم للقرار محل الدعوى لا بما يعتبره المطعون ضده، وحتى مع التسليم جدلاً بخضوع القرار محل الدعوى للقانون رقم 31 لسنة 1963 فإن قضاء المحكمة العليا بعدم دستورية هذا القانون لا يفتح ميعاداً جديداً للطعن في قرارات الفصل أو الإحالة إلى المعاش أو الاستيداع التي كانت تعتبر من أعمال السيادة بالتطبيق له لأن هذا القانون لم يكن يمثل عقبة مادية أو قانونية تحول بين المطعون ضده وبين إقامة دعواه بطلب إلغاء القرار محل الدعوى في الميعاد المقرر قانوناً.
ثالثاً: إن ما ساقه الحكم، دليلاً على أن القرار المطعون قد قام على غير سبب يبرره والتزام المدعى عليه بالتعويض الذي طلبه المدعي لا يقوم على سند من القانون ذلك أن ملف خدمة الموظف ليس هو المصدر الوحيد الذي يجب الاقتصار عليه في كل ما يتعلق بالموظف من بيانات ومعلومات يكون لها أثرها في تقرير صلاحيته وبوجه خاص إذا كان ممن لا يخضعون لنظام التقارير السنوية كما هو الشأن بالنسبة إلى المطعون ضده ومن ثم فإن خلو ملف الخدمة من بيان الأسباب التي قام عليها القرار مع وجود ما يزكيه لا يعني أن القرار الصادر بفصله غير قائم على سببه الذي يبرره ذلك أنه يكفي في الفصل بغير الطريق التأديبي أن تقوم أسباب تطمئن إليها الإدارة - أفصحت عنها أو لم تفصح – ما دام لم يثبت أنها قد انحرفت إلى غير الصالح العام وإذ كان ما استندت إليه المحكمة في إلغاء القرار المطعون فيه لا يصلح سنداً له فمن ثم فإنه لا ينال من هذا القرار من جهة ولا يسوغ الحكم للمدعي بتعويض مؤقت بمقولة أنه قد أصابه بضرر إذ يشترط للتعويض أن ترتكب جهة الإدارة خطأ بإصدار القرار وهو ما لم يتوافر في القرار المطعون فيه كما سلف البيان.
رابعاً: إن ما ذهب إليه الحكم في رفض الدفع بسقوط الحق في التعويض بالتقادم مردود بأن التزام الإدارة بتعويض الأضرار الناجمة عن قراراتها الإدارية شأنه في ذلك شأن الالتزامات الأخرى لا بد أن يستند إلى مصدر من مصادر الالتزامات الخمسة المنصوص عليها على سبيل الحصر في القانون المدني والثابت أن أساس الحكم بالتعويض عن القرارات الإدارية هو الخطأ الذي يتعين نسبته إلى الإدارة بحيث إذا انتفى هذا الخطأ تعين رفض التعويض ومن ثم فإن خطأ الإدارة أي عملها غير المشروع هو التزامها بالتعويض عن القرارات الإدارية التي تصدرها ودعوى التعويض الناشئة عن هذا المصدر تحكمها المادة 172 من القانون المدني وإذ لم يكن القانون رقم 31 لسنة 1963 يمثل عائقاً مادياً أو قانونياً يحول بين المطعون ضده وبين إقامة دعواه سواء طلباً لإلغاء القرار المطعون فيه أو تعويضاً عنه فمن ثم يكون ما ذهب إليه الحكم من إيقاف سريان المدة المسقطة للحق في التعويض خلال الفترة من وقت صدور القانون المشار إليه حتى القضاء بعدم دستوريته قد جاء على غير سند من القانون بما يجعله جديراً بالالتفات عنه.
ومن حيث إن إدارة قضايا الحكومة قد قدمت مذكرة دفعت فيها بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى تأسيساً على أن المستفاد من أحكام القانونين رقم 156 لسنة 1960 بتنظيم الصحافة ورقم 151 لسنة 1964 بشأن المؤسسات الصحفية أنها لا تعدو أن تكون مؤسسات خاصة اعتبرها المشرع في حكم المؤسسات العامة في مسائل وردت على سبيل الحصر وبالتالي لا يعتبر العاملون في هذه المؤسسات الصحفية موظفين عموميين حيث إن واقع العلاقة التي تربط أولئك العاملين بتلك المؤسسات علاقة عقدية مبناها لكل منهم عقد عمل يتدرج في مجالات القانون الخاص وهو الحكم الذي يصدق في شأن المدعي بمؤسسة دار التحرير للطبع والنشر لكونها مؤسسة خاصة من المؤسسات الصحفية المشار إليها ومتى كان الأمر كذلك وكان المطعون ضده قد أقام دعواه طالباً إلغاء قرار فصله بمقولة إنه فصل تعسفي فإنه يتعين الرجوع في شأن هذا الطلب إلى أحكام قانون العمل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 1959 بوصفه القانون الواجب التطبيق في شأن هذه المنازعة، والمستفاد من حكم المادة 75 من هذا القانون الأخير أن العامل الذي يفصل تعسفياً وبغير مبرر له أن يطلب إيقاف قرار فصله ولقاضي الأمور المستعجلة أن يقضي بإيقاف قرار الفصل ويحيل الدعوى إلى المحكمة المختصة التي تقضي في الموضوع بالتعويض إن كان له محل ويجوز لهذه المحكمة في حالة واحدة فقط أن يقضي بإعادة العامل المفصول إلى عمله وهي حالة ما إذا كان هذا العامل قد فصل بسبب النشاط النقابي وإذا كانت الدعوى الماثلة لا تدخل في الاستثناء المشار إليه (الفصل للنشاط النقابي) فإن التكييف الصحيح لها هدياً لما سلف هي أنها دعوى بطلب إيقاف قرار فصل عامل مما ينطبق في شأنها حكم المادة 75 من قانون العمل المتقدمة وتختص بنظرها المحاكم العادية على الوجه المنصوص عليه في تلك المادة ولما كانت هذه الدعوى قد رفعت أمام مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري فإنها تكون ترتيباً على ما تقدم قد رفعت أمام محكمة غير مختصة بنظرها وذلك بمراعاة أن الدفع بعدم اختصاص المحكمة لانتقاء ولايتها من الدفوع التي تحكم بها المحكمة من تلقاء نفسها ويجوز الدفع به في أية حالة كانت عليها الدعوى، وأضافت إدارة قضايا الحكومة في مذكرتها المتقدمة أنه لما كان الثابت أن المطعون ضده من العاملين بمؤسسة دار التحرير للطبع والنشر وأن هذه المؤسسة مؤسسة خاصة فمن ثم فإن المدعي ليس ممن فصلوا من إحدى وظائف الجهاز الإداري للدولة أو الهيئات العامة أو المؤسسات العامة أو الوحدات الاقتصادية التابعة لأي منها بالتالي فإنه لا يكون من المخاطبين بأحكام القانون رقم 28 لسنة 1974 بشأن إعادة العاملين المدنيين المفصولين بغير الطريق التأديبي وخلصت الإدارة المنوه عنها في ختام مذكرتها إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع أولاً: وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لما يترتب على تنفيذه من نتائج يعتذر تداركها ثانياً: بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم بصفة أصلية بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى وبصفة احتياطية الحكم بالطلبات المبينة في صحيفة الطعن.
1 - إن البادي من مطالعة الأوراق وبوجه خاص ملف خدمة المدعي أنه في 14 يناير سنة 1963 أصدر السيد رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال قرار بتعيين المدعي في وظيفة رئيس تحرير بالمؤسسة بذات المرتب الذي كان يتقاضاه كرئيس لتحرير مجلة الإذاعة وذلك ابتداء من أول يناير سنة 1963 ثم صدر القرار رقم 6 لسنة 1964 من السيد رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي قاضياً في مادته لأولى بأن يحل مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر في مادته الثانية بأن يتولى السيد/ حلمي سلام "المدعي" جميع سلطات واختصاصات مجلس الإدارة والعضو المنتدب للمؤسسة المذكورة وما لبث المدعي يباشر الاختصاصات التي أسندت إليه حتى صدر في 19 من مايو سنة 1965 القرار رقم "1" لسنة 1965 من السيد رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي قاضياً في مادته الأولى بأن يتولى السيد/ مصطفى بهجت بدوي جميع سلطات واختصاصات مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر والعضو المنتدب بالمؤسسة المذكورة وفى مادته الثانية بإلغاء ما يخالف ذلك من قرارات حيث أشار في ديباجته إلى قرار رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي رقم 6 لسنة 1964 سالف الذكر.
ومن حيث إنه متى كان البادي من استعراض الواقعات على الوجه المتقدم أن القرار رقم "1" لسنة 1965 الصادر من السيد رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي في 19 من مايو سنة 1965 المشار إليه قد أسند إلى السيد/ مصطفى بهجت بدوي الوظيفة ذاتها التي كان يشغلها المدعي بالقرار رقم 6 لسنة 1964 وحرص في الوقت ذاته على إلغاء ما يخالفه من قرارات سبقت مستهدفاً بذلك هذا القرار الأخير، وإذ سكت ذاك القرار عن إسناد وظيفة أخرى إلى المدعي فمن ثم لا مراء في أنه والحال ما سلف لا يعدو في التكييف القانوني السليم أن يكون قراراً بفصل المدعي من وظيفته تلك بغير الطريق التأديبي، وليس أبلغ في الدلالة على صدق هذا النظر وما أفصحت عنه بجلاء مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر التي كان يعمل فيها المدعي في الشهادة الصادرة منها بتاريخ 26 من أكتوبر سنة 1968 والمودعة ملف خدمة المدعي حيث أبانت أن خدمة السيد/ علي محمد سلام وشهرته حلمي سلام رئيس مجلس إدارة المؤسسة السابقة (المدعي) قد انتهت بصدور قرار السيد رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي رقم 1 بتاريخ 19 من مايو سنة 1965 لتعيين السيد الأستاذ مصطفى بهجت بدوي خلفاً له ومن حيث إن الثابت مما سلف بيانه أن القرار رقم "1" لسنة 1965 المطعون فيه إنما هو في حقيقة أمره قرار صادر من السيد رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي بفصل المدعي من وظيفته كرئيس لمجلس إدارة مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر بوصفها إحدى المؤسسات الصحفية التي يملكها الاتحاد الاشتراكي العربي وذلك بغير الطريق التأديبي ومن ثم فلا حاجة فيما ذهب إليه الحكم الطعين من أن القرار المشار إليه هو في ذات الوقت قرار جمهوري بمقولة أن رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي هو نفسه رئيس الجمهورية وأن هناك اتحاداً وتلازماً بين الصفتين ذلك أنه ليس في الدساتير التي تعاقبت على الدولة منذ قيام الاتحاد الاشتراكي العربي ولا في القانون الأساسي لهذا الاتحاد سواء القائم أو السابق ثمة نص يقضي بأن يكون رئيس الجمهورية رئيساً للاتحاد الاشتراكي العربي بحكم وظيفته ومن ثم فإن القول بقيام الوحدة والتلازم بين هاتين الصفتين أمر لا سند له في القانون فضلاً عن ذلك - فإن إضفاء هاتين الصفتين على شخص واحد بفرض قيامه سواء بحكم القانون أو في الواقع ليس من شأنه أن تذوب كل منهما في الأخرى أو تندمج فيها اندماجاً يفقدها وجودها واستقلالها وإنما الصحيح في القانون أن تمارس كل منهما في الإطار الذي رسم لها ومن ثم يكون المناط في الحكم على ما يصدره ذلك الشخص من قرارات استظهار لطبيعتها ووقوفاً على كنهها هو العنصر التي استند إليها في إصدار القرار دون غيرها طالما أن كلاً من هاتين الصفتين تتميز عن الأخرى وتستقل عنها سواء من حيث مجال ممارستها أو من حيث النظام القانوني الذي يحكم التصرفات التي تباشر استناداً إليها الأمر الذي لا يسوغ معه الخلط بينهما لمجرد أنهما قد خلعتا على شخص واحد، والقول بغير ذلك يجافي مقتضيات التنظيم السليم وينبو عن الأصول الواجبة في الإدارة فضلاً على مخالفته للقانون.
2 - في 24 من مايو سنة 1960 صدر القانون رقم 156 لسنة 1960 بتنظيم الصحافة الذي جرى العمل به في ذات التاريخ ناصاً في مادته الأولى على أن "لا يجوز إصدار الصحف إلا بترخيص من الاتحاد القومي، ويقصد بالصحف في تطبيق أحكام هذا القانون الجرائد والمجلات وسائر المطبوعات التي تصدر باسم واحد وبصفة دورية ويستثنى من ذلك المجلات والنشرات التي تصدرها الهيئات العامة والجمعيات والهيئات العلمية والنقابات وعلى أصحاب الصحف التي تصدر وقت العمل بهذا القانون أن يحصلوا على ترخيص من الاتحاد القومي خلال ثلاثين يوماً من تاريخ العمل بهذا القانون "ونص في مادته الثالثة على أن "تؤول إلى الاتحاد القومي ملكية الصحف الآتية وجميع ملحقاتها وينقل إليه ما لأصحابها من حقوق وما عليهم من التزامات وذلك مقابل تعويضهم بقيمتها مقدرة وفقاً لأحكام هذا القانون: صحف دار الأهرام، صحف دار أخبار اليوم، صحف دار روزا ليوسف، صحف دار الهلال. ويعتبر من ملحقات الصحف بوجه خاص دور الصحف والآلات والأجهزة المعدة لطبعها أو توزيعها مؤسسات الطباعة والإعلان والتوزيع المتصلة بها كما نص في مادته السادسة على أن يشكل الاتحاد القومي مؤسسات خاصة لإدارة الصحف التي يملكها ويعين لكل مؤسسة مجلس إدارة يتولى مسئولية إدارة صحف المؤسسة" وفى مادته السابعة على أن "يعين لكل مجلس إدارة رئيس وعضو منتدب أو أكثر ويتولى المجلس نيابة عن الاتحاد القومي مباشرة جميع التصرفات القانونية" ونفاذاً لأحكام القانون رقم 156 لسنة 1960 صدر قرار بإنشاء مؤسسات خاصة لإدارة الصحف التي آلت ملكيتها إلى الاتحاد القومي وتلك التي كانت مملوكة له أصلاً وهي دار التحرير وبتعيين مجلس إدارة لكل منها، وفى 24 من مارس سنة 1964 صدر القانون رقم 151 لسنة 1964 بشأن المؤسسات الصحفية التي جرى العمل به في ذات التاريخ ناصاً في مادته الأولى على أن "تتولى كل مؤسسة صحفية على مسئوليتها مباشرة كافة التصرفات القانونية فلها أن تتعاقد وأن تؤدي جميع التصرفات والأعمال التي من شأنها تحقيق غرضها "ونص في مادته الثانية على أن "للمؤسسات الصحفية المشار إليها تأسيس شركات مساهمة بمفردها دون أن يشترك معها مؤسسون آخرون وذلك لمباشرة نشاطها الخاص بالنشر أو الإعلان أو الطباعة أو التوزيع ويكون تأسيس هذه الشركات وتنظيم علاقة المؤسسات الصحفية بها وفق القواعد المقررة بالنسبة للمؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي" ونص في مادتها لثالثة على أن "تعتبر المؤسسات الصحفية المشار إليها في هذا القانون في حكم المؤسسات العامة فيما يتعلق بأحوال مسئولية مديرها ومستخدميها المنصوص عليها في قانون العقوبات وفيما يتعلق بمزاولة التصدير والاستيراد" كما نص في مادته الرابعة على أن "يستمر العمل بأحكام القانون رقم 156 لسنة 1960 فيما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون وتحل اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكي محل الاتحاد القومي في كل ما يتعلق بالاختصاصات المخولة له طبقاً لأحكام القانون رقم 156 لسنة 1960 "والمستفاد بجلاء من النصوص المتقدمة أن المؤسسات التي أنشئت لإدارة الصحف التي آلت ملكيتها إلى الاتحاد الاشتراكي العربي على الوجه سالف البيان لا تعدو في التكييف القانوني السليم أن تكون مؤسسات خاصة تباشر نشاطها كأصل عام في نطاق أحكام القانون الخاص واستثناء من هذا الأصل فقد اعتبرها الشارع في حكم المؤسسات العامة في مسائل عينها على سبيل الحصر وتتمثل في كيفية تأسيسها للشركات المساهمة التي تلزم لمباشرة نشاطها الخاص بالنشر أو الإعلان أو الطباعة أو التوزيع وعلاقتها بهذه الشركات وفيما يتصل بأحوال مسئولية مديريها ومستخدميها المنصوص عليها في قانون العقوبات وفيما يتعلق بمزاولة التصدير والاستيراد، ويترتب على عدم اعتبار المؤسسات الصحفية مؤسسات عامة إلا فيما استثنى بنص صريح على الوجه المتقدم أن سائر الأحكام المقررة في شأن المؤسسات العامة لا تسري على المؤسسات الصحفية ومن ذلك أنها لا تخضع في إنشائها أو إدارتها أو نظامها المالي للأحكام المقررة في شأن المؤسسات العامة كما أن العاملين فيها لا يخضعون لنظام العاملين بالقطاع العام سواء فيما يتعلق بتعيينهم أو ترقيتهم أو انتهاء خدمتهم بل يخضعون لأحكام قانون العمل شأنهم في ذلك شأن العاملين في القطاع الخاص، وترتيباً على ما سلف فإن العاملين في المؤسسات الصحفية لا يدخلون في عداد الموظفين العموميين ذلك أنه لكي يعتبر الشخص موظفاً عاماً خاضعاً لأحكام الوظيفة العامة التي مردها إلى القوانين واللوائح يجب أن يكون قائماً بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى بالطريق المباشر وإذا كان الثابت في الأوراق أن المدعي كان يعمل قبل فصله بالقرار المطعون فيه رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر وهي من المؤسسات الصحفية التي يملكها الاتحاد الاشتراكي العربي وفقاً لأحكام القانون رقم 156 لسنة 1960 المشار إليه فمن ثم فإن صفة الموظف العام لا تتوافر له لتخلف شرائطها سالفة البيان في شأنه.
3 - المبين من سياق نص المادة الثالثة من دستور 25 مارس سنة 1964 والمادة الخامسة من دستور جمهورية مصر العربية الصادر في 11 من سبتمبر سنة 1971 "القائم" أن الاتحاد الاشتراكي العربي هو في طبيعته تنظيم سياسي يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة ويعبر عن إرادتها ومن ثم فإنه ليس سلطة من سلطات الدولة أو فرعاً منها وإنما هو سلطة سياسية شعبية مستقلة عن سلطات الدولة الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية يباشر نشاطاته على الوجه المبين في الدستور وفى نطاقه الأساسي، وإذ كان الاتحاد الاشتراكي العربي لا يعتبر في طبيعته حسبما سلف البيان من الجهات الإدارية فإن قراراته ليست في طبيعتها قرارات إدارية بمعناها المفهوم في القانون من حيث كونها إفصاحاً للإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادة ملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناً وجائزاً قانوناً ابتغاء مصلحة عامة.
ومن حيث إنه متى كان البادي مما سلف أن المدعي (المطعون ضده) لا يعتبر موظفاً عاماً أن القرار المطعون فيه لا يدخل في عداد القرارات الإدارية فمن ثم فإن المنازعة الماثلة لا تعتبر منازعة إدارية إذ تفتقد والحال كذلك خصائص هذه المنازعة ومقوماتها ما دامت لا تنصب على قرار أو تصرف قانوني من جهة الإدارة وبالبناء على ما تقدم فإن الاختصاص بنظرها لا ينعقد لمحاكم مجلس الدولة وفقاً للقانون.
1 - إنه لئن كان الاتحاد الاشتراكي العربي في طبيعته تنظيماً سياسياً فإن ذلك لا يعني أن كل قرار يصدره يعتبر بالضرورة وبحكم اللزوم قراراً سياسياً ينأى بطبيعته عن رقابة القضاء ويخرج عن دائرة هذه الرقابة ذلك أن هذا الوصف لا يصدق إلا على ما يصدره من قرارات في نطاق مباشرته لوظيفته الدستورية وفقاً لما رسمه الدستور وبينه النظام الأساسي له، أما ما يصدره في قرارات وما يجريه من تصرفات قانونية في غير النطاق المتقدم سواء في إدارة أمواله أو في إبرام العقود أو في شئون العاملين فإنها لا شك تخضع لسلطات القضاء ورقابته إعمالاً لما قررته المادة 68 من الدستور من أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة وأن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتأسيساً على ما تقدم فإن القرار المطعون فيه وقد صدر في شأن المدعي (المطعون ضده)، بوصفه عاملاً في إحدى المؤسسات الصحفية التي يملكها الاتحاد الاشتراكي العربي حيث قضي بفصله من الخدمة بغير الطريق التأديبي، أن هذا القرار وقد صدر على الوجه المتقدم بعيداً عن مجال الوظيفة الدستورية للاتحاد الاشتراكي العربي فإنه بهذه المثابة لا يعد قراراً سياسياً مما ينأى عن رقابة القضاء، وإذ كان هذا القرار لا يدخل حسبما سلف البيان في عداد القرارات الإدارية وكانت المنازعة الماثلة لا تعتبر منازعة إدارية فمن ثم فإن الاختصاص بنظرها إنما ينعقد للقضاء العادي باعتباره الجهة القضائية صاحبة الولاية العامة في غير المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية وفقاً لحكم المادة 15 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972.
5 - لا شبة في أن القانون رقم 28 لسنة 1974 بشأن إعادة العاملين المدنيين المفصولين بغير الطريق التأديبي إلى وظائفهم لا يجد مجالاً للتطبيق في الخصوصية المطروحة ذلك أن المخاطبين بأحكامه حسبما نصت عليه المادة الأولى منه وهم العاملون المدنيون الذين لا تنظم شئونهم الوظيفية قوانين خاصة وأنهيت خدمتهم عن غير الطريق التأديبي بالإحالة إلى الاستيداع أو إلى المعاش أثناء الاستيداع أو بالفصل من الوظائف بالجهاز الإداري للدولة أو الهيئات العامة أو المؤسسات العامة أو الوحدات الاقتصادية التابعة لأي منها في الفترة من تاريخ العمل بالقانون رقم 31 لسنة 1963 حتى تاريخ العمل بالقانون رقم 10 لسنة 1972 والثابت أن المدعي (المطعون ضده) وفقاً لما سلف بيانه ليس من هؤلاء المخاطبين بأحكام ذلك القانون إذ أنه فصل من وظيفته كرئيس لمجلس مؤسسة دار التحرير للطباعة والنشر وهى مؤسسة خاصة في طبيعتها اعتبرها الشارع في حكم المؤسسات العامة في مسائل معينة بينها على سبيل الحصر وليس من بينها ما يتصل بشئون العاملين على الوجه المشار إليه.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما سلف يكون الحكم الطعين وقد ذهب غير المذهب المتقدم يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله بما يتعين معه القضاء بإلغائه وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القاهرة الابتدائية وذلك إعمالاً لحكم المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وإلزام المدعي (المطعون ضده) مصروفات هذا الطعن. وأبقت الفصل في مصروفات الدعوى لمحكمة الموضوع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق