جلسة يوم الخميس 13 يونيه سنة 1929
برياسة حضرة صاحب السعادة
عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات مسيو سودان وأصحاب العزة محمد
لبيب عطية بك وزكى برزي بك وحامد فهمي بك المستشارين.
---------------
(284)
القضية رقم 1690 سنة 46
قضائية
(الطعن المرفوع من النيابة العامة في قرار قاضى الإحالة ضد عبد العاطي
السيد السيد)
المادة 174 عقوبات. تفسير
كلمة «علامة» الواردة بالمادة المذكورة.
(المواد 137 و174 و293
عقوبات)
------------------
إن كلمة "علامة" (Marque) الواردة بالمادة 174
عقوبات لا تصدق إلا على آلة من الآلات التي يطبع بها أو على طابعها أي أثرها
المنطبع. فلا يدخل في مدلولها الصفيحة النحاسية التي يحملها رجال البوليس وعليها
نمر يعرفون بها. إذ هي ليست في واقع الأمر إلا جزءا من ملبسهم كالأحزمة والأزرار
المخصوصة ولا تفترق عن غيرها من أجزاء الملبس إلا في أنها رقعة معدنية عليها أسماء
العساكر مرموزا لها بأرقام. وما كانت أسماء العساكر ولا الأرقام المرموز لها بها
علامة من علامات الحكومة، وإذن فلا عقاب على من قلدها. إنما قد يعاقب حاملها إذا
كان قد ارتكب الجنحة المنصوص عليها بالمادة 137 أو بالمادة 293 من قانون العقوبات.
الوقائع
اتهمت النيابة العمومية
المتهم المذكور بأنه في سنة 1926 قلد علامة إحدى المصالح التابعة لوزارة الداخلية
وهى نمرة 5494 الخاصة برجال البوليس وضبط حاملا لها ببندر طنطا بتاريخ 13 ديسمبر
سنة 1926 وطلبت من حضرة قاضى الإحالة أن يحيله إلى محكمة الجنايات لمحاكمته
بالمادة 174 من قانون العقوبات.
وبتاريخ 6 يوليه سنة 1927
أحاله حضرة قاضي الإحالة غيابيا إلى محكمة جنايات طنطا لمحاكمته بالمادة المذكورة
على التهمة الموجهة إليه. وقد حكمت محكمة الجنايات في غيبته بمعاقبته بالسجن لمدّة
ثلاث سنوات. وعندما ضبط المتهم أعيدت الإجراءات وقدم ثانية لحضرة قاضى الإحالة
فقرّر في 9 أبريل سنة 1929 بأن لا وجه لإقامة الدعوى العمومية قبله لعدم الجناية.
وبتاريخ 17 أبريل سنة
1929 قرّر حضرة رئيس نيابة طنطا بتوكيل سعادة النائب العمومي بالطعن في هذا القرار
بطريق النقض والإبرام وقدّم حضرته تقريرا بأسباب طعنه عليه في 20 منه.
المحكمة
بعد سماع المرافعة
الشفوية والاطلاع على أوراق القضية والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وتلاه
بيان الأسباب في الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن وقائع هذه المادة
تتلخص في أن عبد العاطي السيد السيد ضبط حاملا لصفيحة عليها نمرة 5494 فقالت
النيابة العمومية إن هذه الصفيحة قد عملت تقليدا للصفائح التي تبين فيها وزارة
الداخلية نمر رجال البوليس وإن نمرة 5494 المقلدة المذكورة هى نمرة الباشجاويش عمر
إبراهيم سليم من قسم اللبان وإن تلك النمر تخوّل لحاملها حق الركوب بالترام
وبالسكة الحديدية بنصف أجرة.
وقدّمت عبد العاطي السيد
للمحاكمة. فعاقبته محكمة الجنايات غيابيا بالسجن باعتبار أن هذه الصفيحة المنمرة هي
من علامات إحدى مصالح الحكومة المنصوص عليها بالمادة 174 عقوبات. ولما قبض على
الرجل وقدم لقاضى الإحالة أصدر قراره بأن لا وجه لإقامة الدعوى بانيا إياه على أن
هذه الصفيحة لا تدخل تحت مدلول كلمة "علامة" الواردة بالمادة 174 من
قانون العقوبات. فطعن النائب العمومي في هذا القرار بطريق النقض.
وحيث إن مبنى طعن النائب العمومي
(1) أن القانون المصري لم يضع تعريفا خاصا لكلمة "علامة" الواردة
بالمادة 174 فهي تشمل كافة الإشارات التي تصطلح مصلحة ما من المصالح الأميرية على
استعمالها لغرض من الأغراض أيا كان نوعها أو شكلها و(2) أن إطلاق التعريف وروح
المادة 17 ومخالفة نصها لنص المادة 142 من القانون الفرنسي ذلك يدل على أن الشارع المصري
لم يقيد المصلحة الأميرية بوضع ختمها أو أي شيء مميز على العلامة بل يكفى أن تكون
تلك العلامة بحجم معين وشكل معروف صار الاصطلاح عليه و(3) أن العلامة المضبوطة
ليست مجرد قطعة من النحاس عليها نمرة بل هي مركبة من قطعتين من النحاس بمقاس القطع
التي اصطلحت وزارة الداخلية على تخصيصها لرجال البوليس لوضع نمرهم عليها باللغتين
العربية والإفرنكية وأنه منقوش عليها نمرة لشخص معين من رجال بوليس الإسكندرية.
وقد عملت القطعتان المذكورتان تقليدا لنمرة ذلك العسكري للاستفادة بمميزاتها وأنه
لذلك يكون قول قاضى الإحالة بأن هذا التقليد لا عقاب عليه هو قول خطأ، بل إن
الواقعة تدخل في متناول المادة 174. ولذلك تطلب نقض القرار واعتبار الواقعة جريمة
تقليد علامة من علامات إحدى مصالح الحكومة وإعادة القضية لقاضى الإحالة لاعتبارها
كذلك.
وحيث إن قاضى الإحالة بين
في قراره أن كلمة "علامة" وردت بالمادة 174 في الفقرتين الرابعة
والخامسة ويقابلها في النص الفرنسي كلمة (Marque) بالفقرة الرابعة وكلمة (paraphe) بالفقرة الخامسة وأن محل
النظر هو تلك الكلمة المستعملة في الفقرة الرابعة والتي تقابلها كلمة (Marque). ثم بين القاضي المومأ إليه
أن كلمة "علامة"
(Marque) لا تصدق إلا على آلة من
الآلات التي يطبع بها أو على "طابعها" أي أثرها المنطبع. ودلل على ذلك
تدليلا صحيحا بالرجوع تارة إلى المعنى اللغوي للكلمة وتارة أخرى بالرجوع إلى
المعنى الاصطلاحي الذي استعملت له هذه الكلمة بالمادة 142 من القانون الفرنسي التي
تعتبر كالأساس احتذاه القانون المصري مع بعض التعديل.
وحيث إن كل الأسباب التي أوردتها
النيابة في طعنها لا تنقص من قيمة قرار قاضى الإحالة، بل تفسيره لتلك الكلمة هو
التفسير الصحيح المتعين الأخذ به.
وحيث إنه فوق ما في قرار
قاضي الإحالة من البيان فان تلك الصفيحة التي عليها نمرة يعرف بها رجال البوليس
ليست في واقع الأمر سوى جزء من ملبسهم كالأحزمة المخصوصة والأزرار المخصوصة بل
كالقلنسوات والأردية والسراويل "الجاكتات" "والبنطلونات"
الخاصة بالبوليس. فان كل تلك القطع هي من هيئة خاصة ونظام ملبس مقرر. وكل الفارق
بين الصفيحة وغيرها من أجزاء الملبس هو أن الصفيحة رقعة معدنية عليها أسماء
العساكر مرموزا إليها بأرقام. وما كانت أسماء العساكر ولا الأرقام المرموز لها بها
علامة من علامات الحكومة. فان كان عبد العاطي السيد المتهم قد ضبط لابسا كسوة
رسمية من كساوى رجال البوليس مثبتة فيها تلك الصفيحة التي عليها النمرة فما كان
على النيابة إلا أن تقدمه لقاضي الجنح على اعتبار أنه ارتكب الجريمة المنصوص عليها
بالمادة 137 من قانون العقوبات التي لا يزيد الحبس فيها عن سنة ولا الغرامة عن
عشرين جنيها مصريا. وإذا فرض وكان قد نصب على شركة الترام أو السكة الحديدية فركب
فيها بنصف أجرة وهو مرتد تلك الكسوة الرسمية وفيها النمرة فيكون مرتكبا لجريمة
النصب المعاقب عليها بالمادة 293، ويكون مرتكبا لهذه الجريمة أيضا لو أنه لم يكن
لابسا كسوة من كساوى البوليس الرسمية بل كان حاملا للصفيحة التي بها النمرة فقط
وكان من المتفق عليه بين الحكومة ومثل شركة الترام أو السكة الحديدية أن حامل هذه
الصفيحة المنمرة له امتياز في الأجرة وكان قد قدم هذه الصفيحة لأية الجهتين وانتفع
فعلا بتخفيض الأجرة أو حاول ذلك. أما القول بأن اصطناع هذه الصفيحة هو اصطناع
"علامة" من علامات المصالح الأميرية ذلك الاصطناع المعاقب عليه بالمادة
174 فبعيد جدا عن الصواب. ولو قبل هذا المذهب لوجب العقاب بهذه المادة أيضا على من
يقلد زرارا أو حزاما أو قلنسوة أو جزمة أو كسوة كاملة من كساوى رجال البوليس أو
الجيش أو غيرهم ممن لهم نظام ملبس مقرر. وهذا غير مسلم به.
وحيث إنه لما تقدّم بتعين
رفض الطعن. ورفضه لا يمنع النيابة العامة من رفع الدعوى على الطاعن إذا كان قد
ارتكب الجنحة المنصوص عليها بالمادة 137 أو بالمادة 293 وكانت شروط تطبيق أيتهما
متوافرة وشروط العود إلى محاكمته حاصلة.
فبناء عليه
حكمت المحكمة بقبول الطعن
شكلا وبرفضه موضوعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق