جلسة 22 من يونيه سنة 1953
المؤلفة من حضرة المستشار إسماعيل مجدي رئيسا, وحضرات المستشارين: مصطفى حسن, وحسن داود, وأنيس غالي, ومصطفى كامل أعضاء.
-----------------
(358)
القضية رقم 870 سنة 23 القضائية
خطف طفل.
ركن التحيل. يكفي لقيامه أن يقع على من يكون المجني عليه في كفالته.
الوقائع
اتهمت النيابة العمومية: 1 - محمد متولي الحضري و2 - عبد الله إبراهيم راضي و3 - أحمد محمد المصري (الطاعنين الثلاثة) و4 - منيره العزب عبد ربه و5 - روحيه أحمد المصري بأنهم خطفوا بالتحيل الطفل عبد الله عبد الحميد راضي الذي لم يبلغ سنه ست عشرة سنة كاملة, وذلك بأن خاطب أحدهم ناظر المدرسة التي يلتحق بها المجني عليه وطلب إليه السماح له بالخروج لوفاة إحدى قريباته ثم أركبه المتهم الأول سيارة أعدها لذلك ورافقه من طنطا إلى طوخ حيث أخفاه في منزل المتهمين الثلاثة الأخيرين, وطلبت من قاضي الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمادة 288 من قانون العقوبات فقرر بذلك. وادعى بحق مدني عبد الحميد عبد الله راضي والد المجني عليه وطلب الحكم له قبل المتهمين الأول والثالث والرابعة والخامسة متضامنين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف وأتعاب المحاماة. ومحكم جنايات طنطا قضت حضوريا أولا: بمعاقبة كل من محمد متولي الحضري وعبد الله إبراهيم راضي وأحمد محمد المصري بالسجن لمدة خمس سنوات وبمعاقبة كل من منيره العزب عبد ربه وروحيه أحمد محمد المصري بالحبس مع الشغل لمدة ثلاثة أشهر وذلك عملا بالمادة 288 من قانون العقوبات للجميع وبالمادة 17 عقوبات للمتهمين الرابعة والخامسة. وثانيا: بإلزام كل من محمد متولي الحضري وأحمد محمد المصري ومنيرة العزب عبد ربه وروحيه أحمد محمد المصري بأن يدفعوا متضامنين للمدعي بالحقوق المدنية بصفته قرشا صاغا واحدا والمصاريف المدنية وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليهم الثلاثة الأول في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
ومن حيث إن الطاعن الثالث وإن قرر بالطعن في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسبابا لطعنه فيكون غير مقبول شكلا.
ومن حيث إن الطاعن الأول يعيب على الحكم المطعون فيه قصوره ويقول إنه انطوى على خطأ في الإسناد كما يعيب عليه الطاعن الثاني كذلك قصوره وخطأه في تطبيق القانون.
ومن حيث إن حاصل الوجه الأول من الطعن الأول أن الحكم المطعون فيه أسس ركن التحيل على عمليتين إيجابيتين وهما الاتصال بإدارة المدرسة الخاصة لإخراج المجني عليه بحجة وفاة جدته واستدراج الطاعن للمجني عليه بعد خروجه من المدرسة ونقله بالسيارة بحجة وفاة جدته وأنه سائر إلى حيث كان ينتظره والده ومع ذلك فإن الحكم لم يستطع تحديد الشخص الذي قام بالاتصال التليفوني ولم يأت بدليل على أن هذا الاتصال كان بتدبير الطاعن وعلمه, أما واقعة استدراج الطاعن للمجني عليه بالحيلة فإن الحكم المطعون فيه لم يذكر كلمة عن المصدر الذي استقى منه هذه الواقعة التي لا اصل لها في الأوراق ولم يأت بدليل ضد الطاعن عليها, ثم إذا كان قد تحدث عن الصلة القائمة بين المجني عليه والطاعن الثاني, وقال إن هذه الصلة هى مصدر معرفة الطاعن بالمجني عليه الذي اعتاد الذهاب يوميا من منزل والده إلى المدرسة الخاصة بطنطا والرجوع منها وأن الخال هو الذي فكر في خطف المجني عليه واتفق مع الطاعن على ارتكاب جريمة الخطف للصلة التي بينهما, فإن هذا الاتفاق بفرض حصوله لا يدل على أن التحيل كان من خطط الجريمة وبجانب ذلك فإن أسباب الحكم فيه صدد الاتفاق مقامة على التخمين.
ومن حيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر أن التحيل وقع على إدارة المدرسة الخاصة التي كان يتلقى فيها المجني عليه دروسه وأنه حصل من شخص انتحل شخصية والد المجني عليه واتصل أولا بكاتب المدرسة وأخبره بوفاة جدة المجني عليه وطلب إليه أن يأذن له بالخروج للسفر مع عائلته للبلدة. ولما استبطأ خروج المجني عليه اتصل بناظر المدرسة وكرر نفس الرواية مبديا التأثر والألم من عدم خروج المجني عليه فخدع الناظر بتلك الحيلة وأذن للمجني عليه بالخروج واستظهر أنه عند خروجه وجد الطاعن ينتظر أمام باب المدرسة ومعه سيارة أقله بها إلى بلدة طوخ, ولما كان يكفي لقيام ركن التحيل أن يقع على من يكون المجني عليه في كفالته وليس من الضروري أن يقع على المجني عليه نفسه متى كان هذا التحايل قد مكن الجاني من خطف المجني عليه وكان ما أثبته الحكم من انتظار الطاعن للمجني عليه على باب المدرسة بالسيارة بعد مخاطبة إدارة المدرسة مرتين بالتليفون للسماح بخروجه من شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم من أن هاتين المكالمتين حدثتا من أحد الطاعنين أو من آخر من قبلهما. ولما كان الحكم قد استظهر الاتفاق بين الطاعنين الأول والثاني من أقوال الطاعن الأول وساق للتدليل على سوء نية الطاعن أدلة استمدها من أوراق الدعوى فإن هذا الوجه يكون لذلك على غير أساس ويتعين رفضه.
ومن حيث إن حاصل الوجه الثاني من الطعن أن الحكم أتى بوقائع لا اصل لها في الأوراق فقد قال إن الطاعن قابل المجني عليه عند خروجه من المدرسة واستفسر منه عما إذا كان هو عبد الله إبراهيم راضي فلما أجابه بالإيجاب وضع عصابة على عينية وأركبه السيارة في حين أن المجني عليه لم يذكر ما قاله الحكم لا في تحقيقات النيابة ولا أمام المحكمة وتظهر أهمية هذا الخلاف متى روعي أن دفاع الطاعن يقوم على أنه كان حسن النية وأنه تسلمه من خاله وهو لا يعلم بأنه مخطوف ولم يكن يعرفه من قبل حتى كان ينتظره على باب المدرسة ومع أن الحكم لم يأخذ بما قاله المجني عليه من وضع عصابة على عينيه إلا أنه أخذ بأن الطاعن استدرج المجني عليه ونقله بالسيارة من طنطا لطوخ وقال إنه يعزز ذلك باعتراف الطاعن والمتهمين الثلاثة الأخيرين مع أن الطاعن لم يعترف لا بالاستدراج ولا بالإخفاء؛ وجاء في الحكم أن الطاعن أقر بالوقائع الواردة في تحريات رئيس مباحث مديرية الغربية ومنها أن الحادث وقع بتدبير الطاعن الثاني وهو قريب والد المجني عليه وأن الطاعن الثاني قام بدور الوسيط وتسلم مبلغ الحلاوة وقدره 1500 جنيه, وبعد افتضاح أمره أعاد المبلغ لوالد المجني عليه في حين أن الطاعن لم يقر بشئ من ذلك.
ومن حيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت وقوع التحيل على إدارة المدرسة التي كانت متكلفة بالمجني عليه وأنها بسبب هذه التحايل أذنت للمجني عليه بالخروج من المدرسة وكان الطاعن في انتظاره بالسيارة ونقله بها إلى بلدة طوخ على ما ذكره المجني عليه, ولما كان الطاعن ذاته قد أقر بنقل المجني عليه بالسيارة من بندر طنطا إلى طوخ ولم يأخذ الحكم بما ادعاه من حسن نيته ودلل على سوء نيته وتوافر القصد الجنائي عنده بأدلة سائغة استمدها من أوراق الدعوى, فإن هذا الوجه من الطعن لا يعدو أن يكون مجادلة في الدليل ومبلغ الاطمئنان إليه مما لا محل لإثارته أمام هذه المحكمة ومن ثم يتعين رفضه أيضا.
ومن حيث إن حاصل الوجه الأول من طعن الطاعن الثاني أن الحكم دان الطاعن في جناية الخطف مع أنه لم يباشر عملا من أعمال التنفيذ وقال في بيان واقعة الدعوى إن الطاعن فكر في اختطاف المجني عليه ثم إرجاعه إلى ذويه مقابل جعل, فاتفق مع محمد متولي الخضري المتهم الأول الذي كان على صلة وثيقة به على مقارفة هذه الجريمة وأخذا معا في تدبير طريقة لاختطاف المجني عليه بطريق التحيل وإبعاده عن ذويه الذين لهم حق رعايته فترة من الزمن يتم فيه الاستيلاء على الجعل المرغوب فيه. وقالت المحكمة بعد ذلك إن الشارع في جريمة الخطف اعتبر مرتكب الجريمة فاعلا أصليا سواء ارتكبها بنفسه أو بواسطة غيره أي أنه سوى بين الفعل المادي والفعل الأدبي (المحرض للجريمة) فلا محل للبحث في الاشتراك وهذا غير سديد منها. إذ كان يجب أن يبين الأفعال التي وقعت من الطاعن والتي يصح وصفها في القانون بأنها تكون فعل الخطف بواسطة الغير وقد اعتبرت المحكمة الطاعن محرضا على ارتكاب الخطف فكان الأمر يقتضيها أن تبين واقعة التحريض هذه وتورد الدليل عليها من واقع الأدلة المقدمة في الدعوى وأن تبين ما للمحرض على الشخص من نفوذ أو سلطة حتى يستمع إلى تحريضه, أما وهى لم تفعل ذلك فإن حكمها يكون قاصر البيان.
ومن حيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه ارتكب جريمة خطف المجني عليه بالتحيل عن طريق تحريضه الطاعن الأول على ارتكابها وذلك بالأدلة السائغة التي أوردها الحكم والتي من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي رتبها الحكم عليها, وأولها اعتراف الطاعن الأول بأنه نقل المجني عليه بناء على تكليف الطاعن الثاني له, ولما كانت المادة 288 عقوبات تنص على عقاب كل من اختطف بالتحيل أو الإكراه طفلا لم يبلغ ست عشرة سنة كاملة بنفسه أو بواسطة غيره وكانت قد سوت بذلك بين من يرتكب الفعل المادي للخطف وبين من يحرض على ارتكاب هذا الفعل. ولما كان من شأن هذا النص أن يجعل الحكم في حل من استظهار توافر شروط الاشتراك المنصوص عليها في المادتين 40و41 من قانون العقوبات اكتفاء بإثبات مقارفة المتهم لجريمة الخطف بواسطة غيره بالصورة الواردة في المادة 288 لما كان ذلك فإن هذا الوجه يكون على غير أساس ويتعين لذلك رفضه.
ومن حيث إن الوجه الثاني من الطعن يتحصل في أن الخطف وقع ليكون وسيلة لابتزاز المال من أهل المجني عليه مقابل إرجاعه وقد وقع الخطف في يوم 23 فبراير سنة 1950 وأعيد المخطوف إلي أهله في يوم 27/ 2/ 1950 وكان الحديث حول إعادته في يوم 25 فبراير سنة 1950 وهو اليوم الذي سحب فيه والد المجني عليه المبلغ من البنك ليقدمه فدية لرد ابنه ومعلوم أن الخطف يجب أن يكون بإبعاد المجني عليه عن ذويه لمدة طويلة نوعا بحيث إذا كان مؤقتا ولمدة قصيرة فلا يصح وصف الحادث بأنه خطف. ومادام الحكم يسلم بأن إبعاد المجني عليه عن ذويه لم يكن إلا لمدة قصيرة وكان ملحوظا فيه من أول الأمر رده إلى ذويه بعد مساومتهم على الجعل, فإن اعتبار الحادث جريمة خطف ومعاقبة الطاعن على هذا الأساس لا يكون صحيحا.
ومن حيث إنه لما كان العنصر المادي لجريمة الخطف يقوم على تعمد الجاني انتزاع المخطوف من بيئته وقطع صلته بأهله أيا كان غرض الجاني من ذلك. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الطاعن خطف المجني عليه بواسطة الطاعن الأول بطريق التحيل وأبعده عن المدرسة التي كان في كفالتها وحال بينه وبين العودة إلى بيته وبيئته وقطع صلته بأهله ونقله إلى طوخ حيث حجز في غرفة بمنزل الطاعن الثالث وكان لا يسمح له بالخروج منها وظل على ذلك خمسة أيام, ولما كان ذلك يجعل أركان الجريمة كلها متوافرة, فإن هذا الوجه يكون كذلك على غير أساس ويتعين رفضه.
ومن حيث إن حاصل الوجه الثالث من الطعن أن المحكمة لم تستظهر استظهارا كافيا سن المجنى عليه مع أنه ركن من أركان الجريمة واكتفت بالقول بأن الثابت من شهادة ميلاده أنه يقل عن ست عشرة سنة.
ومن حيث إن هذا الوجه مردود بأن ما ينبغي على المحكمة بيانه لتوافر هذا الركن من الجريمة, هو أن يكون سن المجني عليه اقل من ست عشرة سنة, وليست ملزمة أن تذكر السن على وجه التحديد, وأن الحكم أوضح أن سن المجني عليه أقل من ست عشرة سنة واستند في ذلك إلى شهادة ميلاده المقدمة ضمن أوراق الدعوى والتي كانت تحت نظر الطاعن ولم يجادل الطاعن في صحة ما استمده الحكم من شهادة الميلاد فضلا عما هو ثابت من محضر الجلسة من أن المحكمة قدرت سن المجني عليه باثنتي عشرة سنة.
ومن حيث إنه لما تقدم يتعين قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق