جلسة أول يناير سنة 1953
برياسة حضرة الأستاذ أحمد محمد حسن رئيس المحكمة، وبحضور حضرات الأساتذة إبراهيم خليل ومحمد أحمد غنيم وإسماعيل مجدي ومصطفى حسن المستشارين.
-----------------
(127)
القضية رقم 888 سنة 22 القضائية
استئناف.
حق المتهم في الاستئناف. مناطه مقدار العقوبة المحكوم بها. حق النيابة. مناطه ما تبديه من طلبات. القول بأن للنيابة أن تستأنف أي حكم صادر في الجنح والمخالفات يزيد الحد الأقصى للغرامة المقررة لها على خمسة جنيهات مهما كان مقدار الغرامة المحكوم بها قليلا أو كثيرا. غير صحيح.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة (المطعون ضده) بأنه بنجع حمادي: بدد زراعة القصب المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والمحجوز عليها قضائيا لصالح بدور محمد يونس إضرارا بها والمسلمة إليه على سبيل الأمانة لتقديمها يوم البيع حالة كونه حارسا, وطلبت عقابه بالمادتين 341 و342 من قانون العقوبات. ومحكمة نجع حمادي الجزئية قضت حضوريا عملا بالمواد 341 و55 و56 من قانون العقوبات بحبس المتهم أسبوعين مع الشغل مع وقف التنفيذ. فاستأنفت النيابة, ومحكمة قنا الابتدائية قضت بعدم جواز الاستئناف. فطعنت النيابة في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون إذ قضى بعدم جواز استئناف النيابة عن الحكم الصادر من المحكمة الجزئية بحبس المتهم أسبوعين مع وقف التنفيذ لتبديده حاصلات محجوزة تطبيقا للمادتين 341 و342 من قانون العقوبات, تأسيسا على أن النيابة لم تطلب في الجلسة سوى تطبيق هاتين المادتين, وقد طبقتهما المحكمة وقضت بعقوبة الحبس في الحدود المقررة للجريمة, وأن المادة 402 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على جواز استئناف النيابة للأحكام الصادرة من المحاكم الجزئية في المخالفات والجنح إذا طلبت الحكم بغير الغرامة والمصاريف أو بغرامة تزيد على خمسة جنيهات وحكم ببراءة المتهم أو لم يحكم بما طلبته, ذلك على ما تقول النيابة في الطعن بأن المشرع إذ نص في المادة 402 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه يجوز للنيابة أن تستأنف الأحكام الصادرة في المخالفات والجنح إذا طلبت الحكم بغير الغرامة والمصاريف أو بغرامة تزيد على خمسة جنيهات فإنه لم يقصد بذلك أن يخول للنيابة سلطة طلب مقدار معين من عقوبة معينة فيرتب جواز استئنافها للحكم على عدم إجابته طلباتها لما في ذلك من مجافاة لطبيعة الدعوى الجنائية والأسس التي يقوم عليها نظام العقوبة في قانون العقوبات من ترك الحرية للقاضي في تقدير العقوبة حسب وقائع كل دعوى في نطاق الحدود المقررة للجريمة بالقانون, بل إن كل ما يجوز للنيابة إبداؤه هو بيان ظروف الدعوى وما يستدعي منها تشديد العقاب دون أن يحل لها أن تتجاوز ذلك إلى تحديد ما يحكم به من عقوبة بعينها فتطلب قدرا معينا من الغرامة أو مدة معينة من الحبس. ولما كانت الفقرة الأولى من المادة 402 المشار إليها قد جعلت مناط جواز استئناف المتهم هو العقوبة المقضي بها بينما جعلته بالنسبة للنيابة منوطا بطلباتها فإن التفسير الصحيح هو أن النيابة إذا طلبت تطبيق مادة تنص على غرامة يزيد حدها الأقصى على خمسة جنيهات فإنها تعتبر أنها طلبت الحكم بغرامة تزيد على خمسة جنيهات والقول بغير ذلك يجعل معيار الاستئناف مختلفا بالنسبة إلى النيابة عنه بالنسبة إلى المتهم مما يترتب عليه نتيجة عجيبة هى إجازة الاستئناف للمتهم في أحوال لا يجوز ذلك للنيابة فيها.
وحيث إن قانون الإجراءات الجنائية إذ تحدث عن الاستئناف في الباب الثاني من الكتاب الثالث الخاص بطرق الطعن في الأحكام قد نص في المادة 402 على ما يأتي: "يجوز استئناف الأحكام الصادرة في الدعوى الجنائية من المحكمة الجزئية في المخالفات وفي الجنح: - 1 - من المتهم إذا حكم عليه بغير الغرامة والمصاريف أو بغرامة تزيد على خمسة جنيهات - 2 - من النيابة العامة إذا طلبت الحكم بغير الغرامة والمصاريف أو بغرامة تزيد على خمسة جنيهات وحكم ببراءة المتهم أو لم يحكم بما طلبته" والواضح من هذا النص ومن نصوص المادتين 403 و404 التي صدرت بعبارة "يجوز الاستئناف...". ومن نص المادة 405 التي صدرت بعبارة "لا يجوز قبل أن يفصل في موضوع الدعوى استئناف الأحكام التحضيرية..." أن المشرع قد بين على سبيل الحصر الأحوال التي يجوز فيها الاستئناف وأن ما عدا ذلك من الأحكام الصادرة من المحكمة الجزئية في مواد المخالفات والجنح فإنه لا يجوز استئنافه. ولما كانت العبارات التي استعملها في المادة 402 سواء في فقرتها الأولى أو الثانية صريحة في التفرقة بين مناط حق المتهم في الاستئناف الذي جعله المشرع تابعا لمقدار العقوبة المحكوم بها وبين حق النيابة الذي علقه على ما تبديه من طلبات وكان التعبير بعبارة "إذا طلبت الحكم" إنما ينصرف إلى ما تطلبه في الواقع من المحكمة سواء أكان هذا الطلب قد ضمنته ورقة تكليف المتهم بالحضور أم أبدته شفاهيا بالجلسة. ولو أراد المشرع أن يجعل حق النيابة في الاستئناف مترتبا على الحد الأقصى للعقوبة المقررة في النص الذي تطلب معاقبة المتهم بمقتضاه لما أعجزه النص على ذلك بعبارة يسيرة صريحة لا تحتاج إلى التأويل والتخريج الذي تذهب إليه النيابة. على أنه لو أخذ بنظرية النيابة من أن لها أن تستأنف الحكم الصادر في أية جنحة يزيد الحد الأقصى للغرامة المقررة لها على خمسة جنيهات مهما نقص مقدار الغرامة المحكوم بها لكانت النتيجة أن يفتح باب الاستئناف للنيابة في أحوال هو مغلق فيها في وجه المتهم الذي لا يجوز له الاستئناف إلا إذا كانت الغرامة المحكوم بها عليه تزيد على خمسة جنيهات, وهذه النتيجة لا يمكن أن يكون المشرع قد قصدها ويكون الاستدلال بغرابة نتيجة التفرقة بين مناط حق المتهم والنيابة في الاستئناف ساقطا, إذ لاشك في أن التوسيع على المتهم في الاستئناف في أحوال لا يقبل فيها استئناف النيابة أولى من العكس الذي يرمي إلى التوسيع على النيابة في أحوال لا يجوز للمتهم فيها أن يستأنف. هذا إلى أن نص القانون صريح في المعنى الأول دون الثاني. لما كان كل ذلك فإن ما ساقته النيابة في الطعن لا يكون له محل.
وحيث إنه لا يجدي في هذا المقام القول بأن تقدير العقوبة من شئون قاضي الموضوع وأن ليس للنيابة أن تعتدي على ما خصه به القانون من حرية التقدير, فإنه ليس مما يؤثر في هذه الحرية أن تبسط النيابة للقاضي ظروف الدعوى الموجبة في رأيها لتشديد العقوبة أو للحكم بنوع من العقوبات المقررة في القانون للجريمة أو بعقوبة لا تقل عن قدر معين من الغرامة أو عن مدة معينة من الحبس, ليس ذلك مما يؤثر في حرية القاضي ما دام له هو أن يقضى بما يراه وما دام القانون قد رتب حقها في الاستئناف على ذلك.
وحيث إنه باستقرار الأعمال التحضيرية لقانون الإجراءات الجنائية يتبين أن اللجنة المؤلفة لتعديل القانون كانت قد اقترحت هذه القيود على حق الاستئناف سواء بالنسبة للمتهم أو للنيابة ولكنها قصرت ذلك على الجرائم البسيطة وأن يكون المقياس هو عين المقياس الذي اتبع في صدد الأوامر الجنائية, أما الجرائم التي لا يجوز إصدار العقوبة فيها بأمر جنائي فقد رأت إطلاق حق الاستئناف بالنسبة للنيابة والمتهم فيكون للمتهم أن يستأنف كل حكم من هذه الأحكام, كما يجوز للنيابة أن تستأنف أي حكم صادر فيها بالبراءة أو الإدانة "بغير نظر إلى طلباتها في الجلسة" (على ما عبرت به اللجنة) فلما عرض المشروع على البرلمان رأى مجلس الشيوخ أن لا وجه لهذه التفرقة وعدل النص بما يسوي بين الأحكام في الجنح الصادرة من المحاكم الجزئية ووافق مجلس النواب على ذلك, ثم صدر القانون بما رأه المجلسان. ويتضح من ذلك أن اللجنة التي استحدثت هذه النصوص قد ذكرت صراحة في مذكرتها أن العبرة في طلبات النيابة هى بما تبديه في الجلسة وأن التفرقة في المقياس بين حق المتهم وحق النيابة في الاستئناف مقصودة من واضعي النصوص.
وحيث إنه مع صراحة النص واتفاقه مع الغرض الذي أفصحت عنه الأعمال التحضيرية للقانون لا يكون هناك محل للاجتهاد الذي تذهب إليه النيابة ولا الاستئناس بالتشريعات الأجنبية ويتعين لذلك رفض الطعن. أما ما تقوله النيابة من أنه كان يتعين على المحكمة انتظار ورود سوابق المتهم فلا وجه له, لأنها هى التي رفعت الدعوى على المتهم, وطلبت عقابه, فأصدرت المحكمة حكما غير جائز استئنافه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق