الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 30 يونيو 2021

الطعن 9 لسنة 32 ق جلسة 31 / 5 / 1966 مكتب فني 17 ج 3 ق 176 ص 1291

جلسة 31 من مايو سنة 1966

برياسة السيد/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد اللطيف، وإميل جبران، وأحمد حسن هيكل، وعثمان زكريا.

------------

(176)
الطعن رقم 9 لسنة 32 القضائية

(أ) أهلية. "عوارض الأهلية". "الرهبنة". رهبنة. "أثرها". عرف. نظام عام.
الرهبنة نظام معترف به من الحكومة. لا أثر له على أهلية وجوب الراهب. اعتبار كل ما يقتنيه الراهب بعد انخراطه في سلك الرهبنة ملكا للبيعة أخذا بالعرف الكنسي. لا مخالفة في ذلك لأحكام القانون أو مبادئ النظام العام.
(ب) شفعة. "أحقية المطالبة بالشفعة بالنسبة للراهب".
مناط أحقية المطالبة بالشفعة بالنسبة للراهب يتحدد بأن تكون العين المشفوع بها ملكا لطالبها وأن يكون المبلغ الذى أودعه ثمنا للعقار من ماله الخاص.

-----------
1 - الرهبنة - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - نظام متبع لدى بعض الطوائف المسيحية في مصر. وقد اعترفت به الحكومة إذ منحت الرهبان بعض المزايا فأعفتهم من الخدمة العسكرية ومن الرسوم الجمركية، وقد صرح الأمر العالي الصادر في 14/ 5/ 1883 بترتيب المجلس الملي لطائفة الأقباط الأرثوذكس وتحديد اختصاصاته بأن للرهبنة نظاما خاصا يجب احترامه والعمل على نفاذ الأحكام المقررة له. ووفقا لهذه الأحكام لا تعدم الرهبنة شخصية الراهب ولا تمس أهلية وجوبه، إذ يظل صالحا لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، وإنما يعتبر كل ما يقتنيه الراهب بعد انخراطه في سلك الرهبنة ملكا للبيعة التي كرس حياته لخدمتها لأنه يعتبر طبقا للأحكام الكنيسة نائبا عن البيعة في تملك هذه الأموال إذ الأصل أن الرهب يدخل الدير فقيرا مجردا عن كل مال كي يثقف ويربى وفقا لأحكام الدين على حساب الدير وهو راض بالنظام الكنسي القاضي بأن كل ما يصيبه من رزق يعتبر أصلا ملكا للكنيسة ما لم يثبت عكس ذلك. وهذا الذى جرى عليه العرف الكنسي ليس فيه ما يخالف أحكام القانون أو مبادئ النظام العام  (1) .
2 - المناط في أحقية الطاعن بوصفه راهبا - في المطالبة بالشفعة يتحدد، لا بما إذا كانت العين التي يشفع بها مملوكة له ملكية خاصة فحسب، بل بما إذا كان المبلغ الذى أودعه ثمنا للعقار المشفوع فيه من ماله الخاص أيضا. فإذا كان الطاعن قد اقتصر على التمسك أمام محكمة الموضوع بأن العين التي يشفع بها مملوكة له ملكية خاصة. ولم يدع أن ثمن العقار المشفوع فيه الذى أودعه خزانة المحكمة هو من ماله الخاص. وكان ما قرره الطاعن من أن العين المشفوع بها هي من ماله الخاص لا يدل بذاته على أن الثمن الذى أودعه يخرج عن مال البيعة، وكان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة على أن ما يملكه الطاعن من مال بعد انخراطه في سلك الرهبنة يعتبر ملكا للبيعة التي يتبعها وعلى أن الطاعن رفع دعوى الشفعة لحسابه الخاص لا بوصفه ممثلا للكنسية، فإن هذا الذى قرره الحكم يكون صحيحا في القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 355 سنة 1959 مدنى كلى سوهاج يطلب الحكم بأحقيته في أخذ الأرض المبينة بعريضة الدعوى بالشفعة مقابل الثمن الوارد بالعقد وقدره 2200 ج مع ما يثبت أنه المصاريف الفعلية. وقال شرحا لدعواه أنه علم أن المطعون عليه الأول باع إلى المطعون عليهما الثاني والثالث 6 ط و5 س أرضا معدة للبناء، وإذ كانت هذه الأرض تجاور ملكه فقد أنذر المطعون عليهم الثلاثة الأول برغبته في أخذها بالشفعة ولكنهم لم يستجيبوا لهذه الرغبة فأودع خزانة المحكمة الثمن والملحقات ثم رفع دعواه للحكم له بطلباته - دفع المطعون عليهما الثاني والثالث بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة تأسيسا على أن الطاعن أقام الدعوى بصفته الشخصية مع أنه راهب وكل ما يملكه أثناء شغله لمنصبه الديني يعتبر ملكا للكنيسة التي يتبعها، كما دفعا بسقوط الحق في الأخذ بالشفعة لنزول الطاعن عنه، وبعدم جواز الأخذ بالشفعة لعدم توافر شروطها، ثم أدخلا غبطة بطريرك الأقباط الأرثوذكس المطعون عليه الرابع ليكون الحكم في مواجهته. وبتاريخ 20/ 4/ 1961 حكمت المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة وبرفض الدفع بسقوط الحق في الشفعة لنزول الطاعن عنه، وبرفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 255 سنة 36 ق أسيوط طالبا إلغاءه والحكم له بطلباته كما رفع المطعون عليهما الثاني والثالث استئنافا مقابلا طالبين إلغاء الحكم فما قضى به من رفض الدفع بعدم قبول الدعوى، ومحكمة الاستئناف قضت في 9/ 12/ 1961 بإلغاء الحكم المستأنف وبقبول الدفع وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة. وفى 4/ 1/ 1962 طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 8/ 5/ 1965، وفيها صممت النيابة العامة على رأيها الذى ضمنته مذكرتها بطلب نقض الحكم، وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة، وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد ينعى فيه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون وقصوره في التسبب ذلك أنه قضى بقبول الدفع وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة تأسيسا على أن الطاعن أقام دعواه بصفته الشخصية ولحسابه الخاص لا بوصفه ممثلا للكنيسة مع أنه راهب وتقضى القوانين الكنسية بأن ما يملكه الراهب بعد انخراطه في سلك الرهبنة يعتبر ملكا للكنيسة التي يتبعها، هذا في حين أن أحكام الأهلية من النظام العام فلا يجوز لأحد النزول عن أهليته أو تعديل أحكامها، وما دامت هذه القواعد لا تسلب الراهب أهليته أو تنتقص منها فيتعين إعمالها والالتفات عن العادات والتقاليد الدينية التي تخالفها. وإذ اشترى الطاعن الأرض التي يشفع بها من ماله الخاص كما أقر بذلك المطعون عليه الرابع الذى يمثل الكنيسة فلا يجوز حرمانه من اتخاذ إجراءات الشفعة، ويكون الحكم المطعون فيه إذ أهدر أهلية الطاعن وقضى بعدم قبول الدعوى قد خالف القانون، فضلا عن أنه جاء قاصرا إذ لم يرد على أسباب الحكم الابتدائي في قضائه برفض الدفع بعدم القبول.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن الرهبنة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - نظام متبع لدى بعض الطوائف المسيحية في مصر. وقد اعترفت به الحكومة إذ منحت الرهبان بعض المزايا فأعفتهم من الخدمة العسكرية ومن الرسوم الجمركية، وقد صرح الأمر العالي الصادر في 14/ 5/ 1883 بترتيب المجلس الملي لطائفة الأقباط الأرثوذكس وتحديد اختصاصاته بأن للرهبنة نظاما خاصا يجب احترامه والعمل على نفاذ الأحكام المقررة له. ووفقا لهذه الأحكام لا تعدم الرهبنة شخصية الراهب ولا تمس أهلية وجوبه، إذ يظل صالحا لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، وإنما يعتبر كل ما يقتنيه الراهب بعد انخراطه في سلك الرهبنة ملكا للبيعة التي كرس حياته لخدمتها، فقد ورد في كتاب القوانين لابن العسال طبعة سنة 1927 "ليكن معروفا ما للأسقف إن كان له شيء وليكن معروفا ما للبيعة لكى ما يكون له سلطان على ما كان له ليصنع فيه وبه ما أحب ويورثه لمن أراد، فأما ما اقتناه بعد الأسقفية فهو للبيعة ليس له أن يوصى في شيء منه إلا ما صار إليه من ميراث من والدين أو إخوة أو أعمام، فإذا قسم أسقف وكان فقيرا ثم استغنى من بعد قسمته علم أن المال الذى اقتناه من مال الكنيسة فيكون ذلك من بعد موته للكنيسة" (ص 315) وجاء في كتاب الأحوال الشخصية للأب الايفومانوس فيلتاؤس (المادة 111) "كل ما صار للأسقف أو غيره من الرؤساء الكبار من إيراد الرتبة فيبقى على ذمة البيعة وليس له أن يوصى به ولا أن يرثه أهله الطبيعيون، أما ما كان له قبل حصوله على رتبة الرئاسة أو نتج مما كان له من قبل أو صار له لا من إيراد الرتبة بل من جهة أخرى كميراث أو وصية فله أم يميزه ويحصره بكتابة صريحة خارجا عن إيراد الرتبة وأن يوصى به لمن أراد" (قاموس القضاء والإدارة لفيليب جلاد الجزء الخامس ص 264). وهذه الأموال التي تؤول للراهب عن طريق وظيفته أو بسببها إذ تصبح ملكا للبيعة فذلك لا لأن شخصيته قد انعدمت أو لأن أهلية وجوبه قد انتقصت بل لأنه يعتبر طبقا للأحكام الكنسية نائبا عن البيعة في تملكه هذه الأموال، إذ الأصل أن الراهب يدخل الدير فقيرا مجردا عن كل مال كى يثقف ويربى وفقا لأحكام الدين على حساب الدير وهو راض بالنظام الكنسي القاضي بأن كل ما يصيبه من رزق يعتبر أصلا ملكا للكنيسة ما لم يثبت عكس ذلك على النحو المتقدم. ولما كان هذا الذى جرى العرف الكنسي عليه ليس فيه ما يخالف أحكام القانون أو مبادئ النظام العام، وكان المناط في أحقية الطاعن بوصفه راهبا - في المطالبة بالشفعة يتحدد لا بما إذا كانت العين التي يشفع بها مملوكة له ملكية خاصة فحسب بل إذا كان المبلغ الذى أودعه ثمنا للعقار المشفوع فيه من ماله الخاص أيضا، وكان يبين من الأوراق أن الطاعن اقتصر على التمسك أمام محكمة الموضوع بأن العين التي يشفع بها مملوكة له ملكية خاصة. ولم يدع أن ثمن العقار المشفوع فيه الذى أودعه خزانة المحكمة هو من ماله الخاص وكان ما قرره الطاعن من أن العين المشفوع بها هى من ماله الخاص لا يدل بذاته على أن الثمن الذى أودعه يخرج عن مال البيعة، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة على أن ما يملكه الطاعن من مال بعد انخراطه في سلك الرهبنة يعتبر ملكا للبيعة التى يتبعها وعلى أن الطاعن رفع دعوى الشفعة لحسابه الخاص لا بوصفه ممثلا للكنيسة، ولم يرد بالحكم ما يفيد أن الطاعن أدعى أن المال الذى أودعه ثمنا للعقار المشفوع فيه هو من ماله الخاص، لما كان ما تقدم وكان هذا الذى قرره الحكم صحيحا في القانون ويكفى لحمل قضائه وكانت محكمة الاستئناف غير ملزمة بالرد على كل أسباب الحكم المستأنف ما دام قضاؤها مبنيا على أساس سليم، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والقصور في التسبيب يكون على غير أساس.


 (1) راجع نقض 4/ 5/ 1942 طعن رقم 57 سنة 11 ق مجموعة الربع قرن ص 342 ق 65.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق