جلسة 9 من فبراير سنة 1993
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد المنعم عبد العظيم جيرة - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ عبد اللطيف محمد عبد اللطيف وعلي شحاته محمد سليمان وأحمد عبد العزيز تاج الدين والطنطاوي محمد الطنطاوي - نواب رئيس مجلس الدولة.
--------------
(68)
الطعن رقم 1392 لسنة 33 القضائية
(أ) المحكمة الإدارية العليا - طعن - تقرير الطعن - إعلانه.
المادة 70 من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1968 - مؤداها: ثمة استقلالاً بين إيداع صحيفة الطعن سكرتارية المحكمة والذي تنعقد الخصومة الإدارية به وبين إعلان ذوي الشأن بهذه الصحيفة - نتيجة ذلك: لا وجه للتمسك بهذه المادة رغم كون عدم الإعلان راجعاً إلى فعل الطاعن وخطئه إذ لم تتضمن عريضة الطعن عنوان المطعون ضده - تطبيق.
(ب) إثراء بلا سبب - أركانه.
المادة 179 من القانون المدني - مؤداها: لكي يكون ثمة إثراء بلا سبب ينشأ عنه إلزام المثري بتعويض الغير عما لحقه من خسارة فلا بد من توافر أربعة أركان: الأول: إثراء المدين والثاني: افتقار الدائن والثالث: علاقة السببية بين الإثراء والافتقار والرابع: انعدام السبب القانوني للإثراء - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأربعاء الموافق 18 مارس سنة 1987 أودعت الأستاذة/ كاميليا عثمان المستشار المساعد بهيئة قضايا الدولة نيابة عن رئيس الوحدة المحلية لمجلس مدينة أشمون سكرتارية المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن ضد..... في حكم محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) الصادر بجلسة 18/ 1/ 1987 في الدعوى رقم 2685 لسنة 39 ق والذي قضى: أولاً: بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لكل من المدعى عليهما الأول والثاني. ثانياً: بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلزام المدعى عليه الثالث بصفته بأن يؤدي إلى المدعي مبلغ 4460 جنيهاً والمصروفات.
وطلبت في ختام تقرير الطعن - لما ساقته من أسباب - الحكم بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغاء الحكم ورفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه - للأسباب التي أوردتها بالتقرير - الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه بشقيه العاجل والموضوعي وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد نظرت دائرة فحص الطعون الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات وبجلسة 5/ 12/ 1990 قررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره أمامها بجلسة 1/ 1/ 1991 ولدى تداول الطعن أمام المحكمة قدم طرفا الخصومة أوجه الدفوع والدفاع التي عنت لهما فقد دفع الحاضر عن المطعون ضده بجلسة 26/ 11/ 1991 باعتبار الطعن كأن لم يكن لعدم الإعلان خلال 90 يوماً من إيداعه وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم وفيها نطق الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وإتمام المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما تفصح به الأوراق - في أن المطعون ضده أقام دعواه ابتداءً أمام محكمة شبين الكوم الابتدائية بتاريخ 5/ 11/ 1983 اختصم فيها الطاعن وآخرين وطلب في ختام صحيفة الدعوى الحكم بإلزام الجهة الإدارية المتعاقدة بأن تؤدي إليه مبلغ 3660 جنيهاً مضافاً إليها تعويضاً مقداره 2000 جنيهاً مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال المدعي في بيان دعواه أنه قد رسا عليه عطاء إنشاء مدرسة ثانوية بقرية اليرانية مركز أشمون على أن يتم التنفيذ في حدود الاعتماد المقرر ومقداره سبعون ألف جنيه وحددت مدة التنفيذ بخمسة أشهر تبدأ من تاريخ استلام الموقع، وقد تسلم الموقع بتاريخ 16/ 2/ 1983 وقدرت الإدارة الهندسية بأشمون كمية الأسمنت اللازمة لأعمال الخرسانة العادية للعملية بمقدار 225 طناً منها 145 طناً مخلوطاً دفعة أولى بالإذن رقم 35 حصة شهر يناير سنة 1983 إلا أن مديرية الإسكان والتعمير طلبت من مجلس مدينة أشمون تعديل كل تصاريح الأسمنت الصادرة في شهري ديسمبر سنة 1982 ويناير سنة 1983 إلى أسمنت عادي فتم تعديل التصريح الصادر للمدعي إلى أسمنت عادي بدلاً من المخلوط، ولعدم ورود الأسمنت العادي استخدم المدعي 120 طناً أسمنت مخلوط في صب الخرسانة العادية مع كميات الأسمنت العادي التي صرفت له حتى لا يترك جوانب الحفر لمدة طويلة بدون صب الخرسانة وحرصاً على إتمام العملية في موعدها، واستطرد المدعي قائلاً أنه على الرغم من ذلك وعلى أن شكوى قدمت ضده وتم تحقيقها قام المدعى عليه الثالث (الطاعن) بخصم مبلغ 3960 جنيهاً من مستحقاته بمقولة أن هذا المبلغ هو فرق الأسمنت المخلوط من الأسمنت العادي للكميات التي استخدمت في صب الخرسانة العادية، ولما اعترض المدعي على هذا الإجراء شكلت لجنة لبحث اعتراضه انتهت إلى وجود بعض كميات الأسمنت العادي التي صرفت إلى المدعي بموقع العمل وبعدم وجود مخالفات في التنفيذ إذ أن الأسمنت المخلوط مسموح باستخدامه في صب الخرسانة العادية حسب المواصفات الفنية لوزارة الإسكان والتعمير فضلاً عن وجود أسمنت عادي بمخازن مجلس مدينة أشمون ووجود أذون للمدعي لم يتم صرفها رغم سداد ثمنها. وبعرض الأمر على إدارة الفتوى لرئاسة الجمهورية والمحافظات رأت بفتواها رقم 84/ 83/ 84 بتاريخ 22/ 12/ 1983 عدم جواز تحميل المدعي بالمبلغ موضوع المطالبة تأسيساً على نفي حدوث إثراء بغير سبب على حساب الإدارة، إلا أن الإدارة أصرت على موقفها مما حدا بالمدعي إلى إقامة دعواه.
وبجلسة 12/ 11/ 1984 حكمت المحكمة الجزئية بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري وتمت الإحالة حيث قيدت الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري برقم 2685 لسنة 39 ق.
وبجلسة 18/ 1/ 1987 قضت محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) أولاً: بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لكل من المدعى عليها الأول والثاني. ثانياً: بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلزام المدعى عليه الثالث بصفته بأن يؤدي إلى المدعي مبلغ 4460 جنيهاً والمصروفات، وأقامت قضاءها على أن موقف الجهة الإدارية المدعى عليها تجاه المدعي قد بني على التسليم بواقعة قيامه ببيع كمية الأسمنت العادي التي حصل على ترخيص بشرائها من السوق بالأسعار الحرة ولم يقم باستخدم الأسمنت في العملية المسندة إليه بينما شكك تقرير اللجنة التي قامت بفحص الموضوع بناءً على تظلمه في صحة تلك الواقعة بما ثبت لها من وجود كمية من الأسمنت العادي بالموقع فضلاً عن الكمية الأخرى التي دفع قيمتها لم يتسلمها بعد بالإضافة إلى ما جاء بتقريرها من أن قيام المقاول باستخدام الأسمنت المخلوط بدلاً من الأسمنت العادي لا يشكل ثمة مخالفة للمواصفات كما أن الكمية التي صرح له بها من الأسمنت العادي تعتبر جزءاً من الكميات الكلية المقررة لإتمام العمل وانتهت اللجنة إلى عدم أحقية الجهة الإدارية في إجراء الخصم من مستحقات المدعي قبلها، وأضافت المحكمة أن الأوراق خلت مما يفيد إخلال المدعي بالتزاماته التعاقدية أو مخالفة للمواصفات الفنية أو افتقار ذمة الإدارة في مقابل إثرائه على حسابها بغير سبب كما أن المدعي لم ينتظر صرف كميات الأسمنت المصرح له بها والتي تأخر صرفها، وقام بتوفير الكميات اللازمة بوسائله الخاصة فلا تثريب عليه أن فعل ذلك، ومن ثم فإن قيام الجهة الإدارية بخصم المبلغ المطالب به من مستحقاته لديها لا يحدث إلا من الواقع أو القانون ويكون قرارها في هذا الشأن معدوماً لانعدام سببه وهو ما يتعين معه إجابة المدعي إلى طلبه بإلزام الجهة الإدارية بأداء هذا المبلغ إليه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك أن مناط خصم المبلغ المحكوم به من مستحقات المطعون ضده هو إثراؤه على حساب الإدارة بغير سبب على أساس أن الثابت من الأوراق أن المقاول قام بصرف كمية من الأسمنت العادي مقدارها 120 طناً على خلاف العادة تنفيذاً للعملية ثم تصرف فيها من السوق الحرة واستخدم بدلاً منها الأسمنت المخلوط حيث يبلغ ثمن طن الأسمنت العادي المدعم 36 جنيهاً وسعر الأسمنت العادي الحر غير المدعم 69 جنيهاً وبذلك يكون قد استفاد من فرق السعر بمبلغ 3960 جنيهاً هو المخصوم منه كما يقوم الطعن على أن الحكم المطعون فيه قد شابه فساد في الاستدلال حين أشار إلى افتقار ذمة المطعون ضده بما أنفقه مقابل الأسمنت الذي استخدمه إذ أن هذا الافتقار لم يرد في صحيفة الدعوى ولم يشر المطعون ضده إلى قيمته مما يتعين معه إلغاء الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن المطعون ضده دفع باعتبار الطعن كأن لم يكن تأسيساً على أن الجهة الطاعنة لم تعلنه بصحيفة الطعن إلا بعد مضي أكثر من تسعين يوماً من تاريخ إيداع هذه الصحيفة وكان هذا راجعاً إلى فعل الطاعن وخطئه إذ لم تتضمن عريضة الطعن عنوان المطعون ضده وهو ما يجيز للمحكمة بناءً على طلب المدعى عليه (المطعون ضده) الحكم باعتبار الطعن كأن لم يكن إعمالاً لحكم المادة 70 من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي نصت على أنه: "يجوز بناءً على طلب المدعى عليه اعتبار الدعوى كأن لم تكن إذا لم يتم تكليف المدعى عليه بالحضور في خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تقديمه الصحيفة إلى قلم الكتاب وكان ذلك راجعاً إلى فعل المدعي".
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن ثمة استقلال بين إيداع صحيفة الطعن سكرتارية المحكمة والذي تنعقد الخصومة الإدارية به وبين إعلان ذوي الشأن بهذه الصحيفة، ومن ثم فلا وجه للتمسك بحكم المادة 70 من قانون المرافعات في هذا الصدد وإذا كانت المادة 44 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 قد أوجبت أن يتضمن تقرير الطعن الذي يودع قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا - ضمن بياناته - بياناً بموطن الخصوم إلا أن إغفال هذا البيان وذكره مخالفاً للحقيقة ليس من شأنه أن يبطل الطعن طالما تم تدارك الأمر.
وأعلن المطعون ضده ومكن من إبداء أوجه دفاعه كاملة في الطعن مما يجعل الدفع ببطلان الطعن للخطأ في بيان موطن المطعون ضده في غير محله حرياً بالالتفات عنه.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى موضوع الطعن فإن الثابت من أوراق الطعن أن الجهة الإدارية الطاعنة استندت في قيامها بخصم مبلغ 3960 جنيهاً من مستحقات المطعون ضده عن أعمال عقد إنشاء المدرسة الثانوية بناحية البرانية مركز أشمون إلى قاعدة الإثراء بلا سبب بمقولة أن المطعون ضده قد تسلم كمية قدرها 120 طناً من الأسمنت العادي بسعر مدعم مقداره 36 جنيهاً للطن على ذمة إتمام العملية موضوع العقد الإداري إلا إذا لم يستعملها فيها وقام بببيعها في السوق الحرة بسعر بلغ 69 جنيهاً للطن واستعمل بدلاً منها كمية من الأسمنت المخلوط الذي قام بشرائه على حسابه الخاص ولم تعين الجهة الإدارية سبباً آخر لهذا الخصم يتعلق بعمل تنفيذ العقد المبرم بينها وبين المطعون ضده.
ومن حيث إن المادة 179 من القانون المدني تنص على أن "كل شخص ولو غير مميز يثرى دون سبب مشروع على حساب شخص آخر يلزم في حدود ما أثرى به بتعويض هذا الشخص عما لحقه من خسارة".
ومؤدى هذا النص لكي يكون ثمة إثراء بلا سبب ينشأ عنه إلزام المثرى بتعويض الدائن عما لحقه من خسارة لا بد من توافر أربعة أركان: الأول: إثراء المدين والثاني: افتقار الدائن. والثالث علاقة السببية بين الإثراء والافتقار. والرابع : انعدام السبب القانوني للإثراء. فإذا فقدت هذه الأركان كلها أو أحدها لم يكن ثمة إثراء بالمعنى الذي قصد المشرع في المادة 179 من القانون المدني.
ومن حيث إن الثابت من الوقائع والأوراق أن صرف كميات الأسمنت العادي من قبل المطعون ضده من الجهة الإدارية المتعاقدة كان بسبب عقد المقاولة المبرم بين الطرفين لإتمام عملية إنشاء المدرسة الثانوية المشار إليها، وإذ كان المطعون ضده قد قام باستعمال كميات من الأسمنت المخلوط وهو ما يتفق والمواصفات الفنية فإن ذلك كان بسبب تأخير تسليم كميات الأسمنت العادي له في الوقت المناسب كي يوفي بالتزامه من إتمام العملية في الموعد المحدد له بالعقد وقد تكبد المقاول (المطعون ضده) ثمن كمية الأسمنت المخلوط التي اشتراها على حسابه، وبذلك يتبين أن ما حصل عليه المطعون ضده من كميات الأسمنت العادي التي قام ببيعها بعد ذلك لعدم حاجته إليها كان بسبب مشروع هو أحكام العقد المبرم بين الطرفين وبذلك فلم يكن ثمة إثراء منه بغير سبب مشروع كما أنه لم يكن هذا الإثراء كاملاً بسبب تحمل المطعون ضده فروق الحصول على كمية الأسمنت المخلوط على حسابه الخاص فضلاً عن عدم وجود افتقار واضح من قبل الجهة الإدارية بسبب تصرف المقاول فيما تبقى لديه من كمية الأسمنت العادي الذي حصل عليه من الإدارة، وإذ تداعت على هذا النحو أكثر أو كان الإثراء بلا سبب فقد تداعى بدوره سبب خصم المبالغ التي قامت الإدارة بخصمها من مستحقات المطعون ضده وليس ثمة شك في أن خصم هذه المبالغ وحجبها عن المقاول دون استحقاقها حتى تاريخ صدور الحكم المطعون فيه قد سبب ضرراً له مما حدا بالحكم المطعون فيه بجبر هذا الضرر بالحكم له بتعويض مقداره 500 جنيهاً، وتخلص المحكمة من ذلك إلى أن الحكم المطعون فيه وقد قضى بإلزام الإدارة (الطاعنة) برد المبالغ التي قامت بخصمها من مستحقات المطعون ضده بغير حق وتعويضه عن ذلك فقد أصاب الحق ويكون الطعن على هذا الحكم قد جاء على غير سند من الواقع أو القانون جديراً بالرفض.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.