جلسة 22 من يونيه سنة 2015
برئاسة السيد القاضي/ أحمد سعيد السيسي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ نبيل أحمد صادق، حسام هشام صادق، إيهاب
الميداني وأحمد إلياس منصور نواب رئيس المحكمة.
----------------
(141)
الطعن رقم 9139 لسنة 84 القضائية
(1 - 6) اختصاص "الاختصاص القضائي
الدولي". محكمة الموضوع "سلطة محكمة الموضوع في تقدير جدية الدفوع
المبداة من الخصوم".
(1) الدفع بعدم اختصاص محاكم الجمهورية دوليا
بنظر النزاع. دفع شكلي غير متعلق بالنظام العام. وجوب إبدائه قبل التكلم في
الموضوع وإلا سقط الحق فيه. بقاء الدفع قائما متى أبدى صحيحا ما لم ينزل عنه
المتمسك به صراحة أو ضمنا.
(2) استخلاص النزول الصريح أو الضمني من عدمه
عن الدفوع الشكلية. من إطلاقات محكمة الموضوع. شرطه. إقامته على أسباب سائغة.
(3) إقامة المطعون ضده الثاني عن نفسه وبصفته
دعواه قبل إبداء دفعه بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى الضامة استنادا إلى
ذات الأساس المشترك بين الدعويين. موالاة السير فيها بعد إبداء الدفع وحتى تاريخ
حجزهما للحكم. اعتباره نزولا صريحا عن الدفع. أثره. سقوط الحق في التمسك به.
(4) اختصاص محاكم الجمهورية بالدعاوى التي
ترفع على المصري ولو لم يكن له موطن أو محل إقامة بها عدا الدعاوى العقارية
المتعلقة بعقار يقع في الخارج. علة ذلك. المادتين 28، 29 مرافعات.
(5) اختصاص المحاكم المصرية بالمسائل الأولية
والطلبات العارضة المرتبطة بالدعوى الأصلية الداخلة في اختصاصها. مناطه. حسن سير
العدالة. مؤداه. عدم جواز تخلى المحاكم المصرية من تلقاء نفسها عن اختصاصها لصالح
قضاء دولة أخرى حال عدم توفر الضوابط الموجبة لذلك. تقدير هذه الضوابط. من سلطة
محكمة الموضوع وخضوعها في ذلك لرقابة محكمة النقض.
(6) ثبوت أن المدعية في الدعوى الضامة شركة
لبنانية وأن المدعى عليهما مصريان وموطنهما جمهورية مصر العربية. مؤداه. اتصاف
النزاع بالصفة الدولية. أثره. خضوع الدعويين الضامة والمنضمة لاختصاص القضاء
المصري. علة ذلك. مخالفة الحكم المطعون فيه المؤيد للحكم المستأنف هذا النظر، فساد
في الاستدلال ومخالفة للقانون.
(7) قانون "القانون واجب التطبيق:
القانون الأجنبي".
قاعدة إقامة الدليل على تطبيق القانون الأجنبي. مناطها. أن يكون غريبا
عن القاضي يصعب عليه الوقوف على أحكامه والوصول إلى مصادره. علم القاضي بمضمون
القانون الأجنبي أو افتراض علمه به. مؤداه. لا محل للتمسك بتطبيق تلك القاعدة.
-------------
1 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن الدفع بعدم اختصاص محاكم
الجمهورية دوليا بنظر النزاع يعد من الدفوع الشكلية غير المتعلقة بالنظام العام،
ويتعين على المتمسك به إبداؤه قبل التكلم في موضوع الدعوى وإلا سقط الحق فيه، ويظل
هذا الدفع قائما إذا أبدى صحيحا ما لم ينزل عنه المتمسك به صراحة أو ضمنا.
2 - استخلاص النزول الصريح أو الضمني من عدمه
عن الدفوع الشكلية من إطلاقات محكمة الموضوع بشرط أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة.
3 - إذ كان الثابت بالأوراق أن المطعون ضده
الثاني عن نفسه وبصفته الممثل القانوني للمطعون ضدها الأولى أقام الدعوى رقم ...
لسنة 2011 مدني كلى دمياط الابتدائية بطلباته سالفة البيان (إلزام الطاعنة بسداد
مبلغ دولار أمريكي والفوائد القانونية) - قبل إبداء دفعه بعدم اختصاص المحاكم
المصرية بنظر الدعوى الضامة - استنادا إلى ذات الأساس المشترك بين الدعويين وهما
عقدا التسوية محل النزاع، واستمر في موالاة السير فيها بعد إبداء دفعه وحتى تاريخ
حجزهما للحكم معا، بما يعد نزولا صريحا عن دفعه، ويسقط حقه في التمسك به.
4 - مفاد النص في المادتين 28 و33 مرافعات
يدل على أن محاكم الجمهورية تختص بنظر الدعاوى التي ترفع على المصري وإن لم يكن له
موطن أو محل إقامة بالجمهورية إذا قام الأجنبي الذي يتعامل معه بمطالبته بالوفاء
بالتزاماته للاعتبارات التي تتعلق بمسألة السيادة المصرية، وكونها المحكمة الأكثر
ملائمة والأجدر على الفصل في موضوع النزاع وعناصره ووسائل إثباته وقدرتها على نفاذ
أحكامها وكفالتها، وهي ذات الاعتبارات التي جعلت المشرع يستثنى ويخرج الدعاوى
العقارية المتعلقة بعقار يقع في الخارج من الخضوع لاختصاص محاكمه سواء أكانت مقامة
على المصري أو الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة في الجمهورية - وفقا لعجز
المادتين 28 و29 من قانون المرافعات -.
5 - مناط اختصاص المحاكم المصرية بالمسائل
الأولية والطلبات العارضة والمرتبطة بالدعوى الأصلية الداخلة في اختصاصها هي
مقتضيات حسن سير العدالة فيهما بنظرهما معا، بما لا يجوز للمحاكم المصرية أن تتخلى
من تلقاء نفسها عن اختصاصها لصالح قضاء دولة أخرى حال عدم توفر شروط وموجبات ذلك
التخلي، وهي عدم وجود رابطة وثيقة بين النزاع والإقليم المصري، وارتباط النزاع
جديا بإقليم دولة أخرى أكثر ملائمة وأجدر على الفصل فيه وبحث عناصره ووسائل إثباته
وأقدر على نفاذ وكفالة الحكم الصادر في موضوعه، وثبوت أن القانون الأجنبي يقر
سلامة القضاء المانح الاختصاص له تلافيا لتنازع الاختصاص إيجابا أو سلبا، لأن
تقدير تلك الضوابط سالفة الذكر مما يدخل في تقدير سلطة محكمة الموضوع الخاضع
لرقابة محكمة النقض.
6 - إذ كان الثابت من الأوراق والمستندات
المقدمة أن الطاعنة شركة لبنانية - المدعية في الدعوى الضامة - ومقرها مدينة بيروت
بلبنان، وكلا من المطعون ضدهما "مصريين" وموطنهما جمهورية مصر العربية -
المدعى عليهما في الدعوى الضامة - واتصف النزاع بذلك بالصفة الدولية، بما تخضع معه
الدعوى الضامة لنص المادة 38 من قانون المرافعات بشأن قواعد الاختصاص الدولي
للمحاكم لاختصاص المحاكم المصرية بنظرها، فضلا عن خضوع الدعوى المنضمة لاختصاص
القضاء المصري وفقا لنص المادتين 32 و33 من ذات القانون لإقامتها من المطعون ضدهما
قبل الطاعنة أمام القضاء المصري وقبول الأخيرة ضمنا لولاية القضاء المصري بعدم
دفعها بعدم اختصاصه، ولارتباط كلا الدعويين بما يوجب نظرهما معا لحسن سير العدالة
فيهما، ولما كان ما تضمنه عقد التسوية المؤرخ 14/ 4/ 2014 لا يرتبط جديا بالإقليم
الإنجليزي، لا سيما أن أيا من طرفيه لا يحمل الجنسية الإنجليزية، كما خلت الأوراق
من أن النزاع تعلق بمال موجود بإنجلترا أو بالتزام نشأ أو كان واجبا تنفيذه هناك
أو أن القانون الإنجليزي يقر سلامة القضاء المانح الاختصاص له، كما أنه لا توجد
رابطة جدية بين النزاع الناشئ عن عقد التسوية المؤرخ 21/ 4/ 2014 والإقليم
اللبناني لخلو الأوراق مما يفيد تعلق العقد بمال موجود بدولة لبنان أو ما يجزم
بنشأة الالتزام أو وجوب تنفيذه هناك. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف
هذا النظر وساير قضاء الحكم المستأنف في قضائه بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر
الدعويين رغم نزول المطعون ضدهما عن دفعهما صراحة، ورغم عدم توفر شروط تخلى
المحاكم المصرية عن اختصاصها بنظر الدعويين من تلقاء نفسها للقضاء الإنجليزي
واللبناني واختصاصها بنظرهما وفقا للمواد 28، 32، 33 من قانون المرافعات باعتبارها
المحكمة الأكثر ملائمة لنظرهما لتعلق النزاع في العقدين موضوع الدعوى الضامة بمال
موجود بمصر وقدرتها على بحث عناصره ووسائل إثباته وأجدر على نفاذ وكفالة الحكم
الصادر عنها فيه، ولقبول المطعون ضدهما صراحة والطاعنة ضمنا بالخضوع اختياريا في
الدعوى المنضمة للمحاكم المصرية، فضلا عن ارتباطها بالدعوى الضامة بما يوجب نظرهما
معا لحسن سير العدالة فيهما، الأمر الذي يكون الحكم المطعون فيه قد شابه الفساد في
الاستدلال الذي أدى إلى مخالفته للقانون.
7 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن
التمسك بالقانون الأجنبي لا يعدو أن يكون مجرد واقعة مادية يجب إقامة الدليل عليها
استجابة للاعتبارات العملية التي لا يتيسر معها للقاضي الإلمام بأحكام ذلك
القانون، لأن مناط تطبيق هذه القاعدة أن يكون القانون الأجنبي غريبا عن القاضي،
يصعب عليه الوقوف على أحكامه والوصول إلى مصادره، أما إذا كان القاضي يعلم بمضمونه
أو كان علمه به مفترضا فلا محل للتمسك بتطبيق تلك القاعدة.
--------------
الوقائع
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق
الطعن - تتحصل في أن الشركة الطاعنة أقامت الدعوى رقم ... لسنة 2011 تجاري أمام
محكمة دمياط الابتدائية بطلب الحكم بإلزام المطعون ضدهما بالتضامن بمبلغ 108275.00
دولار أمريكي وفقا لعقد التسوية المؤرخ 21/ 4/ 2011، ومبلغ مائة ألف دولار أمريكي
تعويضا اتفاقيا وفقا للعقد الموحد المؤرخ 14/ 4/ 2011 والفوائد القانونية، وقالت
بيانا لدعواها إنه بموجب عقدين محددي المدة استأجرت من الشركة المطعون ضدها الأولى
السفينتين "..." و"..."، ولإخلال المطعون ضدها الأولى
بالتزاماتها قامت بالحجز على السفينة "..." على سواحل دولة إسبانيا،
وبتاريخ 14/ 4/ 2011، أبرما عقدي تسوية، إلا أنه إزاء مماطلة المطعون ضدهما في
التزاماتهما الواردة بالعقدين السالفين رغم إنذارهما قانونا، فمن ثم أقامت الدعوى،
كما أقام المطعون ضده الثاني بصفته الدعوى رقم ... لسنة 2011 تجاري أمام ذات
المحكمة بطلب الحكم بإلزام الطاعنة بسداد مبلغ 8860.00 دولار أمريكي والفوائد
القانونية، على سند أن الأخيرة استأجرت السفينتين المملوكتين للمطعون ضدها الأولى
وقد نشب خلاف بينهما وقعت الطاعنة على إثره حجزا على السفينة "..."
بأوراق مزورة، ولرغبته في رفع الحجز حرر الطرفان عقد اتفاق مؤرخ إلا أن الخلاف لم
ينتهي، فحررا عقد اتفاق آخر مؤرخ 21/ 4/ 2011 لتسوية الخلاف برمته، وإذ لم تسدد
الطاعنة قيمة وقود السفينتين وقيمة إيجار جزء من مدة استئجارهما والفواتير الخاصة
بالأوناش الخاصة بالشحن والتفريغ وقيمتهم 886000.00 دولار أمريكي، ولمحاولتها
التهرب من السداد بإقامتها دعاوى كيدية لإجباره على التنازل عن هذا المبلغ، الأمر
الذي حدا به لإقامة تلك الدعوى. ضمت المحكمة الدعوى الثانية إلى الأولى للارتباط،
ثم قضت بعدم اختصاص محاكم الجمهورية بنظر الدعويين. استأنفت الطاعنة هذا الحكم
بالاستئناف رقم ... لسنة 45 ق المنصورة "مأمورية دمياط"، وبتاريخ 10 من
مارس 2014 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق
النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض
الطعن على هذه المحكمة - في غرفة مشورة - حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر
والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى بهما الطاعنة على الحكم المطعون
فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، إذ أيد قضاء
الحكم المستأنف فيما انتهى إليه من إجابة المطعون ضدهما لطلبهما بعدم اختصاص محاكم
الجمهورية لاتفاقهما على اختصاص المحاكم الإنجليزية بالنسبة للعقد الأول والمحاكم
اللبنانية بالنسبة للعقد الثاني وتطبيق القانون الإنجليزي على العقدين، مهدرا ما
تمسك به بشأن تنازل المطعون ضدهما صراحة عن الدفع بعدم الاختصاص بإقامة الدعوى رقم
... لسنة 2011 دمياط الابتدائية، فضلا عن مخالفته نص المادة 28 من قانون المرافعات
باعتبار أن المطعون ضدهما مصريين الجنسية، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي في أساسه سديد، ذلك أنه من المقرر - في قضاء هذه
المحكمة - أن الدفع بعدم اختصاص محاكم الجمهورية دوليا بنظر النزاع يعد من الدفوع
الشكلية غير المتعلقة بالنظام العام، ويتعين على المتمسك به إبدائه قبل التكلم في
موضوع الدعوى وإلا سقط الحق فيه، ويظل هذا الدفع قائما إذا أبدى صحيحا ما لم ينزل
عنه المتمسك به صراحة أو ضمنا، وأن استخلاص النزول الصريح أو الضمني من عدمه عن
الدفوع الشكلية من إطلاقات محكمة الموضوع بشرط أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة.
لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن المطعون ضده الثاني عن نفسه وبصفته الممثل
القانوني للمطعون ضدها الأولى أقام الدعوى رقم ... لسنة 2011 مدني كلي دمياط
الابتدائية بطلباته سالفة البيان - قبل إبداء دفعه بعدم اختصاص المحاكم المصرية
بنظر الدعوى الضامة - استنادا إلى ذات الأساس المشترك بين الدعويين، وهما عقدا
التسوية محل النزاع واستمر في موالاة السير فيها بعد إبداء دفعه وحتى تاريخ حجزهما
للحكم معا، بما يعد نزولا صريحا عن دفعه ويسقط حقه في التمسك به، لا سيما وأن النص
في المادة 28 مرافعات على أن "تختص محاكم الجمهورية بنظر الدعاوى التي ترفع
على المصري ولو لم يكن له موطن أو محل إقامة في الجمهورية وذلك فيما عدا الدعاوى
العقارية المتعلقة بعقار واقع في الخارج "كما أن النص في المادة 33 من ذات
القانون على أنه "إذا رفعت لمحاكم الجمهورية دعوى داخلة في اختصاصها تكون هذه
المحاكم مختصة بالفصل في المسائل الأولية والطلبات العارضة على الدعوى الأصلية كما
تختص بالفصل في كل طلب يرتبط بهذه الدعوى ويقتضي حسن سير العدالة أن ينظر معها
"يدل على أن محاكم الجمهورية تختص بنظر الدعاوى التي ترفع على المصري وإن لم
يكن له موطن أو محل إقامة بالجمهورية إذا قام الأجنبي الذي يتعامل معه بمطالبته
بالوفاء بالتزاماته للاعتبارات التي تتعلق بمسألة السيادة المصرية، وكونها المحكمة
الأكثر ملائمة والأجدر على الفصل في موضوع النزاع وعناصره ووسائل إثباته وقدرتها
على نفاذ أحكامها وكفالتها، وهي ذات الاعتبارات التي جعلت المشرع يستثنى ويخرج
الدعاوى العقارية المتعلقة بعقار يقع في الخارج من الخضوع لاختصاص محاكمه سواء
أكانت مقامة على المصري أو الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة في الجمهورية - وفقا
لنص المادتين 28 و29 من قانون المرافعات -، وأن مناط اختصاص المحاكم المصرية
بالمسائل الأولية والطلبات العارضة والمرتبطة بالدعوى الأصلية الداخلة في اختصاصها
هي مقتضيات حسن سير العدالة فيهما بنظرهما معا، بما لا يجوز للمحاكم المصرية أن
تتخلى من تلقاء نفسها عن اختصاصها لصالح قضاء دولة أخرى حال عدم توفر شروط وموجبات
ذلك التخلي وهي عدم وجود رابطة وثيقة بين النزاع والإقليم المصري، وارتباط النزاع
جديا بإقليم دولة أخرى أكثر ملائمة وأجدر على الفصل فيه وبحث عناصره ووسائل إثباته
وأقدر على نفاذ وكفالة الحكم الصادر في موضوعه، وثبوت أن القانون الأجنبي يقر
سلامة القضاء المانح الاختصاص له تلافيا لتنازع الاختصاص إيجابا أو سلبا، لأن
تقدير تلك الضوابط سالفة الذكر مما يدخل في تقدير سلطة محكمة الموضوع الخاضع
لرقابة محكمة النقض.
لما كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق والمستندات المقدمة أن
الطاعنة شركة لبنانية - المدعية في الدعوى الضامة - ومقرها مدينة بيروت بلبنان،
وكلا من المطعون ضدهما "مصريين" وموطنهما جمهورية مصر العربية - المدعى
عليهما في الدعوى الضامة - واتصف النزاع بذلك بالصفة الدولية، بما تخضع معه الدعوى
الضامة لنص المادة 28 من قانون المرافعات بشأن قواعد الاختصاص الدولي للمحاكم
لاختصاص المحاكم المصرية بنظرها، فضلا عن خضوع الدعوى المنضمة لاختصاص القضاء
المصري وفقا لنص المادتين 32 و33 من ذات القانون لإقامتها من المطعون ضدهما قبل
الطاعنة أمام القضاء المصري، وقبول الأخيرة ضمنا لولاية القضاء المصري بعدم دفعها
بعدم اختصاصه، ولارتباط كلا الدعويين بما يوجب نظرهما معا لحسن سير العدالة فيهما،
ولما كان ما تضمنه عقد التسوية المؤرخ 21/ 4/ 2014 لا يرتبط جديا بالإقليم
الإنجليزي لا سيما أن أيا من طرفيه لا يحمل الجنسية الإنجليزية كما خلت الأوراق من
أن النزاع تعلق بمال موجود بإنجلترا أو بالتزام نشأ أو كان واجبا تنفيذه هناك أو
أن القانون الإنجليزي يقر سلامة القضاء المانح الاختصاص له، كما أنه لا توجد رابطة
جدية بين النزاع الناشئ عن عقد التسوية المؤرخ 21/ 4/ 2014 والإقليم اللبناني لخلو
الأوراق مما يفيد تعلق العقد بمال موجود بدولة لبنان أو ما يجزم بنشأة الالتزام أو
وجوب تنفيذه هناك. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وساير
قضاء الحكم المستأنف في قضائه بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعويين رغم نزول
المطعون ضدهما عن دفعهما صراحة، ورغم عدم توفر شروط تخلى المحاكم المصرية عن
اختصاصها بنظر الدعويين من تلقاء نفسها للقضاء الإنجليزي واللبناني واختصاصها
بنظرهما وفقا للمواد 28، 32، 33 من قانون المرافعات باعتبارها المحكمة الأكثر
ملائمة لنظرهما لتعلق النزاع في العقدين موضوع الدعوى الضامة بمال موجود بمصر
وقدرتها على بحث عناصره ووسائل إثباته وأجدر على نفاذ وكفالة الحكم الصادر عنها
فيه، ولقبول المطعون ضدهما صراحة والطاعنة ضمنا بالخضوع اختياريا في الدعوى
المنضمة للمحاكم المصرية، فضلا عن ارتباطها بالدعوى الضامة، بما يوجب نظرهما معا
لحسن سير العدالة فيهما، الأمر الذي يكون الحكم المطعون فيه قد شابه الفساد في
الاستدلال الذي أدى إلى مخالفته للقانون بما يوجب نقضه، ولا ينال من ذلك القضاء
تطبيق باقي بنود عقدي التسوية بين أطرافه على موضوع النزاع بينهما بما في ذلك خضوع
العقدين السالفين لأحكام القانون الإنجليزي، ذلك أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة
- أن التمسك بالقانون الأجنبي لا يعدو أن يكون مجرد واقعة مادية يجب إقامة الدليل
عليها استجابة للاعتبارات العملية التي لا يتيسر معها للقاضي الإلمام بأحكام ذلك
القانون، لأن مناط تطبيق هذه القاعدة أن يكون القانون الأجنبي غريبا عن القاضي،
يصعب عليه الوقوف على أحكامه والوصول إلى مصادره، أما إذا كان القاضي يعلم بمضمونه
أو كان علمه به مفترضا فلا محل للتمسك بتطبيق تلك القاعدة.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم، فإنه يتعين إلغاء الحكم
المستأنف وإعادتها لمحكمة أول درجة للفصل في الموضوع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق