جلسة 17 من يوليه سنة 1991
برئاسة السيد المستشار/ وليم رزق بدوي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: أحمد أبو الحجاج نائب رئيس المحكمة، شكري العميري، عبد الصمد عبد العزيز وعبد الرحمن فكري.
------------------
(224)
الطعن رقم 1451 لسنة 55 القضائية
(1، 2) نقض الحكم "أثر نقض الحكم".
(1) حق المطعون عليه في التمسك أمام محكمة الإحالة بعد نقض الحكم بجميع دفوعه رغم سبق رفضها وعدم جواز الاحتجاج عليه بأنه لم يقدم طعناً فرعياً في الحكم لما قضى به من رفض دفاعه. علة ذلك.
(2) نقض الحكم المطعون فيه. أثره. عودة الخصومة إلى ما كانت عليه قبل صدور الحكم المنقوض وعودة الخصوم إلى مراكزهم الأولى قبل ذلك. وجوب التزام محكمة الإحالة برأي محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها.
(3) وصية. أرث. محكمة الموضوع.
الوصية في التركة. ماهيتها، الأصل في انعقادها، إبرام المورث تصرف ساتر لنية الإيصاء لديه. مؤداه. قرينه المادة 917 مدني. توافرها. أثره. إعفاء المورث من إثبات طعنه على تصرفات مورثه. محكمة الموضوع. سلطتها في استظهار ما يدل على تنجيز التصرف أو قصد الإيصاء به لوارث آخر.
(4) محكمة الموضوع. نقض.
لقاضي الموضوع السلطة التامة في تقدير ما يقدم له من الأدلة. عدم خضوعه في ذلك لرقابة محكمة النقض متى كان استخلاصه سائغاً.
(5) إصلاح زراعي. بيع. صورية.
تصرف المورث في الأطيان الزائدة استجابة لأحكام قانون الإصلاح الزراعي. لا يُعد بيعاً صورياً سواءً كان بعوض أو بغير عوض. مؤداه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهم عدا الأخير أقاموا الدعويين رقمي 1495، 2694 لسنة 1973 مدني كلي شمال القاهرة ضد الطاعنين والمطعون ضده الأخير بطلب الحكم ببطلان المحررات المبينة بصحيفتي الدعويين والصادرة من مورثهم المرحوم...... إلى الطاعنين لصدورها منه وهو في حالة عته وغفلة فضلاً عن صوريتها. ضمت المحكمة الدعويين ليصدر فيهما حكم واحد - ثم أحالتهما للتحقيق وبعد سماع الشهود حكمت في الدعوى الأولى ببطلان عقد البيع المسجل رقم 865 لسنة 1972 الجيزة وفي الدعوى الثانية ببطلان العقود المسجلة أرقام 6549، 6996 لسنة 1962 و363، 3067 لسنة 1963 القاهرة و7196 لسنة 1965، 3810 لسنة 1966 الشرقية والعقد العرفي المحرر في 27/ 9/ 1969. استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 3531 لسنة 96 ق القاهرة. أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق ثم قضت بتاريخ 20/ 6/ 1981 بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من بطلان العقد المسجل رقم 7196 لسنة 1954 وبرفض الدعوى رقم 2694 لسنة 1973 مدني كلي شمال القاهرة، في هذا الشق وبتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنهم برقم 532 لسنة 35 ق. وبتاريخ 30/ 6/ 1983 نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وأسست قضاءها على أن الحكم لم يعتد بالحجية المطلقة للحكم النهائي رقم 41 لسنة 84 ق أحوال شخصية القاهرة في شأن اكتمال أهلية المورث وانتفاء حالة العته لديه، وبعد تعجيل الاستئناف حكمت المحكمة بتاريخ 12/ 3/ 1985 بإلغاء الحكم المستأنف في الدعويين بصدد العقود السبعة الواردة بأسباب هذا الحكم واعتبار العقود المذكورة وهي المسجلة برقم 6549، 6991 لسنة 1962 القاهرة و2637 و3067 لسنة 1963 القاهرة و3810 لسنة 1966 الزقازيق والعقد العرفي المؤرخ 27/ 9/ 1969، وهي موضوع المدعى رقم 2694 لسنة 1973 مدني كلي شمال القاهرة تصرفاً بالوصية والعقد العرفي المؤرخ 1/ 10/ 1972 والمصدق على توقيعاته برقم 865 ب/ 1972 الجيزة موضوع الدعوى رقم 1495 لسنة 1973 مدني كلي شمال القاهرة وصية. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعنون بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقولون إن المطعون ضدهم عدا الأخير قد طعنوا بالصورية المطلقة والنسبية - أمام محكمة الموضوع بدرجتيها - على التصرفات الصادرة بين المورث إليهم وإذ قضى برفض الصورية بنوعيها وحاز هذا القضاء قوة الأمر المقضي في هذا الخصوص لعدم الطعن عليه بالنقض فإنه يمتنع إعادة مناقشة الصورية بنوعيها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وناقش الصورية فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود. ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن المحكمة إذا رفضت دعوى المدعي وقضت في الوقت ذاته برفض دفوع قدمت من المدعى عليه، وطعن المدعي وحده في الحكم فإن قبول طعنه يجعل للمدعى عليه أن يتمسك أمام محكمة الإحالة بجميع دفوعه رغم سبق رفضها، لأن حقه في ذلك يعود إليه بمجرد نقض الحكم في موضوع الدعوى ولا يصح الاحتجاج عليه بأنه لم يطعن بطريق النقض في الحكم في خصوص ما قضى به من رفض دفوعه لانعدام مصلحته في الطعن وأنه يترتب على نقض الحكم المطعون فيه عودة الخصومة إلى ما كانت عليه قبل صدور الحكم المنقوض ويعود الخصوم إلى مراكزهم الأولى قبل ذلك على أن تلتزم محكمة الإحالة برأي محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها. لما كان ذلك، وكان الحكم الصادر في 20/ 1/ 1981 قد نُقِض لصالح الطاعنين فإنه لا على المطعون ضدهم عدا الأخير إن تمسكوا أمام محكمة الإحالة بصورية التصرفات الصادرة من المورث إلى الطاعنين - عدا ما أقروه من تصرفات - والتي سبق رفضها من الحكم المنقوض وإذ خلص الحكم المطعون فيه - بعد أن عرض لهذا الدفع - إلى أن تلك التصرفات تخضع لأحكام الوصية استناداً لما استظهره من قيام القرينة الواردة في المادة 917 من القانون المدني. وكان ذلك بأسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق فإنه لا يكون قد خالف الحكم المنقوض فيما قضى به من رفض الصورية بنوعيها وبالتالي يكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني مخالفة القانون والقصور في التسبيب من ثلاثة وجوه الأول أن الحكم المطعون فيه خلط أحكام التصرفات حال الحياة في الصحة بأحكام التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت وأخضع تصرفات المورث موضوع النزاع رغم نفاذها وتنجيزها بإخراج المال من ملكه نهائياً حال حياته لأحكام الوصية بما يعيبه بمخالفة القانون. والثاني: أن الحكم المطعون فيه أورد بمدوناته أن المورث استمر في الانتفاع بما تصرف فيه للطاعنين موكلاً ابنه في إدارته بالرغم أنه لم يوكله في ذلك بما يخالف الثابت بالأوراق. والثالث: أن الحكم المطعون فيه التفت عن بحث المستندات المقدمة من الطاعنين الدالة على تنفيذ وتنجيز تصرفات المورث لهم موضوع الدعوى رقم 2694 لسنة 1973 مدني كلي شمال القاهرة منذ صدورها بما يعيبه بالقصور في التسبيب ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن الوصية في التركة تصرف مضاف إلى ما بعد الموت، وإذ كان الأصل أن تنعقد بألفاظ دالة عليها تفيد إنشاءها إلا أن المورث قد يبرم تصرفاً آخر يستر به نية الإيصاء لديه وهو ما حمل المشرع - وفقاً لأحكام المادة 917 من القانون المدني - إلى إنشاء قرينة قانونية على توافر نية الإيصاء في أي تصرف يجريه المورث لأحد ورثته إذ احتفظ بأية طريقة بحيازة العين وبالانتفاع بها مدى حياته فإن توفرت أعفت الوارث من إثبات طعنه على تصرفات مورثه وإن لم تتوفر كان للوارث أن يثبت نية الإيصاء لدى المورث بالقرائن القضائية ولمحكمة الموضوع أن تستظهر القرائن الدالة على أن التصرف ليس منجزاً وأنه قصد به الإيصاء لوارث آخر وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت نية الإيصاء لدى المورث في التصرفات محل النزاع بما استظهره من أدلة وقرائن تمثلت في أقواله بتحقيقات طلب الحجز بأن التصرف لأولاده كان تبرعاً وفي أقوال ابنه بأن هذه التصرفات هي في حقيقتها توزيعاً للتركة وفيما حصله من احتفاظ البائع بإدارة أمواله عن طريق توكيل ابنه في إدارتها وبما استدل به من أقوال الشهود مؤدياً لذلك كله، وهو استخلاص سائغ يكفي لحمل الحكم فيما انتهى إليه من اعتبار العقود وصية بما لازمه انتفاء نية الهبة والبيع لديه ومن ثم فلا على الحكم إن التفت عن بحث مستند ليس من شأنه أن يغير الحقيقة التي أورد دليلها وأسقط بها كل حجه منافية ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الرابع البطلان، وفي بيان ذلك يقول الطاعنون أن المورث قد باع المنشأة التجارية للطاعنين من الثاني إلى الأخيرة مقابل دين لهم مستحق في ذمته منذ عام 1964 وتضمنته دفاتره التجارية وميزانية المنشأة منذ هذا التاريخ والتي أدرجت فيها فوائد هذا الدين. وإذ لم يعتد الحكم المطعون فيه بهذا البيع فإنه يكون مخالفاً القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود. ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لقاضي الموضوع السلطة التامة في تقدير ما يقدم إليه في الدعوى من أدلة لا يخضع فيها لرقابة محكمة النقض إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصه لما استخلصه سائغاً وله دليل من الأوراق، متى كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتبر أن تصرف المورث بشأن بيع المنشأة التجارية وصية مضافة إلى ما بعد الموت باعتباره أحد العقود التي خضعت للقرائن والأدلة على النحو الوارد في الرد على السبب الثاني من أسباب الطعن وكان ذلك بأسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق فإن النعي بهذا السبب يضحى على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقولون إنه بموجب عقد البيع المؤرخ 27/ 9/ 1969 باع مورثهم إلى الطاعنة الأولى مساحة 7 س 6 ط 19 ف ومساحة 10 س 15 ط 2 ف نزولاً على أحكام القانون رقم 50 لسنة 1969 بشأن الإصلاح الزراعي لتجاوز المبين حد نصاب ملكية المورث طبقاً للقانون، وإذ لم يعتد الحكم المطعون فيه بهذا التصرف وأخضعه لأحكام الوصية فإنه يكون مخالفاً القانون.
وحيث إن هذا النعي سديد ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تصرف المورث في الأطيان الزائدة استجابة لأحكام قانون الإصلاح الزراعي لا يُعد بيعاً صورياً وسواءً أن يكون بعوض أو بغير عوض وهذا التصرف لا ترد عليه مظنة الغش والتحايل على أحكام القانون، لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق اعتداد مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بعقد البيع المؤرخ 27/ 9/ 1969 وكان يبين من أقوال المورث في تحقيقات النيابة في 24/ 10/ 1967 وما أدلى به أمام كبير الأطباء الشرعيين أن مساحة 10 س 15 ط 2 ف محل التعاقد أرض فضاء فإنها تخرج عن نطاق أحكام القانون رقم 50 لسنة 1969 بشأن الإصلاح الزراعي والمساحة الأخرى أرض زراعية وهي 7 س 6 ط 19 ف تخضع لأحكام القانون المذكور ويكون الحكم المطعون فيه إذ اعتبر العقد في خصوصها وصية مضافة إلى ما بعد الموت فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون بما يوجب نقضه جزئياً في هذا الخصوص.
وحيث إن هذا الموضوع في الجزء المنقوض صالح للفصل فيه، ولما كان الحكم المستأنف قد انتهى إلى بطلان عقد البيع المؤرخ 27/ 9/ 1969 بالنسبة للأطيان الزراعية البالغ مساحتها 7 س 6 ط 19 ف فإنه يتعين إلغاءه ورفض الدعوى في هذا الشق.ش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق