الدعوى رقم 175 لسنة 30 ق "دستورية" جلسة 8 / 5 / 2021
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من مايو سنة 2021م، الموافق السادس والعشرين من رمضان سنة 1442 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 175 لسنة 30 قضائية "دستورية".
المقامة من
ليلى قسطنطين مرقس
ضد
1 - رئيس الجمهوريـة
2 - رئيس مجلس الـوزراء
3 - وزير العدل
4 - رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)
5 – قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بصفته رئيس طائفة الأقباط الأرثوذكس والممثل القانوني للطائفة
6 – وديع جرجس مليكة
الإجراءات
بتاريخ العشرين من يونيو سنة 2008، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم، بعدم دستورية نص المادة (151) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، المعمول بها اعتبارًا من 8/7/1938.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وقدم المدعى عليه الخامس مذكرتين، أصلية وتكميلية، طلب فيهما الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل– على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليه الأخير أقام الدعوى رقم 3 لسنة 2008 أسرة أول طنطا، ضد المدعية، طالبًا الحكم بفرض نفقة مؤقتة له للإنفاق منها حتى يفصل في موضـوع الدعـوى، وبفرض نفقـة شهرية له على المدعية طبقًا لنص المادة (151) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس المعمول بها اعتبارًا من 8/7/1938، وذلك من تاريخ الامتناع الحاصل في 1/6/2007، على نحو يتناسب مع ارتفاع مستوى المعيشة، وغلاء الأسعار، وارتفاع دخل المدعية، وعدم وجود من يستحق النفقة خلافه. واستند في ذلك إلى امتناع زوجته عن الإنفاق عليه، رغم يسارها، وكونه زوجًا لها بصحيح العقد الكنسي المؤرخ 12/9/1957، وأنهما قبطيان أرثوذكسيان، وكان يقوم طوال حياته بالإنفاق عليها، ومنحها وأولادها كل ما يملك، ومع تقدمه في العمر، وإصابته بالمرض لم يعد يستطيع العمل، وليس له دخل سوى معاش شهري ضئيل من نقابة الصيادلة لا يكفي لمعيشته ومصاريف علاجه. وإبان نظر الدعوى بجلسة 10/6/2008، دفعت المدعية بعدم دستورية نص المادة (151) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس المشار إليها. وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، قررت التأجيل لجلسة 1/7/2008، لتقديم ما يفيد إقامة الدعوى الدستورية، فأقامت المدعية دعواها المعروضة، ناعية على النص المطعون فيه مخالفته للمواد (2 و9 و40 و46 و68) من دستور سنة 1971.
وحيث إن المادة (151) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس - التي أقرها المجلس الملي العام، والمعمـول بها اعتبارًا من 8 يوليه سنة 1938 - تنص على أنه " تجب النفقة على الزوجة لزوجها المعسر، إذا لم يكن يستطيع الكسب، وكانت هي قادرة على الإنفاق عليه ".
وحيث إن المادة (3) من دستور سنة 2014 تنص على أن "مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية"، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع وقد أحال في شأن الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين – في إطار القواعد الموضوعية التي تنظمها – إلى شرائعهم، مستلزمًا تطبيقها دون غيرها في كل ما يتصل بها، فإن المشرع يكون قد ارتقى بالقواعد التي تتضمنها هذه الشرائع، إلى مرتبة القواعد القانونية التي ينضبط بها المخاطبون بأحكامها، فلا يحيدون عنها في مختلف مظاهر سلوكهم، ويندرج تحتها – في نطاق الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس – لائحتهم التي أقرها المجلس الملي العام بجلسته المنعقدة في 9 مايو سنة 1938، التي عُمِل بها اعتبارًا من 8 يوليه سنة 1938، إذ تعتبر القواعد التي احتوتها لائحتهم هذه – على ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، التي حلت محل الفقرة الثانية من المادة (6) من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم المليّة - شريعتهم التي تنظم أصلاً مسائل أحوالهم الشخصية؛ بما مؤداه خضوعها للرقابة الدستورية التي تتولاها هذه المحكمة.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في الدعوى الدستورية مؤثرًا في الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكانت طلبات المدعى في الدعوى الموضوعية تنصب على تقرير نفقة شهرية له على زوجته، لمرضه وعدم قدرته على الكسب، ويسار زوجته؛ وكان النص المطعون فيه هو الحاكم لهذه المسألة، ومن ثم، فإن القضاء في شأن دستوريته سيكون ذا أثر وانعكاس على الفصل في الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، لتغدو المصلحة الشخصية المباشرة متحققة في الطعن عليه.
وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه أنه أقام تمييزًا غير مبرر بين أبناء الوطن الواحد في مسألة لا تتعلق بالعقيدة؛ الأمر الذى ترتب عليه الإخلال بالمساواة بين المسلمين والأقباط الأرثوذكس فيما يتعلق بنفقة الزوجية، على نحو يؤدي إلى تقويض دعائم الأسرة الأرثوذكسية، ويتعارض في الوقت ذاته مع مبادئ الشريعة الإسلامية؛ المصدر الرئيسي للتشريع، بما يوقعه مخالفًا لنصوص المواد (2 و9 و40 و46 و68) من دستور سنة 1971، المقابلة لنصوص المواد (2 و10 و53 و64 و97) من الدستور القائم، الصادر سنة 2014.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية، التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم، دون غيره، إذ إن هذه الرقابة، إنما تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به، وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي أثارتها المدعية بشأن النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، تنصب على مخالفته لنصوص المواد (2 و9 و40 و46 و68) من دستور سنة 1971، وتندرج بالتالي تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي؛ ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه في حدود نطاقه المتقدم - الذى مازال قائمًا ومعمولاً بأحكامـه - من خـلال أحكام الدستور القائم الصادر بتاريخ 18/1/2014، في المواد (2 و4 و10 و53 و64 و97) منه، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إنه عن النعي بخروج النص المطعون فيه على مبادئ الشريعة الإسلامية، ومخالفته للمادة الثانية من الدستور، فقد اطرد قضاء هذه المحكمة على أن استحداث النص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، الذى تم بالتعديل الدستوري في 22 مايو سنة 1980، في ظل العمل بدستور سنة 1971، وردده دستور سنة 2014 في المادة الثانية منه؛ مفاده أن الدستور اعتبارًا من تاريخ العمل بهذا التعديل قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه تقييدها – فيما تقره من نصوص قانونية – بمراعاة الأصول الكلية للشريعة الإسلامية. إذ هي جوهر بنيانها وركيزتها، وقد اعتبرها الدستور أصلاً ينبغي أن ترد إليه هذه النصوص، فلا تتنافر مع مبادئهـا المقطـوع بثبوتها ودلالتها، وإن لم يكن لازمًا استمداد تلك النصوص مباشرة منها، بل يكفيها ألا تعارضها، ودون ما إخلال بالقيود الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية في ممارستها لاختصاصاتها الدستورية. ومن ثم، لا تمتد الرقابة على الشرعية الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة في مجال تطبيقها للمادة الثانية من الدستور، لغير النصوص القانونية الصادرة بعد تعديلها. ولا كذلك نص المادة (151) المطعون عليها، فقد أقرها المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس، وعُمِل بها قبل تعديل المادة الثانية من الدستور، فلا تتناولها الرقابة القضائية على الدستورية من هذا الوجه.
وحيث إن مقتضى ما نصت عليه المادة (10) من الدستور القائم من أن "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها، واستقرارها، وترسيخ قيمها"، وفقًا لما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة، أن الدستور أقام من الدين والأخلاق والوطنية – بمثلها وفضائلها ومكارمها – إطارًا للأسرة، يؤكد طابعها الأصيل، ويعكس ملامحها، فلا تنفصل – في تراثها وتقاليدها ومناحي سلوكها – عـن دورهـا الاجتماعي، وألا تتراجع عن القيم العليا للدين، بل تنهل منها تأسيًّا بها، والتزامها بالخلق القويم لا ينعزل عن وجدانها، بل يمتد لأعماقها ويحيط بها ليهيمن على طرائقها في الحياة؛ والأسرة بذلك لا تقوم على التباغض أو التناحر، سواء بالنظر إلى خصائصها أو توجهاتها، ولكنها تحمل من القوة أسبابها، فلا تكون حركتهـا انفلاتًا يئيسًا، ولا حريتها نهيًا لقهر أو طغيان، ولا حقوقها انطلاقًا بلا قيد، ولا واجباتها تسهبًا بهواها، بل يُظلها حياؤها وآدابها، تعصمها صلابة الضمير، ويقوى ائتلافها بنيان من الفضائل، يرعى التكافل الاجتماعي بين آحادها؛ وأن صيانة الطابع الأصيل للأسرة مؤداه أنه لا يصلحها شقاق استفحل مداه، ومزق تماسكها ووحدتها، ودهمهـا بالتالي تباغض يُشقيها، بما يصد عنها تراحمها وتناصفها، فلا يرسيها على الدين القويم.
وحيث إن ما قضت به المادة (151) من لائحة الأقباط الأرثوذكس من وجوب النفقة على الزوجة لزوجها، مناطه أن يكون الزوج معسرًا، وغير قادر على الكسـب، وأن تكون الزوجة قادرة على الإنفاق عليه، ليحيل بذلك الالتزام بالنفقـة إلى التزام تبادلي في إطار العلاقة الزوجية لطائفة الأقباط الأرثوذكس، فينتقل – استثناءً – من الملتزم الأصلي به، وهو الزوج، إلى زوجته إذا تحققت الشروط السابقة. وقد فرضت هذا الالتزام الطبيعة الخاصة للزواج في شريعة الأقباط الأرثوذكس، من كونه نظامًا دينيًّا، وسرًا مقدسًا يثبت بعقد يرتبط به رجل وامرأة ارتباطًا علنيًّا، طبقًا لطقوس الكنيسة بقصد تكوين أسرة، والتعاون على شئون الحياة، على نحو أبدى لا مؤقت، يكفل الطرفان خلاله كل منهما الآخر في السراء والضراء، ليكون كل منهما مختصًا بصاحبه لا يعدوه إلى غيره، يأنس له، ويستريح إليه، ويستعين به على آلام ومتاعب الحياة في إطار من المودة والرحمة والتكافل. ومن ثم، يكون الإلزام الذي تضمنه النص المطعون بعدم دستوريته - بتحقق شروط إعماله - منسجمًا مع أسس العلاقة الزوجية في شريعة الأقباط الأرثوذكس، ومتمشيًّا مع مقتضيات التكافل بين الزوجين، ليكون كل منهما سندًا للآخر، وداعمًا له، في إطار علاقتهما الأبدية المقدسة، ومستلهمًا المقاصد النبيلة التي سعى الدستور القائم إلى إقامة الأسرة المصرية في إطارها، وألزم الدولة بالعمل على تماسكها، واستقرارها، وترسيخ قيمها. وإذ كان ذلك، فإن النعي على النص المطعون فيه بمخالفة نص المادة (10) من الدستور القائم يكون غير سديد، متعينًا الالتفات عنه.
وحيث إن ما تنعاه المدعية على النص المطعون فيه بمخالفته مبدأ المساواة أمام القانون، المنصوص عليه في المادتين (4، 53) من الدستور القائم، فمردود أيضًا، ذلك أن الدساتير المصرية المتعاقبة، بدءًا بدستور سنة 1923، وانتهاءً بالدستور الحالي – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – قد رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم، في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة، التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل ينسحب مجال إعمالها كذلك إلى الحقوق التي يكفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققًا للصالح العام. كما أن الأصل في أي تنظيم تشريعي – على ما جـرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون منطويًا على تقسيم أو تصنيف أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض، أو الحقوق التي يكفلها لفئة دون غيرها. ومع ذلك، فإن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع موضوعًا محددًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخاها بالوسائل المؤدية لها منطقيًّا – وليس واهيًّا أو واهنًا بما يخل بالأسس الموضوعية التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا. ولذلك، فإن كفالة المساواة بين المواطنين في الحقوق والحريات العامة لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة. كذلك، لا يقوم مبدأ المساواة بين المواطنين على معارضة صور التمييز جميعها. ذلك أن من بين هذه الصور ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنصى المادتين (4، 53) من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبهما هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وليس مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره. متى كان ذلك، وكان الأصل في تنظيم مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين، ويدخل فيها النفقة، هو خضوعها لشرائعهم، إعمالاً لنص المادة (3) من الدستور القائم، احترامًا لحريتهم في الاعتقاد؛ وكان الاختلاف في التنظيم التشريعي من طائفة إلى أخرى لا يعنى بالضرورة خروجه على أحكام الدستور، طالما نهض قائمًا على أسس موضوعية تبرره. وكان التنظيم الذي أقامه النص المطعون فيه قد جاء متسقًا وطبيعة عقد الزواج في شريعة الأقباط الأرثوذكس، وما تفرضه قداسة هذا العقد على طرفيه من التزامات متبادلة أبدية، أساسها التكافل والتراحم والمودة، على النحو الذي يؤدي إلى صيانة بنيان الأسرة، واستمراريتها في أداء دورها في المجتمع، بما يحقق أمنها وازدهارها الذى حرص الدستور على كفالة الدولة له ودعمه، وهو تنظيم يشمل جميع أفراد طائفة الأقباط الأرثوذكس، وينطبق عليهم – دون غيره – بقواعد عامة مجردة لا تتضمن تمييزًا من أى نوع بين أفراد تلك الطائفة المخاطبين بأحكام هذا النص، ودون تفرقة بينهم في هذا الإطار، كما أن هذا التنظيم باعتباره الوسيلة التي اختارها المشرع لبلوغ الأهداف والأغراض التي رصدها، وسعى إلى تحقيقها، من سنه للنص المطعون فيه؛ السالف ذكرها، يرتبط بتلك الأغراض برابطة منطقية وعقلية، ويكفل تحقيقها، لتغدو الأحكام التي تضمنها مستندة إلى أسس موضوعية تبررهـا، لا يشفع مـع قيامهـا الادعـاء بمغايرتهـا لما تخضع له الطوائف الدينية والديانات الأخرى من تنظيمات موازية في الشأن ذاته، ليضحى النص المطعون فيه بذلك غير متضمن تمييزًا تحكميًّا، أو مخالفة لمبدأ المساواة الذى كفله الدستور في المادتين (4، 53) منه، فضلاً عن عدم مساس ذلك النص بحرية الاعتقاد المطلقة للمنتمين لهذه الطائفة التي كفلتها لهم المادة (64) من الدستور القائم. كما جاء هذا التنظيم متوافقًا والحماية الدستورية المقررة للأسرة، ومحققًا للأمن الأسرى والمجتمعي، وتحقيق التضامن والتكافل بين أفراد الأسـرة، مما يضحى معه الادعاء بمخالفـة هذا التنظيـم لمبدأ حرية العقيدة، أو تقويضه لدعائم الأسرة، التي حرص الدستور على كفالتهما في المادتين (10، 64) منه، غير قائم على أساس سليم، ويتعين رفضه.
وحيث إنه بشأن ما أثارته المدعية من إخلال النص المطعون فيه بحق التقاضي، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها مهيأ للفصل فيها، وهذا الحق مخـول للناس جميعًا، فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملاً بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق ميسرًا، ومنضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفى إطار من القيود التي يقتضيها تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد أورد الحق محل الحماية، ممثلاً في حق الزوج الأرثوذكسي المعسر الذى لا يستطيع الكسب، في مطالبة زوجته بالإنفاق عليه متى كانت قادرة على ذلك. ولم يتضمن ذلك النص تنظيمًا خاصًا لحق التقاضي فيما قد يثور من نزاع حول هذا الحق، فينعقد الاختصاص بنظره لمحكمة الأسرة، وفقًا لأحكام القانون رقم 10 لسنة 2004، باعتبارها المهيأة بنظره والفصل فيه، على ضوء العناصر التي تلابس هذه المنازعة، شأنها شأن كافة منازعات النفقة في مسائل الأحوال الشخصية التي قد تثور بين غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، دون تمييز بينهم. وتفصل المحكمة في المنازعة على ضوء قواعد موضوعية، وفى ظل ما تستجليه من أوراق الدعوى، ودفاع ودفوع الخصوم فيها. ومن ثم، فإن قالة إخلال النص المطعون فيه بحق التقاضي، بالمخالفة لنص المادة (97) من الدستور، تكون فاقدة لسندها، جديرة – أيضًا – بالرفض.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه لا يخالف أحكام المواد (2 و4 و10 و53 و64 و97) من الدستور القائم، كما لا يخالف أي حكم آخر فيه، فإنه يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق