جلسة 23 فبراير سنة 1939
برياسة سعادة محمد لبيب
عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وأحمد
مختار بك ونجيب مرقس بك المستشارين.
-------------
(167)
القضية رقم 58 سنة 7
القضائية(1)
دعوى صحة التعاقد. دعوى
صحة التوقيع. الفارق بينهما.
دعاوى الاستحقاق. دعوى
صحة التعاقد تدخل فيها. دعوى صحة التوقيع ليست منها. (المواد 251 - 253 مرافعات
وقانون التسجيل رقم 18 لسنة 1923)
----------------
إن دعوى صحة التعاقد هي
دعوى موضوعية تنصب على حقيقة التعاقد فتتناول محله ومداه ونفاذه. والحكم الذي يصدر
فيها هو الذي يكون مقرراً لكافة ما انعقد عليه الرضاء بين المتعاقدين بغير حاجة
معه إلى الرجوع إلى الورقة التي أثبت فيها التعاقد أوّلاً. وهي بماهيتها هذه تعتبر
دعوى استحقاق مآلاً وتدخل ضمن الدعاوى الوارد ذكرها في المادة السابعة من قانون
التسجيل. أما دعوى صحة التوقيع فهي دعوى تحفظية شرعت لتطمين
من بيده سند عرفي على آخر إلى أن الموقع على ذلك السند لن يستطيع، بعد صدور الحكم
بصحة توقيعه، أن ينازع في صحته. وهي، بالغرض الذي شرعت له وبالإجراءات المرسومة
لها في قانون المرافعات، يمتنع على القاضي فيها أن يتعرّض للتصرف المدّون في
الورقة من جهة صحته أو بطلانه ونفاذه أو توقفه وتقرير الحقوق المترتبة عليه.
فالحكم الصادر فيها لا ينصب إلا على التوقيع الموقع به على الورقة. ولئن كان يجوز
تسجيل هذا الحكم على اعتبار أنه من الملحقات المكملة لعقد البيع بشرط أن يكون هذا
العقد مستوفياً للبيانات المطلوبة في المادة الثانية من قانون التسجيل، وبشرط أن
تراعي المحكمة عند الحكم بصحة التوقيع أحكام القانون رقم 28 لسنة 1928، إلا أن هذا
التسجيل لا يعدو أثره الأثر لتسجيل العقد العرفي المصدّق من أحد الموظفين أو
المأمورين العموميين طبقاً للمادة السادسة من قانون التسجيل على الإمضاءات الموقع
بها عليه. ولذلك فإنه ليس لصاحبه به وجه أفضلية إلا من تاريخ التسجيل من غير أن
يكون له أثر رجعي مبتدئ من تاريخ تسجيل صحيفة دعوى صحة التوقيع. وإذن فدعوى صحة
التوقيع، وهذه ماهيتها، لا تدخل ضمن الدعاوى المشار إليها في المادة السابعة
المذكورة. وبالتالي فتسجيل صحيفتها لا يترتب عليه ما يترتب على تسجيل عرائض تلك
الدعاوى.
الوقائع
تتلخص وقائع هذه الدعوى -
على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن سائر المستندات المودعة من طرفي الخصومة
وكانت من قبل مقدّمة لمحكمة الاستئناف - في أن المدّعى عليه الثاني في الطعن تعاقد
عرفياً في 10 من أكتوبر سنة 1935 مع الطاعن على أن يبيع لهذا فدانين بناحية كوم
الضبع مركز منوف بثمن مقداره مائة وثمانون جنيهاً مصرياً.
وفي 13 من أكتوبر سنة
1935 تعاقد نفس البائع عرفياً أيضاً مع المدّعى عليه الأوّل في الطعن على أن يبيع
للمذكور الأرض عينها بثمن مقداره 175 جنيهاً.
ثم رفع المدّعى عليه
الأوّل عبد السميع أفندي دعوى على البائع له أمام محكمة شبين الكوم الجزئية طلب
فيها الحكم بصحة توقيع البائع وحدّد لنظر هذه الدعوى جلسة 25 من نوفمبر سنة 1935.
وقد سجل عريضتها بمحكمة مصر المختلطة في 5 من نوفمبر سنة 1935.
ورفع الطاعن بدوره على
البائع له بتاريخ 30 من أكتوبر سنة 1935 دعوى بصحة التوقيع أيضاً حدّدت لها أخيراً
نفس جلسة 25 من نوفمبر سنة 1935 أمام محكمة شبين الكوم الجزئية. وقد قضي في تلك
الجلسة في الدعويين بصحة توقيع البائع لكل من خصميه على عقدي 10 و13 من أكتوبر سنة
1935.
سجل عبد السميع أفندي حكم
صحة التوقيع الصادر له بمحكمة منوف الشرعية في 8 من ديسمبر سنة 1935 تحت رقم 11؛
أما الطاعن فلم يسجل حكم صحة التوقيع الصادر لمصلحته، ولكنه رفع دعوى أخرى في 23
من نوفمبر سنة 1935 على البائع أمام محكمة شبين الكوم الكلية قيدها تحت رقم 28 سنة
1936 وطلب فيها الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر له في 10 من أكتوبر سنة 1935
وتثبيت ملكيته للأرض المبيعة، وسجل عريضة تلك الدعوى بمحكمة مصر المختلطة في 28 من
نوفمبر سنة 1935. وقد دخل عبد السميع أفندي المدّعى عليه الأوّل في الطعن خصماً
ثالثاً في هذه الدعوى، وقضت المحكمة في 6 من إبريل سنة 1936 في وجهه بصحة ونفاذ
عقد البيع الصادر للطاعن بالفدانين في 10 أكتوبر سنة 1935 من المدّعى عليه الثاني
في الطعن وتثبيت ملكيته لهما.
استأنف عبد السميع أفندي
هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر بعريضة أعلنها للطاعن وللمدّعى عليه الثاني في
الطعن في 22 من يوليه سنة 1936 طالباً الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع
بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعن وإلزامه هو ومحمود نجيب سيد أحمد يونس
أفندي المدّعى عليه الثاني بمصاريفها ومقابل أتعاب المحاماة. وقد ذكر في عريضة
الاستئناف أن محكمة أوّل درجة قد أخطأت في التفرقة بين أثر تسجيل عريضة دعوى صحة
التوقيع وأثر تسجيل عريضة صحة ونفاذ عقد البيع، وفي ذهابها إلى أن العريضة الأولى
دون الثانية لا تدخل ضمن المنصوص عنه من الدعاوى في المادة السابعة من قانون
التسجيل ولا يمكن أن يرجع أثرها إلى تاريخ تسجيلها.
ومحكمة الاستئناف بعد أن
سمعت دفاع طرفي الخصومة قضت في 2 من مارس سنة 1937 بقبول الاستئناف شكلاً وفي
الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعن وإلزامه هو وثاني المدّعى عليهما في
الطعن بالمصاريف... الخ.
أعلن هذا الحكم للطاعن في
31 من مايو سنة 1937، فطعن فيه وكيله بطريق النقض في 29 من يونيه سنة 1937... الخ.
المحكمة
وبما أن مبنى الطعن أن
الحكم المطعون فيه معيب قانوناً من ناحيتين: (أولاهما) أنه اعتبر الدعوى بصحة
التوقيع ذات أثر يتناول موضوع السند الذي وقع عليه مع أن هذه الدعوى إنما تنصب على
تحقيق الكتابة أو الإمضاء. (وثانيتهما) أن ذلك الحكم حين استند فيما ذهب إليه من رأي
إلى نص المادة السابعة من قانون التسجيل صرف هذا النص إلى معنى يتناول أنواعاً من
عرائض الدعاوى لم تأتِ في النص إطلاقاً ولا هي مما يجوز أخذه بالقياس. فذكر أن تلك
المادة تحتمل كل دعوى شخصية، وخلص من ذلك إلى أن دعوى صحة التوقيع هي من الدعاوى
الجائز تسجيلها، ثم رتب على هذه النتيجة الخاطئة في ذاتها نتيجة أخرى خاطئة أيضاً
وهي أثر هذا التسجيل في مناهضته حقاً عينياً اكتسبه الغير من طريق تسجيل دعواه
بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر إليه.
وبما أن ما يعيبه الطاعن
على الحكم المطعون فيه هو ما أورده ذلك الحكم في الفقرات الآتية:
"وحيث إن المادة السابعة
من قانون التسجيل تنص على وجوب التأشير على هامش سجل المحرّرات واجبة التسجيل بما
يقدّم ضدّها من دعاوى البطلان أو الفسخ أو الإلغاء، فإذا كان المحرّر الأصلي لم
يسجل فتسجل تلك الدعاوى، وكذلك دعاوى استحقاق أي عقار أو حق من الحقوق العينية
العقارية يجب تسجيلها أو التأشير بها كما ذكر. فالشطر الأوّل من المادة يفيد أنه
إذا رفعت دعوى بطلان أو فسخ عقد بيع لم يكن مسجلاً وهي دعوى شخصية يجب تسجيل
عريضتها لحماية رافعها وحماية الغير من تصرف المتمسك بالعقد أو التعاقد معه، كما
يتضح من الشطر الثاني من المادة المذكورة أن دعوى الاستحقاق تارة تكون مبنية على
عقد مسجل أو عقد عرفي أو على سبب آخر من أسباب الملك كوضع اليد أو الميراث. فإذا
كان رافع دعوى الاستحقاق تملك بعقد عرفي فلا يمكن أن يطلب الحكم بالملكية مباشرة،
لأن العقد الذي يتمسك به لا ينقل الملكية - ولهذا يجب اعتبار دعاوى الاستحقاق
الواردة في المادة السالفة الذكر هي التي يكون الغرض من رفعها الوصول إلى
الاستحقاق في الحال أو بعد تسجيل عريضة الدعوى والحكم الصادر فيها كدعوى طلب الحكم
بصحة التوقيع".
"وحيث إنه لا نزاع في أن
عقد البيع العرفي يعطي للمشتري وهو المتعهد له الحق في مطالبة البائع بتنفيذ
التزامه بنقل الملكية إليه. ولما كان قانون التسجيل يقضي في المادة السادسة بوجوب
التصديق على إمضاءات وأختام الطرفين الموقعين على المحررات العرفية أمام أحد
الموظفين العموميين، فكان عقد البيع يستلزم بطبيعته إلزام البائع بأن يحضر أمام
كاتب العقود للتصديق على إمضائه ليتسنى للمشتري التسجيل ونقل الملكية، فإن تأخر
البائع عن الوفاء بهذا الالتزام فقد تكفلت المادة 251 مرافعات ببيان الطريقة
العملية الملزمة للموقع على الورقة العرفية بالاعتراف بإمضائه أو ختمه. وذلك برفع
دعوى على صاحب الإمضاء أو الختم ليحضر أمام المحكمة فإن اعترف كان بها وإلا قضي
عليه بعد إقامة الدليل من قِبل رافع الدعوى على صحتها، ومتى صدر الحكم يصح للمشتري
تسجيله لنقل الملكية".
"وحيث بناءً على ما ذكر
تكون دعوى صحة التوقيع وإن كانت دعوى شخصية إلا أن الغرض من رفعها كدعوى صحة ونفاذ
العقد الوصول إلى الاستحقاق حالاً أو مآلاً. وبذلك تكون داخلة حتماً في مدلول
الشطر الثاني من المادة السابعة من قانون التسجيل السابق الذكر".
"وحيث إن المستأنف قام
بهذا الإجراء طبقاً لما ذكر قبل تسجيل حكم صحة ونفاذ البيع الصادر من نفس البائع
للمستأنف عليه الأوّل، وطبقاً للمادة الثامنة عشر من قانون التسجيل يكون حق
المستأنف بعد أن تقرر بحكم مؤشر به طبق القانون حجة على من ترتبت لهم حقوق ابتداء
من تاريخ عريضة الدعوى أو التأشير بها (حكم محكمة النقض الصادر في 5 يناير سنة
1933)".
"وحيث لذلك يكون الحكم المستأنف
أخطأ فيما ذهب إليه ويتعين إلغاؤه ورفض دعوى المستأنف عليه الأوّل مع إلزامه
بالمصاريف عن الدرجتين".
هذا هو ما تعلل به الحكم
المطعون فيه حين قضى بأن دعوى صحة التوقيع التي رفعها أوّل المدّعى عليهما في
الطعن هي مثل دعوى صحة التعاقد، وأن أثر تسجيل صحيفتها والتأشير بالحكم الصادر
فيها كأثر تسجيل صحيفة الدعوى الأخرى.
وبما أن وجه الرأي في
النزاع المطروح ينكشف بتبيان ماهية كلتا الدعويين وما تقتضيه كل منهما من بحث قبل
الفصل فيها.
فدعوى صحة التعاقد هي
دعوى موضوعية يقوم فيها بين الخصمين دفعاً ورداً البحث فيما انعقد عليه رضاؤهما.
ويصدر الحكم فيها قاطعاً بماهية هذا الرضاء ونفاذه بحيث لا يبقى بعد صدوره محل إلى
الرجوع في ذلك إلى الورقة العرفية التي دوّن فيها التعاقد أصلاً. فهي دعوى مناطها
نفس الحق المتنازع عليه، وتنصب على قيامه. فإذا كان موضوعها حقاً عينياً استقر بالحكم
فيها جوهر ذلك الحق على العين ذات الشأن فيه. وهي بهذا الوصف تدخل ضمن الدعاوى
التي ذكرتها المادة السابعة من قانون التسجيل على اعتبار أنها دعوى استحقاق مآلاً
كما جرى عليه قضاء هذه المحكمة.
أما دعوى صحة التوقيع
فليست سوى دعوى شرعها القانون كإجراء تحفظي يطمئن به من بيده سند على آخر أن
المنسوب إليه ذلك السند لن يستطيع، بعد صدور الحكم بصحة التوقيع، أن ينازع في تلك
الصحة. وهي بإجراءاتها المرسومة في قانون المرافعات، وتحديد مرماها بأنه اختبار
التوقيع الموقع به على سند، والقطع بصحته أو بعدم صحته، محرّم على قاضيها أن يبحث
في أكثر مما يستلزمه ذلك. فليس له أن يتناول موضوع السند بما في طياته من حقوق،
ويمحص ما قد يوجه عليه من مطاعن تبطله. وقد حدث أنه بعد صدور قانون التسجيل
مشترطاً في المادة السادسة منه وجوب التصديق على إمضاءات وأختام الموقعين على
المحرّرات العرفية المقدّمة للتسجيل أن لمح بعض المتعاملين في دعوى صحة التوقيع
تيسيراً لهم إذا ما تعنت البائع وقعد عن التوقيع أمام كاتب التصديقات على العقد
الذي اشترط ذلك القانون وجوب تحريره بأوضاع وضوابط خاصة، ورأوا أنه يمكنهم إجبار
البائع على القيام بما يعادل توقيعه على العقد أمام كاتب التصديقات برفع دعوى صحة
التوقيع عليه واستصدار حكم بها يقوم من ناحية التصديق على الإمضاء فقط مقام العقد
المصدّق عليه من ذلك الكاتب حتى يمكن بعد استيفاء الإجراءات الأخرى تقديمه للتسجيل.
وبما أن الحكم المطعون
فيه لم يقف عند إجازة هذا النظر بل إنه استطرد إلى أن صحيفة دعوى صحة التوقيع التي
رفعها المدّعى عليه الأوّل في الطعن وقد سجلت ثم سجل الحكم الذي صدر بشأنها هي حجة
على من ترتبت لهم حقوق ابتداء من تاريخ تسجيل تلك الصحيفة طبقاً للمادة 12 من
قانون التسجيل - استطرد الحكم المطعون فيه إلى ذلك غاضاً النظر عن أن صحيفة دعوى
صحة التوقيع على ما سبق بيانه إنما هي طلب الاعتراف بالإمضاء الموقع بها على عقد
البيع المسند إلى المدّعى عليه الثاني، وأن الحكم الصادر في الدعوى لا يوثق إلا
صحة هذا التوقيع، وأنه إذا جاز تسجيل هذا الحكم مع العقد العرفي الذي هو مكمل له،
وذلك بعد استيفاء البيانات المطلوبة في المادة الثانية من قانون التسجيل وبعد
مراعاة أحكام القانون رقم 28 سنة 1928، فإن هذا التسجيل لا يعدو أثره تسجيل عقد
عرفي صدّق على الإمضاءات الممهور بها من أحد الموظفين أو المأمورين العموميين
طبقاً للمادة السادسة من قانون التسجيل أي أنه لا يكون ذا أثر رجعي لتاريخ تسجيل
صحيفة دعوى صحة التوقيع.
وليس ما قاله الحكم
المطعون فيه تبريراً لنظره من أن دعوى صحة التوقيع وإن كانت دعوى شخصية إلا أن
الغرض من رفعها هو الغرض من رفع دعوى صحة ونفاذ العقد بالقول السائغ. فما كان
الباعث على رفع الدعوى في هذا المقام ليغير ماهية دعوى صحة التوقيع، وأنها دعوى لم
تتناول قط موضوع الحق، ويقلبها إلى دعوى صحة التعاقد التي يستقر بالحكم فيها جوهر
الحق، والفوارق بين الدعويين على ذلك الجلاء الذي سبق بيانه.
وبما أنه متى استبان أن
دعوى صحة التوقيع التي رفعها أوّل المدّعى عليهما في الطعن لا يمكن أن تكون
بماهيتها ضمن الدعاوى التي ذكرها الشارع في المادة السابعة من قانون التسجيل، كان
تسجيل صحيفتها سدى، وكان تطبيق المادة الثانية عشرة من ذلك القانون على غير أساس.
هذا بقطع النظر عن كون الحكم الصادر فيها إنما سجل في محكمة منوف الشرعية، ولم
يؤشر به طبقاً للمادة العاشرة من قانون التسجيل في هامش تسجيل صحيفة الدعوى
بالمحكمة المختلطة حيث سجلت تلك الصحيفة.
وبما أنه وقد وضح أن
الحكم المطعون فيه قد أخطأ في القانون حين قضى بإلغاء الحكم المستأنف على الأساس
المتقدّم ذكره فيتعين نقضه.
وبما أن الدعوى صالحة
للحكم في موضوعها.
وبما أن الحكم المستأنف
الصادر في الدعوى من محكمة شبين الكوم الابتدائية قد أصاب الحق للأسباب التي استند
إليها وللأسباب التي تقدّم سردها فيتعين تأييده.
(1)إتماماً للفائدة ننشر هنا مقتبسات مما ورد في مذكرة النيابة التي
وضعها الأستاذ محمد عبد الله محمد قال: كثيراً ما تغري المصلحة أحد طرفي عقد البيع
بالتحلل من عقدته بعد انعقادها وقبل تسجيله. والحيلة المطروقة لذلك هي الامتناع عن
القيام بإجراء التصديق على توقيعه فيعجز الطرف الآخر عن تسجيل العقد بحالته. وقد
انتهى القضاء بعد تردّد غير قليل إلى تقرير دعويين لتمكين الطرف المتمسك بالعقد من
تسجيله: أولاهما الدعوى المقرّرة لكل صاحب تعهد ينازعه فيه الملتزم بطلب إنفاذ
التعهد عليه وهي الدعوى المعروفة بدعوى إثبات التعاقد أو صحة التعاقد أو صحة ونفاذ
البيع أو ثبوت البيع، فيقوم الحكم الصادر فيها مقام عقد البيع نفسه في التسجيل.
والثانية هي دعوى صحة التوقيع يكمل بها المدّعي الإجراء الذي كان ينقصه لتسجيل
عقده، إذ يحل الحكم فيها محل تصديق كاتب التصديقات، ويكون مكملاً لنفس العقد الذي
يصبح قابلاً للتسجيل (تراجع الأحكام الواردة في ملحق مرجع القضاء المدني من ص 1764
إلى ص 1767)
والحدود القانونية بين
دعوى صحة التعاقد وثبوت البيع وبين دعوى صحة التوقيع جلية واضحة أشار إليها الطاعن
وسلم بها المطعون ضدّه.
فالأولى دعوى موضوعية
تنصب على حقيقة التعاقد فتتناول صحة نفاذه ومداه ومحله، ويكون الحكم الصادر فيها
مقرراً لكافة ما انعقد عليه الرضا بين المتبايعين بغير حاجة بعده إلى الرجوع إلى
أصل الورقة العرفية التي دوّن بها البيع إن وجدت.
والثانية دعوى تحفظية
تنصب على جزء مادي في الورقة هو كتابتها أو التوقيع الممهورة به هذه الكتابة وصحة
نسبتها للمدعى عليه بغير مساس بالعقد أو التصرف الذي اشتملت عليه الورقة. إلا أنه
لما كانت دعوى صحة التعاقد ونفاذ البيع تتقاضى عنها الخزانة رسوماً نسبية بينما
تتقاضى عن صحة التوقيع رسماً مقرراً يكون في الأغلب أقل بكثير من رسم دعوى صحة
التعاقد، فقد جنح كثير من حضرات المحامين إلى الاستغناء عن هذه الدعوى بدعوى صحة
التوقيع اقتصاداً في الرسوم - جنحوا إلى ذلك قاصدين أن يحصلوا من هذه الدعوى على
نفس النتائج التي يمكن أن يصلوا إليها من الدعوى الأخرى.
وجرى الكثير منهم
استطراداً في هذا المعنى على تسجيل عريضة دعوى صحة التوقيع. لكن من المسلم به أن
الوسيلة التي لا تؤدي بطبيعتها إلا إلى غاية معينة لا يمكن أن تؤدي إلى غاية
مخالفة لمجرّد أن صاحبها قد انتوى هذه الغاية دون الغاية الطبيعية. فدعوى صحة
التوقيع لا يمكن أن تتجاوز غير ما رسمه القانون لها في المواد 251 - 253 مرافعات،
ونتيجتها لا يمكن أن تكون - مهما يكن قصد رافعها وباعثه - إلا الحكم بأن الورقة أو
الإمضاء صدرت أو لم تصدر ممن نسبت إليه. نعم لا يمكن أن ترفع دعوى بصحة التوقيع
ليحكم فيها القاضي بصحة البيع ونفاذه. لأنه إن حكم بذلك يكون قد قضي بما لم يطلب
منه، لأن مدعي صحة التوقيع وإن كان باعثه الوصول إلى صحة التعاقد لا يمكنه أن يبوح
به للقاضي، إذ لو فعل أو لو استظهر القاضي من نفسه ذلك لوجب الحكم باستبعاد الدعوى
من الجدول حتى يسوّى رسمها على حسب حقيقة طلبات رافعها، ولوجب أن يفسح فيها مجال
الدفاع للخصوم على تقدير أنها دعوى موضوعية بصحة التعاقد ونفاذه. وإذن فالمزج بين
الدعويين يمتنع، والمساواة بينهما في النتائج والآثار أشدّ امتناعاً. ومع ذلك فكما
قدّمنا يجوز تسجيل حكم صحة التوقيع باعتباره ملحقاً مكملاً لعقد البيع بشرط أن
يكون العقد مستوفياً للبيانات المطلوبة في المادة الثانية من قانون التسجيل (أسيوط
25 يناير سنة 1927 محاماة سنة 7 عدد 406)، وبشرط أن تراعي المحكمة عند الحكم بصحة
التوقيع أحكام القانون رقم 28 لسنة 1928 الذي نص في المادة الأولى منه على أنه
"يجب على الموظفين والمأمورين العموميين الذين يخوّل لهم طبقاً للمادة
السادسة من القانون رقم 18 لسنة 1923 التصديق على الإمضاءات أو الأختام الموقع بها
على المحررات العرفية التي أوجب ذلك القانون تسجيلها أن يحصلوا مع رسوم التصديق
المستحقة بموجب التعريفات المعمول بها الرسم النسبي ورسم التأشير ورسم التمغة ورسم
الحفظ التي تستحق على تلك العقود بموجب التعريفة المعمول بها في المحاكم المختلطة
عند تقديمها للتسجيل". أما تسجيل عريضة دعوى صحة التوقيع باعتبارها من
الدعاوى التي أشارت إليها المادة السابعة من قانون التسجيل فيفتقر - في رأينا -
إلى السند القانوني. لأنه إذا أطيل النظر فيما جاء بالمادة السابعة من وجوب تسجيل
دعاوى البطلان أو الفسخ أو الإلغاء أو الرجوع، وتسجيل دعاوى الاستحقاق عموماً، وضح
المعنى الجامع الذي اقتضى إخضاع هذه الدعاوى لحكم واحد فيما يتعلق بالتسجيل. هذا
المعنى هو كونها على الجملة دعاوى استحقاق سواء تمخضت بهذا الاستحقاق في الحال أو
انتهت إليه في المآل. فإن دعاوى الفسخ والبطلان وما شاكلها وإن كانت تقوم على
العقد وأحكامه إلا أنها تنتهي - إذا صحت - باستحقاق طالب الفسخ أو البطلان للعقار
نتيجة الحكم به. غير أن معنى الاستحقاق لا يتحقق في دعاوى الفسخ والإبطال، ولا
تنهض الحاجة إلى تسجيلها إلا من ناحية البائع ومن في حكمه. لأنه هو الذي يرد إليه
العقار، وهو الذي يحرص على أن يسترده بريئاً من آثار العقد المحكوم بإبطاله أو
فسخه (قارن موريل في المرافعات صفحة 83 وهامش 1).
ولا شك أن القانون، إذ
أباح بمنطوقه تسجيل هذه الدعاوى لتحقق معنى الاستحقاق فيها للبائع كنتيجة لإلغاء
العقد وردّ الملك إليه، قد أباح بمفهومه تسجيل دعوى المشتري بنفاذ البيع لثبوت
معنى الاستحقاق فيها للمشتري نتيجة إبرام العقد وصلاحيته لنقل الملك.
بهذا الوضع تكون دعاوى
الصحة والنفاذ قسيمة دعاوى الفسخ والبطلان. وبه يتحقق الاتزان بين مركز البائع ومن
في حكمه وبين مركز المشتري ومن في حكمه. وبه أيضاً تكون المادة السابعة بمنطوقها
ومفهومها قد استنفدت صور الاستحقاق كلها، سواء منها ما كان بين المتعاقدين نتيجة
التداعي على صحة عقود التمليك ونفاذها أو على فسخها وإبطالها وما يتبع ذلك من
الحكم بالعقار لأحدهما على الآخر، وسواء ما كان من دعاوى الاستحقاق قبل غير
المتعاقدين مما تنصب الخصومة فيه على الحق العيني مباشرة من غير أن توجد صلة
تعاقدية بين المدّعي والمدّعى عليه يتنازعان أحكامها في تأييد الدعوى وردّها. ولما
كان الحال في دعوى صحة التوقيع هو بخلاف ما ذكر، إذ القاضي لا يتعرّض فيها للتصرف
الثابت بالورقة من جهة صحته أو بطلانه ونفاذه أو توقفه وتقرير الحقوق المترتبة
عليه أو نفيها؛ لا يخوض القاضي في موضوع التصرف ألبتة حتى يقال إن في حكمه كمنت
جرثومة الحق واستقر أصله الذي أكده بعد ذلك التسجيل، فيسوغ وصف الدعوى بأنها
استحقاق على جهة المجاز وباعتبار المآل، وحتى يصح اعتبارها قسيمة دعاوى الفسخ
والإبطال.
أما كون الحكم بصحة
التوقيع يجعل العقد صالحاً للتسجيل فينتقل به الملك فصحيح ولكنه لا يجعل الدعوى
دعوى الاستحقاق مآلاً، لأن الحق الذي تسجل مرجع قوّته ونفاذه هو العقد وحده لا
الحكم. ولذلك وجب تسجيل العقد وتسجيل الحكم معه باعتباره مكملاً له.
لذلك كان تسجيل صحيفة
دعوى صحة التوقيع - في رأينا - غير جائز، وإن جاز فلا يمكن أن يترتب عليه قانوناً
ما يترتب على تسجيل الدعاوى المشار إليها في المادة السابعة صراحة ودلالة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق