جلسة 23 من يناير سنة 1996
برئاسة السيد المستشار/ محمد حسين لبيب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ رضوان عبد العليم وبدر الدين السيد البدوي نائبي رئيس المحكمة وزغلول البلش وعبد الرحمن فهمي.
-------------------
(16)
الطعن رقم 1931 لسنة 64 القضائية
(1) نقض "التقرير بالطعن وإيداع الأسباب".
عدم إيداع الطاعن أسباباً لطعنه. أثره: عدم قبول الطعن شكلاً.
(2) إثبات "خبرة". مسئولية جنائية. أسباب الإباحة وموانع العقاب "آفة العقل". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير حالة المتهم العقلية". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها". "أثر الطعن".
تقدير حالة المتهم العقلية. موضوعي. وجوب أن تعين المحكمة. خبيراً للبت في هذه الحالة وجوداً وعدماً أو تورد أسباباً سائغة لرفضه. لكي يكون قضاؤها سليماً.
منازعة المتهمة في سلامة قواها العقلية لإصابتها بآفة عقلية. دفاع جوهري. وجوب تحقيقه عن طريق المختص فنياً للبت فيه. إغفال ذلك: قصور. علة ذلك؟
وحدة الواقعة وحسن سير العدالة. أثرهما: نقض الحكم بالنسبة للطاعن الذي لم يقبل طعنه شكلاً.
مثال.
(3) نقض "أثر الطعن".
عدم امتداد أثره الطعن لمن صدر الحكم المطعون فيه بالنسبة له غيابياً. علة وأساس ذلك؟
2 - من المقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية وإن كان في الأصل من الأمور الموضوعية التي تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، إلا أنه يتعين عليها ليكون قضاؤها سليماً أن تعين خبيراً للبت في هذه الحالة وجوداً وعدماً لما يترتب عليها من قيام مسئولية المتهم عن الجريمة أو انتفائها، فإن لم تفعل كان عليها أن تورد في القليل أسباباً سائغة تبنى عليها قضاءها برفض هذا الدفاع، وذلك إذا ما رأت من ظروف الحال ووقائع الدعوى وحالة المتهم أن قواه العقلية سليمة. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أسس إطراحه دفاع الطاعنة على أنه مجرد قول مرسل لا دليل عليه بالأوراق - على خلاف الثابت بالأوراق - ولم يعرض للشهادات الطبية المقدمة من الطاعنة ودلالتها. وكان دفاع الطاعنة على هذه الصورة يعد دفاعاً جوهرياً لأنه ينبني عليه - إن صح أن الطاعنة مصابة بآفة عقلية - امتناع عقابها عن الأفعال المسندة إليها ارتكابها، فإنه كان يتعين على المحكمة حتى يكون حكمها قائماً على أساس سليم أن تحقق دفاع الطاعنة عن طريق المختص فنياً للبت في حالتها العقلية وقت وقوع الفعل أو تطرحه بأسباب سائغة، ولا يقدح في هذا أن يسكت الدفاع عن طلب دعوة أهل الفن صراحة، ذلك بأن منازعة الطاعنة في سلامة قواها العقلية تتضمن في ذاتها المطالبة الجازمة بتحقيق دفاعها والرد عليه بما يفنده، أما وهي لم تفعل واكتفت بما قالته في هذا الشأن، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يوجب نقضه والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن، وذلك بالنسبة إلى الطاعنة الأولى والطاعن الثاني الذي لم يقبل طعنه شكلاً، وذلك لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة.
3 - لما كان الحكم المطعون فيه قد صدر غيابياً بالنسبة للمحكوم عليهما الثالثة والرابع فإنهما لا يفيدان من نقضه، لأن المادة 33 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 لا تجيز للمحكوم عليه الطعن بالنقض في الأحكام الغيابية الصادرة من محكمة الجنايات، ومن لم يكن له أصلاً حق الطعن بالنقض لا يمتد إليه أثره.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من 1 - .... "طاعنة" 2 - .... "طاعن" 3 - ...... 4 - ..... بأنهم: - المتهمون جميعاً. أولاً: اشتركوا في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جنايات التزوير والاستعمال وجنح النصب بأن شكلوا فيما بينهم عصابة لهذا الغرض واتحدت إرادتهم على ارتكاب هذه الجرائم بأن اتفقوا على تأجير السيارة رقم.... ملاكي القاهرة وقاموا باصطناع رخصة تسيير مزورة للمتهمة الأولى وتصرفوا فيها بالبيع تصرف المالك لها على النحو المبين بالتحقيقات. ثانياً: اشتركوا بطريق الاتفاق فيما بينهم في ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو رخصة تسيير السيارة رقم..... ملاكي القاهرة وكان ذلك بطريق الاصطناع بأن اتفقوا على إنشائها على غرار الرخص الصحيحة وقام المتهم الثاني بملئها ومهرها بتوقيعات نسبها زوراً للموظفين بوحدة تراخيص مرور الوايلي وبصم عليها ببصمة خاتم مزورة عزاها زوراً إلى خاتم الجهة سالفة الذكر فتمت الجريمة بناء على ذلك. ثالثاً: اشتركوا بطريق الاتفاق فيما بينهم وبطريق المساعدة مع موظف عام حسن النية هو..... الموثق بمأمورية توثيق الوايلي في ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو محضر التصديق على عقد البيع رقم..... لسنة.... الوايلي حال تحريره المختص بوظيفته وكان ذلك بجعل واقعة مزورة في صورة واقعه صحيحة مع علمهم بتزويرها بأن اتفقوا عليه أن تنتحل الأولى اسماً وهمياً والذي أثبت برخصة التسيير موضوع التهمة الثانية وهو..... ومثلت أمام الموثق سالف الذكر وقدمت إليه الرخصة موضوع التهمة الثانية وبطاقة مزورة تثبت شخصيتها المنتحلة وأقرت أمامه ببيع السيارة سالفة البيان للمجني عليه..... فأجرى الموظف التوثيق وتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. رابعاً: زوروا بواسطة الغير خاتم إحدى الجهات الحكومية (خاتم شعار الجمهورية) الخاص بوحدة تراخيص مرور الوايلي وكان ذلك بطريق الدق اليدوي والتحبير واستعملوه بأن بصموا به الرخصة موضوع التهمة الأولى مع علمهم بتزويره. خامساً: توصلوا إلى الاستيلاء على المبالغ النقدية المبينة بالتحقيقات والمملوكة لـ...... بأن اتفقوا على أن تقوم المتهمة الأولى بالتصرف سالف الذكر بالبيع في السيارة رقم..... ملاكي القاهرة مع أنها غير مالكة لها وليس لها حق التصرف فيها. المتهمة الأولى أولاً: استعملت المحررين المزورين موضوع التهمة الثانية والثالثة بأن قدمت الرخصة موضوع التهمة الثانية إلى مأمورية توثيق الوايلي وقدمت عقد البيع الموثق موضوع التهمة الثالثة لـ..... مع علمها بتزويرهما على النحو المبين بالتحقيقات. ثانياً: ارتكبت تزويراً لمحررين عرفيين هما عقدي البيع الابتدائي المؤرخين ...، .... بأن انتحلت شخصية وهمية هي.... ووقعت عليهما بهذا الاسم المنتحل بما يفيد بيع السيارة رقم...... ملاكي القاهرة لـ.... واستعملتهما بأن قدمتهما إليه مع علمها بتزويرهما على النحو المبين بالتحقيقات. وأحالتهم إلى محكمة جنايات القاهرة لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً للأولى والثاني وغيابياً للثالثة والرابع عملاً بالمواد 40/ 2 - 3، 41، 42، 48/ 1، 206/ 3 - 4، 211، 212، 213، 214، 215، 336/ 1 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 32 من ذات القانون بمعاقبة المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات عما أسند إليهم.
فطعن المحكوم عليهما الأولى والثاني في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.
المحكمة
من حيث إن الطاعن الثاني..... وإن قرر بالطعن بالنقض في الميعاد إلا أنه لم يودع أسباباً لطعنه، ومن ثم تعين القضاء بعدم قبول طعنه شكلاً عملاً بنص المادة 34 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959.
من حيث إن الطعن المقدم من الطاعنة الأولى... قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إن مما تنعاه الطاعنة الأولى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانها - بجرائم الاشتراك في الاتفاق الجنائي والنصب وتقليد أختام والتزوير واستعمال محررات مزورة قد شابه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعنة دفعت بأنها مصابة بآفة عقلية تمتنع معها مسئوليتها الجنائية، ودللت على ذلك بشهادات مرضية قدمتها للمحكمة، ورد الحكم عليها بما لا يصلح رداً، ويخالف الثابت بالأوراق مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعنة دفع بأنها مريضة وتعاني من حالة انفصام، وقدم للتدليل على ذلك - على ما يبين من المفردات المضمونة - صورة ضوئية لشهادة طبية مؤرخة.... صادرة من مستشفى...... ثابت بها أنها تعاني من بؤرة صرع في الجزء الأمامي والصدفي والجداري في المخ مع انتشار هذه البؤرة في المخ كله، وصورة من أورنيك صادر من مصلحة السجون بتاريخ....... ثابت به أن الطاعنة تشكو من مغص كلوي مستمر ودائم تشنجات عصبية، ولديها عيب خلقي بالكلية اليمنى - انقسام في الكلية وازدواج في الحالب - وارتفاع في ضغط الدم، وبؤرة صرعية بالمخ. ويبين من الحكم المطعون فيه أنه عرض لهذا الدفاع وأطرحه بقوله: "وحيث إن ما أثاره الدفاع عن المتهمة الأولى بشأن مرضها بانفصام في الشخصية فمردود عليه بأن ذلك القول مجرد قول مرسل لا دليل عليه من واقع الأوراق، وبالتالي يكون ما أثاره في هذا الصدد بغير سند". لما كان ذلك، وكان تقدير حالة المتهم العقلية وإن كان في الأصل من الأمور الموضوعية التي تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، إلا أنه يتعين عليها ليكون قضاؤها سليماً أن تعين خبيراً للبت في هذه الحالة وجوداً وعدماً لما يترتب عليها من قيام مسئولية المتهم عن الجريمة أو انتفائها، فإن لم تفعل كان عليها أن تورد في القليل أسباباً سائغة تبنى عليها قضاءها برفض هذا الدفاع، وذلك إذا ما رأت من ظروف الحال ووقائع الدعوى وحالة المتهم أن قواه العقلية سليمة. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أسس إطراحه دفاع الطاعنة على أنه مجرد قول مرسل لا دليل عليه بالأوراق - على خلاف الثابت بالأوراق - ولم يعرض للشهادات الطبية المقدمة من الطاعنة ودلالتها. وكان دفاع الطاعن على هذه الصورة يعد دفاعاً جوهرياً لأنه ينبني عليه - إن صح أن الطاعنة مصابة بآفة عقلية - امتناع عقابها عن الأفعال المسندة إليها ارتكابها، فإنه كان يتعين على المحكمة حتى يكون حكمها قائماً على أساس سليم أن تحقق دفاع الطاعنة عن طريق المختص فنياً للبت في حالتها العقلية وقت وقوع الفعل أو تطرحه بأسباب سائغة، ولا يقدح في هذا أن يسكت الدفاع عن طلب دعوة أهل الفن صراحة، ذلك بأن منازعة الطاعنة في سلامة قواها العقلية تتضمن في ذاتها المطالبة الجازمة بتحقيق دفاعها والرد عليه بما يفنده، أما وهي لم تفعل واكتفت بما قالته في هذا الشأن، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يوجب نقضه والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن، وذلك بالنسبة إلى الطاعنة الأولى والطاعن الثاني الذي لم يقبل طعنه شكلاً، وذلك لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد صدر غيابياً بالنسبة للمحكوم عليهما الثالثة والرابع فإنهما لا يفيدان من نقضه، لأن المادة 33 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 لا تجيز للمحكوم عليه الطعن بالنقض في الأحكام الغيابية الصادرة من محكمة الجنايات، ومن لم يكن له أصلاً حق الطعن بالنقض لا يمتد إليه أثره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق