جلسة 19 من مارس سنة 1995
برئاسة السيد المستشار/ حسن عميره نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد الواحد ومصطفى الشناوي ومحمد طلعت الرفاعي وفرغلي زناتي نواب رئيس المحكمة.
-----------------
(87)
الطعن رقم 10175 لسنة 63 القضائية
(1) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي".
الدفاع الشرعي عن النفس. شرع لرد أي اعتداء على نفس المدافع أو على نفس غيره. كفاية أن يكون قد صدر من المجني عليه فعل يخشى معه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي.
الفعل المتخوف منه. ما يكفي لتحققه؟
(2) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
تقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته. أمر اعتباري. المناط فيه للحالة النفسية التي يكون فيها المدافع. عدم جواز محاسبته على أساس التفكير الهادئ بعيداً عن ظروف الحادث.
عدم استظهار الحكم الصلة بين الإصابات التي لحقت بالطاعن وزوجته وبين الاعتداء الذي وقع منه وأثر ذلك في قيام أو عدم قيام حالة الدفاع الشرعي. وإسقاطه الوقائع الثابتة في التحقيق ولم يقسطها حقها إيراداً ورداً. قصور.
مثال.
(3) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير حالة الدفاع الشرعي". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
تقدير القوة اللازمة لرد الاعتداء. وما إذا كان يدخل في حدود حق الدفاع عن النفس أو يتعداه. موضوعي.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل.... عمداً بأن انهال عليه ضرباً بآلة حادة (مطواة) قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وأحالته إلى محكمة جنايات المنيا لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة خمس سنوات.
فطعن المحكوم عليه بطريق النقض.... إلخ.
المحكمة
حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد قد شابه خطأ في تطبيق القانون وفساد في الاستدلال وقصور في البيان، ذلك بأن المدافع عنه قد تمسك أمام المحكمة بقيام حالة الدفاع الشرعي لديه، إلا أن الحكم رد على هذا الدفاع بأنه البادئ بالعدوان وبانتفاء الخطر الحال الذي يتخوف منه وهو ما لا يصلح رداً ويدل على عدم إحاطته بوقائع الدعوى لعدم استظهار الصلة بين الاعتداء الذي وقع على زوجته والاعتداء الذي وقع منه، وأدى ذلك إلى عدم إنزال حكم القانون صحيحاً على الواقعة، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: "بتاريخ الواقعة استقل المتهم.... وزوجته.... نجلة المجني عليه سيارة قيادة.... في طريقهما من قرية.... لمنزل الزوجية بقرية.... - وحال سيرهما بالسيارة خرج عليهما المجني عليه... من الزراعات المجاورة للمقابر ويحمل بكلتا يديه مطواة وعصا وحال أخذ نجلته بالقوة من زوجها المتهم بسبب خلافات سابقة بين المتهم وزوجته وبين والدها مما أثار حفيظة المتهم ضده وعلى إثرها قام المتهم بطعن المجني عليه بمطواة عدة طعنات في مقتل من جسده قاصداً من ذلك إزهاق روحه فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته ولاذ بالفرار وزوجته من مسرح الحادث". وعرض لدفاع الطاعن بقيام حالة الدفاع الشرعي ورد عليه في قوله: ".... الثابت من شهادة.... قائد السيارة والملازم أول.... معاون مباحث مركز.... والنقيب.... رئيس وحدة مباحث مركز.... بتحقيقات النيابة والتي تطمئن المحكمة لشهادتهم أن المتهم هو البادئ - بالعدوان على المجني عليه عندما اعترض المتهم وزوجته داخل السيارة، ولما كان المتهم هو الذي بدأ بالعدوان ومن ثم لا يجوز أن يتمسك بحالة الدفاع الشرعي عن نفسه أو زوجته.... أما بخصوص ما أثاره الدفاع من وجود دفاع شرعي عن عرض الزوجة فمردود عليه أنه لم يثبت من التحقيقات أن اعتداء قد وقع من المجني عليه على زوجة المتهم وقت الاعتداء أو أن اعتداء على وشك الوقوع الفوري من المجني عليه على زوجته - أي لا يوجد خطر حال ومن ثم لا يكون للدفاع الشرعي عن العرض محل أيضاً". لما كان ذلك، وكان حق الدفاع الشرعي عن النفس قد شرع لرد أي اعتداء على نفس المدافع أو على نفس غيره. وكان الأصل أنه لا يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون قد حصل بالفعل اعتداء على النفس أو المال، بل يكفي أن يكون قد صدر من المجني عليه فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي، ولا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطراً حقيقياً في ذاته بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره بشرط أن يكون هذا الاعتقاد أو التصور مبنياً على أسباب معقولة، وتقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري المناط فيه الحالة النفسية التي تخالط ذات الشخص الذي يفاجأ بفعل الاعتداء فيجعله في ظروف حرجة دقيقة تتطلب منه معالجة موقفه على الفور والخروج من مأزقه مما لا يصلح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المتزن المطمئن الذي كان يتعذر عليه وقتئذ وهو محفوف بهذه المخاطر والملابسات. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد في معرض تدليله على توافر نية القتل لدى الطاعن في قوله: "نية القتل متوافرة في حق المتهم من اعتدائه على المجني عليه بمطواة وهي سلاح قاتل بطبيعته وطعنه بها عدة طعنات بالعنق والبطن والظهر وهي أماكن قاتلة في جسده... وذلك انتقاماً لما أخبرته به زوجته من أن المجني عليه اعتدى عليها جنسياً من قبل...". وكان البين من الاطلاع على المفردات - التي أمرت المحكمة بضمها - أن المجني عليه ترصد الطاعن وزوجته في طريق عودتهما إلى منزل الزوجية، واقتحم السيارة التي تقلهما - وهو مسلح بمطواة وعصا - لإرغام ابنته - زوجة الطاعن - على مغادرتها، وإكراهها على العودة معه إلى منزله. ولما لم يفلح الطاعن في دفعه عنها، طعنه بمطواة طعنة واحدة في ظهره بعدها تمكنت الزوجة من الإفلات وولت هاربة وهي مصابة جراء اعتداء المجني عليه عليها - جرح قطعي أسفل الساعد الأيمن طوله 6 سم مع اشتباه قطع بأوتار اليد اليمنى - إلا أن المجني عليه انطلق يعدو خلفها حتى لحق بها واشتبك معه الطاعن الذي عدا خلفه لرفع كيده عنها، وأصيب الطاعن - جرح باليد اليمنى، وجروح باليد اليسرى - كما أصيب المجني عليه بإصابات بالغة. وشهد قائد السيارة - وشهادته دعامة اعتمد عليها الحكم في نفي قيام حالة الدفاع الشرعي - أن المجني عليه اقتحم السيارة - وهو مسلح - لانتزاع زوجة الطاعن إلى خارجها فطعنه هذا الأخير طعنة واحدة في ظهره لأنه "كان عايز يخلص مراته منه" وهو ما قالت بها الشاهدة الأولى "هو ضربه علشان يسيبني" وما شهد به الضابطان - الشاهدان الثالث والرابع - من أن إصابات الطاعن أحدثها به المجني عليه بمطواة كانت معه، وإصابة الزوجة أحدثها المجني عليه أيضاً أثناء محاولته انتزاعها من زوجها ليعيدها إلى منزله. لما كان ذلك، وكان هذا الذي سلف يبرر مسلك الطاعن إذا ما اعتقد - على الأقل - وجود خطر على زوجته، وهو اعتقاد يبرره ما سجله الحكم من أن الزوجة أخبرت زوجها الطاعن بسابقة اعتداء المجني عليه عليها جنسياً، وفيما أقدم عليه المجني عليه - وفاجأ به الطاعن فجعله في ظروف حرجة دقيقة تتطلب منه معالجة موقفه على الفور والخروج من مأزقه - ما يخشى منه الطاعن من وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي، وهذا الاعتداء الذي يرمي إلى دفعه حال وقائم، وأن دفاعه كان موجهاً إلى مصدر الخطر لمنع وقوعه. لما كان ذلك، وكان الحكم لم يتعرض لاستظهار الصلة بين هذه الإصابات التي لحقت بالطاعن وبزوجته وبين الاعتداء الذي وقع منه وأثر ذلك قيام أو عدم قيام حالة الدفاع الشرعي، وأسقط من الوقائع الثابتة في التحقيق - حسبما تقدم البيان - ما يرشح لقيام هذه الحالة، كما لم يعرض لدلالة هذه الوقائع بغير مسخ أو تحريف ويقسطها حقها إيراداً لها ورداً عليها، فإنه - إذ نفى عن الطاعن أنه كان في حالة دفاع شرعي - يكون قد انطوى فيما ذهب إليه، على فهم خاطئ لنظرية الدفاع الشرعي عن النفس، فوق ما شابه من قصور. لما كان ذلك، وكان تقدير القوة اللازمة لرد الاعتداء، وما إذا كان ذلك يدخل في حدود حق الدفاع الشرعي عن النفس أو يتعداه هو من شأن محكمة الموضوع التي حجبت نفسها عن ذلك، بما قررته خطأ من انتفاء حالة الدفاع الشرعي، مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة الجنايات المختصة للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى دون حاجة لبحث الوجه الآخر من الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق