الدعوى رقم 216 لسنة 30 ق "دستورية" جلسة 8 / 5 / 2021
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من مايو سنة 2021م، الموافق السادس والعشرين من رمضان سنة 1442 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان وعلاء الدين أحمد السيد والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 216 لسنة 30 قضائية "دستورية"
المقامة من
حافظ أنـور حافظ
ضد
1 - رئيس الجمهوريـة 2 - رئيس مجلس الوزراء
3 - رئيس مجلس النواب 4 - عادل أحمد مختار الحطيبـى
5 - نجلاء أحمد مختار الحطيبى 6 - أحمد مختار الحطيبى عبدالحليم
7 - طلعت عبدالحليم الحطيبى 8 – سهام عبدالحليم الحطيبـى
9 - عدلات أنور حافظ 10- جيهان أنور حافظ
11- ابتسام أنـور حافظ 12- سامية أنـور حافظ
13- محمد فؤاد محمد طلبة 14- أنور فؤاد محمد طلبة
15- سناء أنـور حافظ 16- يسرية أنور حافظ
17- انتصار أنور حافظ 18- إيمان أنور حافظ
الإجـراءات
بتاريخ الثالث عشر من أغسطس سنة 2008، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نصوص المواد (76، 77، 78، 79) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946، وسقوط العمل بأحكام تلك المواد.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة بجلسة 3/4/2021، إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، مع التصريح بالاطلاع وتقديم مذكرات في خلال أسبوع، وفى الأجل المشار إليه قدم المدعى مذكرة صمم فيها على الطلبات، كما قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليهن من التاسعة إلى الحادية عشرة كن قد أقمن الدعوى رقم 5570 لسنة 1997 مدني كلي، أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، ضد المدعى عليهما الرابع والخامسة، بطلب ندب مكتب خبراء وزارة العدل ليعهد لأحد خبرائه بالانتقال إلى أعيان تركة المرحوم أنور حافظ على، وتقدير قيمة ما أعطاه المتوفى للمدعى عليهما بدون عوض، وبيان ما إذا كان هذا القدر مساويًا لحقهما في الوصية الواجبة أو يقل عنه، وتحديد القدر المكمل لحقهما، وذلك تأسيسًا على أن مورثهم المرحوم أنور حافظ على، توفى بتاريخ 9/4/1997، وترك تركة هي العقارات أرقام (32، 32 مكرر، 35، 37) شارع عمر لطفى – كامب شيزار – قسم باب شرق، وجزء من العقار الكائن ناصية شارع فرنسيس وطريق الحرية بولكلى قسم الرمل، محافظة الإسكندرية، وقد انحصر إرثه الشرعي فيهن، وآخرين، طبقًا للتحديد الوارد بمادة الوراثة رقم 262 لسنة 1997 وراثات باب شرق – الإسكندرية – وقد استحق للمدعى عليهما الرابع والخامسة، وهما ولدا ابنته سهير أنور حافظ على، المتوفاة حال حياته، وصية واجبة، وكان مورثهم قد تنازل حال حياته لحفيديه المشار إليهما، بدون مقابل، عن ميراثه في ابنته المذكورة، وذلك بموجب عقد التخارج المحرر بتاريخ 26/8/1995، الصادر به الحكم في الدعوى رقم 6244 لسنة 1995 مدنى كلى الإسكندرية بتاريخ 11/11/1995، وذلك إضافة إلى المنقولات والمصاغ وورشة ديكور بمنطقة المعادي، التي لم يتم التخارج عنها، وهو ما يستوجب حساب القدر المتنازل عنه بدون عوض من الجد للمدعى عليهما الرابع والخامسة، وتحديد ما إذا كانت قيمته تفى بمقدار الوصية الواجبة المستحقة لهما أم تقل عنه، مع بيان القدر الذى تكتمل به حصتهما في الوصية الواجبة حال نقصانها عن النصيب المقرر لهما. وأثناء نظر الدعوى تدخل المدعى انضماميًّا للمدعيات في طلباتهن، كما تدخل فيها هجوميًا بطلب الحكم باستبعاد الحصة المملوكة له في العقارين رقمى (32، 35) شارع عمر لطفـى – كامب شيزار – الإسكندرية، بواقع الربع في كل منهما، وذلك من تركة المرحوم أنور حافظ على، وطلب كذلك القضاء ببطلان توريث المدعى عليهما الرابع والخامسة كأصحاب وصية واجبة، وما يترتب على ذلك من آثار. كما تدخل كل من المدعى عليهم من السادس إلى الثامنة هجوميًا في الدعوى بطلب استنزال حصة قدرها 43,4% مـن العقار رقم (32 مكرر) شارع عمر لطفى – كامب شيزار – الإسكندرية، المرفوع بشأنها دعوى ثبوت ملكية، وذلك من تركة المرحوم أنور حافظ على. وبجلسة 29/3/1998، قضت المحكمة بندب خبير في الدعوى، وقدم الخبير تقريرًا، انتهى فيه إلى أن نصيب المدعى عليهما الرابع والخامسة في تركة جدهما المتوفى أنور حافظ على، يقدر بمبلغ (775و73174) جنيهًا، وأن قيمة ما تخارج عنه الجد في تركة ابنته المتوفاة قبله، سهير أنور حافظ، هو مبلغ (5916) جنيهًا، لتغدو قيمة ما يستحق للمدعى عليهما الرابع والخامسة لتكملة نصيبهما في الوصية الواجبة في تركة جدهما، هو مبلغ (707ر67258) جنيهًا. وأثناء نظر الدعوى دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة (76) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946، وإذ قدرت محكمة الموضوع بجلسة 27/5/2008، جدية هذا الدفع، صرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا عليه، كما كلفته المحكمة بهذه الجلسة بإدخال المدعى عليهم من الثانية عشرة حتى الثامنة عشرة في الدعوى، باعتبارهم ورثة المرحوم أنور حافظ على، وبناء على ذلك قام المدعى بإدخال المذكورين خصومًا في الدعوى، كما أقام دعواه المعروضة، بطلباته المتقدمة. وأثناء تحضير الدعوى أمام هيئة المفوضين، قدم المدعى عليهما الرابع والخامسة بجلسة 1/12/2008، مذكرة، طلبا فيها الحكم برفض الدعوى، والقضـاء لهما بتعويـض لكيدية الدعوى، عملاً بنص المادة (270/2) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن لكل من الدعويين الموضوعية والدستورية ذاتيتها، فلا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان في شرائط قبولهما، بل تستقل كل منهما عن الأخرى في موضوعها، وكذلك في مضمون الشروط التي يتطلبها القانون لجواز رفعها، وقبولها. متى كان ذلك، وكان الثابت أن المدعى عليهم من السادس حتى الثامنة، قد تدخلوا هجوميًا في الدعوى الموضوعية، طبقًا لنص المادة (126) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وتم إدخال المدعى عليهم من الحادية عشرة حتى الثامنة عشرة في تلك الدعوى، بناء على تكليف محكمة الموضوع للمدعى بجلسة 27/5/2008، بإدخال باقي ورثة المرحوم أنور حافظ على، طبقًا لنص المادة (118) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، كما اُختصم المدعى عليهما الثالث عشر والرابع عشر في الدعوى الموضوعية لحلولهما محل المدعى عليها الثامنة عشرة، بعد تنازلها لهما عن نصيبها في تركة مورثها، وهى الصفات القانونية التي يمثلون بها في تلك الدعوى، ويتحدد بها مركزهم القانوني فيها، دون الدعوى الدستورية المعروضة، التي يُعد اختصام المدعى لهم فيها في حقيقته، وبحسب التكييف القانوني الصحيح له، كخصوم أصليين مع باقي المدعى عليهم فيها.
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من هيئة قضايا الدولة، لعدم اتصالها بالمحكمة اتصالاً مطابقًا للأوضاع المقررة قانونًا، تأسيسًا على أن الدفع بعدم الدستورية قد أُبدى من المدعى طالب التدخل الهجومي والانضمامي في الدعوى الموضوعية، قبل أن تقول محكمة الموضوع كلمتها بشأن قبول هذا التدخل، فضلاً عن تجاوز طلباته نطاق الطلبات الموضوعية للخصوم الأصليين في تلك الدعوى، فهو مردود: ذلك أن الثابت من الأوراق أن المدعى تدخل هجوميًّا في الدعوى الموضوعية توصلاً للقضاء له بطلباته المتقدمة، كما تدخل فيها منضمًا للمدعيات في طلباتهن، وتمسك فيها بالدفع بعدم دستورية نص المادة (76) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946، وبعد أن قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، صرحت له بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا على ذلك النص، كما كلفته بإدخال باقي ورثة المرحوم أنور حافظ على خصومًا في الدعوى، بما يُعد معه – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – بمثابة قبول ضمني لتدخله، ومن ثم فإنه يعتبر من ذوي الشأن الذين أجازت لهم المادة (29/ب) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، إقامة الدعوى الدستورية، لاسيما أن المتدخلين انضماميًّا في الدعوى الموضوعية إنما يدافعون عن عين المصالح التي تتوخى كل من المدعيات فيها تأمينها وحمايتها، كما أن من المقرر أن المتدخل هجوميًّا متى قُبل تدخله، فإنه يُعد في مركز المدعى، وهو الأمر الذى يضحى معه الدفع بعدم قبول الدعوى المشار إليه في غير محله، وغير قائم على أساس سليم، حقيقًا بالالتفات عنه.
وحيث إن نص المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979– على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - جاء قاطعًا في دلالته على أن النصوص التشريعية التي يتصل الطعن عليها بالمحكمة الدستورية العليا اتصالاً مطابقًا للأوضاع المقررة قانونًا، هي تلك التي تطرح عليها بعد دفع بعدم دستوريتها يبديه خصم أمام محكمة الموضوع، وتقدر المحكمة جديته، وتأذن لمن أبداه برفع الدعوى الدستورية طعنًا عليها، أو إثر إحالة الأوراق إلى هذه المحكمة من محكمة الموضوع لقيام دلائل لديها تثير شبهة مخالفـة تلك النصوص لأحكام الدستور، ولم يجز المشرع بالتالي الدعوى الأصلية سبيلاً للطعن بعدم دستورية النصوص التشريعية. متى كان ذلك، وكان الثابت أن الدفع بعدم الدستورية المبدى من المدعى أمام محكمة الموضوع، وتقدير المحكمة لجدية هذا الدفع، وتصريحها له برفع الدعوى الدستورية، قد انصب على نص المادة (76) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946، ولم يشمل ذلك الدفع نصوص المواد (77، 78، 79) من هذا القانون، الأمر الذي تضحى معه الدعوى المعروضة في خصوص النصوص الأخيرة دعوى أصلية، أقيمت بالطريق المباشر، بالمخالفة لنص المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، ولا تكون بالتالي قد اتصلت بهذه المحكمة في هذا الشأن اتصالاً مطابقًا للأوضاع المقررة قانونًا، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لها.
وحيث إنه عن طلب المدعى عليهما الرابع والخامسة، المبدى بمذكرتهما المقدمة أثناء تحضير الدعوى أمام هيئة المفوضية بجلسة 1/12/2008، الحكم برفض الدعوى، والقضاء لهما بتعويض لكيدية الدعوى، فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه لا يجوز إبداء طلبات جديدة أو إضافية أمام هيئة المفوضين، الأمر الذى يتعين معه الالتفات عن طلب التعويض المشار إليه.
وحيث إن المادة (76) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946 تنص على أنه " إذا لم يوص الميت لفرع ولده الذى مات في حياته أو مات معه ولو حكمًا بمثل ما كان يستحقه هذا الولد ميراثًا في تركته أو كان حيًّا عند موته وجبت للفرع في التركة وصية بقدر هذا النصيب في حدود الثلث بشرط أن يكون غير وارث وألا يكون الميت قد أعطاه بغير عوض من طريق تصرف آخر قدر ما يجب له، وإن كان ما أعطاه أقل منه وجبت له وصية بقدر ما يكمله.
وتكون هذه الوصية لأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات وأولاد الأبناء من أولاد الظهور وإن نزلوا على ما يحجب كل أصل فرعه دون فرع غيره وأن يقسم نصيب كل أصل على فرعه وإن نزل قسمة الميراث كما لو كان أصله أو أصوله الذين يدلى بهم إلى الميت ماتوا بعده وكان موتهم مرتبًا كترتيب الطبقات".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في الدعوى الدستورية مؤثرًا في الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع – الذى تدخل فيه المدعى منضمًا لكل من المدعى عليهن من التاسعة حتى الحادية عشرة في طلباتهن في الدعوى رقم 5570 لسنة 1997 مدنى كلى الإسكندرية - قد انصب على تحديد مقدار الوصية الواجبة التي تقررت للمدعى عليهما الرابع والخامسة في تركة جدهم المرحوم أنور حافظ على، وبيان ما إذا كان ما أعطاه لهما حال حياته دون عوض، مساويًا لمقدار الوصية الواجبة المستحقة لهما أم أقل، والقدر الذى تكتمل به حصتهما في حالة نقصانها عن المستحق لهما، كما تدخل المدعى في هذا النزاع هجوميًا بطلب القضاء باستبعاد كل من الحصتين المملوكتين له في العقارين رقمى (32، 35) شارع عمر لطفى – كامب شيزار – الإسكندرية، من تركة مورثه المرحوم أنور حافظ على، وطلب كذلك الحكم ببطلان الوصية الواجبة المشار إليها. وكان نص المادة (76) من قانون الوصية المطعون فيه هو الحاكم للوصية الواجبة، والمحدد لضوابط وشروط استحقاقها، وتوزيعها، ومقدارها، وأحوال وقواعد تكملته في حالة نقصان التصرف بغير عوض من الجد أو الجدة عن القدر المقرر للمستحقين، ومن ثم فإن القضاء في دستورية هذا النص سيكون ذا أثر وانعكاس أكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، لتضحى بذلك المصلحة الشخصية المباشرة متحققة بالنسبة لهذا النص.
وحيث إن المدعى ينعى على نص المادة (76) من قانون الوصية المطعون فيه مخالفته وتناقضه مع أحكام القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث، وكذا مخالفته لنصوص المواد (2، 7، 8، 9، 29، 34، 40) من الدستور الصادر سنة 1971، وتقابلها المواد (2، 4، 8، 9، 10، 33، 35، 53) من الدستور الصادر سنة 2014، بقالة إنه بتقريره الوصية الواجبة قد تضمن إهدارًا لقواعد الميراث وحقوق أفراد الأسرة فيه، بإعطاء الحق لأشخاص لا يستحقونه، وتغليب من ليسوا بوارثين وإشراكهم في التركة، والتسوية بينهم وبين الورثة أصحاب العصبات في ذلك، بما يمثل اعتداء على حقوق الورثة، بالمخالفة لمبادئ الشريعة الإسلامية، والمادة الثانية من الدستور، كما يتضمن إخلالاً بالتضامن الاجتماعي، والحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية، وقيم وتقاليد المجتمع، والمساس بحق الملكية الخاصة، ومبدأى تكافؤ الفرص والمساواة، التي كفلها الدستور.
وحيث إنه عن نعى المدعى مخالفة النص المطعون فيه لأحكام القانون رقم 77 لسنة 1943 المشار إليه، فإنه مردود: ذلك أن الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة في شأن دستورية النصوص القانونية – على ما جرى به قضاؤها – مناطها مخالفة تلك النصوص لقاعدة تضمنها الدستور، ولا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين مختلفين، ما لم يكن هذا التعارض منطويًا بذاته على مخالفة دستورية، مما يتعين معه الالتفات عن هذا النعي.
وحيث إن من المقرر أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية، التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم، دون غيره، إذ إن هذه الرقابة، إنما تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به، وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي أثارها المدعى بشأن النص التشريعي المطعون فيه، تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على هذا النص، الذى مازال قائمًا ومعمولاً بأحكامه، من خلال أحكام الدستور الصادر بتاريخ 18/1/2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إنه عن نعى المدعى على النص المطعون فيه مخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية، ونص المادة الثانية من دستور سنة 1971 – ويقابلها المادة الثانية من الدستور الحالي – فإنه مردود: ذلك أن هذه المحكمة سبق لها أن قضت بحكمها الصادر بجلسة 4/4/1987، في الدعوى رقم 46 لسنة 7 قضائية "دستورية"، برفض الدعوى، المقامة طعنًا على نص المادة (76) من قانون الوصية الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 1946، وكان مبنى الطعن الوحيد الذى اقتصرت في قضائها المذكور على التصدي له هو مدى مخالفة ذلك النص للمادة الثانية من الدستور، ومبادئ الشريعة الإسلامية، وأسست القضاء المتقدم على أن القيد المقرر بمقتضى النص المار ذكره بعد تعديله بتاريخ 22/5/1980، والمتضمن إلزام المشرع بعدم مخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية، لا يتأتى إعماله بالنسبة للتشريعات السابقة عليه، وأن المادة (76) المطعون فيها لم يلحقها أي تعديل بعد التاريخ المشار إليه، وأن النعي عليها بمخالفة نص المادة الثانية من الدستور يكون في غير محله. غير أن قضاء هذه المحكمة في الدعوى السالف ذكرها لا يعتبر – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – مطهرًا لذلك النص مما قد يكون عالقًا به من مثالب أخرى، ولا يحول بين كل ذي مصلحة وإعادة طرحه على المحكمة لأوجه مخالفة أخرى غير ما تقدم.
وحيث إنه عن نعى المدعى على النص المطعون فيه المساس بحق الملكية الخاصة الذى كفله الدستور في المادتين (33، 35) منه، فهو مردود: ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن الملكية لم تعد حقًا مطلقًا، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ ولا تفرض نفسها تحكمًا، بل هي تمليها طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التي ينبغي رصدها عليها، وفى إطار هذه الدائرة وتقييدًا بتخومها يُفاضل المشرع بين البدائل ويرجح على ضوء الموازنة التي يجريها ما يراه من المصالح أجدر بالحماية وأولى بالرعاية، وفقًا لأحكام الدستور، وبمراعاة أن القيود التي يفرضها على حق الملكية للحد من إطلاقها لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة. وقد قرن الدستور كفالة حق الإرث بصون الملكية الخاصة، متفقًا في ذلك مع الشريعة الإسلامية في مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لا تبديل فيها، ومنها أن الأموال جميعها مردها إلى الله تعالى، أنشأها وبسطها، مستخلفًا فيها عباده الذين عهد إليهم بعمارة الأرض، وجعلهم مسئولين عما في أيديهم من الأموال لا يبددونها أو يستخدمونها إضرارًا، إذ يقول تعالى في سورة الحديد الآية رقم (7) " وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ "، وليس ذلك إلا نهيًا عن الولوج بها في الباطل، وتكليفًا لولى الأمر بأن يعمل على تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية المتوخاة منها، وهى مقاصد ينافيها أن يكون إنفاق الأموال وإدارتها عبثًا أو إسرافًا أو عدوانًا، وكان لولى الأمر بالتالي أن يعمل على دفع الضرر قدر الإمكان، فإذا تزاحم ضرران كان تحمل أهونهما اتقاءً لأعظمهما، ويندرج تحت ذلك القبول بالضرر الخاص لرد ضرر عام. وينبغي – من ثم – أن يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتنافر، ذلك أن الملكية خلاقة، وهى باعتبارها كذلك تضبطها وظيفتها الاجتماعية التي تعكس، بالقيود التي تفرضها على الملكية، الحدود المشروعة لممارسة سلطاتها، وهى حدود يجب التزامها، لأن العدوان عليها يخرج الملكية عن دائرة الحماية التي كفلها الدستور لها.
وحيث إن كفالة الدستور لحق الإرث – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – تعنى أن حق الورثة الشرعيين في تركة مورثهم يجب أن يؤول إلى أصحابـه كل حسب نصيبه دون نقصـان، كما تعنى في الوقت ذاته أن مورثهـم لا يملك أن يخص واحدًا من بينهم بنصيب فيها يجور به على حق غيره في التركة عينها، إلا إذا كان ذلك في القدر الذى تجوز فيه الوصية، فإن خالف المورث ذلك، عُدَّ مسلكه هذا عدوانًا على الملكية الخاصة لكل وارث في نصيبه المحدد في تركة مورثه، الأمر الذى يخالف نص المادة (35) من الدستور التي كفلت حق الإرث كأحد أسباب كسب الملكية.
وحيث إن الوصية في أصل شرعتها مردها إلى الشريعة الإسلامية، التي تُعد المصدر الوحيد لأحكامها، باعتبارها المرجع النهائي في كل ما يتصل بقواعد التوريث والوصية، لقوله تعالى في سورة البقرة الآية رقم (180) " كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ"، وقوله عز من قائل في سورة النساء الآية رقم (8) "وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا"، وقوله تعالى في الآية رقم (11) من السورة ذاتها " مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ"، وقوله تعالى في الآية رقم (12) منها كذلك " مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ".
وقد أشارت المذكرة الإيضاحية لقانون الوصية إلى أن "1- والقول بوجوب الوصية للأقربين غير الوارثين مروى عن جمع عظيم من فقهاء التابعين ومن بعدهم من أئمة الفقه والحديث. ومن هؤلاء سعيد بن المسيب والحسن البصرى وطاوس والإمام أحمد وداود والطبرى وإسحق بن راهويه وابن حزم .... 2- والقول بإعطاء جزء من مال المتوفى للأقربين غير الوارثين على أنه وصية وجبت في ماله إذا لم يوص لهم مذهب ابن حزم، ويؤخذ من أقوال بعض فقهاء التابعين ورواية في مذهب الإمام أحمد. 3- وقصر الأقارب غير الوارثين على الأقارب بالترتيب المبين في المادة .... وتحديد الواجب لهم بمثل نصيب أبيهم أو أمهم في حدود الثلث مع تقسيمه بينهم قسمة الميراث مبنى على مذهب ابن حزم ... فالجزء الواجب إخراجه يجوز في مذهب ابـن حـزم أن يحدده الموصى أو الورثة بمثل نصيب الأب كما يجوز تحديده بأقل أو أكثر. كذلك يجوز في مذهبه أن تكون الوصية لبعض الأقربين دون البعض الآخر، وحينئذ يكون لولى الأمر أن يتدخل ويحدد الأقربين بأولاد الأولاد على الترتيب المذكور في المادة، ويأمر بإعطائهم جزءًا من التركة هو نصيب أصلهم في الميراث لو بقى حيًا".
وحيث إن من المقرر أن الأصل في كل تنظيم تشريعي للحقوق أنه لا يجوز لغير مصلحة واضحة يقوم الدليل على اعتبارها، ومستلهمًا في ذلك أن المصالح المعتبرة، هي تلك التي تكون مناسبة لمقاصد الشريعة متلاقية معها، وهى بعد مصالح لا تتناهى جزئياتها، أو تنحصر تطبيقاتها، ولكنها تتحدد – مضمونًا ونطاقًا - على ضوء أوضاعها المتغيرة.
وحيث إن الواضح من استعراض الأحكام التي تضمنها النص المطعون فيه، أنه بما قرره من وصية واجبة إنما يتصل بمسألة تتعلق بتحديد التركة وتقسيمها، وتحديد الأقارب المستحقين للجزء الواجب إخراجه منها كوصية، وتعيين مقداره، إذا مات الجد أو الجدة ولم يوص، التي تعتبر إلى جانب الإرث أحد وسائل اكتساب الملكية، التي تمتد إليها الحماية المقررة للملكية الخاصة التي كفلها الدستور في المادتين (33، 35) منه، ولا يتجافى تدخل المشرع بتنظيمها مع الأصول العامة للشرع الحنيف، ويندرج ضمن نطاق سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق والحريات، وهو يمثل أحد مراحل السياسة التشريعية التي تواكب ظروف الواقع، ومقتضيات الأحوال، ويأتي استجابة لضرورة اجتماعية اقتضتها مصلحة جوهرية، وبمراعاة أن الأغلب الأعم من الأحوال يصلح أساسًا للتشريع، وذلك بعد أن كثرت الشكوى مـن الأحفـاد مـن حرمانهـم مـن نصيب في تركة جدهم أو جدتهـم، على ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لقانون الوصية، من أن "وضعت هذه المادة والمواد التي بعدها فصلاً في حالة كثرت منها الشكوى وهى حالة الأحفاد الذين يموت آباؤهم في حياة أبيهم او أمهم أو يموتون معهم ولو حكمًا كالغرقى والهدمى. فإن هؤلاء قلما يرثون بعد موت جدهم أو جدتهم لوجود من يحجبهم من الميراث، مع أن آباءهم قد يكونون ممن شاركوا في بناء الثروة التي تركها الميت، وقد يكونون في عياله بموتهم، وأحب شيء إلى نفسه أن يوصى لهم بشيء من ماله، ولكن المنية عاجلته فلم يفعل شيئًا أو حالت بينه وبين ذلك مؤثرات وقتية. وقد تضمنت هذه المادة أنهـم إذا كانـوا غير وارثين ولم يوص لهم الجـد أو الجدة بمثل نصيب أصلهم فإن الوصية تجب لهم بإيجاب الله تعالى بمثل هذا النصيب على ألا يزيد على الثلث". وبذلك حرص المشرع بمقتضى النص المشار إليه على عدم تقييد حق المالك حال حياته في أن يوصى لأحفاده، فقصر نطاق تطبيقه على حالة عـدم الوصية لهـم من الجـد أو الجـدة حـال حياتهم، كما ضمن هذا النص ضوابط إعمال أحكامه، والتى قصد بها ضمان عدم الإضرار بباقي الورثة وأنصبتهم الشرعية في الميراث، فحدد المستحقين للوصية الواجبة في فرع الولد الذى مات في حياة والده أو مات معه ولو حكمًا، وهم أهل الطبقة الأولى من أولاد البنات وأولاد الأبناء من أولاد الظهور، وهم ممن ليسوا من أبناء البطون الذين ينتسبون إلى الميت بأنثى، وإن نزلت طبقاتهم، بشرط أن يكونوا من غير الوارثين، وألا يكون الميت قد قرر لهم بغير عوض عن طريق تصرف آخر غير الوصية قدر ما قرره لهم النص، فإن قل وجب تكملة هذا القدر لهم، كما التزم النص في تحديده لمقدار الوصية الواجبة الحدود المسموح الإيصاء بها شرعًا، على ما رواه أصحاب السنن عن سعد بن أبى وقاص قال " جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد بلغ في الوجع ما ترى، وأنا ذوو مال ولا يرثني إلا ابنة فأتصدق بثلثي مالي؟ قال "لا" قلت فبالشطر يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا" قلت فبالثلث، قال " الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم يتكففون الناس"، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الدارقطني عن أبى الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم فضعوه حيث شئتم"، فاستقر بهذه الأحاديث مقدار الوصية في حدود الثلث، وهو ما التزمه النص المطعون فيه حين عين مقدار الوصية الواجبة فيما كان يستحقه أصلهم ميراثًا في تركـة والده لو كان حيًّا عند موته، على ألا يزيد على ثلث التركة. وفى هذا الخصوص أشارت المذكرة الإيضاحية لقانون الوصية إلى أنه "وعلى هذا الأصل يكون لولى الأمر أن يأمر الناس بالمعروف في الوصية الواجبة للأحفاد بأن تكون بمثل نصيب أصلهم في حدود الثلث؛ لأن هذا هو العدل الذى لا وكس فيه ولا شطط"، بما لازمه أن التنظيم الذى حدده النص المطعون فيه وقد التزم الحدود المتقدمة، فإنه يبرأ من شبهة الإضرار بالورثة، أو الانتقاص من حقهم في الإرث، أو المساس بحقهم في ملكيته، التي كفلها لهم الدستور في المادتين (33، 35) منه، ويكون قد التزم نطاق السلطة التقديرية المقررة للمشرع في مجال تنظيم الحقوق، بما لا مساس فيه بأصل هذا الحق أو جوهره، وهو القيد العام الـذى ضمنه الدستور نص الفقـرة الثانية من المادة (92) منه، والـذى بموجبـه لا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها.
وحيث إنه في خصوص ما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه مخالفته لمبدأي تكافـؤ الفرص والمسـاواة، فإنه مردود: ذلك أن الدستور الحالي قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال؛ وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطهـا بأهدافهـا، فـلا تنفصل عنهـا، ولا يجوز بالتالي حجبها عمن يستحقهـا، ولا إنكارها لاعتبار لا يتعلق بطبيعتها ومتطلباتها.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد كذلك بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبـات العامـة، دون تمييز بينهـم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامـة التي يسعى المشـرع إلى تحقيقهـا من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن التمييز يكون تحكميًّا، وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن مبدأ المساواة لا يعنى معاملة المواطنين جميعًا وفق قواعد موحدة، ذلك أن التنظيم التشريعي قد ينطوي على تقسيم أو تصنيف أو تمييز، سـواء من خـلال الأعباء التي يلقيهـا على البعض أم من خلال المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل النصوص التي ينظم بها المشرع موضوعًا معينًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخى تحقيقها بالوسائل التي لجأ إليها، منطقيًّا، وليس واهيًا أو واهنًا أو منتحلاً، بما يخل بالأسس التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.
وحيث إن من المقرر أن التباين في المراكز القانونية، يفترض تغايرها ولو في بعض العناصر التي تقوم عليها، ولا تتحـد المراكز القانونيـة في بنيانها إلا إذا نشأ كل منها وفقًا للأسس الموضوعية ذاتها التي ضبطها بها القانون الذى أحدثها، ولا شـأن لتجانسها أو تنافرهـا بالتالي بقانون لاحق عليها منقطع الصلة بها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه قد قرر لاستحقاق الوصية الواجبة عدة شروط: بأن يكون مستحقها من غير الوارثين، من أهل الطبقة الأولى من أولاد البنات والأبناء من أولاد الظهور لفرع ولد المتوفى الذى مات في حياته أو مات معه ولو حكمًا، ولم يوص لهم الجد أو الجدة بمثل نصيب أصلهم، أو يقرر لهم عطاء بغير عوض عن طريق تصرف آخر قدر ما يجب لمورثهم، فإن كان ما أعطاه أقل وجبت لهم الوصية بما يكمل هذا القدر، وفى حدود ثلث التركة. وكانت هذه الشروط يتحدد بها مركزهم القانوني، الذى تتباين مكوناته وعناصره عن المركز القانوني للورثة، بما لازمه عدم اتحاد المراكز القانونية لهم في بنيانها، وتغايرها، وهو ما لا يستوجب معاملة فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزهم القانونية معاملة قانونية متكافئة. أضف إلى ذلك أن التنظيم الذي تبناه المشرع بالنص المطعون فيه تغيا تحقيق أغراض بعينها حددتها المذكرة الإيضاحية لقانون الوصية السالفة الذكر، التي تعكس مشروعيتها إطارًا لمصلحة جوهرية لها اعتبارها يقوم عليها هذا التنظيم، حيث اتخذ المشرع من القواعد القانونية التي تضمنها مدخلاً لها، فاتصل التنظيم الذى أقره، وحواه هذا النص بأهدافه، وارتبط بها برابطة منطقية وعقلية، ليكون كافلاً تحقيقها، بما ينفى عن هذا النص تضمنه تمييزًا تحكميًّا، فضلاً عن ارتكانه إلى أسس موضوعية تبرره، بما لا إخلال فيه بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة، التي حرص الدستور على كفالتهما بنصوص المواد (4، 9، 53) منه.
وحيث إنه عن نعى المدعى إخلال النص المطعون فيه بالتضامن الاجتماعي، والحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية، وقيم وتقاليد المجتمع، فهو مردود: ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن ما نص عليه الدستور في المادة (8) من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، يعنى وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، وترابط أفرادها فيما بينهم فلا يكون بعضهم لبعض إلا ظهيرًا، ولا يتناحرون طمعًا، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم عن حماية تلك المصالح، لا يملكون التنصل منها أو التخلى عنها، وليس لفريق منهم أن يتقدم على غيره انتهازًا، ولا أن ينال قدرًا من الحقوق يكون بها – عدوانًا - أكثر علوًا، وإنما تتضافر جهودهم وتتوافق توجهاتهـم، لتكـون لهم الفرص ذاتها التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغى أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار.
وحيث إن من المقرر أن وحدة الأسرة – في الحدود التي كفلها الدستور في المادة (10) منه – لازمها ضرورة تماسكها، توكيدًا للقيم العليا النابعة من اجتماعها، وصونًا لأفرادها من مخاطر التبعثر، وليظل رباط هذا التماسك هو الدين والأخلاق، وهو ما يوجب على المشرع أن يهيئ لأفرادها مناخًا ملائمًا لضمان وحدتها.
وحيث إن المشرع قد سعى بتقريره الأحكام التي ضمنها النص المطعون فيه إلى كفالة تحقيق التضامن الاجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة، ومواجهة ضرورة اجتماعية، وحالة كثرت منها الشكوى من الأحفاد، وهم فرع الولد من أهل الطبقة الأولى من أولاد البنات وأولاد الأبناء الذين يموت آباؤهم في حياة أبيهم أو أمهم أو يموتون معهم، ويحجبون عن الميراث، فكفل لهم نصيب في تركة الجد أو الجدة، بمقدار الوصية الواجبة، على النحو المتقدم ذكره، بما يسهم في تحقيق التكافل بين أفراد الأسرة الواحدة، ويحافظ على تماسكها واستقرارها، ونبذ الخلافات بين أعضائها، ويحقق الرضا والطمأنينة والوفاق بين أفرادها، على النحو الذى يتحقق به صالح المجتمع في مجموعه، وتضامنه الاجتماعي، بوصف الأسرة هي اللبنة والخلية الأولى التي يتكون من مجموعها المجتمع، لتنتفي بذلك قالة مخالفة النص المطعون فيه لأحكام كل من المادتين (8، 10) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أي نص آخر من نصوص الدستور، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
وحيث إنه عن طلب السقوط الذى ضمنه المدعى صحيفة دعواه، فإن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن السقوط لا يُعد طلبًا مستقلاً بعدم الدستورية، وإنما هو من قبيل التقديرات القانونية التي تملكها المحكمة الدستورية العليا، بمناسبة قضائها في الطلبات الأصلية المطروحة عليها، ويتصل بالنصوص القانونية التي ترتبط بها ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى القضاء برفض الدعوى بالنسبة للطعن على نص المادة (76) من قانون الوصية المشار إليه، فإن هذا الطلب يكون حقيقًا بالالتفات عنه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق