جلسة 30 من يونيه سنة 1953
المؤلفة من حضرة رئيس المحكمة الأستاذ أحمد محمد حسن رئيسا, وحضرات المستشارين: إسماعيل مجدي, وحسن داود, ومحمود إبراهيم إسماعيل, وأنيس غالي أعضاء.
-----------------
(364)
القضية رقم 72 سنة 23 القضائية
(أ) إثبات.
محكمة الموضوع. لها أن توازن بين التقارير الطبية وتأخذ بما تراه منها.
(ب) قتل خطأ.
نفي المتهم الخطأ المنسوب إليه بعدم علمه بمنشور وزارة الداخلية الذي يقضي بإرسال المعقورين إلى مستشفى الكلب. لا يصح. وجوب إلمامه بجميع التعليمات سواء أكانت صدرت قبل تعيينه أم بعد ذلك.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: المتهم الأول - تسبب من غير قصد لا تعمد في قتل كمال فرج بطرس بالإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي وكان ذلك ناشئا عن إهماله وعدم احتياطه بأن ترك كلبه العقور بلا كمامة ولا حراسة فعقر المجني عليه وأصيب بالإصابات سالفة الذكر والتي أودت بحياته والمتهم الثاني تسبب من غير قصد ولا تعمد في قتل المجني عليه سالف الذكر وكان ذلك ناشئا عن إهماله وعدم مراعاته للوائح بأن أهمل علاجه ولم يرسله إلى مستشفى الكلب رغم إصابته بعقر كلب بالوجنة فأودت هذه الإصابات بحياته, وطلبت عقابهما بالمادة 238 من قانون العقوبات. وقد ادعت الست شفيقة فرج والدة المجني عليه بحق مدني قبل المتهمين متضامنين وطلبت القضاء لها قبلهما بمبلغ 1000 جنيه بصفة تعويض. ومحكمة ميت غمر الجزئية قضت فيها حضوريا عملا بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات ببراءة المتهمين من التهمتين المسندتين إليهما بلا مصاريف جنائية ورفض الدعوى المدنية الموجهة إليهما وألزمت رافعها بمصاريفها. فاستأنفت المدعية بالحق المدني كما استأنفته النيابة. ومحكمة المنصورة الابتدائية بهيئة استئنافية قضت حضوريا عملا بمادة الاتهام وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وبتغريم كل من المتهمين خمسين جنيها مصريا وإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعية بالحق المدني مبلغ خمسمائة جنيه والمصروفات المدنية المناسبة عن الدرجتين ومبلغ 10 جنيهات أتعاب محاماة. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
وحيث إن الطاعن الأول يبني الوجه الأول من طعنه على أن الحكم المطعون فيه قد شابه القصور والتناقض, ذلك أن الحكم الابتدائي الصادر ببراءته قد بين وجوه الخلاف بين أقوال شهود الرؤية, ولكن الحكم الاستئنافي لم يرد على هذا الخلاف, بل اعتمد على رواية شقيق المصاب وأقوال الكونستابل رمزي زكي من أن الكلب عرض على المصاب قبل وفاته فأكد أنه هو الذي عقره مع أن شقيق المصاب عدل عن هذه الرواية في التحقيق وصف الكلب الذي عقر أخاه بأنه أسود ملون ببني في حين أن الكلب الذي عرض عليه لونه أبيض وأحمر, وكان يجب على المحكمة أن تبين لم اعتمدت على إحدى الروايتين دون الأخرى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قال في معرض بيان واقعة الدعوى "إن ناظر مدرسة الأقباط بميت غمر قد أبلغ بتاريخ 9 من نوفمبر سنة 1948 أن كلبا عقر المجني عليه وهو في طريقه بصحبة أخيه رشاد إلى المدرسة فلما حقق البلاغ قرر المجني عليه أنه وهو سائر في صحبة أخيه رشاد إلى المدرسة صباح يوم الحادث خرج عليهما من الباب القبلي لمطحن المتهم الأول كلب وصفه بأنه أسود على أبيض وعقره حول عينه اليسرى وأشهد أخاه وحافظ دحروج اللذين قالا بما قال به, ولقد انتقل المحقق إلى المطحن في صحبة رشاد وفرج بطرس أخي المجني عليه فوجد كلابا ثلاثة أرشده رشاد على واحد منها لونه أسود على أبيض فجئ به وعرض على المصاب فأكد بأنه الكلب العاقر فأثبت المحقق أنه أرسله إلى الوحدة البيطرية لملاحظته. وبسؤال المتهم الأول قرر أن الكلب المضبوط مملوك له, لكنه لا يعلم إن كان هو الذي عقر المجني عليه أم لا, وأقر أنه لا يقيد كلابه ولا يكممها, فلما سئل خفير باب المطحن المدعو السيد عبد الله فوده أقر أن الكلب المضبوط من كلاب المطحن." - لما كان ذلك, وكان الحكم قد اعتمد في أوصاف الكلب الذي عقر المصاب على أقوال المجني عليه وباقي الشهود الذين سئلوا عقب وقوع الحادث مباشرة وعلى ضبط كلب بالمطحن بهذه الأوصاف بإرشاد أخي المجني عليه وإقرار الطاعن الأول أنه مملوك له واستعراف المصاب على هذا الكلب وعلى أقوال حارس باب المطحن, وكانت المحكمة لم تلق بالا لعدول أخي المصاب عن أقواله الأولى بشأن أوصاف الكلب الذي عقر أخاه, وكان ما استندت إليه المحكمة له أصله في الأوراق - لما كان ذلك, وكان للمحكمة بما لها من الحرية في سبيل استظهار الحقيقة في واقعة الدعوى أن تأخذ من أقوال الشهود في التحقيقات بما تطمئن إليه, سواء في هذا ما تجريه هى بنفسها أو ما يكون ثابتا في أوراق القضية, ما دام هذا التحقيق كان معروضا على بساط البحث أمامها بالجلسة, فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إن مبني الوجه الثاني أن الحكم يعيبه خطأ في الإسناد فقد استند في إدانة الطاعن إلى إقراره أمام المحكمة بأن الكلب الذي عقر المجني عليه مملوك له, مع أن هذا الإقرار لم يصدر عن الطاعن المذكور, بل قال إن الكلب الذي أخذ من مطحنه لم يعقر المصاب.
وحيث إنه يبين من مراجعة محضر الجلسة الاستئنافية أن المحكمة ناقشت المتهم الأول (الطاعن الأول) على النحو الآتي: س - كم كلبا كنت تملك وقت الحادث؟ جـ - ثلاثة أو أربعة. س - ما أصنافهم؟ جـ - كلهم بلدي. س - هل الكلبة التي روقبت ملكك؟ جـ - أيوه. س - لكن ثبت أنها من نوع ولف. جـ - أنا ماعنديش ولف. س - إذن من أين أتت هذه الكلبة؟ جـ - لا أعرف. س - قلت إنها ملكك. جـ - أنا بقول عن الكلب الذي أخذوه من المطحن. س - هل كنت موجودا؟ جـ - أنا كنت موجود. س - ما شكله؟ جـ- كان أسمر بني محروق على بياض, وكان نوع بلدي. فإذا كان الحكم قد قال بعد هذه المناقشة واستنادا إلى ما جاء بأوراق التحقيق: "وسلم المتهم الأول في محضر جمع الاستدلالات الذي أجرى يوم الحادث أن الكلب المضبوط كلبه وأكد ذلك خفير باب المطحن السيد عبد الله فوده, فقول المتهم الأول إن الكلب العاقر ليس كلبه قول لا صحة له خصوصا إذا لوحظ أن المتهم الأول أقر أمام هذه المحكمة أن الكلب الذي ضبط وعرض على القتيل فتعرف عليه وأكد بذلك - أنه هو محدث الحادث, وقد ضبط الكلب في حضور صاحبه كما هو ثابت أمام هذه المحكمة بجلسة 19 نوفمبر سنة 1951 (صحة تاريخ الجلسة 14 يناير سنة 1952) فإذا اتضح بعدئذ أن عبثا حدث في ذات الكلب الذي أرسل للمراقبة فأنقلب إلى كلبة من نوع الولف قال المتهم الأول عنها أمام هذه المحكمة وفي نفس المحضر بادي الذكر إنها ليست لي, فإنه لا يصح الاستتار وراء هذا العبث..." فإن هذا الذي قاله الحكم يكون استخلاصا مقبولا من أوراق الدعوى وليس فيه خطأ في الإسناد كما يزعم الطاعن.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث أن المحكمة المطعون في حكمها أخلت بحقه في الدفاع فقد أجلت القضية عدة مرات وأذنت للطاعن بتقديم مذكرة فقدمها وأجلت القضية بعد ذلك للحكم إلى أن قررت المحكمة فتح باب المرافعة فيها لجلسة 6 أكتوبر سنة 1952, وبالجلسة المذكورة اطمأن الدفاع عن المتهم الأول إلى وجود المذكرة وصمم على ما جاء فيها, ولكن يدا رفعت هذه المذكرة من ملف الدعوى, وتكون المحكمة الاستئنافية قد قضت في الدعوى دون أن تسمع مرافعة الطاعن, ولم يكتشف وكيل الطاعن عدم وجود المذكرة إلا بعد صدور الحكم, فتظلم بطلب مؤرخ 20 أكتوبر سنة 1952 فأشر رئيس المحكمة عليه بأن المحكمة سبق أن أطلعت على مذكرات المدعي بالحق المدني ودفاع المتهمين المقدمة أمام المحكمة, وهذه الإشارة وإن كان يفهم منها التسليم بوجود المذكرات ولكن المحكمة لم تطلع على المذكرات المقدمة وقت صدور الحكم مما يعتبر إخلالا بحق الطاعن في الدفاع.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحكمة الاستئنافية أن المحكمة سمعت مرافعة وكيلي المتهمين الشفوية ثم أجلت القضية لتقديم مذكرات, كما يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت هذه المحكمة بضمها في سبيل تحقيق وجه الطعن أن الشكوى المؤرخة 20 أكتوبر سنة 1952 والتي أشار إليها الطاعن ثبت فيها أن مقدمها الأستاذ محمد أحمد سيد المحامي يعلم أن أعضاء الدائرة قد اطلعوا على مذكرته, وقد أشر رئيس المحكمة على هذه الشكوى في تاريخ ورودها بما يأتي: "سبق للمحكمة أن اطلعت على مذكرات للمدعي بالحق المدني والدفاع عن كل من المتهمين قدمت أمام هذه المحكمة وترفق بالملف" كما أشر عليها أحد قضاة المحكمة بأن "المذكرات الثلاث الخاصة بالمدعية بالحق المدني والمتهمين الأول والثاني كانت بطرفي للاطلاع عليها ومراجعتها قبل الفصل في الدعوى, وقد أعدتها اليوم لضمها للملف وأشرت عليها ثلاثتها كزملائي". ولما كانت هذه التأشيرات قاطعة في أن المحكمة اطلعت قبل الفصل في الدعوى على ما احتوته هذه المذكرات سواء منها ما قدمه الطاعنان أو ما قدمته المدعية بالحقوق المدنية ولم تمتد إليها يد كما جاء بتلك الشكوى - متى كان الأمر كذلك, فإن ما يقوله الطاعن في طعنه من أن المحكمة أخلت بحقه في الدفاع أو أنها فصلت في الدعوى دون اطلاعها على أوراقها لا يكون له أساس.
وحيث إن محصل الوجه الرابع أن الحكم الابتدائي الذي قضى ببراءة المتهمين انتهى إلى أنه لم يثبت بطريق قاطع أن المجني عليه قد مات بسبب مرض الكلب واستند إلى آراء كبار الأطباء في ذلك, ومع ذلك لم تشأ المحكمة الاستئنافية أن تناقش ما أخذ به الحكم الابتدائي, بل أدانت المتهم الثاني عن الحادث. وهذا القصور يمتد أثره للطاعن فيفيد منه كما يفيد من الخطأ في تطبيق القانون الذي وقع فيه الحكم الاستئنافي حيث اعتمد في توافر ركن الإهمال على أن المتهم الثاني خالف المنشور الصادر من وزارة الداخلية والذي يقضي بإرسال الأشخاص المعقورين إلى مستشفى الكلب.
وحيث إنه لما كانت الجريمة المنسوبة للطاعن الأول منفصلة من حيث المسئولية عن الجريمة المنسوبة للطاعن الثاني لاختلاف أساس الخطأ المسند إلى كل منهما فلا جدوى للطاعن فيما يقوله من أنه يستفيد من عدم توافر ركن الخطأ في الجريمة التي وقعت من زميله, أما ما عدا ذلك مما جاء بهذا الوجه من الطعن فسيأتي الرد عليه عند بحث الطعن المقدم من الطاعن الثاني.
وحيث إن مبنى الوجه الأول من طعن الطاعن الثاني أن الحكم المطعون فيه شابه بطلان الإجراءات, ذلك بأن المذكرة التي قدمها الطاعن استكمالا لدفاعه قد فقدت من ملف القضية ولم يتبين الطاعن فقدها إلا بعد صدور الحكم, ومعنى ذلك أن المذكرة لم تطرح على المحكمة عند المداولة وإصدار الحكم ولم تلفت المحكمة نظر الدفاع إلى فقدها فأخلت بحق الطاعن في الدفاع.
وحيث إن ما جاء بهذا الوجه هو عين ما أثاره الطاعن الأول في الوجه الثالث من طعنه, وقد سبق الرد عليه.
وحيث إن الطاعن يبني الوجه الثاني من طعنه على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وجاء قاصر الأسباب, ذلك أن الدفاع عنه ذكر أن مستشفى الكلب توقف عن العلاج بمجرد إخطاره بأن نتيجة مراقبة الكلب سلبية, وهذا الإخطار يصل إلى المستشفى بعد أسبوع, وعدم إتمام العلاج يجعل المريض معرضا لظهور أعراض المرض عليه بعد انتهاء مدة الحضانة, ومتى ظهرت هذه الأعراض فالوفاة محتومة, فإرسال المريض للمستشفى غير مجد في هذه الحالة ويكون الطبيب غير مسئول عن نتيجة لا يتوقف حدوثها على وقوع الخطأ المعزو إليه, لاستحالة الجريمة في هذه الصورة, ولم ترد المحكمة على هذا الدفاع مع أنه دفاع جوهري في مسألة قانونية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى والتطورات التي تعاقبت على المجني عليه منذ إصابته التي وصفها الطاعن الثاني في تقرير حرره بأنها من عقر كلب وانتهى إلى أن سبب الوفاة يرجع إلى هذه الإصابة مستندا في التدليل على صحة الواقعة وقيام رابطة السببية إلى أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها - لما كان ذلك, وكان المصاب لم يرسل إلى مستشفى الكلب في الوقت المناسب حتى يصح للمحكمة أن تبحث فيما أبداه الطاعن في دفاعه بشأن وقف العلاج بمجرد إخطار المستشفى بالنتيجة السلبية لمراقبة الكلب, وهو قول بناه على مجرد الافتراض وكان ما يدور عليه مما يتعلق بموضوع الدعوى وتقدير أدلة الثبوت فيها - فإن هذا الدفاع لا يقتضي من المحكمة أن ترد عليه ردا صريحا, لأن الرد عليه مستفاد من الحكم بالإدانة بناء على هذه الأدلة. أما ما يقوله الطاعن من أن الجريمة المنسوبة للطاعن هي جريمة مستحيلة فمردود بأن الجريمة التي دين بها هي من جرائم الخطأ فما دام الحكم قد أثبت وقوع الخطأ منه وأن هذا الخطأ كان هو سبب الوفاة فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يكون له أساس من القانون.
وحيث إن الوجه الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون حين أقام ركن الخطأ على مخالفة الطاعن لمنشور وزارة الداخلية رقم 23 لسنة 1927 الذي يقضي بإرسال المعقورين إلى مستشفى الكلب وقال الحكم إن هذا المنشور يعتبر كاللائحة مع الاختلاف بين قوة كل منهما, ولأن المنشور لا يدرج بالجريدة الرسمية كالقوانين, وقد دفع الطاعن بأنه لا يعلم بهذا المنشور لأنه صدر قبل التحاقه بالخدمة, وعلى ذلك يكون الحكم إذ أسس توافر ركن الخطأ على عدم اتباعه لما جاء بهذا المنشور يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه في سياق بيانه لواقعة الدعوى قد أورد العناصر التي يتوافر بها ركن الخطأ فيما نسب للطاعن فقال إن المصاب عرض على المتهم الثاني (الطاعن) كمفتش للصحة فأثبت أن به إصابات من عقر كلب وظل يعالجه فترة ادعى بعدها أنه شفى في حين كانت تبدو منه حركات غريبة لاحظها أقارب المجني عليه بعد خروجه من عيادة المتهم الثاني, فذهب خال المجني عليه يرجوه في أن يرسله لمستشفى الكلب لمعالجته فرفض الطاعن, ثم ذكر الحكم أن الخطأ الذي وقع من الطاعن هو امتناعه عن إرسال المصاب إلى مستشفى الكلب ليعطى المصل الواقي أخذا بما جاء بتقرير الطبيب الشرعي من أن الإصابات كما وصفت بتقرير الطبيب الكشاف تقع بالأنف والجبهة مما كان يتحتم معه إرسال المصاب فورا لإجراء العلاج بالحقن دون انتظار ملاحظة الحيوان العاقر. وقال الحكم إن تصرف الطبيب على النحو الذي تصرف به كان سببا مباشرا في وفاة المصاب, وفيما أثبته الحكم من ذلك ما يدل على أن المحكمة قد استظهرت وقوع خطأ من الطاعن أدى إلى وفاة المجني عليه - لما كان ذلك, وكانت المادة 238 من قانون العقوبات التي طبقتها المحكمة على جريمة الطاعن لا تستلزم توفر جميع مظاهر الخطأ الواردة بها, وكان يبين مما أورده الحكم توافر عنصر الإهمال في حق الطاعن, وكان ما قالته المحكمة بصدد عدم اتباع ما يقضي به منشور وزارة الداخلية رقم 23 لسنة 1927 صحيحا, لأن الطبيب الذي يعمل مفتشا للصحة يجب عليه أن يلم بكافة التعليمات الصادرة لأمثاله وينفذها سواء أكانت قد صدرت قبل تعيينه أو بعد ذلك, هذا إلى أن الحكم قد أثبت استنادا إلى رأي الطبيب الشرعي وقوع الخطأ بإهمال يتعين على كل طبيب أن يدركه ويراعيه بغض النظر عن تعليمات وزارة الصحة - لما كان ذلك, فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له أساس.
وحيث إن محصل الوجه الرابع أن الحكم قد شابه القصور, لأن الطاعن لم يرتكب خطأ وإنما قام بما يفرضه عليه واجبه, فقد وضع الكلب تحت المراقبة وإنه ما كان ليمتنع عن إرسال المجني عليه إلى مستشفى الكلب لو أن الوحدة البيطرية أخطرته بأن مراقبة الكلب أسفرت عن نتيجة إيجابية وكان علاجه بالمستشفى يظل ناجعا إلى ما قبل ظهور الأعراض خصوصا أن مدة حضانة المرض في حالة المجني عليه هى خمسة وعشرون يوما, كما قرر أهله, إذ ذكروا أن الأعراض ظهرت عليه بعد معالجته أربعة وعشرين يوما, وأضاف الطاعن أن المجني عليه كان مصابا بالروماتزم وبلغط في القلب, وكان هذا هو علة تريث الطاعن في علاجه, لأن حقن الفاكسين التي تعطى بالمستشفى تسبب له مضاعفات خطيرة بالقلب لوجود آفة مرضية به, وقد أيد الطاعن في ذلك كل من الدكتورين محمد عمارة وعبد القادر طلخان, وإذا كان الكلب العاقر قد استبدل فهذا عامل شاذ لا يسأل عنه الطاعن.
وحيث إنه يتضح من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها, أن الطبيب الشرعي أثبت في تقريره المؤرخ 13 أكتوبر سنة 1949 أن الإصابات كما وصفت بتقرير الطبيب الكشاف تقع بالأنف والجبهة مما كان يتحتم معه إرسال المصاب فورا لإجراء العلاج بالحقن دون انتظار نتيجة ملاحظة الحيوان العاقر وأن الوفاة تعتبر في هذه الحالة نتيجة لعدم علاج المريض بالحقن في الوقت المناسب عقب إصابته, وأثبت مدير معهد مستشفى الكلب في التقرير المؤرخ 31 يناير سنة 1951 أن الإصابة بالروماتزم المفصلي المصحوب بلغط في القلب أو أي حالة مرضية أخرى لا تمنع من تلقيح المريض باللقاح الواقي من داء الكلب إذا وجدت ضرورة لإجراء هذا التلقيح, وكل ما يمكن عمله في هذه الحالات هو أن يوضع المصاب تحت رعاية إخصائي في الأمراض الباطنية لجعله في حالة ملائمة لتلقي اللقاح الواقي من داء الكلب, ومع ذلك فالتلقيح ضد داء الكلب ضرورة لا عنى عنها مهما كانت الحالة الصحية للمريض - لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت خطأ الطاعن بما سبق بيانه في الرد على الوجه السابق, واستخلص الحكم من الأدلة المقبولة التي أوردها أن الكلبة التي روقبت هي غير الكلب الذي عقر المجني عليه وجاء وصفه بأقوال الشهود, وأن الأعراض التي ظهرت على المتوفي في أثناء حياته كما شخصها مدير مستشفى الكلب هي أعراض مرض الكلب وقال الحكم إنه لم يظهر من الأوراق أن القتيل كان مصابا بمرض آخر تتشابه أعراضه مع أعراض داء الكلب, وكانت المحكمة قد أخذت في ذلك بما رأه خبيران هما الطبيب الشرعي ومدير مستشفى الكلب - لما كان ذلك, فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يجديه.
وحيث إن محصل الوجهين الخامس والسادس أن الحكم المطعون فيه قد شابه قصور وإخلال بحق الطاعن في الدفاع, وفي بيان ذلك قال الطاعن إن المحكمة اعتمدت في وجود مرض الكلب على أقوال الدكتور إبراهيم شاهين مدير معهد الكلب وهذا الشاهد قد ناقض نفسه إذ قدم تقريرا للمحكمة ذكر في البند السابع منه أنه في حالة وجود متهم ومجني عليه من المفضل إجراء البحوث المكروسكوبية والاختبارات البيولوجية للتحقق من وجود مرض الكلب أو من عدم وجوده, وهذا الرأي حاسم الدلالة على وجود الشك في حقيقة المرض الذي توفى به المصاب ما دامت تلك البحوث لم تتخذ ولم تناقش المحكمة هذه العبارة مع أن في جلائها ما يقطع علاقة السببية بين فعل الطاعن والنتيجة التي حدثت, والقول بوجود مرض الكلب لا يمكن قبوله مع خلو التشريح من البحوث العلمية اللازمة لإثبات مرض الكلب, كما قرر ذلك الدكتوران محمد عماره وعبد القادر طلخان وما شهد به الأخير في الجلسة وقد ثبت أن المجني عليه كان مريضا بالقلب وبالروماتزم, ومن الجائز أن يكون سبب الوفاة راجعا إلى أحد هذين المرضين خصوصا أنه كان يعالج بمادة الأتروبين وهذا العلاج يؤدي إلى الوفاة في حالة مرض القلب, والمحكمة لم ترد على هذا الدفاع ولا على ما جاء بتقرير الدكتور عماره من أن أقصى مدة لظهور الأعراض في مرض الكلب هي عشرة أيام فإذا زادت حتى بلغت العشرين يوما فإن المرض يكون هستريا مرض الكلب وليس مرض الكلب نفسه وقد طلب الدفاع في مذكرته استدعاء الدكتور محمد عماره لمناقشته في مدى ثبوت مرض الكلب بالمجني عليه حتى يمكن إثبات علاقة السببية أو نفيها, وأصر الدفاع في مذكرته على هذا الطلب, ولكن المحكمة أغفلت الرد عليه مما يعد إخلالا بحق الدفاع.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد تناول دفاع الطاعن في هذا الشأن ورد عليه بقوله: "وحيث إن داء الكلب من الأمراض التي إذا أصيب بها إنسان ولم يعالج كانت وفاته هى المصير المحتوم, فيكفي إذن أن يقدم في الدعوى دليل على أن المجني عليه قد أصيب به, ولم يعالج منه ليتأكد النظر أن وفاته كانت بسببه خصوصا إذا ظهر من الأوراق أن القتيل لم يصب بمرض آخر مما قد تتشابه أعراضه مع أعراض داء الكلب.
ومن حيث إنه لا جدال في أن المجني عليه قد عقره كلب المتهم الأول في 9 نوفمبر سنة 1948 وقد ظل يعالجه المتهم الثاني حتى التأم جرحه فلما ظهرت عليه عوارض غريبة أعيد عرضه عليه وعلى المرحوم الدكتور محمد صلاح فشخصا حالته بأنها روماتزم مفصلي أو روماتزم بالركبة كالثابت من أقوال المتهم الثاني بالنيابة. والثابت في شهادة الدكتور صلاح أمام محكمة أول درجة, فلما ساءت حالة المجني عليه وعرض على مستشفى الكلب وتلقاه هناك مديرها الدكتور إبراهيم محمد شاهين كالثابت في شهادته أمام محكمة الدرجة الأولى, وشاهد ما يشكو منه من عوارض شخص مرضه بداء الكلب, وقد ذكر الدكتور شاهين في شهادته أمام محكمة أول درجة أن بين العوارض ما يسمى: "التقلصات التي تظهر على المصاب عند تعرضه للهواء أو شرب الماء" وأن هذا العارض لا يمكن أن يظهر في مرض آخر وأنه هو الذي يثبت التشخيص الاكلنيكي بالضبط (ص 25 من محضر جلسة محكمة أول درجة) يؤكد ذلك ما ثبت على لسان أم القتيل شفيقه بطرس فرج من أنه كان لا يحب الماء, وكان إذا شربه يلعقه, كما قرر أخوه رشاد أمام محكمة أول درجة, مما تستظهر منه المحكمة وجود علاقة مميزة لداء الكلب بدت على القتيل إبان حياته, وعليه فإذا كان يلزم عمل فحص ميكروسكوبي أو غيره للتأكد من داء الكلب فإنما يكون ذلك لازما في حالة وفاة لم تسبقها مشاهدة حال الحياة يظهر منها وجود علامة مميزة للمرض, وهذا بعينه ما قال به الدكتور إبراهيم محمد شاهين في الصحيفة الثانية والثلاثين من محضر جلسة محكمة أول درجة, فإذا لوحظ هذا ولوحظ معه أن الدكتور المتهم الثاني وزميله المرحوم محمد صلاح لم يشخصا العوارض التي بدت على المجني عليه إلا "بالروماتزم المفصلي" دون أن يقولا بمرض من الأمراض الأخرى التي يحاول المتهم الثاني التشكيك بشأنها, كان للمحكمة بما لها من سلطة التقدير أن تنتهى إلى أن القتيل توفى متأثرا بداء الكلب نتيجة عقره من كلب المتهم الأول الذي أبدل إخفاء لمعالم الجريمة" - لما كان ذلك, وكان للمحكمة بما لها من سلطة تقدير أدلة الدعوى أن توازن بين التقارير الطبية والآراء التي يبديها الأطباء عند مناقشتهم أمامها فإن المحكمة إذ أخذت بما جاء بتقرير الطبيب الشرعي وبتقرير مدير معهد ومستشفى الكلب وما أبداه عند مناقشته أمام محكمة أول درجة وأطرحت رأي الأطباء الاستشاريين تكون قد أعملت وظيفتها في حدودها ولا يقبل النعي على حكمها لهذا السبب.
وحيث إنه لما كان الطاعن لم يطلب إلى المحكمة الاستئنافية استدعاء أحد من الخبراء لمناقشته في مدى ثبوت مرض الكلب بالمجني عليه لا في مرافعته الشفوية ولا في المذكرة التي قدمها فلا يصح أن ينعي على المحكمة إغفال ذلك.
وحيث إن محصل الوجه الأخير ان الحكم المطعون فيه أخطأ في الإسناد فقد اعتمدت المحكمة في ثبوت داء الكلب على تقرير الطبيب الشرعي في حين أنه بنى رأيه على ما جاء بأوراق المستشفى وليس على ما ظهر من التشريح, كما اعتمدت المحكمة أيضا على قول والدة المجني عليه من أنه كان لا يحب الماء وعلى ما قاله أخوه من أنه كان يلعق الماء, وفهمت المحكمة أن هذين القولين يؤيد أحدهما الآخر مع أن الثابت بمحضر جلسة المحكمة الابتدائية أن أخا المجني عليه قرر صراحة أن أخاه المصاب كان يحب الماء ويطلبه, وهذا يخالف ما قررته والدتهما, وهذا اللبس كان له أثره في حكمها.
وحيث إنه لا مأخذ على استناد المحكمة إلى نتيجة الصفة التشريحية وما جاء فيها من أن سبب وفاة المجني عليه هو داء الكلب ولا يؤثر في صحته أن يكون الطبيب الشرعي الذي أجرى التشريح قد استعان بما هو مدون بأوراق المستشفى مادام الثابت من هذا التقرير أنه شاهد آثار التحامات بالوجه غير التشريح وأبدى رأيه معتمدا على مشاهداته وعلى ما هو مدون بأوراق العلاج بالمستشفى وانتهى إلى القول بأن إصابات المجني عليه يجوز حصولها من عقر كلب وأنها تضاعفت بمرض داء الكلب الذي سبب الوفاة, فوافق بذلك الثابت بأوراق المستشفى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه لم يورد ما لا حظته والدة القتيل وأخوه بشأن طلب المصاب للماء وكيفية تناوله على أن قول أحدهما يؤيد قول الآخر, وإنما على سبيل الاستشهاد بما قرره كل منهما أمام محكمة الدرجة الأولى وليس فيما أثبته الحكم من شهادتهما ما يعيبه أو يؤثر في سلامة ما استخلصته المحكمة من هذه الأقوال.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق