الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 18 ديسمبر 2021

القضية 3 لسنة 1 ق المحكمة العليا جلسة 6 / 3 / 1971 دستورية ق 1 ص 1

 جلسة 6 من مارس سنة 1971

برئاسة المستشار بدوي إبراهيم حمودة رئيس المحكمة وعضوية المستشارين محمد عبد الوهاب خليل نائب رئيس المحكمة وعمر حافظ شريف وحسين قاسم وحسين زاكي وأحمد طوسون حسين ومحمد بهجت عتيبة.

وحضور المستشار عادل عزيز زخاري نائب رئيس المحكمة ورئيس هيئة مفوضي الدولة

والسيد/ سيد عبد الباري إبراهيم أمين السر.

-------------

(1)

القضية 3 لسنة 1 ق "دستورية"

(أ) دستور سنة 1956

التشريعات السابقة عليه - المادتان 190 و 191 منه لكل منهما مجال مختلف عن الأخر - المادة 191 تستهدف تحصين التشريعات والتدابير والإجراءات الثورية الاستثنائية المحددة فيها على سبيل الحصر - المادة 190 تعني استمرار نفاذ التشريعات الأخرى السابقة على نفاذ الدستور دون تحصينها ضد الطعون القضائية .

(ب) دستور سنة 1956

المادة 191 - لم ينقل حكمها إلى دستور سنة 1964 لاستنفاذ غرضها .

(ج) دستور سنة 1964

التشريعات السابقة عليه - خضوعها للرقابة القضائية شانها في ذلك شأن التشريعات الصادرة في ظله - المادة 166 منه مطابقة حكمها لحكم المادة 190 من دستور سنة 1956.

(د) دستور

تشريعات سابقة عليه - خضوعها لرقابة المحكمة العليا - وجوب مطابقتها لأحكام الدستور القائم - علة ذلك .

(هـ) اشتراكية

 النظام الاشتراكي - هو الأساس الاقتصادي للدولة - الملكية الزراعية - تحديدها - الهدف من ذلك.

(و) شفعة

 سبب مشروع من أسباب كسب الملكية - لم يحظر المشرع الشفعة الا في حالات استثنائية نص عليها في القانون .

(ز) سلطة التشريع في تنظيم الحقوق 

الأصل أن تكون سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بقيود محددة .

(ح) المساواة أمام القانون - مبدأ تكافؤ الفرص

 المساواة التي يوجبها إعمال مبدأ تكافؤ الفرص تتحقق بتوافر شرطي العموم والتجريد في التشريعات المنظمة للحقوق .

(ط) شفعة - تنظيم حق الشفعة

لم يتعد المشرع في تنظيم هذا الحق كسبب لكسب الملكية جانب المساواة أمام القانون ولم يخالف مبدأ تكافؤ الفرص الذي أقره الدستور .

--------------

1 - إن المادة 166 من الدستور التي يستند إليها المدعى عليه الأول والحكومة في تأييد هذا الدفع تنص على أن "كل ما قررته القوانين والقرارات والأوامر واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى نافذاً ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الدستور". وقد تردد هذا النص في مدلولها ومعناها مع اختلاف يسير في صيغته في الدساتير المتعاقبة منذ سنة 1923 ومنها الدستور الصادر في عام 1956 الذي تضمن نصين لكل منهما مجال يختلف عن مجال الآخر أولهما نص المادة 190 وهو مطابق لنص المادة 166 من الدستور الذي تقدم ذكره، والثاني نص المادة 191 الذي يقضي بأن "جميع القرارات التي صدرت من مجلس قيادة الثورة وجميع القوانين والقرارات التي تتصل بها وصدرت مكملة أو منفذة لها وكذلك كل ما صدر من الهيئات التي أمر المجلس المذكور بتشكيلها من قرارات أو أحكام وجميع الإجراءات والأعمال والتصرفات التي صدرت من هذه الهيئات أو من أي هيئة أخرى من الهيئات التي أنشئت بقصد حماية الثورة ونظام الحكم لا يجوز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأي وجه من الوجوه وأمام أي هيئة كانت". وظاهر من هذين النصين أن لكل منهما مجالاً يختلف عن مجال الآخر وأن المشرع لم يلتزم في دستور سنة 1956 موقفاً واحداً من التشريعات السابقة على تاريخ العمل به بل غاير بينهما فيما أسبغه عليها من الحماية فاتخذ بالنسبة إلى بعضها موقفاً اقتضته ضرورة تحصين التشريعات والتدابير والإجراءات الثورية الاستثنائية التي اتخذت في ظروف لا تقاس فيها الأمور بالمقياس العادي وذلك بالنص على عدم جواز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأي وجه من الوجوه وأمام أي هيئة كانت - بينما اتخذ بالنسبة إلى سائر التشريعات الأخرى أسلوباً آخر ينطوي على حماية أدنى من تلك التي أسبغها على التشريعات الثورية الاستثنائية المتقدم ذكرها وذلك بالنص على بقائها نافذة مع إجازة إلغائها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في الدستور - وهذه المغايرة التي قصد إليها المشرع عند تحديد موقفه من التشريعات السابقة على الدستور قاطعة في الدلالة على أنه إذ تناول موضوع التشريعات السابقة على الدستور في نصين مختلفين في دستور واحد فإن كلاً منهما يقرر حكماً يختلف عما يقرره الآخر وأنه إنما يستهدف تحصين التشريعات التي حددها على سبيل الحصر في المادة 191 منه دون غيرها من التشريعات التي وقف بالنسبة إليها عند حد النص على استمرار نفاذها وذلك تجنباً لحدوث فراغ تشريعي يؤدي إلى الاضطراب والفوضى والإخلال بسير المرافق العامة والعلاقات الاجتماعية إذا سقطت جميع التشريعات المخالفة للدستور فور صدوره - ولو أن المشروع أراد تحصين التشريعات السابقة على الدستور ضد الطعون القضائية لأفصح عن ذلك في نص واحد عام يتناولها كافة ولم يكن في حاجة إلى إيراد نص آخر يفيد ذات المعنى في موضوع واحد.

2 - إن المشرع اجتزأ بنقل المادة 190 من دستور سنة 1956 إلى المادة 166 من دستور سنة 1964 ولم ينقل المادة 191 من ذلك الدستور التي استنفذت أغراضها إذ أسبغت على التشريعات الثورية الاستثنائية التي صدرت منذ قيام الثورة حتى عام 1956 حصانة نهائية لا مبرر ولا مسوغ لتكرار النص عليها.

3 - إن المشرع لا يعني بنص المادة 166 من دستور سنة 1964 غير ما عناه بأصله الوارد في المادة 190 من دستور سنة 1956 وهو مجرد استمرار نفاذ التشريعات السابقة على الدستور دون تطهيرها مما قد يشوبها من عيوب ودون تحصينها ضد الطعن بعدم الدستورية شأنها في ذلك شأن التشريعات التي صدرت في ظل الدستور القائم فليس معقولا أن تكون التشريعات التي قبل صدور الدستور وعلى الخصوص التشريعات الصادرة قبل قيام الثورة في ظل نظم سياسية واجتماعية واقتصادية مغايرة في أسسها وأصولها ومبادئها للنظم التي استحدثها الدستور - ليس معقولا أن تكون هذه التشريعات بمنأى عن الرقابة التي تخضع لها التشريعات التي تصدر في ظل الدستور وفي ظل نظمه وأصوله المستحدثة مع أن رقابة دستوريتها أولى وأوجب.

4 - إن القول بأن ولاية المحكمة العليا لا تتناول التشريعات السابقة على الدستور إلا إذا صدرت مخالفة للأحكام والأوضاع الدستورية النافذة عند صدورها وتكون رقابتها لهذه التشريعات على أساس تلك الأوضاع دون أحكام الدستور القائم ذات الدساتير الجامدة تستهدف أصلا صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه - ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.

5 - جعل دستور سنة 1964 من النظام الاشتراكي أساسا اقتصاديا للدولة وأرسى في المادة السابعة عشر منه مبدأ تحديد الملكية الزراعية كأصل من الأصول التي يقوم عليها هذا النظام وأحال إلى القانون في تعيين الحد الأقصى لهذه الملكية وقد صدرت قوانين الإصلاح الزراعي المتعاقبة التي قيدت الملكية الزراعية بحد أقصى لا تجاوزه وقضت بتوزيع ما يزيد عن هذا الحد من الأراضي الزراعية على العاملين في الزراعة تحقيقا لأهداف المشرع من توسيع قاعدة الملكية الزراعية وتطبيقا للنظام الاشتراكي الذي يقر الملكية الفردية في مجال الزراعة في حدود لا تسمح بالإقطاع.

6 - لم يعرض المشرع وهو بصدد من التشريعات الاشتراكية لحق الشفعة إلا حيث اقتضى ذلك تحقيق أهداف الإصلاح الزراعي فحذر الشفعة في التصرفات الناقلة للملكية التي تتناول ما لم يستولى عليه من الأرض الزراعية الزائدة عن الحد الأقصى (المادة 4 مكررة من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي المضافة بالمرسوم بقانون رقم 311 لسنة 1952) كما حظرها في توزيع الأراضي على صغار المزارعين تنفيذا لقانون الإصلاح الزراعي (الفقرة الأخيرة من المادة 9 من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 سالف الذكر) وكذلك منع الشفعة في بيع العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة (الفقرة الأخيرة من المادة 58 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 100 لسنة 1964 بتنظيم تأجير العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها) وفيما عدا تلك الحالات الاستثنائية التي ألغى فيها المشرع حق الشفعة تحقيقا لأهداف الإصلاح الزراعي لا زال هذا الحق قائما كسبب مشروع من أسباب كسب الملكية في الحدود المقررة قانونا.

7 - إن الأصل في سلطة التشريع في موضوع تنظيم الحقوق أن تكون سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بقيود محددة ولما كان الدستور لم يعرض لأسباب اكتفاء بتعيين حد أقصى للملكية الزراعية يحول دون قيام الإقطاع فمن ثم تكون سلطته في هذا الصدد سلطة تقديرية في نطاق الحد الأقصى المشار إليه ولا ريب أن ترجيح نظام الشفعة عند قيام أسبابه ومنها الجوار والاشتراك في حقوق الارتفاق على مبدأ حرية التصرف استنادا إلى أن الشفعة إذ تجمع بين العقار المشفوع فيه والعقار المشفوع به في ملكية الشفيع وحده في نطاق الحد الأقصى للملكية الزراعية فإنها تؤدي إلى تطهير الأرض من هذه الحقوق فضلا عما يترتب عليها من دفع الضرر عن الجار وتجنب مشكلات المشاركة في حقوق الارتفاق وكافة منازعات الجوار.

لا ريب أن ذلك الترجيح مما يدخل في حدود سلطة المشرع التقديرية التي لم يقيدها الدستور في هذا الصدد.

8 - إن القول بأن الشفعة تخل بمبدأ تكافؤ الفرص لأنها تخول الشفيع وحده دون سواه رخصة تجعل منه المحتكر الوحيد لشراء الأرض المشفوع فيها - هذا النعي مردود بأن المساواة التي يوجبها إعمال مبدأ تكافؤ الفرص تتحقق بتوافر شرطي العموم والتجريد في التشريعات المنظمة للحقوق ولكنها ليست مساواة حسابية ذلك لأن المشرع يملك بسلطته التقديرية لمقتضيات الصالح العام وضع شروط تتحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون بحيث إذا توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية وإذا اختلفت هذه الظروف بأن توافرت الشروط في البعض دون البعض الآخر انتفى مناط التسوية بينهم وكان لمن توافرت فيهم الشروط دون سواهم أن يمارسوا الحقوق التي كفلها المشرع لهم - والتجاء المشرع إلى هذا الأسلوب في تحديد شروط موضوعية يقتضيها الصالح العام للتمتع بالحقوق لا يخل بشرطي العموم والتجريد في القاعدة القانونية ذلك لأن المشرع إنما يخاطب الكافة من خلال هذه الشروط.

9 - إن شأن حق الشفعة كشأن غيره من الحقوق في هذا الصدد، ذلك لأن استعماله منوط بتوافر أسباب حددها المشرع على سبيل الحصر تنظيما لموضوع بسبب الملكية عن طريق الشفعة بحيث إذا توافر سبب من أسبابه في فرد من الأفراد أصبح في مركز قانوني يخوله رخصة الشفعة في العقار ولا يقاس به غيره ممن لم يتوافر فيه سبب من هذه الأسباب إذ يكون في مركز قانوني مغاير - ولم يعد المشرع في تنظيم موضوع كسب الملكية بسبب الشفعة على الوجه المتقدم جانب المساواة أمام القانون ولم يخالف مبدأ تكافؤ الفرص الذي أقره الدستور في المادة الثامنة.

----------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الدعوى استوفت الأوضاع الشكلية المقررة قانونا.
أقام ....... الدعوى رقم 681 لسنة 1966 مدني أمام محكمة طنطا الابتدائية ضد ...... و..... يطلب الحكم بأحقيته في أخذ ثلاثة وعشرين فداناً وسبعة قراريط وثمانية أسهم المبينة بصحيفة الدعوى المبيعة من المدعى عليه الأول إلى المدعى عليه الثاني بالشفعة مقابل مبلغ 6677.220 جنيها أو ما يظهر أنه الثمن الحقيقي وملحقاته مع تسليم العين المشفوع فيها إليه واستند في دعواه إلى أن الأرض المبيعة تجاور أرضه وأن لأرضه حق ارتفاق بالصرف وحق ارتفاق بالمرور عليها كما أن للأرض المبيعة حق ارتفاق بالري على أرضه - وقد دفع المدعى عليه الثاني بسقوط حق المدعي في الأخذ بالشفعة استنادا إلى أنه علم بالبيع وبكافة تفاصيله عندما عرضت عليه الصفقة لشرائها فرفضها مما يفيد نزوله عن حقه في أخذ الأرض بالشفعة - في 6 من فبراير سنة 1967 قضت المحكمة برفض الدفع بسقوط الحق في الشفعة وقبل الفصل في الموضوع بندب خبير زراعي من مكتب الخبراء بطنطا لأداء المهمة الموضحة بالحكم - وبعد تقديم التقرير قضت المحكمة في 27 من شهر مايو سنة 1968 بأحقية المدعي في أخذ الأرض المشار إليها بالشفعة مقابل مبلغ 6677.220 جنيها وملحقاته الرسمية والتسليم.

استأنف ................ المدعى عليه الثاني الحكمين سالفي الذكر أمام محكمة استئناف طنطا ودفع بعدم دستورية نصوص الشفعة الواردة في القانون المدني.

وفي 5 من أبريل سنة 1970 قضت محكمة الاستئناف بقبول الاستئنافين شكلا وبوقف سير الخصومة فيهما ريثما تفصل المحكمة العليا في الدفع بعدم دستورية القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 سنة 1948 بالنسبة إلى مواد الشفعة وحددت للمستأنف ميعاداً أقصاه ستون يوما يبدأ من يوم صدور الحكم لرفع الدعوى في هذا الخصوص.

وفي 28 من مايو سنة 1970 أقام ............... هذه الدعوى ضد ............... و............. بصحيفة أودعها قلم كتاب المحكمة وطلب الحكم بعدم دستورية الحالة الثانية من الفقرة (هـ) من المادة 936 من القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 سنة 1948 مستندا في ذلك إلى الأسباب المبينة في صحيفة الدعوى وفي مذكراته التي أودعها قلم الكتاب.

وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني وانتهت فيه إلى أنها ترى الحكم برفض الدعوى.

كما أودعت الحكومة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى وإلزام رافعها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

وأودع المدعى عليه الأول مذكرتين طلب فيهما الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأودعت الحكومة مذكرة تكميلية صممت فيها على طلب رفض الدعوى.

وقد نظرت المحكمة الدعوى بجلستي 10 من أكتوبر سنة 1970 و5 من ديسمبر سنة 1970 على النحو المبين بمحضري الجلستين ثم أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة 13 من فبراير سنة 1971 وفي هذه الجلسة قررت المحكمة مد أجل الحكم إلى جلسة اليوم.

ومن حيث إن المدعي يطلب الحكم بعدم دستورية الحالة الثانية من الفقرة (هـ) من المادة 936 من القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948 استناداً إلى أن نظام الشفعة إذ يخول الشفيع دون سواه حق شراء الأرض المبيعة إلى غيره بطريقة مشروعة يؤدي إلى الاحتكار والاستغلال عن طريق جمع الأراضي الزراعية مما يتعارض مع النظام الاشتراكي الذي جعل منه الدستور في مادتيه الأولى والتاسعة أساسا للنظام الاقتصادي في الدولة كما يهدر مبدأ تكافؤ الفرص الذي كفلته الدولة لجميع المصريين في المادة الثامنة من الدستور ومن ثم تكون نصوص القانون المدني التي تنظم الشفعة مخالفة للدستور ولا يحصنها نص المادة 166 منه ذلك لأن هذا النص يقصر حصانته على القوانين الصادرة منذ قيام الثورة في 23 يوليو سنة 1952 حتى تاريخ صدور الدستور في 25 من مارس سنة 1964 دون سواها من القوانين السابقة ومنها القانون المدني يؤيد هذا النظر أن المشرع يحرم الشفعة في الأرض التي يتصرف فيها ملاكها إعمالا لقانون الإصلاح الزراعي وكذا الأرض التي توزع على صغار المزارعين تنفيذا لهذا القانون كما يحرمها في الأرض التي تبيعها الدولة طبقاً لأحكام القانون رقم 100 سنة 1964 بتنظيم تأجير العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها.

ومن حيث إن المدعى عليه الأول دفع الدعوى بعدم جواز الطعن بعدم دستورية التشريعات السابقة على صدور الدستور ومن هذه التشريعات النصوص المنظمة لحق الشفعة الواردة في القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948 ومبنى هذا الدفع أن المادة 166 من الدستور تقضي باستمرار نفاذ التشريعات السابقة على صدوره حتى تلغيها أو تعدلها السلطة التشريعية ومن ثم يظل حق الشفعة قائما كوسيلة مشروعة للتملك في الحدود التي يجيزها القانون.

ومن حيث إن الحكومة طلبت رفض الدعوى استنادا إلى أن الدستور إذ نص في المادة 166 منه على استمرار نفاذ التشريعات السابقة على صدوره حتى تلغيها أو تعدلها السلطة التشريعية فإنه يسلم بقيام تعارض بين بعض التشريعات المذكورة وبعض أحكام الدستور ومع ذلك أقر استمرار نفاذها حتى تعدلها أو تلغيها السلطة التشريعية ومن ثم فلا تخضع للطعن بعدم الدستورية أمام المحكمة العليا ثم قالت في مذكرتها التكميلية أن ولاية هذه المحكمة لا تتناول تلك التشريعات إلا إذا صدرت مخالفة للأحكام والأوضاع الدستورية النافذة وقت صدورها وعندئذ تجري عليها رقابتها على أساس هذه الأوضاع وتلك الأحكام وقد صدرت نصوص القانون المدني المنظمة لحق الشفعة سليمة غير مشوبة بهذا العيب إذ أنها تقرر حقاً مشروعاً للشفيع لا يخالف الدستور.

عن الدفع بعدم جواز الطعن في دستورية نصوص القانون المدني المنظمة لحق الشفعة:

من حيث إن المادة 166 من الدستور التي يستند إليها المدعى عليه الأول والحكومة في تأييد هذا الدفع تنص على أن "كل ما قررته القوانين والقرارات والأوامر واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى نافذاً ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الدستور" وقد تردد هذا النص في مدلوله ومعناه مع اختلاف يسير في صيغته في الدساتير المتعاقبة منذ سنة 1923 ومنها الدستور الصادر في عام 1956 الذي تضمن نصين لكل منهما مجال يختلف عن مجال الآخر أولهما نص المادة 190 وهو مطابق لنص المادة 166 من الدستور الذي تقدم ذكره والثاني نص المادة 191 الذي يقضي بأن "جميع القرارات التي صدرت من مجلس قيادة الثورة وجميع القوانين والقرارات التي تتصل بها وصدرت مكملة أو منفذة لها وكذلك كل ما صدر من الهيئات التي أمر المجلس المذكور بتشكيلها من قرارات أو أحكام وجميع الإجراءات والأعمال والتصرفات التي صدرت من هذه الهيئات أو من أي هيئة أخرى من الهيئات التي أنشئت بقصد حماية الثورة ونظام الحكم لا يجوز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأي وجه من الوجوه وأمام أي هيئة كانت". وظاهر من هذين النصين أن لكل منهما مجالا يختلف عن مجال الآخر وأن المشرع لم يلتزم في دستور سنة 1956 موقفا واحداً من التشريعات السابقة على تاريخ العمل به بل غاير بينهما فيما أسبغه عليها من الحماية فاتخذ بالنسبة إلى بعضها موقفاً اقتضته ضرورة تحصين التشريعات والتدابير والإجراءات الثورية الاستثنائية التي اتخذت في ظروف لا تقاس فيها الأمور بالمقياس العادي وذلك بالنص على عدم جواز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأي وجه من الوجوه وأمام أي هيئة كانت بينما اتخذ بالنسبة إلى سائر التشريعات الأخرى أسلوباً آخر ينطوي على حماية أدنى من تلك التي أسبغها على التشريعات الثورية الاستثنائية المتقدم ذكرها وذلك بالنص على بقائها نافذة مع إجازة إلغائها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في الدستور - وهذه المغايرة التي قصد إليها المشرع عند تحديد موقفه من التشريعات السابقة على الدستور قاطعة في الدلالة على أنه إذ تناول موضوع التشريعات السابقة على الدستور في نصين مختلفين في دستور واحد فإن كلا منهما يقرر حكماً يختلف عما يقرره الآخر وأنه إنما يستهدف تحصين التشريعات التي حددها على سبيل الحصر في المادة 191 منه دون غيرها من التشريعات التي وقف بالنسبة إليها عند حد النص على استمرار نفاذها وذلك تجنباً لحدوث فراغ تشريعي يؤدي إلى الاضطراب والفوضى والإخلال بسير المرافق العامة والعلاقات الاجتماعية إذا سقطت جميع التشريعات المخالفة للدستور فور صدوره - ولو أن المشرع أراد تحصين التشريعات السابقة على الدستور ضد الطعون القضائية لأفصح عن ذلك في نص واحد عام يتناولها كافة ولم يكن في حاجة إلى إيراد نص آخر يفيد ذات المعنى في موضوع واحد.

ومن حيث أن المشرع اجتزأ بنقل المادة 190 من دستور سنة 1956 إلى المادة 166 من دستور سنة 1964 ولم ينقل المادة 191 من الدستور التي استنفدت أغراضها إذ أسبغت على التشريعات الثورية الاستثنائية التي صدرت منذ قيام الثورة حتى عام 1956 حصانة نهائية لا مبرر ولا مسوغ لتكرار النص عليها - ولا ريب أنه لا يعني بنص المادة 166 من دستور سنة 1964 غير ما عناه بأصله الوارد في المادة 190 من دستور سنة 1956 وهو مجرد استمرار نفاذ التشريعات السابقة على الدستور دون تطهيرها مما قد يشوبها من عيوب ودون تحصينها ضد الطعن بعدم الدستورية شأنها في ذلك شأن التشريعات التي تصدر في ظل الدستور القائم فليس معقولاً أن تكون التشريعات التي صدرت قبل صدور الدستور وعلى الخصوص التشريعات الصادرة قبل قيام الثورة في ظل نظم سياسية واجتماعية واقتصادية مغايرة في أسسها وأصولها ومبادئها للنظم التي استحدثها الدستور - ليس معقولاً أن تكون هذه التشريعات بمنأى عن الرقابة التي تخضع لها التشريعات التي تصدر في ظل الدستور وفي ظل نظمه وأصوله المستحدثة مع أن رقابة دستوريتها أولى وأوجب.

ومن حيث إن الحكومة تقول في مذكرتها التكميلية بعد إثارة الدفع بعدم جواز الطعن على النحو المتقدم ذكره أن ولاية المحكمة العليا لا تتناول التشريعات السابقة على الدستور إلا إذا صدرت مخالفة للأحكام والأوضاع الدستورية النافذة عند صدورها وتكون رقابتها لهذه التشريعات على أساس تلك الأوضاع دون أحكام الدستور القائم وأوضاعه وهذا القول مردود بأن رقابة دستورية القوانين منذ عرفت في الدول ذات الدساتير الجامدة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه - ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائماً القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.

ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم يكون الدفع بعدم جواز الطعن في دستورية الفقرة (هـ) من المادة 936 من القانون المدني غير قائم على أساس سليم من القانون ومن ثم يتعين رفضه.

عن الموضوع:

من حيث إن المدعي يطلب الحكم بعدم دستورية الحالة الثانية من الفقرة (هـ) من المادة 936 من القانون المدني التي تقضي بثبوت الحق في الشفعة للجار المالك إذا كان للأرض المبيعة حق ارتفاق على أرض الجار أو كان حق الارتفاق لأرض الجار على الأرض المبيعة ويقول بياناً لأوجه مخالفة هذا النص لأحكام الدستور:

أولا: إن هدف نظام الشفعة هو جمع الأراضي في يد شخص واحد مما يؤدي إلى الاستغلال ويتعارض مع النظام الاشتراكي الذي أرست أصوله المادتان الأولى والتاسعة من الدستور وجعلت منه هذه المادة الأخيرة الأساس الاقتصادي للدولة.

ثانيا: إن نظام الشفعة إذ يخول الشفيع دون سواه حق شراء الأرض المبيعة لغيره فإنه يخوله سلطة احتكار هذا الحق ويحرم المشتري ثمرة تعاقد أبرمه بطريقة مشروعة ويهدر بذلك مبدأ تكافؤ الفرص الذي كفلته الدولة في المادة الثامنة من الدستور لجميع المصريين.

ومن حيث إن الحكومة والمدعى عليه الأول دفعا الدعوى استناداً إلى أن حق الشفعة لا يتعارض مع النظام الاشتراكي ولا يخل بمبدأ تكافؤ الفرص وأنه مجرد وسيلة مشروعة لكسب الملكية في الحدود المقررة قانونا كما أنه تستهدف منع المنازعات وإقرار الوئام بين ملاك يعملون لصالحهم ولصالح المجتمع.

ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الأول من وجهي الطعن المبني على مخالفة الحالة الثانية من الفقرة (هـ) من المادة 936 من القانون المدني لأحكام المادتين الأولى والتاسعة من الدستور فإن المادة الأولى من الدستور تنص على أن "الجمهورية العربية المتحدة دولة ديمقراطية اشتراكية " - كما تنص المادة التاسعة منه على أن "الأساس الاقتصادي للدولة هو النظام الاشتراكي الذي يحظر أي شكل من أشكال الاستغلال بما يضمن بناء المجتمع الاشتراكي بدعامتيه من الكفاية والعدل - وفي خصوص تنظيم الملكية الزراعية في ظل النظام الاشتراكي الذي جعل منه الدستور أساساً اقتصادياً للدولة أرسى الدستور في المادة السابعة عشرة مبدأ تحديد الملكية الزراعية كأصل من الأصول التي يقوم عليها هذا النظام وأحال إلى القانون في تعيين الحد الأقصى لهذه الملكية وقد صدرت قوانين الإصلاح الزراعي المتعاقبة التي قيدت الملكية الزراعية بحد أقصى لا تجاوزه وقضت بتوزيع ما يزيد عن هذا الحد من الأراضي الزراعية على العاملين في الزراعة تحقيقاً لأهداف المشرع من توسيع قاعدة الملكية الزراعية وتطبيقاً للنظام الاشتراكي الذي يقر الملكية الفردية في مجال الزراعة في حدود لا تسمح بالإقطاع ولم يعرض المشرع وهو بصدد سن هذه التشريعات الاشتراكية لحق الشفعة إلا حيث اقتضى ذلك تحقيق أهداف الإصلاح الزراعي فحظر الشفعة في التصرفات الناقلة للملكية التي تتناول ما لم يستول عليه من الأرض الزراعية الزائدة عن الحد الأقصى (المادة 4 مكررة من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي المضافة بالمرسوم بقانون رقم 311 لسنة 1952) كما حظرها في توزيع الأراضي على صغار المزارعين تنفيذاً لقانون الإصلاح الزراعي (الفقرة الأخيرة من المادة 9 من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 سالف الذكر) وكذلك منع الشفعة في بيع العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة (الفقرة الأخيرة من المادة 58 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 100 لسنة 1964 بتنظيم تأجير العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها) وفيما عدا تلك الحالات الاستثنائية التي ألغى فيها المشرع حق الشفعة تحقيقاً لأهداف الإصلاح الزراعي لا زال هذا الحق قائماً كسبب مشروع من أسباب كسب الملكية في الحدود المقررة قانوناً.

ومن حيث إن الأصل في سلطة التشريع في موضوع تنظيم الحقوق أن تكون سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بقيود محددة، ولما كان الدستور لم يعرض لأسباب كسب الملكية ومنها حق الشفعة ولم يقيد سلطة المشرع في تحديدها وتنظيمها اكتفاء بتعيين حد أقصى للملكية الزراعية يحول دون قيام الإقطاع فمن ثم تكون سلطته في هذا الصدد تقديرية في نطاق الحد الأقصى المشار إليه، ولا ريب أن ترجيح نظام الشفعة عند قيام أسبابها ومنها الجوار والاشتراك في حقوق الارتفاق على مبدأ حرية التصرف استناداً إلى أن الشفعة إذ تجمع بين العقار المشفوع فيه والعقار المشفوع به في ملكية الشفيع وحده في نطاق الحد الأقصى للملكية الزراعية فإنها تؤدي إلى تطهير الأرض من هذه الحقوق فضلا عما يترتب عليها من دفع الضرر عن الجار وتجنب مشكلات المشاركة في حقوق الارتفاق وكافة منازعات الجوار. لا ريب أن ذلك الترجيح مما يدخل في حدود سلطة المشرع التقديرية التي لم يقيدها الدستور في هذا الصدد.

ومن حيث إنه عن الوجه الثاني من أوجه الطعن فإن المدعي ينعي على النص المطعون فيه أنه مخالف للمادة الثامنة من الدستور ويقول في بيان ذلك: إن الشفعة تخل بمبدأ تكافؤ الفرص لأنها تخول الشفيع وحده دون سواه رخصة تجعل منه المحتكر الوحيد لشراء الأرض المشفوع فيها - وهذا النعي مردود بأن المساواة التي يوجبها إعمال مبدأ تكافؤ الفرص تتحقق بتوافر شرطي العموم والتجريد في التشريعات المنظمة للحقوق ولكنها ليست مساواة حسابية ذلك لأن المشرع يملك بسلطته التقديرية لمقتضيات الصالح العام وضع شروط تتحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون بحيث إذا توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية، وإذا اختلفت هذه الظروف بأن توافرت الشروط في البعض دون البعض الآخر انتفى مناط التسوية بينهم وكان لمن توافرت فيهم الشروط دون سواهم أن يمارسوا الحقوق التي كفلها المشرع لهم - والتجاء المشرع إلى هذا الأسلوب في تحديد شروط موضوعية يقتضيها الصالح العام للتمتع بالحقوق - لا يخل بشرطي العموم والتجريد في القاعدة القانونية ذلك لأن المشرع إنما يخاطب الكافة من خلال هذه الشروط.

ومن حيث إن شأن حق الشفعة كشأن غيره من الحقوق في هذا الصدد ذلك لأن استعماله منوط بتوافر أسباب حددها المشرع على سبيل الحصر تنظيماً لموضوع كسب الملكية عن طريق الشفعة بحيث إذا توافر سبب من أسبابها في فرد من الأفراد أصبح في مركز قانوني يخوله رخصة الشفعة في العقار ولا يقاس به غيره ممن لم يتوافر فيه سبب من هذه الأسباب إذ يكون في مركز قانوني مغاير ولم يعد المشرع في تنظيم موضوع كسب الملكية بسبب الشفعة على الوجه المتقدم جانب المساواة أمام القانون ولم يخالف مبدأ تكافؤ الفرص الذي أقره الدستور في المادة الثامنة.

ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الدعوى لا تقوم على أساس سليم من القانون ومن ثم يتعين رفضها مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة ومصادرة الكفالة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدفع بعدم جواز الطعن بعدم دستورية الحالة الثانية من الفقرة (هـ) من المادة 936 من القانون المدني وفي الموضوع برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعي بالمصروفات وبمبلغ أربعين جنيها مقابل أتعاب المحاماة للحكومة والمدعى عليه الأول مناصفة بينهما.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق