الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 30 يونيو 2021

الطعن 57 لسنة 11 ق جلسة 14 / 5 / 1942 مج عمر المدنية ج 3 ق 155 ص 431

جلسة 14 مايو سنة 1942

برياسة حضرة علي حيدر حجازي بك وبحضور حضرات: محمد كامل الرشيدي بك وحسن زكي محمد بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

----------------

(155)
القضية رقم 57 سنة 11 القضائية

ملكية. نظام الرهبنة.

وجوب احترامه والعمل على نفاذ الأحكام المقرّرة له. الأموال التي يشتريها الراهب وقت انخراطه في سلك الرهبنة. ملك للكنيسة.

------------
الرهبنة نظام جار عند بعض الطوائف المسيحية في مصر. وقد اعترفت به الحكومة المصرية إذ اختصت الرهبان على اختلاف درجاتهم ببعض المزايا فأعفتهم من الخدمة العسكرية ومن الرسوم الجمركية. والقانون في المادة 14 من الأمر العالي الصادر في 14 مايو سنة 1883 بترتيب واختصاصات المجلس الملي لطائفة الأقباط الأرثوذكس قد صرح بأن للرهبنة نظاماً خاصاً يجب احترامه والعمل على نفاذ الأحكام المقرّرة له. ومن هذه الأحكام أن كل ما يقتنيه الراهب بعد انخراطه في سلك الرهبنة يعتبر ملكاً للبيعة التي كرس حياته لخدمتها. فالراهب يدخل الدير فقيراً مجرّداً عن كل مال ليثقف ويربى وفقاً لأحكام الدين على حساب الدير وهو راض بالنظام الكنسي القاضي بأن كل ما يصيب الراهب من رزق لا يملك فيه شيئاً بل يكون ملكاً للكنيسة. ولما كان هذا الذي جرى العرف الكنسي عليه ليس فيه ما يخالف أحكام القانون أو مبادئ النظام العام فإن الحكم الذي يعد المطران مالكاً لنفسه، لا للكنيسة، ما يشتريه وقت شغله منصبه الديني على أساس أن عقود الشراء صدرت له شخصياً لا بصفته نائباً عن الكنيسة يكون مخطئاً في ذلك لعدم تطبيقه القواعد الكنسية المحددة لعلاقة الرهبان بالكنيسة في ملكية الأموال باعتبارها قانون العقد الواجب الأخذ به.


الوقائع

تتحصل وقائع الدعوى في أن الطاعن أقام على المطعون ضدّهم وآخرين أمام محكمة قنا الابتدائية الدعوى رقم 32 سنة 1938 وقال في صحيفتها إن الأنبا مرقس عبودة مطران كرسي إسنا والأقصر توفى في 23 من فبراير سنة 1934 وكان مما اقتناه من الأموال التي حصل عليها في عهد الوظيفة 53 فداناً و16 قيراطاً و20 سهماً كان يباشر إدارتها وصرف ريعها على الكنيسة التابعة له حتى وفاته. وكان محمد أحمد يونس أحد المدّعى عليهم في الدعوى مستأجراً لهذه الأطيان من المطران ثم استأجرها بعد وفاته من الطاعن باعتباره الرئيس الأكبر للطائفة والوارث لكل راهب وكل مطران عملاً بقوانين الكنيسة وتعاليمها الدينية. إلى أن كانت سنة 1936 فامتنع المستأجر المذكور عن دفع الإيجار بحجة أنه استأجر الأرض من ورثة المطران المتوفى. لهذا رفع غبطة البطريرك دعواه ضدّ هؤلاء الورثة والمستأجر يطلب فيها الحكم: (أوّلاً) بثبوت ملكيته إلى 53 فداناً و16 قيراطاً و20 سهماً وكف منازعة الأربعة الأول له فيها. (ثانياً) إلزام المستأجر بدفع مبلغ 567 جنيهاً و566 مليماً قيمة متأخر الإيجار عن سنتي 1935 - 1936 و1936 - 1937. وفي 15 من نوفمبر سنة 1938 حكمت محكمة قنا الابتدائية حضورياً برفض الدعوى وإلزام المدّعي بالمصاريف و300 قرش مقابل أتعاب المحاماة. استأنف غبطة البطريرك الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط وقيد استئنافه بجدولها برقم 38 سنة 14 قضائية. وبعد أن نظرت المحكمة الدعوى حكمت بتاريخ 14 من ديسمبر سنة 1940 في غيبة المستأنف عليه الأخير (المطعون ضدّه الأخير) وحضورياً لباقي المستأنف عليهم (باقي المطعون ضدّهم) بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وبتأييد الحكم المستأنف، وألزمت المستأنف بالمصاريف وبمبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة للمستأنف عليهم الحاضرين.
أعلن هذا الحكم للطاعن في 10 من سبتمبر سنة 1941 فطعن فيه بطريق النقض في 14 من ذلك الشهر بتقرير أعلن إلى المطعون ضدّهم إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن أوجه الطعن تتحصل فيما يأتي: (أوّلاً) أخطأت محكمة الموضوع فيما قالته في صدد حجية الإشهاد الشرعي الصادر في 30 من إبريل سنة 1935 بتحقيق وفاة الأنبا مرقس عبودة في 23 من فبراير سنة 1934 وانحصار إرثه في ورثته الطبيعيين. فقد رأت أن هذا الإشهاد حجة ولا يجوز لغير الوارث أن ينازع في وراثة ثبتت بإشهاد شرعي، مع أنها سلمت في قضائها بأن النزاع هو في الملك لا في التركة، فلم تسلم بهذا في حكها من التناقض. (ثانياً) أخطأ الحكم في القول بأن قانون الكنيسة لا يمكن الأخذ به في المحاكم لمخالفته للنظام العام. وفي هذا القول خلط بين النظام العام في الشرائع الدينية والنظام العام في الشرائع الوضعية. وقد جر هذا الخلط إلى القول بأن الرهبانية موت أدبي أو رِقٌّ حالة أن الشريعة الإسلامية أقرّت النصارى على نظام دينهم ومنه الرهبانية. كما أن القوانين المصرية تعترف بالرهبانية وتقرّر لها مزايا وامتيازات. (ثالثاً) اقتفى الحكم المطعون فيه أثر أحكام قليلة صادرة في هذا الموضوع، ولم يأت بحجة جديدة يرد بها على ما قدّمه الطاعن من الحجج، وأغفل القواعد التي قرّرتها أحكام أخرى، كما أغفل الدستور الإداري الذي وضعه مجلس الوزراء في شأن ملكية الرهبان في سنة 1297 هجرية. (رابعاً) أخطأ الحكم في القول بأن الشريعة الإسلامية لا تقرّ الكنائس على نظام الرهبنة ولا تجيز ما جاء في القوانين الكنسية عن طريقة اكتساب الملكية وكيفية انتقالها. (خامساً) أخطأ الحكم أيضاً في إطراحه أدلة الإثبات التي قدّمها الطاعن لإثبات أن الأطيان موضوع النزاع قد اشتريت بأموال المطرانية، وعلى أن المطران المتوفى نفسه كان يعتبر هذه الأطيان ملكاً للمطرانية، مع أن الخصوم لم يقدّموا دليلاً واحداً على أن المطران المتوفى كان له مال خاص، ومع أنهم سلموا بأن الأموال التي اشتريت بها الأطيان إنما كانت من إيراد المطرانية. (سادساً) أخطأ الحكم كذلك في عدم أخذه بنظرية النيابة في التعاقد وتكييف تصرفات المطران المتوفى على هذا الأساس. وذلك بأن ألقى عبء الإثبات على البطريركية مع أن الإثبات يجب أن يكون على الورثة، لأن المطران المتوفى لم يكن له مال خاص، فالظاهر هنا يؤيد الكنيسة، وبموجبه يكون عبء الإثبات على من يدّعي خلافه. كما أن القانون الكنسي يبين العلاقة المالية بين المطران والكنيسة.
وحيث إن النزاع يدور في الواقع حول الملكية لا الوراثة، ولهذا يكون كل ما ورد من الجدل سواء في الطعن أو في الحكم المطعون فيه خاصاً بقرار المجلس الملي أو الإعلام الشرعي لا محل للخوض فيه. وهذا هو ما خلص إليه الحكم المطعون فيه ذاته حيث قال: "إن البحث في قوّة الإشهاد الشرعي وفي القرار الصادر من المجلس الملي فيما يتعلق بالوراثة خارج في الواقع عن نطاق هذه الدعوى لأن المستأنف يبنى طلب تثبيت ملكيته للأطيان موضوع النزاع على أساس أنها مملوكة للكنيسة، وأنها لم تكن مملوكة قط للمطران المتوفى في حالة حياته، فيتعين والحالة هذه أن يكون البحث في الدعوى على هذا الأساس".
وحيث إن الطاعن استند لدى محكمة الموضوع في مطالبته بملكية أرض النزاع إلى القوانين الكنسية التي يتعهد رجال الدين باتباعها، وإلى أن اقتناء المطران المتوفى لتلك الأرض إنما كان بطريق النيابة عن الكنيسة. وقد ردّت محكمة الموضوع على الحجة الأولى بأن القواعد والتقاليد الدينية المحضة لا يمكن أن تكون لذاتها نافذة كقانون يتعين على المحاكم الأخذ بها، وأن ما قطعه الراهب على نفسه من العهود الخاصة بالمال لا تعدو أن تكون مجرّد تعهدات أدبية محضة لا تكفي وحدها لتمليك الكنيسة ما يشتريه الراهب. وقال الحكم عن الحجة المسندة إلى الإنابة في شراء الأطيان بأنه لم يقدّم دليل عليها.
وحيث إن الرهبنة نظام متبع لدى بعض الطوائف المسيحية في مصر، وقد اعترفت به الحكومة المصرية فمنحت الرهبان على اختلاف درجاتهم بعض المزايا، فأعفتهم من الخدمة العسكرية (الأمر العالي الصادر في 17 مارس سنة 1886) وأعفتهم كذلك من الرسوم الجمركية (الأمر السلطاني الصادر في 7 ذي الحجة سنة 1281). وجاء في المادة 14 من الأمر العالي الصادر في 14 مايو سنة 1883 بترتيب واختصاصات المجلس الملي لطائفة الأقباط الأرثوذكس "أن المجلس الملي يختص بحصر عدد الكنائس وقسسها وخدمتها وعدد الأديرة والرهبان الموجودين فيها الآن والذين يوجدون فيها في المستقبل. كما يختص بالمحافظة على تنفيذ قوانين الكنيسة المتعلقة بقبول الرهبان بالأديرة". وهذه المادة صريحة في أن للرهبنة نظاماً خاصاً يجب احترامه والعمل على نفاذ أحكامه.
وحيث إن من قواعد الرهبنة أن كل ما يقتنيه الراهب بعد انخراطه في سلك الرهبنة يكون ملكاً للبيعة التي كرس حياته لخدمتها. فقد ورد في كتاب القوانين لابن العسال طبعة سنة 1927 "ليكن معروفاً ما للأسقف إن كان له شيء، وليكن معروفاً ما للبيعة، لكي ما يكون له سلطان على ما كان له ليصنع فيه وبه ما أحب ويورثه لمن أراد". وبعد كلام بشأن هذا المال ورد بنفس الكتاب ما يأتي "فأما ما اقتناه (أي الأسقف) بعد الأسقفية فهو للبيعة ليس له أن يوصي في شيء منه إلا ما صار إليه من ميراث من والدين أو إخوة أو أعمام" (صحيفة 315). وورد أيضاً "فإذا قسم أسقف وكان فقيراً ثم استغنى من بعد قسمته علم أن المال الذي اقتناه من مال الكنيسة فيكون ذلك من بعد موته للكنيسة، ولكن أولاده لا يعدمون ما يدفع لهم من الكنيسة لكونهم غير مستحقين لمال الكنيسة. وبالجملة إن كان له أهل محتاجون فلتدفع لهم عيشتهم من الكنيسة" (صحيفة 315). وجاء في كتاب اللاهوت الأدبي للأب بولس أنطوين (صحيفة 454 طبعة سنة 1834) "لا تقولوا عن شيء إنه خصوصي بل فلتكن لكم سائر الأشياء مشتركة". وجاء كذلك في كتاب اللاهوت الأدبي للقديس ألفونسيوس ليكوري (صفحة 521 طبعة سنة 1858) "إن الحالة الرهبانية هي نوع راض للمعيشة المشتركة". وجاء فيه أيضاً "أنه ليلتزمن الراهب من قبل نذر الفقر بألا يمتلك شيئاً خصوصياً البتة" (صحيفة 526). وجاء أيضاً في كتاب الأحوال الشخصية للأب ألا يفوماسوس فيلتاؤس (المادة 111) "كل ما صار للأسقف أو غيره من الرؤساء الكبار من إيراد الرتبة (ما عدا ما للكنيسة من الحقوق المختصة بها) فيبقى على ذمة البيعة، وليس له أن يوصى به ولا يرثه أهله الطبيعيون..." (قاموس القضاء والإدارة لفيليب جلاد الجزء الخامس كتاب الأحوال الشخصية للطوائف غير الإسلامية صحيفة 264).
وحيث إنه يؤخذ مما سبق بيانه من الأحكام الكنسية أن الأموال التي تؤول للرهبان عن طريق وظائفهم أو بسببها تصبح ملكاً للبيعة إذ الراهب يدخل الدير فقيراً مجرّداً عن كل مال كي يثقف ويربى تربية دينية على حساب الدير راضياً بالنظام الكنسي القاضي بأن كل ما يصيبه من رزق لا يملك فيه شيئاً بل يكون ملكاً للكنيسة. وهذا التراضي الذي جرى العرف الكنسي باتباعه ليس فيه ما يخالف مبادئ النظام العام أو أحكام القانون في شيء ما.
وحيث إنه لذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ عدّ المطران مالكاً لما اشتره وقت أن كان شاغلاً منصبه الديني لمجرّد أن العقود صادرة له شخصياً، لا بصفته نائباً عن الكنيسة، قد أخطأ في عدم الأخذ بالقواعد الكنسية المحدّدة للعلاقة المالية بين الرهبان والكنيسة حالة كونها قانون الطرفين. ولذا يتعين نقض الحكم المطعون فيه بغير حاجة مع ذلك للخوض فيما عدا ما تقدّم مما تضمنته أوجه الطعن.
وحيث إن الدعوى صالحة للحكم فيها في الجانب المتعلق بملكية الأرض المتنازع عليها.
وحيث إن الثابت من عقود الشراء المقدّمة أن الأطيان بيعت إلى المطران المتوفى بعد توليه الأسقفية بدليل الإشارة إلى وظيفته فيها جميعاً، وإذ لم يتقدّم ما يثبت أن المطران اقتنى هذه الأرض من مال أصابه عن طريق الإرث أو الوصية فيكون شراؤه ما اشتراه من مال البيعة ولها. ولذا يتعين الحكم للطاعن بصفته بالطلبات الخاصة بالملكية.
وحيث إنه عن الإيجار فإن الدعوى غير صالحة للحكم فيه. ولذا يتعين إحالة الدعوى بالنسبة إليه إلى محكمة استئناف أسيوط لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق