مجلة المحاماة – العدد السابع
السنة التاسعة عشرة سنة 1939
تعقيب
على بحث الأستاذ أحمد رمزي بك
في البيع المعلق على استيفاء أجرة المبيع أو ثمنه
نشرت المحاماة في آخر عدد – العدد السادس من السنة التاسعة
عشرة – بحثًا لحضرة صاحب العزة الزميل الكبير الأستاذ أحمد بك رمزي (في البيع
المعلق على استيفاء أجرة المبيع أو ثمنه (وقد تلوته فوجدته بحثًا مستفيضًا مطلوبًا
أحسن الأستاذ الباحث بإعداده وتقديمه لأهل القانون والقضاء في مصر، ثم بدا لي أن
أدون التعقيبات الآتية.
(1)
قال حضرة الأستاذ في القسم الأخير من بحثه (ص (900)).
(ولم نقع في مراجع أحكام المحاكم الأهلية على شيء مما نحن بصدده أو ما يقاربه غير
حكم أصدرته محكمة العطارين في أول إبريل سنة 1933 في بيع بشرط التجربة (وهذا البيع
ليس من همنا) ببراءة متهم كان أظهر رغبته في شراء ماكينة خياطة من شركة سنجر وتم
الاتفاق على نقلها إلى منزله لاختبارها بضعة أيام فإما أن يردها وإما أن يقبل
مشتراها ودفع عربونًا قدره خمسون قرشًا ثم تبين بعد ذلك أن هذا المتهم عرض
الماكينة على آخر لمشتراها بأقل من الثمن المتفق عليه مع الشركة وقد ضبطت الماكينة
عنده وبنى حكم البراءة على أنه لم يستعمل طرقًا للتغرير فيكون عمله نصبًا وعلى أنه
استلم الماكينة برضاء الشركة فلم يكن التسليم اضطراريًا حتى يعد سرقة بل إن البيع
تحت الاختبار جائز فمتى أعجبه الشيء كان له أن يشتريه وتصرفه في الماكينة يدل على
قبوله الشراء والشرط التوقيفي يتحقق إما بإعلان المشتري أنه اختبر الشيء المبيع
فأعجبه أو بأي عمل يصدر منه ويدل على قبول الشراء).
وأنا أوافق الأستاذ المحترم على أن هذا الحكم لا يتصل بموضوع بحثه ولكني قد رأيت
أحكامًا صادرة من القضاء الأهلي منشورة وغير منشورة بعضها يتصل بموضوع البحث
وبعضها صادرة في صميمه، وهذا بيان ما وقفت عليه:
( أ ) حكمت محكمة الجنح المستأنفة بالمنصورة ببراءة متهم كان قد تسلم سيارة على
أساس عقد من هذه العقود التي بحث الأستاذ في تكييفها ثم تصرف فيها بالبيع قبل
إتمام دفع قيمتها وعلى خلاف المشترط، وهذا الحكم غير منشور ولكنه ملخص في حكم
محكمة النقض الذي أصدرته عندما طعنت النيابة العامة فيه واحتكمت إلى محكمة النقض
بشأنه.
(ب) عرض الطعن المشار إليه على محكمة النقض مؤسسًا على أن العقد الذي حصل تسليم
السيارة بمقتضاه كان عقد إيجار وإذن فمادة خيانة الأمانة منطبقة.
رفضت محكمة النقض الطعن، ولكنها تجنبت أن تفصل بوجه عام مطلق في التكييف القانوني
للعقد من الوجهة المدنية مكتفية بأن تقول - وهي دائرة جنائية - أن محكمة الموضوع
قد غلبت معنى من المعاني الواردة بالعقد على معنى آخر بعد أن سعت لتعرف حقيقة قصد
المتعاقدين وقت التعاقد ثم انتهت - أي محكمة الموضوع - إلى أنهما قصدا البيع لا
الإيجار، ولذلك فإن محكمة النقض لا تستطيع إلا إقرار ما ذهب إليه الحكم المطعون
فيه.
ومن الخير أن اقتبس ألفاظ محكمة النقض، قالت:
(ومن حيث إن التكييف القانوني للعقود التي هي من قبيل العقد موضوع البحث وهي
المصطلح على تسميتها في فرنسا باسم Location - vente لا يزال موضع خلاف بين المحاكم والفقهاء،
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إنما أخذ بأحد هذه الآراء مستهديًا في ذلك بنصوص
العقد موضوع الدعوى ومستظهرًا حقيقة قصد المتعاقدين وقت التعاقد وانتهى بعد ذلك
إلى القول بعدم إمكان تطبيق المادة (296) من قانون العقوبات ما دام قصد المتعاقدين
كان متجهًا من أول الأمر - بحسب ما رآه - إلى البيع لا إلى الإيجار.
(ومن حيث إن هذه المحكمة لا ترى فيما ذهب إليه الحكم المطعون فيه تحيفًا لنص من
نصوص العقد ولا مسخًا لحكم من أحكامه وإنما هو تغليب لمعنى من المعاني الواردة به
على معنى آخر وعملية ترجيح اقتضتها ضرورة الوصول إلى تعرف حقيقة قصد المتعاقدين
وقت التعاقد كيما يستطاع في النهاية إعطاء العقد الوصف القانوني الذي تراه محكمة
الموضوع أكثر انطباقًا وقد استرشد الحكم المطعون فيه فيما فعل بآراء الفقهاء
وأحكام المحاكم التي ذكرها في الحكم.
(ومن حيث إن هذه المحكمة لا تستطيع تلقاء ما تقدم سوى إقرار ما ذهب إليه الحكم
المطعون فيه ورفض الطعن الموجه من النيابة).
(الطعن رقم (1209) سنة 4 قضائية - 21 – 5 سنة 1934 – ملحق مجلة القانون والاقتصاد
سنة 4 - ع6 - ص (147)).
(جـ) أصدرت محكمة المنشية حكمًا يتصل بهذا الموضوع ولكنه ليس في صميمه قالت فيه:
(وحيث إنه مهما قيل في تكييف التعاقد المؤرخ 16 - 5 سنة 1930 أساس الحجز المبرم
بين المدعى عليهما وشركة سنجر فهو لا يعدو أن يكون عقدًا مترددًا بين البيع
والإيجار وعلى أي فرض من هذه الفروض يكون الحجز المتوقع لا تسعه النصوص القانونية
إذ أن المادة (668) مرافعات لا تجيز الحجز التحفظي الامتيازي إلا لمؤجر العقار
وذلك على ما يوجد في هذا العقار من منقول أو ثمار أو خلافه...
(وحيث إن في هذا ما يكفي ولا حاجة للقول بأن ما تجيز المادة توقيع الحجز عليه إن
هو إلا ما يوجد بالعين المؤجرة من أمتعة أو منقولات لا العين نفسها، وحيث إنه لا
محل أيضًا لاستناد المدعى على المادة (678) مرافعات التي تبيح لمالك المنقول حجزه
احتياطيًا إذ بديهي أن هذه المادة لا تبيح الحجز إلا للمالك الذي يتقدم متمسكًا
بملكيته، وحيث إنه بمراجعة صحيفة الدعوى يتضح أن المدعى لم يطلب استرداد المروحة
أو استلامها بل طلب توقيع الحجز عليها وفاءً لمبلغ 130 قرشًا وهو ماله من متأخر
إيجار وفي هذا ما يعتبر إقرارًا صريحًا منه بملكيتهما للمروحة دونه إذ هو يبغي
التنفيذ عليها وفاءً لدين له قبلهما وبديهي أن التنفيذ يكون على شيء مملوك للمدين
لا الدائن).
(24 - 3 سنة 1931 – المحاماة س 12 ص (153) – أصدر الحكم حضرة الأستاذ عبد العزيز
محمد)
(د) وقد وقفت على حكم غير منشور صدر في القضية رقم (2340) سنة 1938 عابدين جاء
فيه:
(وحيث فيما يتعلق بطلب تثبيت الحجز التحفظي فترى المحكمة رفضه حيث استقر قضاؤها
على ذلك لأن الحجوزات التحفظية وردت في القانون على سبيل الحصر وليس من بينها حق
الحجز لملاك أو مؤجرين خلاف ملاك ومؤجري البيوت والأطيان ولا يجوز الاتفاق على خلق
حجز جديد لمخالفة ذلك للنظام العام) (أصدر الحكم حضرة الأستاذ حسن الطوبى).
(هـ) وفي القضية رقم (2255) سنة 1938 عابدين طلب المدعي قيمة الأقساط المتأخرة فقط
فلم تكن الملكية محل مناقشة ولكن العقد قدم كسند لطلب الأقساط فقالت المحكمة (وكان
القاضي هو الأستاذ الطوبى).
(حيث إن الدعوى ثابتة من عقد البيع مع أن العقد كان معنونًا هكذا: (عقد إيجار
راديو).
(و) وفي القضية رقم (1635) سنة 1938 عابدين أيضًا طلب المدعي قيمة الأقساط
المتأخرة فقط - كالشأن في القضية الأولى - فقالت المحكمة أن الدعوى ثابتة من العقد
(الموصوف بأنه عقد إيجار) (أصدر الحكم حضرة الأستاذ يوسف يعقوب).
(ز) ووقفت كذلك على حكم آخر غير منشور صادر في القضية رقم (1581) سنة 1938 عابدين،
وهو يتميز بأن طلبات المدعي في القضية كانت تقتضي حتمًا مواجهة مسألة البحث أي
إعطاء العقد تكييفه القانوني وذلك لأن المدعي (وهو التاجر الذي سلم جهاز الراديو
للمدعى عليه بعقد سمِّي عقد إيجار) طلب الحجز التحفظي على الجهاز باعتباره منقولاً
ما زال مملوكًا له ودفع الرسوم على أساس ثمن الجهاز كله لا على أساس الأجرة
المتأخرة فقط وطلب الحكم بتثبيت الحجز التحفظي وتسليمه الجهاز، فرفضت المحكمة ذلك
وقالت في أسبابها ما يأتي:
(ومن حيث بالاطلاع على العقد المنوه عنه أعلاه تبين أنه معنون بعنوان عقد إيجار
راديو إلا أنه مذكور بالبند الثاني منه أن ثمن الجهاز 12 جنيهًا وفي البند التاسع
أنه إذا استمر المستأجر على دفع أقساط الإيجار في مواعيدها ثم أراد مشتري الجهاز
المؤجر إليه فالمؤجر يتعهد بأن يبيعه له بالقيمة الموضحة بالبند الثاني كما يتعهد
بأن يحسب له جميع الأقساط التي يكون قد دفعها بموجب إيصالات ومبلغ التأمين المدفوع
والمبين بالبند الثاني.
(ومن حيث فضلاً عن ذلك فقد حرر المدعي سندات بباقي الثمن قيمة كل منها 75 قرشًا
صاغًا ونص فيها على أن التأخر في السداد يجعله ملزمًا بالفوائد 9% سنويًا من تاريخ
الاستحقاق بدون تنبيه رسمي أو بروتستو، ومن حيث إن المحكمة ترى من صيغة العقد
وتحرير السندات بباقي الثمن أنه عقد بيع في صورة عقد إيجار وتعتبره بيعًا) (أصدر
الحكم حضرة الأستاذ عبد الفتاح حسين).
(2)
تكلم الأستاذ الباحث في القسم الثامن من بحثه عن رأي الفقه
المصري ولكنه لم يشر إلى رأي الأستاذ نجيب بك الهلالي فقد جاء في ص (87) من كتابه
عن البيع ما يأتي:
(ولكن أصح الآراء في هذا الموضوع هو الرأي القائل بالرجوع إلى قصد المتعاقدين...
ولكن إذا ظهر أن قصد المتعاقدين كان مجرد المؤاجرة وجب اعتبار العقد عقد إجارة
ومثال ذلك ألا يشترط في العقد انتقال الملكية عند انتهاء مدة الإجارة بل يقتصر فيه
على إعطاء المستأجر خيار الشراء في أي وقت أراد مقابل دفعه ثمنًا محددًا في العقد
على أن تخصم له الأجرة التي يدفعها من الثمن المقدر ففي هذه الحالة يعتبر العقد
عقد إجارة شاملاً لاتفاق آخر هو في الحقيقة وعد بالبيع).
(3)
نشرت مجلة المحاماة (س 14 ص (313))مقتبسات من حكم محكمة
النقض الفرنسية بتاريخ 23 يونيو سنة 1932 وأرى أن هذا الحكم يجدي في موضوعنا ولهذا
فإني أنقل عن مجلة المحاماة عباراته الآتية:
(بالرغم من اتفاق المتعاقدين على تسمية عقد بيع قطعة أرض ضمن صفقة كبيرة مجزأة عقد
إجارة مصحوبة بوعد بالبيع فلقضاة الموضوع رغم هذه التسمية أن يعتبروه عقد بيع مع
تقسيط الثمن مادام أنهم قد استخلصوا مما ثبت أمامهم أن إرادة المؤجر انصرفت إلى أن
يبيع وإرادة المستأجر كانت هي أن يتملك نهائيًا وأن العقد سُطِّر بصورة عقد إجارة
لتتوفر للبائع بذلك ضمانات أخرى إضافية،
عبده حسن الزيات المحامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق