الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 3 مارس 2022

بحث في بيع المشاع عبد العزيز سليمان القاضي

مجلة المحاماة – العدد العاشر
السنة التاسعة عشرة سنة 1939

بحث في بيع المشاع

ما هو الأثر القانوني للعقد المسجل الذي يترتب على مشتري عقار مفرز محدد على الشيوع، وما قيمة العقد بالنسبة للمتعاقدين والغير؟
الغير هنا في بيع المشاع هم باقي الشركاء في الملك المشاع أو من اشترى من أحد الشركاء من غير المتعاقدين وأي شخص يدعى الاستحقاق بحق عيني على الملك المشترك والدائن للملك المشترك في تركة المتوفى وكل هؤلاء لهم مصلحة محققة في الطعن على البيع في الملك المشاع.
إن من المسلم به قانونًا أن المادة (264) مدني أهلي نصت على أن بيع الشيء المعين الذي لا يملكه البائع باطل، إنما يصح إذا أجازه المالك الحقيقي وقد سارت أحكام المحاكم المصرية على أن بيع ملك الغير في غير حالة الشيوع يقع باطلاً ويتمسك بهذا البطلان المتعاقدان وغير المتعاقدين، وأن من يشتري عينًا وهو يعلم أنه ليس له صفة في شرائها يبطل عقده وليس له عند طلب بطلان البيع أن يطلب تعويضًا عن هذا البطلان لأنه يعتبر سيئ النية – وطبيعة هذا البطلان ليس في ذاته نسبيًا بمعنى أنه يخص المتعاقدين فقط دون أحد غيرهما - لأن الأمر يخص غير المتعاقدين أيضًا ولأن البطلان النسبي لا يكون إلا إذا انعقد العقد وهو غير مستكمل أحد شرائط صحته المقررة قانونًا وهنا ما ينقض العقد هو موضوع التعاقد وليس أحد شروطه، كما لا يعتبر هذا البطلان جوهريًا، بمعنى أنه يخص المتعاقدين وغير المتعاقدين بدون تصحيح ما لأن الملاحظ أن إجازة المالك الحقيقي تصحح العقد ولأن البطلان المنصوص علي في المادة (264) معناه أن مثل هذا البيع قابل للفسخ ويترتب على ذلك أن إجازة بيع ملك الغير إذا تمت تعتبر ملزمة للبائع لملك الغير بنفاذ تعهده بنقل الملكية ويصح - - قبول الإجازة في أية حالة كانت عليها الدعوى بالبطلان سواء أكان البطلان مدفوعًا به من أحد المتعاقدين أو غير المتعاقدين على شرط أن تكون الإجازة قبل الحكم نهائيًا في النزاع متى لم يصب المشتري ضرر من التأخير في التسليم (يراجع بمعنى ما ذكر الأحكام المنشورة بمجلة الحقوق عدد (10) - (349) ونفس المجلة (23) صفحة (28) والمجموعة الرسمية (29) رقم (39 – 2) ص (84)).
وأما عن البائع لنصيبه على المشاع بدون تحديد أو فرز – تطبيقًا للمبدأ السالف ذكره من وجهة تصحيح العقد بالإجازة - فإن مثل هذا البيع يعتبر صحيحًا موقوفًا على القسمة على شرط أن يقع المقدار المباع في ملك البائع - فإذا حلت القسمة ووقع كل النصيب المباع في نصيب البائع يعتبر العقد صحيحًا - فإذا وقع جزء من النصيب المباع في نصيب البائع دون باقي القدر الذي بيع اعتبر هذا الاستحقاق جزئيًا (وفقًا لنص المادة (310) مدني أهلي) ويجوز للمشتري بمقتضاه إما البقاء في العقد أو فسخه بدون أن يضر بحقوق الدائنين المرتهنين (م 311) – وهذا الاستحقاق الجزئي يترتب عليه مطالبة المشتري للبائع بقيمة ما استحق جزئيًا وقت النزاع لا وقت العقد كما في الاستحقاق الكلي (3132) والبيع على الشيوع بدون فرز وتحديد النصيب هو إذن بيع صحيح موقوف على القسمة لا يجوز الطعن فيه لا من المتعاقدين أو غير المتعاقدين إلا بعد القسمة إن وقع النصيب المباع في غير ملك البائع - وقبل القسمة هو منتج أثره تطبيقًا لما سبق إيضاحه ولا يعترض على ذلك باستحالة تنفيذ عقد البيع بالتسليم عن شيء معين لأن البائع له حق معين في كل جزئيات العقار بقدر نصيبه والتسليم جائز على الشيوع موقوف على القسمة وهذا الأثر ينطبق - سواء بالنسبة للعاقدين أو غير المتعاقدين - وليس لأحد أن يعترض على تسليم جزء مشاع قبل القسمة ومن يعترض ويتضرر من حالة الشيوع هذه فليس له إلا الالتجاء إلى قسمة العقار (يراجع بمعنى ما ذكر بيع المشاع بدون تحديد النصيب الأحكام المنشورة بمجلة المحاماة السنة العاشرة عدد (230) ص (457) ومجلة الحقوق (22) ص(50)).

بيع المفرز المحدود والعقار في حالة الشيوع

أما عن بيع المفرز المحدود في العقار المشاع فقد اختلف الفقهاء والقضاء في حكم بيع الشريك جزءًا مفرزًا محدودًا من مال مشاع ففريق منهم يرون أن مثل هذا باطل أثره بين المتعاقدين وغير المتعاقدين وتطبيقًا لهذا قيل أنه إذا طلب المشتري تسليم العين المباعة لعجز البائع عن تسليمها فيتحقق هذا البطلان ولا يجوز طلب إيقاف الدعوى حتى تقسم الأطيان لعل ما باعه البائع يكون في نصيبه (مجلة المحاماة السنة 4 عدد (188) صحيفة (258)).
وقال أصحاب هذا الرأي أن الشريك وهو من الغير له الحق في طلب إلغاء البيع الصادر من شريكه في جزء مفروز ومحدد من الأطيان المشتركة على الشيوع بالنسبة لنصيبه في هذا الجزء من غير انتظار للقسمة (المحاماة السنة 11 رقم (108) ص (179)) وحجة أصحاب هذا الرأي بالنسبة للمتعاقدين وللمشتري الذي يشتري وهو غير عالم بحالة الشيوع إن له أن يرفع دعوى بطلان البيع بدون انتظار للقسمة إذ المفروض فيمن يشتري عينًا محددة أن ينتفع بها فورًا وبغير منازع كما قرروا أن بيع الشريك جزءًا مفرزًا على الشيوع أمر منافٍ لروح القانون تطبيقًا لما ورد في المادة (271) مدني أهلي التي تنص على أن تسليم المبيع وهو وضعه تحت تصرف المشتري يجب أن يكون بحيث يتمكن الأخير من وضع يده عليه والانتفاع به بدون مانع - أما القول بتعليق هذا الانتفاع على نتيجة القسمة فقول لا يرتكز على أساس صحيح للعقبات التي يلاقيها المشتري أثناء تسليمه قبل حصول القسمة (يراجع بهذا المعنى الحكم المنشور بمجلة المحاماة السنة 18 في العددين الخامس والسادس صحيفة (456) رقم (240)) وقرر من بين أصحاب هذا الرأي من قال أن بيع الملك المحدود حالة كون أن البائع لا يملك إلا شائعًا هو بيع باطل بطلانًا جوهريًا وليس للمشتري نفسه أن يتمسك بقبول الشيوع بالبقاء في العقد إذا كانت قد انتقلت ملكية المبيع إلى غيره قبل ذلك (مجلة الحقوق 18 ص 62).
قرر فريق ثانٍ من أهل القانون أنه يجب التفرقة بين الطعن الصادر من أحد المتعاقدين والطعن الصادر من غير المتعاقدين فإذا باع أحد الشركاء في الملك حصة معينة مفروزة من العقار المشاع فبيعه باطل بالنسبة للغير وهم باقي الشركاء وذلك البطلان يكون بقدر نصيبهم ولهم أن يطلبوا الحكم بهذا البطلان بلا حاجة إلى انتظار القسمة - غير أن البطلان في هذه الحالة لا يؤثر على صحة البيع فيما بين المتعاقدين (البائع والمشتري بل يكون البيع نافذًا إذا وقع الجزء المبيع بموجب القسمة في نصيب البائع) (المجموعة الرسمية السنة 18 عدد (12—2) ص (20) ومجلة الحقوق (32) ص (203)).
وقال فريق ثالث من أهل الرأي إنه إذا كان صرح قانونًا ببيع جزء على الشيوع بدون تحديد أو فرز فليس ما يمنع البائع أن يبيع جزءًا آخر منها محدودًا قبل القسمة ويبقى البيع معلقًا على حكم القسمة فإذا تمت ووقع المبيع المفروز في ملك البائع للمشتري وبالتالي للمشتري كان البيع صحيحًا - ويعتبر البيع في مثل هذه الحالة معلقًا على شرط توقيفي فإن تحقق شرط وقوع العقار المبيع في نصيب البائع بعد البيع وإذا لم يتحقق الشرط نقض البيع ولهذا لا يجوز لأحد العاقدين أو غيرهم لمن اشترى حصة مفروزة من شريك آخر على الشيوع ولا يجوز لأحد الشركاء الآخرين أو لمن يدعي الاستحقاق بصفة عامة من غير الشركاء - كل هؤلاء لا يجوز لهم رفع دعوى بإبطال البيع قبل القسمة وحجة أصحاب هذا الرأي أن بيع المفرز المحدد على الشيوع لا يضر العاقدين ولا غير المتعاقدين ممن لم يكونوا طرفًا في العقد - ولا يضر المتعاقدين لأن يد من اشترى على الشيوع محددًا مفرزًا كيد الحائز نفسه على المشاع وليس له أن يطلب أكثر مما يملكه مملكه - فضلاً عن أن التسليم على المشاع جائز كما سبق إيضاحه ولمن يتضرر من حالة الشيوع أن يلجأ إلى دعوى القسمة – ولا يضر غير المتعاقدين لأنه ليس لمن يدعي الاستحقاق على عقار في الشيوع أن يطلب أيضًا استحقاقًا مفروزًا محددًا إلا بعد القسمة وبعد وقوع المبيع في نصيبه وليس له أن يتضرر من وجود حالة مؤقتة يمكن تلافيها بطلب القسمة - وكل ادعاء من الغير قبل القسمة يكون سابقًا لأوانه (يراجع بمعنى ما ذكر الأحكام المنشورة في المجموعة الرسمية لسنة 26 نمرة (87) ص (152) – ومجلة المحاماة السنة 5 عدد (569) ص (659) – ومجلة المحاماة السنة 13 عدد (294 – 2) – ص (571) – وحكم النقض المنشور بمجلة المحاماة السنة 13 عدد (64 – 1) ص (161) في يونيو سنة 1932) وقد جاء به أنه وإن اختلف الفقهاء والقضاء في حكم بيع الشريك جزءًا مفرزًا محدودًا من مال مشاع فريق منهم يرون أنه يقع صحيحًا بالنسبة للبائع والمشتري وباطلاً بالنسبة للشركاء والغير - وفريق منهم يرون أنه يقع موقوفًا على نتيجة القسمة بين جميع الشركاء إلا أن هذه المحكمة ترى أن الخلاف السابق بيانه بين الفقهاء والشراح محله عند تقرير الحكم بين المتعاقدين إما عند تقرير الحكم في علاقة المشتري مع الغير وهو من يدعي استحقاق المبيع لنفسه سواء أكان هذا الغير شريكًا في المال أو متلقيًا الملك عن الشريك على المشاع فلا خلاف في أنه ليس للمستحق أن يدعي الاستحقاق في المبيع إلا بعد قسمة المال الشائع).
وأن ما نرجحه هو أن بيع المفرز المحدد في العقار المشاع هو بيع صحيح موقوف على القسمة للأسباب وفي الأحوال الآتية:
أولاً: لأنه إن جاز البيع على الشيوع بدون فرز أو تحديد فالبيع على التحديد بالنسبة للمشتري لا يضره إذا كان يعلم حالة الشيوع نفسها وحدد لنفسه عقارًا اختص به دون باقي الشركاء وخصوصًا وهو لا يمكن أن يملك أكثر مما يملكه بائعه اللهم إلا إذا أضره هذا البيع بالتأخير في التسليم في غير ميعاده قبل القسمة أو وقع له بعد القسمة نصيب آخر يقل في الصقع أو القيمة أو المقدار عما سبق أن قرر شرائه فله في مثل هذه الحالة الفسخ بلا حاجة في ذلك.
ثانيًا: وإن كان المشتري لا يعلم بحالة الشيوع واشترى وهو حسن النية عقارًا مفرزًا محددًا والعقار شائع في الواقع ونفس الأمر فهو في حل أن يفسخ العقد قبل القسمة لسبب آخر من الأسباب التي يبيحها له القانون وهو شراؤه عقارًا معينًا بالذات ظهر له بعد وضوح الغش والتدليس أنه ليس العقار الذي كان يقصده ولا جدال في ذلك.
ثالثًا: ليس للمشتري أن يدفع بالبطلان لنقض ما تم من جهته في غير الأحوال السابقة وهو يشتري عقارًا مفرزًا على التحديد عالمًا أن العقار مشاع وقد اشترى مخاطرًا بتحديد ما اشتراه قبل القسمة.
رابعًا: لا يعترض باستحالة تنفيذ العقد والتسليم على المشاع عن شيء غير معين لأن البائع له حق معين في كل جزئيات العقار بقدر نصيبه والتسليم جائز على الشيوع موقوف على القسمة ولمن يتضرر من حالة الشيوع إزالتها بالقسمة.
وليس للغير أن يطعن في بيع العقار المفرز المحدد على الشيوع قبل القسمة ولا محل لإثارة الخلاف السابق شرحه بالنسبة إليه كما ذهبت إلى ذلك محكمة النقض.
أولاً: لأنه ليس لمن يدعي الاستحقاق على عقار في الشيوع أن يطلب هو أيضًا استحقاقه مفرزًا محددًا إلا بعد القسمة.
ثانيًا: إذا كان يتضرر من حصول البيع المفرز المحدد على الشيوع فله دحضه بطلب القسمة.
ثالثًا: ليس للغير حقوقها أكثر مما لباقي الشركاء على الشيوع فإذا كان قد ارتضى العاقدون منهم بالبيع مفروزًا محددًا على الشيوع للمشترين فليس له أن يتشكى من هذه الحالة المؤقتة والمعلقة على شرط توقيفي والتي قد يمكن إزالتها بحصول قسمة قد توافقه.
رابعًا: لأن طلبه إبطال البيع قبل القسمة طلب سابق لأوانه.

عبد العزيز سليمان
القاضي
بمحكمة إسكندرية الأهلية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق