مجلة المحاماة – العدد التاسع
السنة التاسعة عشرة سنة 1939
بحث
في مسؤولية من استخدم أجيرًا صانعًا لعمل معين عن الضرر الذي يصيب الغير من فعل
الأجير طبقًا للمادة (152) من القانون المدني لصاحب العزة زكي خير الأبوتيجى بك
رئيس النيابة لدى محكمة النقض (الدائرة المدنية)
تمهيد:
قد يحتاج مالك المنزل إلى نجار أو إلى بناءً أو إلى غيرهما من أرباب الصنائع
لإجراء عمل معين في منزله كتصليح شرفة أو شباك إلى غير هذا من الأعمال التي تستلزم
خبرة حرفية وقد يصيب الغير ضرر من هذه الأعمال كأن تسقط أخشاب الشباك أو الشرفة
التي أجرى فيها التصليح على من عبر بجوار المنزل فتصيب منه مقتلاً أو تحدث به
جروحًا فمن الذي يضمن هذا الضرر؟
إن من أوليات العدالة والمنطق أن من ارتكب الخطأ يسأل وحده عن تقصيره، إلا أن
القانون المدني نص على بعض الاستثناءات لهذه القاعدة في الفقرة الثانية من المادة
(151) وفي المادتين (152) و (153) من القانون المدني إذ قضى بمسؤولية الرجل عن
الضرر الناشئ عن أفعال من هم تحت رعايته وملاحظته والسيد عن أفعال خدمته ومالك
الحيوان عن الضرر الذي يحدثه حيوانه سواء كان في حيازته أو تسرب منه.
ولم يرد في القانون المصري نص على مسؤولية من استأجر صانعًا لإجراء عمل معين فهل
يكون مسؤولاً عن أفعال الأجير الصانع قياسًا على مسؤولية السيد عن خادمه وهل تنطبق
أحكام المادة (152) مدني على هذه الصورة.
لهذا يقتضي المقام البحث في تاريخ تشريع هذه المادة وحكمة التشريع وما جرى عليه
الفقه والقضاء في فرنسا ومصر مع مقارنة النظريات الجاري العمل بها في القوانين
الأجنبية الأخرى.
(1)
تاريخ
تشريع المادة (1384) – 3 من القانون المدني الفرنسي التي اشتقت منها المادة (152)
من القانون المدني المصري وحكمة هذا التشريع
ترجع مسؤولية السيد عن خادمه إلى الأزمنة السالفة، ففي عصر الجمهورية
والإمبراطورية الرومانية كان العبد الرقيق ملكًا لسيدة ولا يجوز له أن يمتلك
منقولاً أو عقارًا بل كان كل ما تكسبه يداه مالاً حلالاً لسيده ولهذا كان السيد
مسؤولاً عن أفعال عبده ويضمن الأضرار التي تصيب الغير من تلك الأفعال وكان القانون
الروماني يوجب على السيد تعويض من جنى عليه عبده وإلا فعليه أن يتخلى عنه له وكان
هذا ما يقتضيه العدل والمنطق لأنه لا يجدي أن يرجع المجني عليه على العبد بالضمان
وهو خالي الوفاض لا يملك شيئًا لهذا وجب الرجوع على سيده الذي يملك كسبه والذي
يستفيد من خدمته وإزاء نظام الرق كان هناك من أرباب الصنائع الأحرار من يؤجر
للأعمال بمقتضى عقد إيجار الأشخاص Locatio conduction operarum وكان يجوز استئجار ذي الحرفة لعمل per
aversionem وورد النص في
الموسوعة الرومانية أن الأجير الصانع في هذه الحالة يكون مسؤولاً عن نتيجة عمله.
وظلت هذه الأحكام سائدة بعد سقوط الدولة الرومانية في البلاد التي امتدت إليها
مدنية روما وتشريعها وعلى الأخص فرنسا وحفظتها التقاليد بعد أن زال الرق من أوروبا
إلى أن وضع القانون المدني الفرنسي وورد النص في المادة (1384) فقرة (3) منه على
مسؤولية السيد عن أعمال خادمه وقد سبق أن قال بها الفقهاء الذين بسطوا القواعد
القانونية قبل أن يدونها الشارع الفرنسي وعلى الأخص بوتيه (ودوماه) وغيرهما.
أما حكمة تشريع هذه المادة فهي مستفادة من النقاش الذي دار عند وضع القانون
الفرنسي ويخلص من أقوال من شرعوا تلك المادة الفرنسية أن وجوه تشريعها تنحصر في
أمور ثلاثة
أولاً: سوء اختيار السيد لتابعه.
ثانيًا: التقصير في إشرافه وسيطرته على من استخدمه
ثالثًا: خضوع التابع لسيده والائتمار بأمره (ديموج كتاب الالتزامات جزء (5) ص (89)
بند (895) وكتاب اسمين وبلانيول وريبير جزء (6) ص (867)).
والمفهوم عدلاً وعقلاً أن لا يضمن الرجل إلا الضرر الذي ينجم عن أفعاله كما سبق
القول وليس من الإنصاف أن يتحمل وزر غيره، على أنه يجب أن يخرج من هذه الأولية
البديهية فاقدوا الإرادة والتمييز كالقاصرين والمعتوهين والأطفال والحيوانات فيسأل
عنهم من يكلفون بحفظهم ورعايتهم.
ووجه هذا ظاهر لأنهم يسيطرون عليهم ويلاحظونهم ويستطيعون منعهم عن إلحاق الأذى
بالناس لهذا يفترض التقصير من جانبهم إذا حاق ضرر بالغير من أفعالهم.
ومع أن الخادم ليس من فاقدي الإرادة أو التمييز إلا أنه قيس حكمه على أولئك لأن
السيد هو الآمر الناهي وإرادة الخادم تضمحل وتزول أمام إرادة السيد لهذا وجب أن
يضمن السيد أفعاله التي تصدر منه في حدود عمله المكلف به.
أما الأجير الصانع فقد يكون في عمله حرًا ومستقلاً لا ينصاع إلى غيره أو قد يكون
تابعًا لمن استأجره ينفذ أمره ويأتمر بإرشاده وتعليماته حتى في الأمور الفنية.
ففي الصورة الثانية يحاكي الأجير والصانع الخادم الذي لا رأي له.
وسترى كيف أنه على هذا الأساس قام الفقه والقضاء في فرض المسؤولية على من استخدم
أجيرًا صانعًا.
(2)
-
الخلاف بين نص المادة (152) مدني مصري والمادة 1384 - 3 مدني فرنسي - لم ينقل
الشارع المصري في المادة (152) مدني نص المادة 1384 – 3 من القانون الفرنسي حرفيًا
بل أجرى تحويرًا فيها.
فالمادة الفرنسية تنص على مسؤولية السيد عن أفعال خادمه (maître
et domestique) ورب العمل عن
المستخدم (commettant et préposé).
ولكن النص المصري طرح العبارة الأخيرة جانبًا واقتصر على النص على السيد وخادمه.
ويقول المسيو دوهلس في كتابه شرح القانون المدني المصري جزء (4) تحت عنوان
المسؤولية المدنية ص (49) بند (100) إنه ولو أن القانون المصري لم ينقل هذه
العبارة الأخيرة إلا أنه أورد في نص المادة (152) عبارة Servituer وهي أهم في مدلولها إذ يندرج في معناها كل
أنواع المستخدمين.
ولهذا لا يعد التشريع المصري شاذًا عن الفرنسي في المبدأ ولو اختلفت العبارة فيهما
بل أن القانون المصري نقل حكم المادة (1384) في القانون الفرنسي محتفظًا بشرائطها
وحكمة تشريعها اللتين رآهما الشارع الفرنسي.
لهذا كان لزامًا على من يفسر المادة (152) من القانون المدني أن يرقب مذاهب الفقه
والقضاء الفرنسيين لترجيح الرأي الذي يدعمه المنطق القانوني وحكمة التشريع.
(3)
الرأي الراجح في الفقه الفرنسي
قلنا
أن البحث ينحصر في صورة واحدة من صور مسؤولية الرجل عن أفعال غيره أي مسؤولية من
استخدم أجيرًا لإجراء عمل معين.
وهذه المسألة وأمثالها تناولها فقهاء القانون المدني في فرنسا وسار الرأي عند
معظمهم وعلى الأخص المحدثين منهم أن لا مسؤولية على المالك الذي يستخدم الصانع في
عمل محدد متى كان هذا الصانع أو الأجير مستقلاً تمامًا في إنجاز هذا العمل المحدد
بمعنى أنه لا يضاع في ذلك لأوامر أو إرشاد مَنْ استأجره وهاكم طائفة من آرائهم.
يقول سورداه في كتابه المسؤولية المدنية الجزء الثاني ص (114) بند (888) ما معناه
(إذا عهد أحد الأفراد إلى أجير أو صانع ذي حرفة معينة بأن يعمل له عملاً فهل يعد
هذا مستخدمًا عنده وبالتالي إذا حاق بالغير ضرر فهل يضمن ذلك الضرر؟ لنفرض أن خللا
ظهر في سطح منزلي فكلفت نجارًا أو صانعًا أن يجري فيه التصليحات اللازمة ففعل ثم
انفصلت بعض قطع القرميد من سطح المنزل وسقطت على أحد المارة فجرحته أو قتلته أو
إذا أسقط الصانع كتلة من الخشب على منزل الجار وأحدثت تلفًا فهل أكون ضامنًا لهذا
كله؟).
(يقول بعض المؤلفين بالإيجاب ولكن أليس هذا رأيًا خاطئًا؟).
(إن الصانع في هذه الصورة ما هو إلا مقاول في العمل الجزئي الذي يكلف بإجرائه
والمالك لا يسأل عن أعمال المقاول وفضلاً عن هذا فأي خطأ يمكن أن يعزي إلى المالك
؟ هل في وسعي أن أدير مباشرة دفة هذا العمل وأشرف على إتمامه؟ كلاً لأنه لا بد
لذلك من معلومات فنية التي لا التزم بأن أحيط بها، ولا بد كذلك من مقدرة بدنية لا
يتأهل لها إلا هؤلاء الصناع).
وقال أيضًا (هل يصح أن ينسب إلى الإهمال لأني وضعت ثقتي في غير موضعها باختياري
صانعًا يقل كفاءة ومقدرة عن غيره من الصناع في العمل الذي عهدته إليه أو إني لم
أدرس تمامًا مقدرة الصانع الذي استخدمته؟ قد يكون هذا صحيحًا، إنما يجب أن أحاط
علمًا بظروف اختيار هذا الصانع حقيقة إذا لجأت إلى صانع عرف عنه أنه معدوم المهارة
وغير كفء للقيام بالعمل الدقيق الصعب بحيث إن عمله سيجلب الخطر والإضرار بالناس
فإني أكون عندئذ مرتكبًا خطأ أسأل عما يترتب عليه).
(أما إذا ثبت أن العمل الذي عهدته إليه إنما هو عمل من أعماله العادية وأن الضرر
الذي وقع إنما نشأ عن إهمال الصانع في اتخاذ الاحتياطات التي يجب اتخاذها في مثل
هذه الحالة والتي هي من صميم صناعته إطلاقًا ثم إذا أضيف إلى هذا بأن سمعته الفنية
مرضية - إذا ثبت كل هذا فيكون الحكم بعكس ما تقدم أي أنه لا يمكن توجيه أي لوم إلا
لاختياري إياه لأداء عمل من أعمال حرفته ولهذا لا أكون مسؤولاً عن إضراره بالغير).
وجاء في الطبعة الخامسة من كتاب أوبرى ورو جزء (6) ص (382) هامش رقم 15 – 3 بند
(447) في تعريف المستخدم الذي يسأل عمن استخدمه عن أفعاله ما معناه أن المستخدم Préposé عين مخدومه وذراعه الذي تحركه إرادة المخدوم
وبعبارة أخرى أنه الآلة الصماء في يد سيده.
ويقول جوسران في كتابه القانون المدني جزء (2) بند (1512) أنه يشترط لمسؤولية
السيد عن أفعال تابعه أن يكون له حق الرقابة والإشراف عليه والرقابة على عمله.
ويرى بعض المؤلفين الذين يقولون بهذا المذهب أن مناط دفع المسؤولية عن السيد أو من
استخدم أجيرًا صانعًا ينحصر في انفراد الصانع واستقلاله في إنجاز العمل.
ولهذا يقول هنري وليون مازوو في كتابهما المسؤولية المدنية جزء أول ص (757) بند
(892) أنه لا بد لمسؤولية رب العمل عن فعل الأجير الصانع أن يقوم الدليل على أنه
كان يدير العمل ويراقب الصانع في عمله كله ويرشده بتعليماته وأن لا يكون الصانع
متمتعًا بالاستقلال في هذا العمل فإن عقد المقاولة أو إيجار أرباب الصناعات يقوم
على أساس جوهري وهو الاستقلال التام في أداء العمل أو المقاولة (انظر أيضًا بودرى
في كتاب الالتزامات جزء (4) بند (2913)).
ويذهب المسيو اسمين في كتاب الالتزامات وهو الجزء السادس من مجموعة كتاب بلانبول
وربير في القانون المدني ص (871) سنة 645 إلى أن أهم عامل لدفع المسؤولية عن السيد
إنما هو استقلال الصانع الذي استخدمه في القيام بالعمل المعين الذي كلفه به وقد
يكون السيد مسؤولاً أو غير مسؤول تبعًا لظروف الدعوى ففي بعض الأعمال تنعدم
مسؤولية المخدوم لانتفاء رقابته وإرشاده وفي البعض الآخر قد تتحقق مسؤوليته في مثل
هذه الأعمال عينها إذا تدخل فيها السيد وأرشد العامل وكان هذا يطيع أوامره وينفذها
ولا يستطيع مخالفة أمره.
ويضيق بنا المقام إذا ذكرنا أقوال جميع الشراح تفصيلاً في هذا الصدد ونكتفي بهذا
القدر في الإشارة إلى أن من أنصار هذا الرأي أيضًا كولان وكابيتان في كتابهما جزء
(2) طبعة ثانية ص (211) وبلانيول في كتابه مبادئ القانون المدني جزء (2) بند (949)
وكتاب بودان في الالتزامات بند (1213) وهيك في القانون المدني جزء (8) رقم (444)
ودالوز براتيك تحت عنوان مسؤولية مدنية بند رقم (809).
(4)
الرأي المرجوح لقليلين من فقهاء فرنسا
قد شذ
عن الإجماع على هذا الرأي ثلاثة من شراح القانون المدني الأقدمين وهم لوران في
كتابه جزء (20) بند (578) وتويله في كتابه الجزء الثاني بند (284) ولارومبير في
تعليقه على المادة (1384) بند (10).
وقال لوران ما معناه أن الصانع الذي يكلفه المالك بعمل معين يعد تابعًا له بغض
النظر عما إذا كان من استخدمه مالكًا أو مقاولاً أو معلمًا ويجب أن يضمن أفعاله
لأنه مسؤول على اختياره ولا يقدم ولا يؤخر أن يشرف عليه ويرشده أو لا يفعل شيئًا
من ذلك.
ويقول لارومبير أن القانون لا ينص على شرط ملاحظة السيد لتابعه وإرشاده لقيام
مسؤوليته عن أفعاله.
ويقول أيضًا ما معناه كيف يكون المخدوم مسؤولاً في جميع الأحوال عن أفعال خادمه
حتى عن الأعمال التي لا يعرف المخدوم شيئًا عنها والتي يجهل طريقة إتمامها ولا
يكون المالك مسؤولاً عن الصانع الذي يستخدمه استنادًا إلى أنه لا يعرف شيئًا عن
حرفته وصناعته.
(5)
المبدأ الذي ساد في قضاء محكمة النقض الفرنسية
إن
الرأي الأول هو الذي ساد في قضاء محكمة النقض الفرنسية في أحكمها القديمة والحديثة
فمن الأحكام القديمة الحكم الصادر في 26 مايو سنة 1868 والمنشور في دالوز سنة 1868
جزء أول ص (403) الذي جاء فيه أن الصانع الذي يكلفه مالك المنزل بعمل في داره كحفر
بئر أو إجراء ترميم في سطوحه لا يعد خاضعًا له في ذلك العمل بل هو صانع مستقل
يشتغل متحملاً مسؤولية عمله لهذا لا يضمن المالك ما يصيب الغير من رعونته.
وجاء فيه أيضًا أن مسؤولية المالك لا تتحقق إلا إذا كانت هناك رقابة فعالة مستمرة
على العمل وفي أحكامها الصادرة في 15 يونيه سنة 1926 والمنشور في سري سنة 1926 جزء
أول ص 250 وفي 18 يونيو سنة 1928 والمنشور في جازيت المحاكم سنة 1928 ص (241) وفي
3 ديسمبر سنة 1928 والمنشور في هذه المجلة سنة 1929 ص (375) رددت محكمة النقض
الفرنسية العبارة الآتية:
Attendu
que la résponsabilitè des faits du préposé mlse par l’art 1384 - 3 à la charge
du maftre ou du commettant suppose que ce dernier a eu le droit de donner au
préposé les ordres ou des instructions sur la manière de remplir les fonctions
auxquelles il est employé. Que c’ est ce droit qui fonde l’autorité et la
sobordination sans laquellc il n’existe pas de veritable commettant.
ويقول
جوسران في كتابه جزء (2) بند (151) أن محكمة النقض قد درجت على ذكر العبارات
الآتية في أحكامها لتقرير مسؤولية رب العمل عن أعمال الأجير الصانع وهي (الرقابة)
والإرشاد والسيادة والسلطة والخضوع.
وجاء في الحكم الصادر من محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 18 إبريل سنة 1921 والمنشور
في مجلة سري سنة 1923 أنه يجب على قاضي الموضوع أن يبين الوقائع التي تفيد علاقة
السيادة (Le rapport de dependance) كشرط أساسي
لتطبيق المادة (1384) فقرة (3) و (152) مدني مصري.
(6)
الرأي في القضاء المصري
سارت
محكمة الاستئناف المختلطة وراء القضاء الفرنسي ولم تحد عن الرأي الأول الذي ساد
فيه ومن أحدث أحكامها الحكمان الآتي بيانهما.
جاء في الحكم الصادر في 28 فبراير سنة 1935 والمنشور في مجموعة التشريع والقضاء المختلط
سنة 47 ص (175) المبدأ الآتي:
Le lien
de préposition qui détermine la résponsabilité résulte, moins du choix du
préposé que du rapport de subordination qui place ce dernier sous une direction
effective pour l’exécution du travil commandé, la responsabilite du patron est
déterminée par les instructions données à son ouvrier et la surveuillance par
son préposé de l’exécution de ces instructions.
وفي
الحكم الصادر في 4 فبراير 1937 جاء ما يأتي:
Le lien
de préposition entre commettant et préposé suppose que le premier puisse
diriger le second dans l’exécution de la mission qui lui est confiee et que le
prépose ne jouisse d’aucune indépendence dans l’exercice de cette mission, tel
n’est pas le cas d’un architete, tout au moins en ce qui concerne l’exécution de
la partie technique du travail à lui confié.
وقد
أخذت محكمة النقض المصرية في أحكامها بالضوابط التي وضعها الفقه والقضاء الفرنسيان
ففي الحكم الصادر من الدائرة الجنائية في 27 مارس سنة 1930 (مرجع القضاء مدني رقم
(433)) قالت محكمة النقض - يقوم ضمان السيد قانونًا على مظنة خطئه في اختيار خادمه
وفي مراقبته إياه.
ورددت هذا المبدأ في الحكم الصادر في 7 نوفمبر سنة 1932 والوارد في كتاب مجموعة
الأحكام الجنائية جزء (3) ص(1) وفي حكمها الصادر في 8 نوفمبر سنة 1937 والمنشور في
مجلة المحاماة سنة 18 ص (289).
ولو أن موضوع هذا البحث بالذات لم يطرح على محكمتنا العليا إلا أنها قد أيدت
استمساكها بالأساس الذي يقوم عليه الرأي السائد في فرنسا.
(7)
مذهب فقهاء الشريعة الغراء
لم يفت
أئمة الفقه والعلماء هذا البحث بل وضعوا قواعد تقوم على العدل والمنطق في ترتيب
مسؤولية رب العمل عن أعمال من استخدمهم من الصناع وقد فاقوا في هذا فقهاء روما
وسبقوا الفقهاء الفرنسيين في بيان مناط هذه المسؤولية فقالوا أن الأجير على نوعين
أجير مشترك وأجير خاص فالأجير المشترك هو الذي يستحق الأجرة بالعمل لا بتسليم
النفس فله أن يعمل للعامة كالنجار والسباك أما الأجير الخاص فهو الذي يستحق الأجرة
بتسليم نفسه وإن لم يعمل.
وقد فرقوا بين مسؤولية الأجير المشترك والأجير الخاص وقالوا بضمان الأجير المشترك
ما يتلف بعمله ونفوا ذلك الضمان عن الأجير الخاص (انظر كتاب مجمع الضمانات في مذهب
الإمام أبي حنيفة لابن محمد البغدادي ص (27)).
وجاء في كتاب الوجيز أن الأجير المشترك يضمن ما جنت يداه بشرائط أهمها أن يكون محل
عمله مسلمًا إليه بالتخلية حتى ولو كان صاحب المتاع معه أو وكيله (مجمع الضمانات
ص(78)).
ومعنى التخلية أن من كلف الصانع بالعمل يترك له الحرية والاستقلال فيه، ومن هذا
نرى كيف أن الفقهاء الشرعيين قد سبقوا العلماء الفرنسيين في وضع الضابط الأول
لترتيب مسؤولية السيد وهو ما يعبر عنه الفرنسيون بالرقابة والإرشاد والسيادة.
وجاء في صحيفة (51) من كتاب مجمع الضمانات تحت عنوان ضمان النجار والبناء أن
الأجير المشترك ضامن لما جنت يداه فإذا استأجر مالك نجارًا ليهدم جداره وهو في
طريق فأخذ في هدمه فسقط شيء منه على رجل فمات يضمن النجار.
(8)
النظرية الإنجليزية
تجمع
الحاكم الإنجليزية على أن يضمن السيد أفعال من يستخدمه وعرف الفقهاء الإنجليز
الخادم بأنه الشخص الذي يستخدمه آخر ويكون خاضعًا لتنفيذ الأوامر التي تصدر إليه
في كيفية أداء عمله.
وجاء في كتاب (Underhill - law of torts) ص (58) ما
يأتي:
The
test to be applied to ascertain whether a person doing work for another is or
is not his servant is to consider whether the master has the right to control
him as to the way he does his work if he has the person employed is a servant
even if the right so to control him is not in fact exercised. And the master is
liable for the consequences, because he has made himself responsible not only
for the act itself, but for the manner of doing it.
أما عن
مسؤولية من عهد بعمل ما إلى مقاول فالقاعدة الإنجليزية العامة أن المقاول المستقل
مسؤول عن الأضرار التي تصيب الغير من العمل ويعتبر الصانع كالنجار أو البناء
مقاولاً أيضًا إنما هناك استثناءات لهذه القاعدة منها الاستثناء الآتي الوارد في
المرجع المذكور آنفًا.
Where
the thing which the independent contractor is employed to do will be a nuisance
or is likely in the ordinary course of events to cause damage unless proper
precautions are taken, the principal is liable for the neglect of the
contractor to take these precautions.
ومعناه
أن من استخدم مقاولاً مستقلاً يكون مسؤولاً عن فعل المقاول إذا كان العمل الذي
يقوم به المقاول ينشأ عنه بحسب السير العادي للحوادث ضرر للغير وضرب المؤلف مثلاً
لهذا قضية طرحت أمام المحاكم الإنجليزية وموضوعها أن صاحب المنزل الذي يضع مصباحًا
على منزله لينير له الطريق العام يجب عليه أن يحافظ على هذا المصباح بحيث لا يصبح
خطرًا على الجمهور فإذا استخدم مقاولاً أو صانعًا ليجري تصليحه ولم يتقن الصانع
عمله فوقع المصباح على أحد المارة وأصابه ضرر يحكم على صاحب المنزل بالضمان.
وفي نظرنا أن هذا لا يعد شذوذًا عن القاعدة الفرنسية لأن مسؤولية صاحب المصباح في
هذه الصورة تقوم على أساس خطئه الشخصي لأنه إذا كان باديًا له أن المصباح لم يصلح
جيدًا ويجلب الخطر حتمًا على المارة بالرغم من تصليحه الرديء فإنه يرتكب خطأ إذا
لم يبادر إلى رفعه أو منع الخطر عن الناس وإذا كان سير الحوادث الطبيعي يؤذن بأن
هناك خطرًا محدقًا بالغير من العمل الذي قام به الصانع الأجير فيكون من أجره
مهملاً إذا لم يبادر إلى دفع هذا الخطر وتقوم ومسؤوليته على خطئه الشخصي عملاً
بالمادة (151) لا المادة (152) مدني.
(9)
القانون الألماني والقانون السويسري
تنص
المادة (831) من القانون الألماني كما ينص القانون الفرنسي على إلقاء المسؤولية عن
الضرر الذي يصيب الغير من أفعال المستخدم على عاتق من استخدمه إنما ينص على أنه
يعفى من هذا الضمان إذا أقام رب العمل الدليل عن أنه اتخذ كل حرص يقتضيه العرف في
اختياره للعامل أو الصانع أو فيما يتعلق بالأدوات والعِدد التي قدمها أو في حسن
إدارته للعمل وكلك يعفى إذا أثبت أن الضرر واقع لا محالة وما كان يستطيع الاحتراز
منه.
أما القانون السويسري فقد نص في المادة (55) في باب الالتزامات على الإعفاء من
المسؤولية إذا أقام السيد الدليل على أنه اتخذ كل عناية تقتضيها الظروف لدرء الضرر
الذي وقع من الفعل وأن كل عناية بذلها في هذا السبيل لم تكن مانعة من وقوعه.
ويلاحظ أن هناك فارقًا بين النظرية الألمانية والسويسرية والنظرية الفرنسية التي
نقلها الشارع المصري فإذا ثبت لدى القاضي الفرنسي أو المصري أن رب العمل أشرف على
العمل وتدخل فيه فيكون مسؤولاً عن الضرر ولا يسمع قوله إذا طلب أن يقيم الدليل على
أنه لم يهمل في مراقبته أو في اختياره للصانع لأن القانون فرض في هذه الحالة قرينة
قاطعة على إهماله لا يجوز إقامة الدليل على عكسها juris
et de jure أما في ألمانيا
وسويسرا فيجوز ذلك.
(10)
رأينا
إننا
نؤيد الرأي الأول الذي يقول بدفع المسؤولية عن صاحب العمل أولاً: لأن النجار أو
البناء الذي يؤجر لإجراء عمل معين إنما هو مقاول بكل معنى الكلمة ويدل على هذا أنه
ورد في نص المادة (406) من القانون المدني ما يأتي:
(استئجار الصانع لعمل معين يجب أن يكون بالمقاولة على العمل كله أو بأجرة معينة
على حسب الزمن الذي يعمل فيه الخ).
وفي المادة (407) نص على أنه (إذا استخدم صاحب العمل الصانع أو المقاول لمدة معينة
الخ..(فالقانون يضع الصانع الأجير والمقاول في مستوى واحد والفارق عرفًا بينهما
جسامة العمل الذي يعهد عادة إلى المقاول وما الصانع إلا مقاولاً يقوم بالعمل بنفسه
بمقياس صغير هذا إذا كان رجلاً فنيًا أو ذا حرفة تؤهله للقيام به.
ومن المجمع عليه أن المقاول هو المسؤول لدى الغير عما يصيبهم من الضرر لا صاحب
العمل إذا لم يتدخل فيه.
وتقول محكمة الاستئناف الأهلية في حكمها الصادر في 11 مارس سنة 1931 (مجموعة رسمية
سنة 32 ص (113)) (يعتبر المقاول تابعًا للمالك في عمله ولا يكون المالك مسؤولاً عن
أعمال المقاول التي ينشأ عنها ضرر للغير).
وقياسًا على ذلك لا يكون مالك المنزل مسؤولاً عن عمل الصانع الذي استأجره لعمل
معين طالما أنه لم يتدخل فيه.
ثانيًا: أن مناط مسؤولية صاحب العمل وضابطها هو الإرشاد والسلطة على الصانع
والتدخل في العمل وخضوع الصانع له خضوعًا أعمى كما أجمع على هذا العلماء الذين
يقولون بالرأي الأول وقد سبق القول إن فقهاء الشرع يشترطون لقيام الضمان عدم
التخلية من صاحب العمل.
ولما كانت المسؤولية عن الفعل تقوم على عاتق فاعله أو من أراد الفعل أو من تسبب
فيه فالضمان لا يلزم صاحب العمل إلا إذا ثبت أنه كان يحرك الصانع الأجير في العمل
كما يشاء وكان يراقبه ويرشده وأن الأجير كان يأتمر بأمره وطوع إرادته.
أما إذا لم يتحقق شيء من هذا أي أن صاحب العمل تخلى عنه إلى الأجير المحترف الذي
استقل به فلا ضمان عليه إذ لا إرادة لرب العمل فلا مسؤولية.
ثالثًا: أن النص الوارد في القانون الفرنسي يشير في وضعه إلى أن أهم عنصر في ضمان
صاحب العمل هو ملاحظته وإرشاده للصانع الأجير ذلك لأنه ورد في صدر المادة (1385)
القاعدة العامة وهي مسؤولية الرجل عن أفعال غيره الذين يسأل عنهم أي الذين هم تحت
ملاحظته وإدارته ثم عقب الشارع الفرنسي على هذا النص العام ببيان الأحوال الخاصة
التي تعد فروعًا عن هذه القاعدة فنص على مسؤولية الأب والأم عن أفعال أولادهما
القاصرين ثم مسؤولية المخدوم عن أفعال خادمة ورب العمل عن أفعال مستخدميه.
وكذلك في القانون المصري إذ ورد النص في المادة (151) أنه يلزم الإنسان بضرر الغير
الناشئ عن إهمال من هم تحت رعايته الخ ثم فرع على هذا النص الوارد في المادة (152)
على مسؤولية السيد بتعويض الضرر الناشئ للغير عن أفعال خدمته وفي المادة (153) على
مسؤولية مالك الحيوان.
والمفهوم من وضع هذه المواد وذكر القاعدة في الفقرة الثانية من المادة (151) أن ما
ورد في المادة (152) إنما هو تفريع على القاعدة العامة ومن قبيل ذكر الجزئيات بعد
بيان الكلية ومن أوليات المنطق أن يكتسب الجزء خواص الكل لهذا تكون الرقابة
الواردة في المادة (151) كشرط أساسي لمسؤولية الإنسان عن أفعال غيره واجب توافرها
أيضًا في مسؤولية السيد عن أجيره الصانع فلا ضمان إذن إلا إذا كان الصانع أو
الخادم تحت رعاية السيد وإرشاده كما سبق البيان.
رابعًا: يعترض لوران على الرأي الأول ويقول بأنه لم ينص القانون على شرط الملاحظة
والخضوع بل يكفي أن تقوم المسؤولية على الاختيار إلا أنه يرد على هذا أن الاختيار
وحده لا يكفي لقيام المسؤولية ألا نرى أن الرجل يختار مقاوله ومع ذلك لا يسأل عن
الأضرار التي تصيب الغير من أفعاله وهل يسأل الإنسان عن اختياره إلا إذا كان ذلك
الأمر في وسعه وهل في وسع صاحب العمل أن يتميز كفاءة صانع أو نجار دون الآخر ولا
سبيل إلى هذا لجهله بالحرفة، والواقع أنه لا اختيار بالمعنى الصحيح الذي يقتضي وزن
الكفاءة واختيار الأفضل بل أن رب العمل يدعو من عرف عنه أنه صانع من حرفة معينة
لأداء العمل ولا يستطيع أن يتميز كفاءته الشخصية في هذه الحرفة.
ونخرج من هذا بأن عنصر الاختيار لا يؤبه به ولا يصلح أن يكون أساسًا عادلاً
لمسؤولية رب العمل بل أن الأساس السليم هو الإرشاد والسلطة والتدخل في العمل.
ويقول لارومبير بأنه لا محل للتفريق بين مسؤولية رب العمل عن فعل الأجير الصانع،
وبين مسؤولية السيد عن خادمه استنادًا إلى أن الثاني يضمن بدون بحث في وجوب توفر
ركن الملاحظة والإرشاد والتدخل ويرد على هذا بأن الخادم هو التابع للرجل الذي يعمل
في منزله أو غيطه أو محل عمله وهو لا يفعل شيئًا إلا بأمر سيده أو تحت ملاحظته أو
رضائه الضمني بما يفعل فإذا لم يكن هناك في الواقع إرشاد من السيد في كل فعل يأتيه
الخادم إلا أن الإرشاد والملاحظة يفترضان حكمًا لأن السيد لابد وأن يكون قد رسم له
الخطة التي يؤدي بها عمله ولا بد وأنه راضٍ عن طريق أداء عمله بدليل سكوته عليه
فالإرشاد والملاحظة مفروضان ضمنًا في علاقة السيد بخادمه.
أما الصانع الأجير فيختلف اختلافًا ظاهرًا عن الخادم فهو رجل مستقل عن رب العمل
بعيد عن كل سلطة عليه يدعوه هذا مقابل أجر ليستفيد من عمله الفني وأصول حرفته ولا
محل لافتراض أية سلطة أو سيادة عليه لبعد الأول عن الثاني ولجهل رب العمل بأصول
الحرفة لهذا كان البون شاسعًا بين الخادم وذي الحرفة ولا يجب قياس حكم هذا على
ذاك.
وذو الحرفة إذا كان يأتمر بأمر رب العمل وينفذ أوامره في العمل يصبح خادمًا وتابعًا
له فالمناط ينحصر إذن في الخضوع والسلطة عليه ليس إلا.
وخلاصة الرأي: أن النجار أو البناء الذي يعمل عملاً معينًا لمالك المنزل مع تخلية
صاحب المنزل عن العمل واستقلال الصانع به يكون مسؤولاً دون المالك عن الأضرار التي
تلحق بالغير من جراء فعله.
زكي خير الأبوتيجى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق