الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 1 يونيو 2021

الطعن 989 لسنة 31 ق جلسة 12 / 2 / 1962 مكتب فني 13 ج 1 ق 37 ص 135

جلسة 12 من فبراير سنة 1962

برياسة السيد/ محمود إبراهيم إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق أحمد الخشن، ومحمود إسماعيل، وحسين صفوت السركي.

-----------

(37)
الطعن رقم 989 لسنة 31 القضائية

(1 - 8) تحقيق. استدلالات. مأمورو الضبط القضائي. إثبات. "ضبط الخطابات والرسائل".
(أ) الأصل عدم جواز إفشاء أسرار الخطابات والتلغرافات والاتصالات التليفونية. متى يجوز ذلك استثناء ؟ إذا استلزمته مصلحة التحقيق.
(ب) ضبط الخطابات والرسائل ومراقبة المكالمات التليفونية. من يملكه ؟ ذلك لسلطة التحقيق وحدها, ولرئيس المحكمة الابتدائية في حالة المادة 95 مكررا أ. ج.
(جـ) كلمتا "الخطابات والرسائل" في نص المادة 206 أ. ج. شمولهما كافة الخطابات والرسائل والطرود والرسائل التلغرافية والمكالمات التليفونية.
المكالمات التليفونية. إن هي إلا رسائل شفوية: وإن اختلفتا في الشكل.
(د) مراقبة المكالمات التليفونية. وجوب استئذان النيابة العامة القاضي الجزئي لإجرائها. سلطته في الإذن بالإجراء أو رفضه خاضع لإشراف محكمة الموضوع.
(هـ) سلطة القاضي الجزئي في مراقبة المكالمات التليفونية. مداها: اقتصارها على الإذن للنيابة بالإجراء أو رفضه. لا ولاية له في القيام بهذا العمل بنفسه أو في ندب مأمور الضبط القضائي لذلك.
(و، ز) مراقبة المكالمات التليفونية. ماهيتها: هي من أعمال التحقيق لا من إجراءات الاستدلال.
قيام مأمور الضبط القضائي بالمراقبة التليفونية والتفتيش - نفاذا لإذن القاضي الجزئي - دون ندبه لذلك من النيابة العامة. عمل باطل. أثره: بطلان الدليل المستمد من المراقبة والتفتيش.
(ح) سلطة النيابة في ندب أحد مأموري الضبط القضائي في بعض أعمال التحقيق. المادة 200 أ. ج. الشروط الشكلية والموضوعية لصحة هذا الندب.

----------
1 - الأصل أنه لا يجوز إفشاء أسرار الخطابات والتلغرافات والاتصالات التلفونية. غير أنه إذا استلزمت مصلحة التحقيق ضبط الخطابات والتلغرافات والاطلاع عليها ومراقبة المكالمات التليفونية فإنها تكون مصلحة أولى بالرعاية من الحفاظ على أسرار هذه المكاتبات والمكالمات.
2 - أباح الشارع لسلطة التحقيق وحدها - وهى قاضى التحقيق، وغرفة الاتهام في أحوال التصدي للتحقيق أو إجراء تحقيقات تكميلية، والنيابة العامة في التحقيق الذى تجريه بعد استئذان القاضي الجزئي - سلطة ضبط الخطابات والرسائل بما في ذلك مراقبة المكالمات التليفونية لدى الهيئة المختصة، وذلك فيما عدا الحكم الخاص الوارد في المادة 95 مكررا من قانون الإجراءات الجنائية المضافة بالقانون رقم 98 لسنة 1955.
3 - إنه وإن كانت المادة 206 من قانون الإجراءات الجنائية لم تصغ كالمادة 95 منه أو كالفقرة "ج" من المادة 30 من قانون تحقيق الجنايات الملغى - إلا أن مدلول كلمتي "الخطابات والرسائل" المشار إليهما في المادة 206 المذكورة، وإباحة ضبطها في أي مكان خارج منازل المتهمين طبقا للإحالة على الفقرة الثانية من المادة 91، يتسع في ذاته لشمول كافة الخطابات والرسائل والطرود والرسائل التلغرافية، كما يندرج تحته المكالمات التليفونية لكونها لا تعدو أن تكون من قبيل الرسائل الشفوية لاتحادهما في الجوهر وإن اختلفتا في الشكل.
4 - سوّى الشارع في المعاملة بين مراقبة المكالمات التليفونية وضبط الرسائل، وبين تفتيش منازل غير المتهمين - لعلة غير خافية وهى تعلق مصلحة الغير بها، فاشترط لذلك في التحقيق الذى تجريه النيابة العامة ضرورة استئذان القاضي الجزئي الذى له مطلق الحرية في الإذن بهذا الإجراء أو رفضه حسبما يرى، وهو في هذا يخضع لإشراف محكمة الموضوع.
5 - سلطة القاضي الجزئي في مراقبة المكالمات التليفونية محدودة بمجرد إصداره الإذن أو رفضه دون أن يخلع عليه القانون ولاية القيام بالإجراء موضوع الإذن بنفسه، إذ أنه من شأن النيابة العامة - سلطة التحقيق - إن شاءت قامت به بنفسها أو ندبت من تختاره من مأموري الضبط القضائي، وليس للقاضي الجزئي أن يندب أحد هؤلاء مباشرة لتنفيذ الإجراء المذكور.
6 - لا يملك رجال الضبط القضائي ممارسة رقابة المكالمات التليفونية لكونها من إجراءات التحقيق لا من إجراءات الاستدلال، ولا يجوز لهم مخاطبة القاضي الجزئي مباشرة في هذا الشأن بل يجب عليهم الرجوع في ذلك إلى النيابة العامة بوصفها صاحبة الولاية العامة في التحقيق الابتدائي. وبصدور إذن القاضي الجزئي بإقرار ما تطلبه النيابة العامة من ذلك تعود إليها كامل سلطتها في مباشرة الرقابة على النحو الذى ترتئيه سواء بالقيام بها بنفسها أو عن طريق ندب من تراه من مأموري الضبط القضائي لتنفيذها عملا بنص المادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية.
7 - إذا كان الثابت أن وكيل النيابة المختص قد استصدر إذنا من القاضي الجزئي بمراقبة تليفوني المتهمين بناء على ما ارتآه من كفاية محضر التحريات المقدم إليه لتسويغ استصدار الإذن بذلك، فلما صدر هذا الإذن قام الضابط الذى أجرى التحريات التي بنى عليها بتنفيذه دون أن يندب لذلك من النيابة العامة، فإن ما قام به الضابط من إجراءات المراقبة والتفتيش يكون باطلا لحصولهم على خلاف القانون ولا يصح التعويل على الدليل المستمد منها.
8 - ما تنص عليه المادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه "لكل من أعضاء النيابة العامة في حالة إجراء التحقيق بنفسه أن يكلف أي مأمور من مأموري الضبط القضائي ببعض الأعمال التي من خصائصه" - هو نص عام مطلق يسرى على كافة إجراءات التحقيق وينتج أثره القانوني بشرط أن يصدر صريحا ممن يملكه وأن ينصب على عمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق - غير استجواب المتهم - دون أن يمتد إلى تحقيق قضية برمتها وأن يكون ثابتا بالكتابة إلى أحد مأمورى الضبط المختصين مكانيا ونوعيا.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من المطعون ضدهما وأخرى بأنهم أولا: تلقوا رهانا على سباق الخيل بدون إذن خاص. ثانيا: أخفوا النقود والأوراق المستعملة في الرهان المتقدم ذكره. وطلبت عقابهم بالمادتين 1 و2 من القانون رقم 10 لسنة 1922 المعدل بالقانون رقم 135 لسنة 1947. وأمام المحكمة الجزئية دفع الحاضرون مع المتهمين ببطلان الإذنين المتضمنين الأمر بمراقبة تليفوني منزلي المتهمين الأول والثاني وببطلان الإذنين الصادرين بتفتيش منزلي المتهمين وببطلان إجراءات المراقبة التليفونية. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمادة الأولى فقرة أولى وفقرة أخيرة من القانون رقم 10 لسنة 1922 المعدلة بالقانون رقم 135 لسنة 1947 بالنسبة للمتهمين الأول والثاني وبالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة للمتهمة الثالثة برفض الدفع ببطلان إذني المراقبة التليفونية وإجراءات المراقبة التليفونية وببراءة المتهمة الثالثة مما أسند إليها وبمعاقبة كل من المتهمين الأول والثاني بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وتغريمهما ثلاثمائة جنيه ومصادرة الأوراق المستعملة في الرهان مع النفاذ. وردت المحكمة على هذه الدفوع قائلة إنها في غير محلها. استأنف المتهمان. والمحكمة الاستئنافية قضت حضوريا عملا بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهمين مما أسند إليهما فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض .. الخ ..


المحكمة

وحيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببطلان المراقبة التليفونية التي تمت لدى كل من المطعون ضدهما واستبعاد الدليل المستمد منها وما ترتب عليه من أدلة أخرى وتبرئة المطعون ضدهما من تهمة تلقى رهان على سباق الخيل بدون إذن خاص وإخفاء النقود والأوراق المستعملة في الرهان المذكور، إذ قضى بذلك قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه، ذلك بأنه أسس قضاءه على أن النيابة العامة هي وحدها صاحبة الحق في مراقبة المحادثات التليفونية بعد استئذان القاضي الجزئي طبقا للمادة 206 من قانون الإجراءات الجنائية.
وما ذهب إليه الحكم من ذلك غير سديد إذ أن عبارة المادة 206 وردت مطلقة من غير قيد بقصر تنفيذ مراقبة المحادثات التليفونية على النيابة العامة، وحين يصدر القاضي الجزئي إذنه في الأحوال المبينة بالمادة المذكورة إنما يقوم مقام قاضى التحقيق الذى يملك بدوره هذا الحق طبقا للمادة 95 من القانون المذكور. وترتيبا على ذلك فإنه يجرى على القاضي الجزئي حين يمارس هذه السلطة ما يجرى على قاضى التحقيق من أحكام ومنها ما تخوله المادة 70 من حق تكليف أحد أعضاء النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي القيام بعمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق عدا استجواب المتهم، ومن ثم فإن للقاضي الجزئي أن يعهد بتنفيذ إذنه في الأحوال المبينة في المادة 206 إلى أحد أعضاء النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي والمرجع في بيان ذلك هو عبارة الإذن الصادر منه والظروف والملابسات التي صدر فيها. وإذا كان الإذنان الصادران من القاضي الجزئي في الدعوى المطروحة قد جاءت عباراتهما مطلقة دون تحديد من يقوم بالمراقبة ودون أن يرد بهما ما يفيد قصر تنفيذهما على النيابة العامة، فان إجراء المراقبة بمعرفة الضابط الذى قام بالتحريات التي صدر بناء عليها الإذنان بما يدل دلالة واضحة على أنه هو الذى سيجريها، تكون صحيحة قانونا.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مجمله أن الرائد محمد صفوت عباس وكيل مكتب حماية الآداب أثبت في محضره المؤرخ 13/ 2/ 1960 أنه وصل إلى علم الملازم أول فوزى عبد الوهاب أن المطعون ضده الأول يزاول نشاطه في قبول المراهنات الخفية على سباق الخيل ويشاركه في ذلك المطعون ضده الثاني وأنهما يتخذان من مسكنيهما وكر المزاولة نشاطهما وأنهما يقبلان المراهنات عن طريق تليفونيهما وأنهما يحتفظان بكشوف وأسماء الخيول المراهن عليها وأرقامها وأسماء الأشخاص المراهنين والمبالغ المتراهن عليها وأن المحاسبة تتم بطريق التليفون، وتقدم الضابط المذكور إلى وكيل نيابة الأزبكية بطلب استئذان قاضى المحكمة المذكورة في مراقبة تليفون المطعون ضده الأول كما تقدم إلى وكيل نيابة عابدين بطلب استئذان قاضى محكمتها في مراقبة تليفون المطعون ضده الثاني بحثا عما يخالف أحكام القانون رقم 135 لسنة 1947، واستصدر كل من وكيلي النيابة سالفى الذكر إذنا من القاضي المختص بمراقبة تليفوني المطعون ضدهما لمدة شهر من تاريخ صدور الإذنين لضبط وتسجيل أية محادثة تنطوي على جرائم معاقب عليها طبقا للقانون رقم 135 لسنة 1947. وفى 20/ 2/ 1960 أثبت الرائد محمد صفوت عباس أنه بناء على صدور الأمر بمراقبة تليفوني المطعون ضدهما انتقل إلى حيث تقابل مع المهندس محمد كمال مصطفى وكيل مراقبة القاهرة وبدأت عملية المراقبة حيث أثبت مضمون المحادثات في محضر منفصل كما أثبت به ما سجله من محادثات في اليوم السابق. وفى يوم الضبط 20/ 2/ 1960 - أثبت الضابط المذكور ما سجله من مكالمات عديدة تدور حول الاستعلام عن الخيول المستبعدة من السباق في اليوم المذكور ثم الرهان خفية لدى المطعون ضدهما والإدلاء بأسماء وأرقام الخيول المتراهن عليها وقيمة المبالغ المتراهن بها كما سجل مكالمة أخرى بين المطعون ضدهما حول المراهنات الخفية على السباق بمصر الجديدة، وبعد الانتهاء من التسجيل قرر الضابط ترتيب ضبط الواقعة بعد عودة المطعون ضدهما من السباق الذى كان يدور في اليوم سالف الذكر وأثبت إجراءات الضبط والتفتيش وما أسفر عنه من مضبوطات وأضاف أنه سأل المطعون ضده الثاني فأنكر قبول المراهنات الخفية وأنه إنما يراهن على الخيول لحسابه الخاص كما أثبت أنه بسؤال المطعون ضده الأول اعترف له بقبول المراهنات الخفية على سباق الخيل وقد اعترف هذا الأخير في محضر الشرطة إثر ذلك مباشرة بقبول المراهنات الخفية على الخيول وطلب الصفح وتعهد بعدم العودة إليها وأصر المطعون ضده الثاني على الإنكار، وبإعادة سؤال المطعون ضدهما أمام النيابة أنكرا تهمة الرهان الخفية وقرر أنهما يقومان بالمراهنة لحسابهما لأنهما من هواة السباق. وعرض الحكم إلى المراقبة التليفونية التي تمت لدى المطعون ضدهما في قوله: "وحيث إنه من المقرر أن مراقبة التليفونات في حقيقتها إجراء من إجراءات التحقيق شأنها في ذلك شأن التفتيش إلا أن المشرع لم يشأ أن يطلق يد النيابة وهى سلطة التحقيق في مراقبة المحادثات التليفونية للمتهمين أسوة بما لها في كافة إجراءات التحقيق بل حد من حريتها في ذلك فجعل سلطتها في مراقبة التليفونات معلقة على إذن القاضي الجزئي ضمانا لحرية المراسلات وسريتها. ومؤدى ذلك أن النيابة العامة وحدها هي صاحبة الحق في مراقبة المحادثات التليفونية بعد استئذان القاضي الجزئي طبقا لنص المادة 206 أ. ج. وإذ كان ما يقوم به مأمور الضبط القضائي في الأصل لا يتعدى مجرد جمع الاستدلالات دون إجراء التحقيق ومن ثم فإذا قاموا بأي عمل من أعمال التحقيق دون ندب من النيابة العامة وقع عملهم باطلا (نقض 23/ 12/ 1940 طعن رقم 88 س 11 ق) ولما كان الثابت من مطالعة الأوراق أن القاضي الجزئي قد أذن بالمراقبة بصفة عامة ومفهوم ذلك أن هذا الإذن إنما يتضمن ندب النيابة لإجراء المراقبة دون غيرها من مأموري الضبط القضائي. ولما كان ذلك وكان مأمور الضبط القضائي قد أجرى المراقبة دون إذن أو ندب فإن قيامه بإجراء المراقبة يكون قد وقع باطلا لحصوله على خلاف أحكام القانون، ومن ثم يبطل الدليل المستمد من تلك المراقبة. ومتى تقرر هذا البطلان فانه يتناول جميع الآثار والإجراءات التي ترتبت عليه بما في ذلك التفتيش الذى انبنى عليه وما أسفر عنه من ضبط أوراق ومجلات وما نسب إلى المتهم الأول (المطعون ضده الأول) من اعتراف في محضر ضبط الواقعة بغير ما حاجة إلى مناقشة ظروفه وملابساته، كما لا يجوز التعويل على شهادة من أجرى المراقبة والتفتيش الباطلين إذ ما بنى على باطل فهو باطل مثله". واستطرد الحكم إلى القول بأن ما أسفر عنه التفتيش لدى المطعون ضدهما لا يدل في حد ذاته على أنهما يزاولان المراهنات الخفية لحساب الغير بعيدا عن حلبة السباق، ثم خلص إلى استبعاد الدليل المستمد من المراقبة التليفونية ومن التفتيش المبنى عليها. لما كان ذلك، وكان ما انتهى إليه الحكم سديدا في القانون، ذلك بأن الأصل هو أنه لا يجوز إفشاء أسرار الخطابات والتلغرافات والاتصالات التليفونية وتعاقب المادة 154 من قانون العقوبات "كل من أخفى من موظفي الحكومة أو البريد أو مأموريها أو فتح مكتوبا من المكاتيب المسلمة للبوستة أو سهل ذلك لغيره وكذلك كل من أخفى من موظفي الحكومة أو مصلحة التلغرافات أو مأموريها تلغرافا من التلغرافات المسلمة إلى المصلحة المذكورة أو أفشاه أو سهل ذلك لغيره". غير أنه إذا استلزمت مصلحة التحقيق ضبط الخطابات والتغرافات والاطلاع عليها ومراقبة المكالمات التليفونية فإنها من مصلحة أولى بالرعاية من الحفاظ على أسرار هذه المكاتبات والمكالمات، ولذلك أباح الشارع لقاضى التحقيق بمقتضى المادة 95 من قانون الإجراءات الجنائية الواردة في الفصل الرابع من الباب الثالث من الكتاب الأول من قانون الإجراءات الجنائية الخاص بالتحقيق بمعرفة قاضى التحقيق - "أن يضبط لدى مكاتب البريد كافة الخطابات والرسائل والجرائد والمطبوعات والطرود، ولدى مكاتب التلغرافات كافة الرسائل التلغرافية، كما يجوز له مراقبة المحادثات التليفونية متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة". أما بالنسبة إلى النيابة العامة فقد نصت المادة 206 معدلة بالمرسوم بقانون 353 لسنة 1952 الواردة في الباب الرابع من الكتاب الأول الخاص بالتحقيق بمعرفة النيابة العامة - على أنه "لا يجوز للنيابة العامة في التحقيق الذى تجريه تفتيش غير المتهمين أو منازل غير المتهمين أو ضبط الخطابات والرسائل في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية من المادة 91 إلا بناء على إذن من القاضي الجزئي" وإنه وإن كانت هذه المادة لم تصغ كالمادة 95 سالفة البيان أو كالفقرة "ج" من المادة 30 من قانون تحقيق الجنايات الملغى التى كانت تجيز للنيابة العامة في مواد الجنايات أو الجنح بعد حصولها على إذن قاضى الأمور الجزئية - كما هو الشأن بالنسبة إلى تفتيش أماكن غير المتهمين - أن تضبط لدى مصلحة البريد كافة الرسائل البرقية متي رأت لذلك فائدة في ظهور الحقيقة - إلا أن مدلول كلمتي الخطابات والرسائل المشار إليهما في المادة 206 وإباحة ضبطها في أى مكان خارج منازل المتهمين طبقا للإحالة على الفقرة الثانية من المادة 91 يتسع في ذاته لشمول كافة الخطابات والرسائل والطرود والرسائل التلغرافية كما يندرج تحته المكالمات التليفونية لكونها لا تعدو أن تكون من قبيل الرسائل الشفوية لاتحادها في الجوهر وإن اختلفتا في الشكل. ومؤدى ما تقدم أنه فيما عدا الحكم الخاص الوارد بالمادة 95 مكررا المضافة بالقانون رقم 98 لسنة 1955 قد أباح الشارع لسلطة التحقيق وحدها - قاضى التحقيق، وغرفة الاتهام في أحوال التصدي للتحقيق أو إجراء تحقيقات تكميلية، والنيابة العامة في التحقيق الذى تجريه بعد استئذان القاضي الجزئي - سلطة ضبط الخطابات والرسائل طبقا للفهم سالف البيان بما في ذلك مراقبة المكالمات التليفونية لدى الهيئة المختصة. وقد سوى الشارع في المعاملة بين مراقبة المكالمات التليفونية وضبط الرسائل وبين تفتيش منازل غير المتهمين لعلة غير خافية وهى تعلق مصلحة الغير بها فاشترط لذلك في التحقيق الذى تجريه النيابة العامة ضرورة استئذان القاضي الجزئي الذى له مطلق الحرية في الإذن بهذا الإجراء أو رفضه حسبما يرى وهو في هذا يخضع لإشراف محكمة الموضوع. ولا يملك رجال الضبط القضائي ممارسة رقابة المكالمات التليفونية لكونها من إجراءات التحقيق لا من إجراءات الاستدلال ولا يجوز لهم مخاطبة القاضي الجزئي مباشرة في هذا الشأن بل يجب عليهم الرجوع في ذلك إلى النيابة العامة بوصفها صاحبة الولاية العامة في التحقيق الابتدائي - طبقا للتعديل المدخل على قانون الإجراءات الجنائية بالمرسوم بقانون رقم 353 لسنة 1952 الذى أضفى عليها هذه الولاية مع إخضاعها لبعض القيود من بينها الرجوع إلى القاضي الجزئي في حالة تطلب التحقيق إجراء المراقبة التليفونية، وبصدور إذن القاضي بإقرار ما تطلبه النيابة العامة من ذلك يعود إليها كامل سلطتها في مباشرة الرقابة على النحو الذى ترتئيه - سواء بالقيام بها بنفسها أو عن طريق ندب من تراه من مأموري الضبط القضائي لتنفيذها عملا بنص المادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية التي يجرى نصها على أنه "لكل من أعضاء النيابة العامة في حالة إجراء التحقيق بنفسه أن يكلف أى مأمور من مأموري الضبط القضائي ببعض الأعمال التي من خصائصه" وهو نص عام مطلق يسرى على كافة إجراءات التحقيق وينتج أثره القانوني بشرط أن يصدر صريحا ممن يملكه وأن ينصب على عمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق - غير استجواب المتهم - دون أن يمتد إلى تحقيق قضية برمتها وأن يكون ثابتا بالكتابة إلى أحد مأموري الضبط المختصين مكانيا ونوعيا. لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن وكيلي النيابة المختصين قد استصدر كل منهما إذنا من القاضي الجزئي بدائرة اختصاصه بمراقبة تليفوني المطعون ضدهما بناء على ما ارتآه كل منهما من كفاية محضر التحريات المقدم إليه لتسويغ استصدار الإذن بذلك وأنه بصدور الإذن المذكور قام الضابط الذى أجرى التحريات التي بنى عليها بتنفيذه دون أن يندب لذلك من النيابة العامة، ومن ثم يكون ما قام به من إجراءات المراقبة والتفتيش باطلا لحصولهما على خلاف القانون ولا يصح التعويل على الدليل المستمد منها. أما ما تقوله الطاعنة من أن الإذنين الصادرين من القاضي الجزئي قد جاءا مطلقين دون أن يرد بهما ما يفيد قصرهما على النيابة العامة وأن ظروف الحال تنبئ بأن الضابط الذى قام بالتحريات هو الذى سيجرى المراقبة المأذون بها، ما تقوله من ذلك مردود بأن سلطة القاضي الجزئي في هذا الإجراء محدودة بمجرد إصدار الإذن أو رفضه دون أن يخلع عليه القانون ولاية القيام بالإجراء موضوع الإذن بنفسه إذ أنه من شأن النيابة العامة - سلطة التحقيق - إن شاءت قامت به بنفسها أو ندبت له من تختاره من مأموري الضبط القضائي كما سلف البيان وليس للقاضي الجزئي أن يندب أحد هؤلاء مباشرة لتنفيذ الإجراء المذكور. ولا يصح القول كذلك بأن مجرد عرض النيابة العامة لمحضر التحريات - الذى قام به الضابط الذى أجراها - على القاضي الجزئي لاستصدار الإذن بالمراقبة التليفونية يعد بمثابة ندب ضمني لذلك الضابط بإجراء المراقبة المطلوبة، ذلك بأنه فضلا عن أن الندب يجب أن يكون صريحا ومحددا كما سلف القول فإن النيابة العامة لم تكن تملك الندب قبل صدور إذن القاضي الذى يعيد إليها سلطتها في ممارسة هذا الإجراء من إجراءات التحقيق. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن خلص إلى هذا التقرير القانوني السليم مستبعدا الدليل المستمد من المراقبة التليفونية والتفتيش الذى بنى عليهما قد استطرد إلى نفى مزاولة المطعون ضدهما المراهنات الخفية لحساب الغير بعيدا عن حلبة السباق وهو ما لم تجادل فيه الطاعنة في طعنها ويكفى في ذاته لحمل قضاء الحكم المطعون فيه.
لما كان ما تقدم كله، فإن ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه لا يكون سديدا ويتعين لذلك رفض الطعن موضوعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق